ملايين الأطفال في شوارع المدن المصرية
هناك اختلاف حول تعريف أطفال الشوارع، وقد قسمت منظمة اليونسيف أطفال الشوارع إلى ثلاث فئات:
قاطنون في الشارع: وهم الأطفال الذين يعيشون في الشارع بصفة عامة في مبان مهجورة أو حدائق عامة أو على قارعة طريق، و ليس لهم أسر أصلية.
عاملون في الشارع: هم أطفال يمضون ساعات طويلة يومياً في الشارع في أعمال مختلفة تندرج غالباً تحت البيع المتجول والتسول، وأغلبهم يعودون لتمضية الليل مع أسرهم وبعض الأحيان يمضون ليلهم في الشارع.
أسر الشوارع: أطفال يعيشون مع أسرهم الأصلية في الشارع.
وتبعاً لهذا التعريف قدّرت الأمم المتحدة عدد أطفال الشوارع في العالم بـ 150 مليون طفل.
ومهما اختلفت تعريفات مصطلح «أطفال الشوارع» فإن الجميع يتفقون على خطورة وجود الطفل في الشارع سواء كان عابراً أو مُقيماً. فهذا الأمر لا يهدّد مستقبل الطفل نفسه بل يهدّد أيضاً مستقبل المجتمع الذي تسود فيه هذه الظاهرة، فحياة الشارع هي في غالب الأحيان مدخل الى الشذوذ والانحراف اللذين يؤديان الى مشاكل اجتماعية خطيرة.
في هذا التحقيق نستعرض واقع أطفال الشوارع في عدد من البلدان العربية ونبدأ من مصر.
نحو ثلاثة ملايين طفل مصري يفترشون الشوارع ليل نهار، يتخذون من أسفل الكباري مأوى ليلياً، وينتشرون صباحًا عند إشارات المرور يبيعون المناديل الورقية، ومنهم من يتخذ ضفاف النيل مكاناً للعمل يبيعون هناك الورود للعشاق، على أمل الحصول على بضعة جنيهات تسد جوعهم. هذا حال أطفال الشوارع في مصر، ضحايا ظروفهم القاسية، الذين يعتبرهم البعض جناة. «لها» اقتربت من هؤلاء الأطفال لتعكس معاناتهم وحقهم في الحياة.
في الشارع يسرق ويتسوّل ويتاجر بالمخدرات
أمام ضريح السيدة زينب في القاهرة يقف سعد ابن الـ15 عاماً ليتسول، لا يبالي بعجرفة المارة، وينتظر أن يرق قلب أحدهم بجنيه، لا يحفظ الطفل سوى جملة واحدة يرددها لكل من تقع عيناه عليه ويتتبعه لبعض الخطوات، قائلاً: « أعطني جنيهاً آكل، لم أتذوق الطعام منذ أمس، جنيهاً واحدًا فقط .. والله جوعان».
اقتربنا من سعد وسألناه: «هل جنيه واحد يكفيك لتأكل؟» فأجاب: «ماذا أفعل جوعان وأهلي لا يسألون عني».
ورغم أن أطفال الشوارع غالباً ما يرفضون الاختلاط بالغرباء، وافق سعد على سرد قصته لنا، معللاً موافقته بأنه لا يجد من يسمعه أو يهتم به في هذه الدنيا، فأخذ يحكي قائلاً: «بداية طريقي إلى الشارع كانت بهروبي من المدرسة، في الصف الأول والثاني الابتدائي، فكان لديَّ أصحاب يكرهون المدرسة، وكنت أذهب معهم ووجدت الأمر خارجها ممتعاً، كنا نلعب كرة في محيط المدرسة أو نتوجه إلى أي مكان آخر وأحيانا كنا نتسول عند إشارات المرور».
ويتابع: «بعد عامين من ذلك السيناريو علم أبي بعدم ذهابي إلى المدرسة، وأخذ يسيء معاملتي، حاول كثيرًا أن يجعلني أعمل «صبي ميكانيكي»، ولكن الميكانيكي كان قاسي القلب يضربني بأدوات العمل إذا نادى ولم أسمعه أو إذا تأخرت عليه. حينها لم أكن حتى أستطيع اللعب مع الأطفال، فكرهت العمل أيضاً وهربت من المنزل وعمري عشر سنوات، وأخذت من الشارع مأوى أبحث فيه عن حياة أحبها بعيدًا عن قيد أبي وصاحب العمل».
قانون الشارع
واجه سعد كل أخطار حياة الشارع مثل البلطجة والإتاوة، ويحكي: «كثيراً ما سمعت عن «بلية المغزوز»، وهو بلطجي كبير في مثل شهرة وجبروت التوربيني، يوفر الحماية لأطفال الشوارع ويطلقهم يتسولون أو يعملون ويستولي هو في نهاية اليوم على ما يحصّلونه، وكنت أشتاق إلى رؤيته بسبب سماعي الكثير عن حكاياته الجبارة، وذات ليلة كنت نائماً أمام ضريح السيدة زينب واستيقظت مفزوعا من الضرب المبرح الموجه لي، وإذا ببلية المغزوز يحاول إيقاظي وضمي إلى إمبراطوريته من أطفال الشوارع، فما كان مني إلا الفرار منه مسرعاً وبعدت عن المنطقة بأكملها لمدة كبيرة».
يؤكد سعد أن قانون الشارع هو نفسه قانون الغابة «البقاء للأقوى»، ويقول: «حاولت أن أكون من الأقوياء فتعاطيت المخدرات وسرقت وتسولت كي أوفر ثمنها، وتاجرت في الحبوب المخدرة حيث عملت فترة مع تاجر».
على الرغم من تلك الحياة البائسة التي عاشها سعد، إلا أنه يتطلع إلى حياة نظيفة وسوية، ويقول: «أتمنى أن أكون سعيداً ومستقراً في حياتي، وهذا في حسباني لن يتحقق إلا إذا توفر مشروعي الخاص، أحلم أن أمتلك سيارة أجرة وأعمل عليها سائقاً وأوفّر قوت يومي بعمل صالح وأتزوج وأنجب أطفالاً أسوياء لن أعاملهم بقسوة أبي».
شقيقان يحلمان بمستقبل أفضل
ركلة قدم قوية أوقعت الصغير على الأرض فجلس يبكي متقطع الأنفاس ممسكاً ساقه بيده، ملقياً جسده النحيل على الأرض مطأطئ الرأس، يتخطاه المارة وكأنه حجر ملقى على الأرض، التف حوله ستة صبية في مثل عمره تقريباً جميعهم يمسكون السجائر في أيديهم، وعندما اقتربت منه حاولوا منعي من مساعدته مادياً، وقالوا: «إذا أعطيته نقوداً سينفقها على المخدرات، الأفضل أن تشتري له طعاماً إذا أردت مساعدته».
خالد طفل الشارع وابن الثمانية أعوام من الشقاء. أقمته من على الأرض وابتعدت به عن رفاقه ليحكي لي مشكلته، لكن صالح صديقه أبى أن يتركه وحيداً، مؤكداً أنهما شقيقان. وبعد أن صالحتهما بعلبتين من الحلوى، أخذ يسرد كل منهما حكايته في الحياة، فقال خالد إنه اتخذ من الشارع مسكناً بعدما طلق أبوه أمه، فوجد الشارع أحن عليه من أبيه الذي يساعده في عمله، بالملك الصالح كبائع ترمس، خاصةً أنه لا يبالي بمبيته خارج المنزل.
خالد لديه خمسة أشقاء أصغرهم بنت عمرها عامان، إلا أن أقربهم إلى قلبه صالح أخوه في الشارع، الذي شهد معه أحداث العنف في شارع محمد محمود عام 2012، وحمله عندما التهمت النيران يده اليمنى عندما حاول إشعال السلك مع الثوار، فكان مصيرهما في النهاية الاحتجاز يوماً كاملاً في وزارة الداخلية، التي ألقت القبض عليهما عشوائياً بحسب حديثهما، ثم تم الإفراج عنهما في اليوم التالي.
قال صالح: «أنا هنا في ميدان التحرير منذ عام تقريباً، بعدما توفي أبي وأمي في حادث سيارة حينما كانا متجهين إلى فرح أحد أقاربنا، أما أختي فهي مريضة في مستشفى القطامية في انتظار إجراء جراحة كبيرة»، واصفاً خالد بأخيه الذي لم تنجبه أمه، لأنهما إخوة في الشارع يدافع عن خالد لصغر سنه ويحاول منع أولاد الشارع الآخرين من سرقة نقوده، وفي المقابل يؤويه خالد أحياناً في منزله.
بنات الشوارع يُنجبن أطفالاً لآباء مجهولين
ميرفت أمٌّ في بداية العشرينات من عمرها، هجرت منزل أسرتها منذ كان عمرها 15 عامًا، وقالت: «كنا نعيش 11 فرداً في غرفة واحدة، لا نجد مكاناً ننام فيه، ولأنني الابنة الكبرى فكنت أعمل وأبي يستولي على راتبي لينفقه على إخوتي وسجائره، فاض بي الكيل من سوء معاملته وقلة حيلة أمي، فتوجهت إلى الشارع أعمل في المصنع صباحاً وأقضي ليلي في الشارع».
تصف ميرفت حياة بنات الشوارع بالجحيم، مؤكدةً أنها حياة سبايا لا أحرار، وتحكي: «الفتاة في الشارع مطمع لكل رجل يمر من أمامها ليلاً، سواء كان يعيش في الشارع مثلها أو بائعاً متجولاً، وكثير من فتيات الشوارع ينجبن أطفالاً لا يستطعن الجزم بآبائهم بسبب العلاقات الخاطئة المتكررة كل ليلة، ولأني لم أستطع الاتجار بجسدي حتى أظل في الشارع، تزوجت من بائع متجول بعد مكوثي في الشارع لمدة شهرين واستأجر لنا غرفة». وتتابع: «لم يكن زوجي أفضل حالاً من أبي، فكان بدوره يجبرني على العمل وإعطائه راتبي ثم طلقني بعد عامين من الزواج، وعدت إلى الشارع مرة أخرى بعد الطلاق، لكن بصحبة طفليَّ، جلست في أحد الميادين وأقمت «نصبة شاي»، وكي لا يتعرض لي أحد طلبت الحماية من البلطجي الكبير الموجود بالمنطقة وأدفع له مبلغاً شهرياً مقابل استئجاري جزءاً من أرض الميدان، ومبلغاً آخر مقابل حمايته لي ولأولادي حتى لا يتعرض لنا أحد».
تصمت ميرفت برهة من الوقت وتقول: «أعلم أنني أنجبت طفلين من أطفال الشوارع يتسولان أحياناً في الميدان كي يأكلا، فدخلي يكفي بالكاد الإتاوة ودفع إيجار وجودنا في الشارع، لكنني لم أجد مكاناً أفضل ولا حياة أفضل من ذلك، فأنا لست سعيدة باستحمام أولادي في نافورة الميدان ولا استعمالي لمرحاض المسجد والنوم على الأرصفة». تتلخص أحلام ميرفت في شقة تضم أولادها ومعاش مطلقات حكومي تنفق منه على أسرتها الصغيرة.
ضحية استغلال عصابة متاجرة بالأعضاء البشرية
استغلال أطفال الشوارع في مصر لم يكن جنسياً أو مادياً فقط، بل وصل إلى استغلال بشري وتجارة أعضاء، جابر أحد تلك النماذج اعتاد التبرع بدمه يومياً حتى يحصل على 10 جنيهات أو خمسة يأكل بها طوال اليوم.
ويحكي قصته قائلاً: «حزنت بشدة بعد إلقاء القبض على عصابة تجارة الأعضاء والدم، لأنني فقدت مصدراً مهماً للنقود التي كنت آكل بها».
ويضيف: «كان رجل يقف أمام ضريح السيدة زينب (مكان تمركز أطفال الشوارع)، يعرض علينا أن نتبرع بالدم بمقابل عشرة جنيهات، وعندما نذهب إلى مقر التبرع يخفضون سعر كيس الدم إلى سبعة جنيهات فقط، وبعد حصولهم على كيس الدم لا يدفعون سوى خمسة جنيهات وعلبة عصير، كنت أعلم أن ثمن كيس الدم يبيعونه بمئات الجنيهات وبـ1000 جنيه أحياناً، لكني كنت مجبراً على تحمّل سوء معاملة العصابة من إهانة وضرب بالعصا على أدمغتنا، من أجل النقود وإلا قضيت جوعاً».
ويتابع: «تبرعت بدمي حوالي 20 مرة فقط، كنت أذهب إليهم يوماً بعد يوم، فرغم أنني أعمل إلا أن أبي كان يأخذ راتبي من صاحب العمل بانتظام، ولا يترك لي سوى جنيهين لا يكفيانني للأكل ولا يهتم بوجودي في المنزل، المهم أنه يحصل على النقود. وبناء عليه كنت أحصل على الخمسة جنيهات مقابل تبرعي بالدم، آكل بها وأشرب علبة العصير الذي لم أستطع شراءه بسبب الفقر واستغلال أبي.
يؤكد جابر أنه ليس الوحيد الحزين على إلقاء القبض على العصابة، بل جميع أطفال الشوارع الذين كانوا يتبرعون بدمائهم.
بلطجي يعرض على ضحاياه ممارسة الشذوذ
أحمد أيضاً وقع فريسة لعصابات التبرع بالدم، ويقول: «كنت أتبرع يومياً بالدم حتى أصبت بمرض الأنيميا، فتراجعت عن التبرع شيئاً فشيئاً، لكن هناك عصابة جديدة تحاول إقناعي من جديد، والغريب أنهم عرضوا عليَّ كيس الدم مقابل 150 جنيهاً، وعندما رفضت زاد السعر إلى 500 جنيه، لكنني مصر على الرفض، لأنني أشك أنهم يستدرجونني ليأخذوا أحد أعضائي مثلما حدث مع أصدقاء لي في الشارع، كانت العصابات تستدرجهم وتطمعهم في النقود ثم يستولون على أعضائهم ويطردونهم من المستشفى قبل أن يتموا الشفاء، فنقف بجوارهم نسرق أو نتسول حتى نشتري لهم العلاج».
أحمد يكنُّ للمجتمع عداءً ويقول: «كيف أقبل مجتمعاً ينبذني، صحيح أنا الآن كبرت وعمري 18 عاماً، وأعمل تارة نجاراً وأخرى مطرباً في أفراح شعبية. إلا أنني مازلت أتذكر الأطباء والعاملين في الصيدليات عندما كنت أدخل عليهم لأطلب دواء برد في الشتاء القارس فكانوا يطردونني». ويؤكد أن الأخطار التي يواجهها أطفال الشوارع لا تتوقف عند أبواب القبض العشوائي وسوء المعاملة داخل أقسام الشرطة فقط، ويقول: «الأخطار قد تصل إلى الإصابة بالإيدز، فالشذوذ بين الذكور أصبح أكثر انتشارًا، وآخر عرض تلقيته من بلطجي يعمل تحت أيديه مئات أطفال الشوارع، قال إنه سيوفر لي فرصة التعرّف إلى رجل ثري يمنحني مئات الجنيهات».
من الصعيد إلى شوارع العاصمة
إبراهيم، طفل الشارع الذي تحول إلى رجل شارع كبير، لم يتغير حاله إلا زيادة عمره، أما ظروفه فما زالت تحت خط الفقر ومازال هارباً من أبيه القاسي.
يحكي قصته قائلاً: «هربت من المنزل عندما كان عمري 15 عاماً، وجئت من صعيد مصر إلى القاهرة تاركاً تحكمات أبي الذي لم يعط نفسه فرصة ليفهمني، فهو كان يجبرني على الاستمرار في المدرسة وأنا كنت أكرهها، فكلما شاهدت الأحداث السياسية في نشرة الأخبار وكيف دخلت أميركا العراق، كنت أكره التعليم وأكره أن يكون لي مكان في هذا المجتمع، طالبت أبي تكراراً بالعمل معه في محل البقالة الذي يملكه، لكنه كان يرفض ويقول لي العمل في الإجازة المدرسية فقط، فاغتنمت فرصة أنه أعطاني 100 جنيه لأشتري بضاعة وهربت بها وركبت سيارة متوجهة إلى القاهرة، وساقتني أقدامي إلى ضريح السيدة زينب».
ويتابع: «بعد إنفاق النقود التي كانت معي بدأ أصدقائي في الشارع يعلمونني التسول، لكنها كانت تجربة مريرة، لأنني لم أعتد ذلك حتى دلني أحدهم على مأوى لأطفال الشوارع نذهب إليه صباحاً نستحم ونلبس ملابس نظيفة ونأكل ثم ننصرف في المساء لننام في الشارع من جديد، ولكن بمجرد بلوغي 18 عاماً لم يعد لي مكان في المأوى، فقررت العمل وحاولت في مهن عديدة حتى عملت في محل حلواني شرقي في محافظة البحر الأحمر بأحد الفنادق الكبيرة مع أخي وخالي، إلا أن أبي بمجرد علمه طالبني بتسليم نفسي للتجنيد، حينها كانت الثورة مشتعلة والجنود يموتون في الاشتباكات، فرفضت وظل أبي يضغط عليَّ حتى عدت إلى الشارع من جديد».
ويضيف: «الآن أنا بلا عمل وبلا مسكن، عنواني الشارع، لكن عندما أعمل أستأجر غرفة تؤويني، ولا أحلم سوى بسكن وأن أتفرغ للكتابة القصصية، فأنا أرى نفسي مستقبلاً مؤلفاً شهيراً».
الدكتور أحمد عبدالله: المجتمع يتنصل من حل الأزمة
أولى المشاكل المتصدرة لظاهرة أطفال الشوارع، هي عدم وجود أرقام دقيقة ورسمية بأعدادهم، من أجل تحديد خطورة الظاهرة، ففيما أعلن المجلس القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن أعداد أطفال الشوارع نحو مليونَي طفل، قدرها المجلس القومي بعشرات الآلاف، أما منظمة اليونيسيف فتقدر أعدادهم بثلاثة ملايين طفل، بينما يقول بعض الحقوقيين إن عدد الأطفال يزيد على الثلاثة ملايين.
ويرى أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق الدكتور أحمد عبدالله أن العائق الأكبر في حل مشكلة أطفال الشوارع هو التنصل المجتمعي.
ويقول: «أطفال الشوارع أنواع، منهم من هرب من أهله، ومنهم من فقد أهله في حادث وبات مأواه الشارع، ومنهم من تسرّب من التعليم، بعدما تحولت المدارس إلى حظائر مواشي، فأصبح بقاء الأطفال فيها صعباً والأهالي الفقراء يضغطون على أولادهم ويعنفونهم من أجل التعليم، معتقدين أنه طوق النجاة الوحيد من الفقر، فيهرب الأطفال من أسرهم إلى الشارع».
يضيف: «لكي نحل مشكلة أطفال الشوارع علينا تحديد من المسؤول عن الشارع، هل الأمن أم الدولة أم المواطنون؟ والإجابة أن الدولة والأمن غير مسيطرين على الشارع، والمجتمع يعتبر الشارع ملكية خاصة بعد ثورة 25 يناير والاعتصام في الشوارع، وبالتالي تقع مسؤولية أطفال الشوارع على عاتق الشعب أجمع، وهذا ما ظهر أيام اعتصام ثورة 25 يناير قبل تنحي مبارك، فأطفال الشوارع الموجودون في ميدان التحرير اقتربوا أكثر من الأسر التي شعرت بمسؤولية تجاههم وأخذوا مسؤوليتهم في الرعاية والتكافل. وبينما كانت التجربة قابلة إلى التعميم والانتشار تم إدراج أطفال الشوارع في الأحداث السياسية وإلقاء القبض عليهم عشوائياً من جهة، ومن جهة أخرى أخذت الدولة تشكك في المجتمع المدني وتحجيم دوره بادعاء التمويل الأجنبي، فضاعت قضية أطفال الشوارع من جديد».
ويوضح أستاذ الطب النفسي أن التركيبة النفسية لأطفال الشوارع تختلف من طفل لآخر حسب ظروفه وحسب البيئة التي خرج منها، لكنهم يشتركون في بعض السمات، ويشعرون جميعاً بأنهم منبوذون من المجتمع، وأن الآخرين ينظرون إليهم كفضلات، مما يزيد شعورهم بالازدراء والتهميش، كما يشتركون في صفات العند والعنف والشغب والغضب السريع.
الدكتورة عزة كريم: 62 في المئة من أطفال الشوارع يرفضون العودة إلى أهاليهم
من ناحيتها، تؤكد الدكتورة عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن أطفال الشوارع هم ضحايا العنف الأسري بكل أشكاله، سواء كان مادياً أو نفسياً، فزواج القاصرات أحد أشكال العنف الأسري وأحد أسباب زيادة الظاهرة، إذ يؤدي إلى زيادة أعداد المطلقات وما يترتب عليها من وجود أطفال مشردين يتخذون من الشارع مسكناً.
وتوضح أن دراستها الأخيرة عن أطفال الشوارع كانت بعنوان «الاتجار بأطفال الشوارع الأنماط والعوامل الفاعلة»، وأظهرت نتائجها أن 40 في المئة من أطفال الشوارع يهربون من قسوة الأب، و27 في المئة منهم يهربون بسبب سوء معاملة زوجة الأب بعد طلاق الأم أو موتها، فضلاً عن أن 62 في المئة منهم يرغبون البقاء في الشارع ويرفضون العودة إلى أهاليهم هروباً من العنف الأسري والضغوط الاجتماعية التي تقابلهم.
وتتابع: «يسيطر على جمهورية الشارع بلطجي يستغل الأطفال في تجارة المخدرات والسرقة مقابل توفير الحماية لهم ومأوى للنوم في جمهورية شارعه، وعلى صعيد الأمن فمعاناة أطفال الشوارع مستمرة مع الشرطة من قبل ثورة 25 يناير حتى الآن، فما زالوا يعانون سوء المعاملة في أقسام الشرطة من ضرب وإهانة واحتجاز مع مجرمين كبار، مما يجعل مكان الاحتجاز مفرخة لمجرمين جدد، أما عن الاستغلال والانتهاك الجنسي فحدث ولا حرج».
وترى كريم أن حل مشكلة أطفال الشوارع يكمن في «التصددي للأسباب المؤدية إليها من جذورها، كإصلاح منظومة التعليم، حتى تستوعب الطفل ونشاطاته ومهاراته فلا ينفر منها هارباً إلى الشارع، وتثقيف الأسر الفقيرة وتقديم الدعم المادي لها إن لزم الأمر. أما بالنسبة إلى الأطفال الموجودين حالياً في الشارع فمن الممكن أن ننشئ مشروعاً قومياً مثل قرية كبيرة تؤويهم، فيها مشرفون نفسيون واجتماعيون، ولا مانع من تعليمهم حرفاً مفيدة ليعملوا فيها بعد مغادرة القرية».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024