في سورية: فقدان الأهل أو عجزهم يدفعان بآلاف الأطفال إلى الشوارع
وهذه شهادات من سورية تنقل مآسي أطفال اضطرتهم ظروف الحياة الصعبة للانتشار في الشوارع.
علي: بعد موت والدي وإصابة أمي أصبحت رجل المنزل ومُعيله
علي هو واحد من الأطفال البائسين، مغبر الوجه، رديء الملابس، خذلته طفولته ليجد نفسه رجل المنزل الوحيد لعائلة تتألف من أم وأختين.
يروي لنا ابن العاشرة قصته التي تحوي غصة وألماً: «نحن من عائلة فقيرة، فقدت والدي منذ كان عمري شهرين. و لدي أختان. أبي كان سائق شاحنة ضمن المحافظات، وفي أحد الأيام بينما كان متجها إلى دمشق إذا بسيارة مسرعة تصدم الشاحنة فتنقلب، وتوفي والدي على أثر ذلك الحادث.
أعمامي لم يسألوا عنا مطلقاً فقالوا لأمي أن ليس لديهم القدرة على المساعدة، مع العلم أن عمي الأول يملك سيارة ومحلاً يسترزق منهما، والثاني يملك ثلاثة منازل للإيجار. أنا أعيش مع أسرتي وأعود ليلاً إلى المنزل وعند كل صباح استيقظ وأعاود العمل في بيع العلكة أو أي شيء أستطيع أن أكسب رزقي منه.
والدتي كانت تعمل مستخدمة في أحد البيوت لكنها ذات يوم سقطت على كتفها من أعلى السلم الخشبي فانكسرت، ولم تستطع العمل من يومها، فقررت أن أعمل وأعيل عائلتي. وأنا لا أعمل تحت إدارة أحد، بل أشتري المسكة من تجار الجملة لكي أبيعها، وأمي هي من أعطتني رأس المال الذي بدأت به، والذي لا يتجاوز سعر علبتَي علكة».
غدير: من تبناني هو من أنزلني إلى الشارع
غدير فتى بلغ الخامسة عشرة، يقف عند إحدى إشارات المرور يمسح زجاج السيارات... قال: «ليس لدي والدان، لا أم ولا أب، بل تربيت في دار الأيتام، حتى جاء رجل وطلب أن يتبنانا أنا وطفلين آخرين. واتجهنا إلى منزلنا الجديد، ولم يمر على وجودنا سوى ثلاثة أيام حتى طلب منا ذلك الرجل النزول إلى الشارع، وكلف كلاً منا بمهمة، فأنا اغسل السيارات، والثاني يبيع المحارم، والثالث للاستعطاء وسؤال الناس. وقتها كان عمري 12 عاماً. نحن لم ندخل مدارس ولم نتلق أي تعليم بعد التبني، ولكن كان هناك طفل بعمرنا يعلمنا ما يتعلمه هو في المدرسة. وهذا العام تقدمت إلى الشهادة الإعدادية والحمد الله نجحت فيها ولكن لا يعلم بذلك احد سوى إخوتي بالتبني. ننام في المنزل حسب المردود المادي الذي نحصل عليه في النهار، ففي أحد الأيام تقاسمت الغلة مع جواد الذي يبيع المحارم كي يستطيع النوم في المنزل فكان الطقس ماطراً وبارداً وكان هناك ظلام دامس».
نور: بعدما فقد والدي بصره أصبحت أبيع البسكويت في الحدائق والشوارع
أما نور التي لا تعلم شيئاً عن جدل الشعر وربطة الفولار ولعبة فلة التي تشاهدها عبر التلفزيون أثناء تجولها لتسد رمقها ورمق أهلها فتقول وهي تبتسم ابتسامة الألم والحزن: «عمري 90 عاماً، بل أقصد 9 أعوام. الحياة علمتني أن أكون اكبر من سني فأنا نور وفعلاً نور عيني والدي كما يقول لي كل يوم، فوالدي ضرير».
تضيف: «كان عمري 7 سنوات عندما فقد أبي بصره، وكان يعمل لدى عائلة ميسورة الحال سائقاً. وفي أحد الأيام ذهب إلى منزل معلمه فوجد إبنه في عراك مع صبي فتدخل ليحل الموقف ولكن الصبي كان شرساً وضرب أبي بسكين على عينه ففقد البصر فيها، وبسبب عدم قدرتنا على العلاج تدهورت حالته، فاستغنى ذلك الرجل عن والدي، لأنه غير قادر على العمل، ولم يكن لنا من معيل غيره، فلم أجد حلاً إلا أن أبيع البسكويت في الحدائق العامة والشوارع».
عمر: هربت من زوج أمي وزوجة أبي إلى الشارع
وفي قصة عمر (9 سنوات): «أبي وأمي مطلقان منذ أن كان عمري 4 سنوات، بقيت مع والدتي حتى أصبح عمري 7 سنوات وبعد ذلك تزوجت أمي. أبي متزوج منذ أن طلق، لم يقبل زوج أمي بوجودي في المنزل، وكذلك زوجة أبي، أهرب من منزل أمي من قسوة زوجها لأواجه قسوة زوجة أبي، فلم أعد أدري إلى أين أذهب وأنام لأنني لم أعد أطيق العيش معهم. تعرفت على أولاد ينامون في الشارع فعلموني التدخين وأصبحت أشحذ من المارة... هذا مكان عملي ونومي».
قبل الأزمة وبعدها
رشا أسعد إحدى الشابات التي تصادف أولاد الشوارع في طريقها كل ليلة إلى منزلها. عن هذه الظاهرة قالت: «هذه الظاهرة كانت موجودة قبل الأزمة في سورية، لكنها ظهرت بشكل أكبر وأكبر بعد الازمة، فمنظر الأطفال في هذه السن الصغيرة مؤذ ومهين، وهم يفترشون الطرق ليبيعوا ويشحذوا، منهم من يجلسون بمفردهم، وآخرون مع عائلاتهم.
قبل الأحداث السورية كنا نسمي العائلات المتواجدة كجماعة في الشارع بالقرباط وهم يعيشون في الخيم، أما اليوم فنرى في الشارع عائلات عادية من المهجرين من مناطق إلى أخرى، يبسطون في الشوارع ويشحذون ويركضون وراء السيارات ليمسحوها.
هو منظر يقهر كل من يصادفه، فهؤلاء الأطفال مكانهم المدرسة والبيت وليس الشارع».
وكما قال الكاتب أحمد حسن الزيات:
فإذا كنتم تشفقون على نعيم عيشكم من رؤية البؤس، وتخشون على جمال حياتكم دمامة الفقر فاقتحموا على الفقر مكامنه في أكواخ الأيامى وأعشاش العجزة، ثم قيّدوه بالإحسان المنظّم في المدارس والصدقة الجارية في الملاجئ تجدوا بعد ذلك أن الدنيا جميلة في كل عين، والحياة بهيجة في كل قلب، وتشعروا أن روحاً عامة قد وصلت بين جميع الأرواح فأصبح الشعب كله متآلفاً متكاتفاً تتغذى خلياته بدم واحد وتتساير نياته إلى غاية واحدة...
رأي علم النفس
عن ظاهرة أطفال الشوارع وتأثيرها على المجتمع وعلى مستقبل الأولاد حدثتنا الخبيرة في الإرشاد النفسي لبنى السيد عبر هذا الحوار معها:
- هل وجود أطفال الشوارع في مجتمعنا يؤثر سلباً على أطفال في أعمارهم ويشجعهم على أن يكونوا مثلهم؟
هذا مرتبط بالبيئة التي ينتمي إليها الطفل. فالطفل الذي يعيش ضمن جو أسري متوسط وما فوق لا يتأثر، أما في حالة الأسر الفقيرة فهناك احتمال ان يتأثر الأطفال بهم، لأنهم سيغرونهم بالمدخول المادي.
- هل أطفال الشوارع ضحايا انعكاس لأسرهم والبيئة المحيطة بهم؟
أسلوب التربية وثقافة الأهل لهما دور طبعاً، فهؤلاء الأولاد هم ضحايا بيئاتهم، كونهم غير قادرين على اتخاذ القرار وهم حتماً خاضعون لسلطة الأهل.
- هل انخراطهم في جو جديد بعيداً عن الشارع يمكن أن يغيرهم؟
غالبا ما يتغيرون بتغيّر البيئة المحيطة بهم، وهذا يتوقف على المرحلة العمرية للطفل، بمعنى أن الطفل الأصغر قابل للتغير ومن السهولة وجوده في جو جديد، ويتعقَّد الأمر مع الأطفال الأكبر سناً.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024