في السعودية: أطفال الشوارع بائعون أو متسوّلون في بعض المدن الكبرى ووزارة الشؤون الاجتماعية تحذر وتصحّح أوضاعهم
انتشرت في الآونة الأخيرة في الجزء الغربي من السعودية وتحديداً في مدنها الثلاث الكبرى غرباً (مكة المكرمة، جدة، المدينة المنورة) أعداد من الأطفال البائعين أو المتسولين عند الإشارات المرورية والمحال التجارية. منهم من يمتهن التسول بطريقة غير مباشرة إذ يبيع المناشف، اللبان، والمياه الصحيّة، أو يعمل ماسحاً ومنظفاً لزجاج السيارات، أو يختصر الطرق بالتسول مباشرة، فيما تشير الظروف المحيطة بهؤلاء الأطفال إلى حرمانهم التعليم والصحة الوقائية.
وحذرت وزارة الشؤون الاجتماعية السعودية من عواقب تسول الأطفال بصفة عامة في الطرق، إذ وصفتها بـ«القنبلة الموقوتة» التي تجعل الأطفال عرضة للإجرام نتيجة لمكوثهم في الشوارع والأماكن العامة دون رعاية أو تربية، وذلك من أجل المال، مشيرة إلى أن صور التسول وأشكاله تزداد في مواسم الحج والعمرة وتنتشر أكثر في المناطق التي يرتادها الزائرون للأماكن المقدسة، إضافة إلى استغلال شهر رمضان لزيادة نشاطهم.
وقدّر الناطق الرسمي باسم وزارة الشؤون الاجتماعية خالد الثبيتي نسبة الأطفال السعوديين المتسولين في الشوارع الذين تم رصدهم أخيراً بنحو 10 في المئة، وذلك من إجمالي أطفال الشوارع غير السعوديين الذين تبلغ نسبتهم 90 في المئة، مشيراً إلى أن الوزارة تتولى أمور الأطفال السعوديين برعايتهم في دور الملاحظة والإيواء.
وأوضح الثبيتي أن مصطلح «أطفال الشوارع» ظهر أخيراً نسبة إلى الأطفال المتسولين الذين يجوبون الشوارع بحثاً عن المال عند إشارات المرور والأماكن العامة، مبيناً أن نسبة الأطفال السعوديين من الأطفال المتسولين في الشوارع هم من الأيتام أو مجهولي النسب.
رعاية وإيواء
وأشار الثبيتي إلى أن مهمات وزارة الشؤون الاجتماعية تتمثل في رعاية الأطفال السعوديين المتسولين، وذلك بإيوائهم في دور الملاحظة والرعاية لمن هم دون 18 عاماً، إضافة إلى تعاون الجمعيات الخيرية مع الوزارة في تقديم المساعدة لهم، لافتاً إلى أن نسبة الأطفال المتسولين غير السعوديين تعتبر الأكبر إذ بلغت نسبة 90 في المئة، وتتم إحالتهم على الجهات الأمنية التي تتولى شؤونهم. وقال: «تتعامل الوزارة مع حالات الأطفال السعوديين المتسولين بدراستها من كافة الجوانب، فيتم صرف مستحق الضمان لتلك العائلة إذا ثبتت حاجتها إلى المال، وذلك لكفايتهم شر التسول، وغالب تلك الحالات تكون من الأطفال الأيتام أو من مجهولي النسب، ولم يتم رصد حالة إجبار من عائلات سعودية لأبنائهم على التسول، إذ تعد تلك جريمة محرّمة يتم إحالتهم إلى الجهات الأمنية لمعاقبتهم». وأكد الثبيتي أن إدارة مكافحة التسول في وزارة الشؤون الاجتماعية تهدف إلى تحقيق أسس التوجيه والإصلاح السليمة للمتسولين السعوديين، إذ يوجَّه ذوو العاهات والعجزة إلى دور الرعاية الاجتماعية للاستفادة من خدماتها، ويحال المرضى إلى المستشفيات المتخصصة، حيث تقدم لهم الرعاية الصحية المناسبة دون مقابل. وأفاد بأن الوزارة تصرف مساعدات مادية للمحتاجين من الضمان الاجتماعي أو الجمعيات الخيرية، ويحال الصغار والأيتام الذين تنطبق عليهم لوائح دور التربية إلى دور الملاحظة والرعاية، والتي توفر لهم الإقامة المناسبة والتنشئة الاجتماعية السليمة، «أما المتسولون الأجانب الذين يشكلون نسبة عالية من المتسولين فإن مهمة متابعتهم وإنهاء إجراءات ترحيلهم تعنى بها الجهات الأمنية المختصة».
أطفال الشوارع يظهرون في المدن غير المنظمة والمزدحمة
من جهته، يرى خبير التنظيم وتطوير المنظمات في كلية الاقتصاد والإدارة في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتور عبدالله الخالدي أن ظاهرة أطفال الشوارع تبرز في المدينة غير المنظمة والمزدحمة، إذ تفرز شوارعها الضيقة مجموعة من المشكلات التي تصعب متابعتها ومراقبتها، وتصبح مرتعاً للممارسات الخاطئة وبيئة مناسبة لإفراز الجريمة وتكاثرها. وقال: «الأطفال الموجودون في الشوارع نمط من هذا الخلل الكبير الذي يعشّش في مدننا ويتسلل إلى شوارعنا دون رقابة أو معرفة لخلفياتهم وظروفهم. وأتعاطف مع هؤلاء فهم ضحايا المدينة والشوارع والأسر المفككة»، متمنياً إيجاد حلول إنسانية لهم. ورفض إدراج الباعة المتجولين السعوديين الذين يدفعون عربات الفاكهة والخضر والمستلزمات البيتية ضمن أطفال الشوارع، معتبراً أنهم أشخاص كادحون دفعتهم الظروف المعيشية إلى ذلك، موضحاً مدى حاجة هذه الفئة إلى التنظيم.
وأشار إلى أن الظاهرة تنتشر عادة في الدول اللاتينية وفي الدول الكبيرة والفقيرة كالهند، وهي ظاهرة عالمية كما تشير تقارير الأمم المتحدة، بيد أنها لا تنتشر في الدول الغنية بشكل كبير كأوروبا وأميركا، مضيفاً: «يفترض أن لا تنتشر في دول الخليج، نظراً لاقتصادها الجيد، وعدد سكانها القليل».
وقال إن المشكلة تكمن في كون أطفال الشوارع من الباعة والمتسولين ليسوا مواطنين سعوديين كالدول الأخرى التي يوجدون فيها بكثرة، إذ إن أكثرهم وافدون من دول فقيرة مجاورة، انتشروا ووصلوا بسبب ظروفهم السيئة، كما يتسللون ويتكاثرون دون أن تكون لهم هوية.
وانتقد ما سماه «القمع» لأطفال الشوارع دون حل مشكلاتهم، مرجحاً احتمالية أن تنتج من قمعهم جريمة منظمة بين الأطفال ويصبحوا بعد وقت قوة، مشدداً على ضرورة استشــعار المشكلة من الجهات المعنية، كونها جزءاً مهماً من الحل، وأن أطفال الشوارع مشكلة متأصلة تتضخم مع الوقت، تحتاج إلى حلول دولية ليست على نطاق المدينة فقط.
«جمعية الطفولة»: استغلال الأطفال في التسول متاجرة بالبشر
وصفت الجمعية السعودية لرعاية الطفولة على لسان رئيسها معتوق الشريف، تسول الأطفال واستغلالهم في عمليات البيع في الشوارع بأنه شكل من أشكال المتاجرة بالبشر بحسب قوانين حقوق الإنسان الدولية.
ودعا الشريف الجهات الحكومية إلى ضبطهم وإعادتهم إلى أسرهم، مضيفاً: «لا نعلم بأي طريقة وُجد الأطفال في الشارع، هل أتوا مغصوبين أو تم بيعهم، أو مسروقين». وأكد أن اتفاقية حقوق الطفل الدولية نصت على إعطاء حقوق الطفل كاملة من تعليم ورعاية صحية، ولم تستثن منها الجنسيات أو الإقامة الشرعية أو النظامية، كذلك لم تحدد انتماءه العقائدي.
وأضاف: «أشيد بجمعية البر التي هيأت داراً لإيواء الأطفال والاعتناء بهم، إذ إن هؤلاء الأطفال من أسر فقيرة، ولم يحظوا بالتعليم فهم أقرب لشريحة المتاجرة».
وبيّن أن المتاجرة بالأطفال قد تكون من طرف ذويهم، بسبب الظروف الاقتصادية السيئة، أو من جانب عصابات تتاجر بهم بالتعاون مع أهاليهم وتقديم المعونات المالية لهم، لافتاً إلى قصة قديمة لثلاثة أطفال قدموا من إفريقيا عن طريق عصابة في بلدانهم.
وأوضح الشريف أن بعض السفارات والوجهات الدبلوماسية لا تباشر حالات الأطفال الذين ينتمون إلى بلدانهم، مؤكداً أنه لا يوجد تحرك دبلوماسي من القنصليات أو السفارات لحل هذه المشكلة سريعاً، مشيراً إلى أن تأشيرات الحج والعمرة ساعدت على زيادة الأطفال وإقامتهم بطرق غير نظامية.
وشدد على ضرورة تفعيل لجنة المتاجرة بالأشخاص التي تتولى إدارتها هيئة حقوق الإنسان.
«العلك» طريقهم إلى الشقاء و«الثراء»!
إذا كانت الإعلانات التلفزيونية ترسخ في الذهنية أن «العلك» أفضل وسيلة لطرد الملل ومنح الحيوية، فأطفال الشوارع يرونه «علكاً مسموماً» يمنحهم الشقاء والتعب والإرهاق تحت ألسنة الشمس الحارقة، وإن كان حظ أحدهم سعيداً فقد يتحول إلى العمل ليلاً لكن رطوبة المدينة المطلة على البحر الأحمر لن ترحمه أيضاً.
«ولا مكان للألعاب الإلكترونية ولا أماكن للترفيه»، هذه هي الأمنيات التي يتحدث بها أطفال الشوارع، الذين أكدوا أنهم يتحملون مسؤوليات كبيرة وجسيمة، بيد أن الكثير من المراقبين يرجحون احتمال استغلال الأطفال من جانب عصابات التسول المنظمة والجريمة.
في الطرق حيث السيارات والحرارة المنبثقة من السماء والأرض، يتجول محمد ذو ال10 أعوام يمني الجنسية، يقيم بطريقة غير نظامية، ويبيع المناشف تارة ويتسول تارة أخرى، غامض في إبداء تفاصيل حياته ووضعه الأسري والاجتماعي مكتفياً بالقول «أمي مريضة ولا يوجد عائل يعولنا». تحدث بحذر شديد، قائلاً: «قدمت من اليمن عن طريق التهريب مع مهرب بعد أن دفعنا له أنا ووالدتي 1500 ريال، إذ باعت والدتي كل ما تملك لنقيم في السعودية، ونعمل لكسب المال الحلال». وبترقب شديد وعينين لا تهدآن من تفحص المارة والسيارات، أوضح محمد أن والدته كانت تعمل على بيع البهارات والخلطات الشعبية، إلا أن المرض حاصرها ولم تعد تقوى على الوقوف، لافتاً إلى أنهم يعيشون في منزل شعبي صغير مكون من غرفتين ودورة مياه، استأجره لهم فاعل خير. ويبدو أن قصص الأطفال الباعة والمتسولين متشابهة إلى حد كبير فالطفلة فاطمة «بائعة العلك» التي لا تتعدى الثمانية أعوام، لا تختلف قصتها عن قصة محمد إلا أنها تزيد بوجود ثلاثة من إخوانها الأطفال يبيعون السلعة نفسها. وكونها الأخت الكبرى لهم، فإنها ترعاهم وتوجههم بطريقة قيادية.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024