فتيات يتحدين المجتمع برياضة الـ«دربي»! Cairollers أول فريق مصري لرياضة الـ«دربي» شعاره «لا للتمييز»
تحدين نظرة المجتمع واعتراض الأصدقاء والأهل، وقررن ممارسة رياضة جديدة اقتنعن بها وتعلمن منها الثقة بالنفس والقدرة على التحمل وعدم الاستسلام للهزيمة. فتيات فريق Cairollers شكلّن أول فريق نسائي لرياضة الدربي «التزحلق» في مصر. ما هي حكايتهن؟ وكيف واجهن الصعوبات في طريق ممارستهن لتلك الرياضة؟ وما هي رسالتهن إلى المجتمع؟
بدأت رياضة الـ«دربي»، إحدى الرياضات النسائية المعتمدة على التزحلق، في مصر قبل عامين على أيدي فتاتين إحداهما إنكليزية وأخرى أميركية كوّنتا أول فريق نسائي في مصر.
ويتكون فريق الـ«دربي» من خمس فتيات، أربع هجوم ودفاع وواحدة فقط هي هدافة الفريق، وكلما استطاعت اجتياز واحدة من مهاجمات الفريق الآخر حسبت لفريقها نقطة، وتساعدها بنات فريقها في العبور عن طريق التصدي للأخريات... الضرب مسموح في اللعبة، لكن له قواعد لا يجوز الخروج عنها، أما الحكم فغالباً ما يكون رجلاً.
مؤسسات الفريق
نرمين مدربة فريق «Cairollers» تحكي عن تجربة انضمامها إلى الفريق قائلةً: «بدأت لعبة الـ«دربي» من عام ونصف العام تقريباً، وهي موجودة في مصر منذ عامين، أنشأتها فتاتان واحدة إنكليزية اسمها آندي والأخرى أميركية اسمها تشنيكا، كانتا تمارسان اللعبة في بلديهما، وعندما جمعهما العمل في مصر قررتا تكوين فريق لممارسة لعبتهما المفضلة. وأنا ونوال من أول أعضاء الفريق، كنت ألعب في طفولتي باليه تزحلق «باتيناج»، لذا أسرتني اللعبة عندما علمت بها وقررت ممارستها على الفور».
وتضيف: «مع مغادرة مؤسستي الفريق مصر، تولينا أنا وزميلتي نوال مسؤوليته، في البداية واجهتنا تعثرات مادية، فالزي الرياضي للعبة الدربي ثمنه غالٍ جداً يصل إلى آلاف الجنيهات، ومن الصعب أن تشتريه كل فتاة، وفي نفس الوقت ارتداء الزي كاملاً ضروري لسلامة الفتاة الشخصية، لكننا تغلبنا على هذه العقبة بالتواصل مع جميع لاعبات الدربي حول العالم عن طريق « فيسبوك»، وشرحنا المشكلة فأرسلن إلينا العديد من الملابس هن في غنى عنها. بعدها حاولنا دعوة الفتيات المصريات إلى اللعبة والتعريف بها، خاصةً أن الكثير من أعضاء الفريق في البداية كن أجنبيات وبرحيلهن قل العدد».
صعوبات أخرى تواجه الفريق في مصر وتحاول أعضاؤه التغلب عليها، وتقول نرمين: «رياضتنا قائمة على الاعتماد الذاتي، فلا يوجد نادٍ مصري يعترف بها، وبالتالي نستأجر الصالات الرياضية من أجل التمرين». تعتبر نرمين إصرار الفتيات على رياضة الـ«دربي» أحد أشكال التمرد على المجتمع، وتقول: «بالطبع المجتمع المصري ما زال يرفض لعب الفتيات للرياضة، سواء كانت تزحلقاً أو كرة قدم، وغالباً ما توصم الفتاة بأنها شبه الرجال، لكن الفتيات أصبحن أكثر تمرداً على الوضع الحالي ونظرات المجتمع السلبية، فقد ازدادت نسبة اشتراك النساء في رياضات الدفاع عن النفس كإحدى وسائل مواجهة التحرش والتمرد على تلك الظاهرة، هذا على سبيل المثال لا حصر».
وتتابع: «كما أن الأهالي أصبحوا أكثر وعياً، ومنهم من يشجعون بناتهم على لعبة الـ«دربي»، خاصةً أنها تعكس المزيد من الثقة بالنفس لدى الفتاة». تؤكد نرمين أن هدفها زيادة أعداد لاعبات الـ«دربي» في مصر، حتى تكوِّن العديد من الفرق وتقيم مباريات بينهن، ثم الانتقال إلى المشاركة العالمية ولو ودياً، وتقول: «أنا ونوال نكرّس حياتنا للفريق، كل حياتنا تدور حول تمرين اللاعبات والبحث عن أماكن للتمرين».
مفاجأة سعيدة
فقط عن طريق الصدفة رأت نوال، مدربة فريق cairollers، صورة صديقتها ترتدي ملابس التزحلق على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، فأعجبت بالفكرة وسألتها باحثة عن تلك الرياضة، فعرفتها صديقتها على رياضة الـ«دربي»، وانضمت نوال إلى الفريق حتى أصبحت مدربته بعد عامين من التمرين المنتظم، وبعد مغادرة مدرباته ولاعباته الأجنبيات لمصر. وتتابع: «أحب رياضة التزحلق، لكنني لم أكن أعلم أنه يمكن لمن فوق العشرين لعبها، وأن هناك فريقاً يسمح بذلك، فكانت صديقتي مفاجأة سعيدة لي، وانضممت سريعاً إلى الفريق، وقتها كان عدده سبعاً فقط ولا يوجد به مصريات إلا أنا وفتاتين، والبقية أجنبيات من الأرجنتين وكندا ولندن وأميركا».
تؤكد نوال أن اندماجها كان سهلاً في الفريق، لأن أعضاءه وخاصة الأجنبيات كنَّ يعملن بروح الجماعة والصداقة، فكنَّ حريصات على تقضية وقت ترفيهي معاً بعيداً عن وقت التمرين، كنَّ يحرصن على اصطحابها إلى النادي، وتقول: «تلك الروح التي عشتها معهن أحاول غرسها حالياً في عضوات الفريق الجدد، فنخرج نتزحلق على الجليد لمزيد من الترفيه ونتناول الغداء معاً، ونحرص على الاجتماع بشكل فيه صداقة، فأنا مؤمنة أن روح الجماعة هي السبب الرئيسي للنجاح».
تبعث نوال رسالة إلى المجتمع بوصفها أول مدربة «دربي» مصرية قائلةً: «الفتاة المصرية هزمت المستحيل وتتمرد على النظرة الاجتماعية السلبية للمرأة بوصفها أنثى فقط، لا أحد كان يتخيل يوماً أن فتيات مصريات يلعبن التزحلق في أماكن مفتوحة ويمارسن رياضة بها شيء من العنف ولا يخشين مواجهة المجتمع، فبسبب أننا لا نجد مكاناً ثابتاً للتمرين، أحياناً كنا نتمرن في أماكن مفتوحة ويشاهدنا المارة في الشارع ويقفون ليتفرجوا، ومنهم من يشجعنا ويتفاعل معنا».
ترى نوال أن اللعبة تجرد لاعباتها من أي عنصرية تذكر، فهي لا تشترط وزناً معيناً ولا تفرق بين البدينة والنحيفة، ولا تفرق بين الجنسيات، فتقبل النساء من مختلف الطبقات الاجتماعية ومختلف الأديان، وهذا أمر مهم تتعلمه اللاعبات ويعلمنه لأولادهن في ما بعد، ألا وهو «تعاملي مع الإنسانية وتخلي عن العنصرية فجميعنا بشر».
دعوة «فيسبوك»
رحمة دياب، باحثة مساعدة في مركز أبحاث في الجامعة الأميركية، اشتركت بالفريق في العام التالي على إنشائه، أي في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، وتقول: «وجدت على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» دعوة لحضور يوم مفتوح للفريق لاختيار أعضاء جدد، ولم أكن قد سمعت من قبل عن لعبة الدربي، لكني ذهبت من أجل تجربة «الباتيناج»، ومن هنا أعجبت باللعبة واشتركت بالفريق».
وتكمل: «لم أمارس رياضة من قبل، وكان ذلك حافزاً لي، خاصةً أنني كنت أتمنى لعب الرياضة منذ الصغر، لكن ظروف عمل أبي بدول الخليج وتنقلنا المستمر معه لم يتح لي الفرصة للاشتراك في لعبة منظمة، لكن عندما وجدت cairollers يقدمن دعوة اليوم المفتوح قررت الاشتراك، خاصةً أن اللعبة بلا شروط تذكر ووجدت الموضوع جميلاً، والصعوبات في البداية أنني جربت أن أحافظ على توازني وفشلت كثيراً، لأسقط على الأرض مراراً وتكراراً، لكننا نرتدي الزي الرياضي الخاص بها، وهو يحقق لنا نسبة كبيرة من الحماية». وتضيف: «أرى أن المشكلة الكبرى التي تواجهنا هي أن نجد أرضاً نلعب عليها، وهذا يؤثر أحياناً على جودة أدائي، لأننا لم نجد في فترة إلا ملعباً خاصاً بمدرسة دولية في منطقة التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، فخلال فترة معيّنة لم نجد إلا ملعباً خاصاً في منطقة تبعد حوالي الساعتين عن منزلي، فكنت أتحمّل مشقّة التنقّل ذهاباً وإياباً للتمرين. في أي حال، أتمنى أن نصل إلى مستوى الفرق الأخرى الموجودة خارج مصر، فكلما رأيت على الـyoutube فيديو لتلك الفرق تتملكني الحماسة للاستمرار في اللعبة وبذل مجهود أكبر في التمرين، حتى ننافس أو نلعب معهن مباراة ودية في يوم من الأيام، خصوصاً أننا حالياً نواجه مشكلة أن عددنا قل، لأن الكثير من اللاعبات كنَّ أجنبيات وغادرن مصر».
وعن النظرة الاجتماعية تقول رحمة: «في البداية اعترضت أسرتي حرصاً على سلامتي الشخصية من كثرة السقوط والتتسبب بالكدمات. لكن مع الوقت لمسوا تعلّقي بهذه الرياضة وسلّموا بالأمر الواقع. وواجهت انتقادات من صديقاتي بأن الرياضات القويّة غير مسموح بها للبنات...».
تنين مجنّح
ليلى بركة (25 عاماً) منسقة مشاريع في مؤسسة ثقافية، انضمت إلى الفريق بعدما شاهدت مباراة لصديقة لها، فقررت أن تكون هي أيضاً لاعبة. تضحك ليلى وتتذكر أول يوم ارتدت فيه لباس التزحلق ونزلت إلى الملعب، قائلةً: «كان لديَّ معتقد مسبق بأنني بمجرد ارتداء الزي الخاص باللعبة وأدوات التزحلق سأسقط على الأرض بسرعة، وتحدث لي كارثة، والمفاجأة أنني لم أقع قط في ذلك اليوم. ورغم أنني كنت أرى لاعبات الفريق في الملعب كالفراشات وأنا بالنسبة إليهن تنين مجنح، كنت في قمة سعادتي لأنني لم أسقط واستطعت الحفاظ على توازني».
ليلى عضو في فريق cairollers منذ ستة أشهر وتعشق لعبة الـ«دربي»، وتؤكد أن هناك أسراراً لإصرارها على الاستمرار فيها، أهمها أنها لعبة غير منتشرة أو مشهورة في مصر، وبالتالي تشعر بالتميز. «فضلاً عن أن شعوري وأنا أرتدي ملابس التزحلق لا يوصف، أشعر بأنني أطير وأتخلص من كل ضغوطي ومشاكلي بمجرد ارتداء الملابس، إضافة إلى فوائدها كرياضة تحسن صحتنا وتدفع الاكتئاب بعيداً عنا. والجميل من وجهة نظري أنها ساعدتني في التعرف على أشخاص جدد».
المشاكل التي كانت تواجه ليلى في بداية اللعبة كانت فنية على حد قولها، لكنها اختفت مع الاستمرار في التمرين، ورغم ذلك تقول: «اللعبة غيرت شخصيتي وصقلتها بمميزات رائعة، فأصبحت أكثر جرأة وأكثر قوة وتحملاً للألم، وأرى أنني مثل الجنود في أرض الحرب لا يمكن أن أقع وأستسلم للهزيمة. هذا التفكير خرج معي من حيز الملعب إلى الحياة وأصبحت أطبقه على أرض الواقع». وتؤكد ليلى أن طموحها أن تشارك مع فريق cairollers في كأس العالم.
سعادة مستمرة
آية يوسف (26 عاماً) مونتير أفلام وثائقية، علمت بلعبة الدربي منذ أيلول/سبتمبر 2013 عن طريق زميلتها في العمل التي انضمت إلى الفريق، لكن آية قررت تأجيل الانضمام حتى انتهت من آخر دوراتها التدريبية في المونتاج. تقول إنها وجدت ضالتها الرياضية في الـ«دربي»، فكم كانت تتمنى الاشتراك في أي رياضة، لأنها لم تمارس أي رياضة من قبل ولا حتى جربت التزحلق، لكن مع أول يوم في الفريق استمتعت باللعبة وبالمجتمع الجديد، خاصةً مع تقدم مستواها في التمرين، مما منحها سعادة مستمرة. آية كانت شخصية خجولة، الخوف والقلق يعرفان مسلكاً إلى قلبها، فضلاً عن اكتئابها السريع أحياناً، لكنها استطاعت التخلص منهما بعد ممارسة الـ«دربي»، وتقول: «أصبحت أكثر قدرة على مواجهة خوفي وخوض أي تجربة أخشاها حتى أحكم عليها. كما أصبحت أكثر قدرة على المواجهة، فازدادت قوة احتمالي في الملعب والحياة، والأجمل أنني تخلصت من شعوري بالاكتئاب، فاللعبة استطاعت تفريغ كل الطاقة السلبية التي كانت بداخلي، فأصبحت أكثر إقبالاً على الحياة وأكثر إنتاجاً للعمل». وتتمنى آية انتشار اللعبة في مصر وتكوين عدة فرق، وتشكيل منتخب معترف به في الخارج، حتى يستطعن اللعب مع الفرق العالمية ومنافستهن.
رياضة عنيفة
نوران رأفت (24 عاماً) مصممة غرافيك، قررت الانضمام إلى cairollers عندما شاهدت صفحتهن على «فيسبوك»، وسبب ممارستها للعبة الـ«دربي» أنها تحب رياضة التزحلق، لكنها لم تسمع عن وجودها في مصر من قبل.
تقول: «في البداية كنت أعتقد أنها رياضة التزحلق فقط، لكني مع التمرين والفهم وجدتها رياضة ممتعة فيها دفاع وهجوم وإصرار على الفوز». مارست نوران رياضات عديدة ومختلفة، منها السباحة والتنس وكرة الطائرة وكرة السلة والاسكواش، لكنها لم تكمل في إحداها حتى الدخول في المنتخب المصري، واختارت المضيّ في رياضة الدربي لأنها تسمح بتكوين فرق ذات أعمار كبيرة، فقانونها يفرض أن يكون أعضاء الفريق أكبر من 18 عاماً، فضلاً عن أن الفريق بأكمله من البنات. ترى نوران أن الدربي لعبة عنيفة بعض الشيء للبنات، لأن السقوط على الأرض كثير ويسبب العديد من الكدمات، وبالتالي البعض يراها اجتماعياً غير مناسبة للبنات. وتضيف: «هذا ما جعل أفراد أسرتي ينتقدون اللعبة وينصحونني بتركها، لكنهم في النهاية استسلموا لإصراري على استكمالها».
رغبة الأم
انضمت ندى سامي (20 عاماً)، طالبة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، إلى فريق cairollers بناءً على رغبة والدتها ودعمها، وتوضح: «والدتي شاهدت تقريراً عن الفريق في التلفزيون، وطلبت مني متابعة التقرير معها، وفور انتهائه دعمت فكرة انضمامي، فبحثت عن الفريق عبر الإنترنت، وبدأت معهن في التمرين التالي مباشرةً، خاصةً أنني أحب التزحلق».
تؤمن ندى بأهمية الرياضة لكنها لم تصمد في أي لعبة، جربت كرة القدم وجربت كرة السلة لكنها لم تغرم إلا بالتزحلق الذي مارسته عندما كانت تقيم أسرتها خارج مصر، وبمجرد العودة توقفت عنه لأنه غير موجود في مصر، لذا وقعت في غرام لعبة الدربي. تشعر ندى بسعادة غامرة لأنها أصبحت رياضية، وتتابع: «كرهت جميع الرياضات، حتى الجيم كنت أكره تمارينه والمواظبة عليه، أما الآن أصبحت رياضية وألعب لعبة متميزة جداً، حيث إنها تخلصني من طاقتي السلبية، وفي نفس الوقت نستطيع القول إنني أصبحت أكثر إيجابية.
الحكم في لعبة الدربي عادة ما يكون رجلاً، وفي فريق cairollers، هو أحمد عبد العزيز، طبيب أسنان، ويحكي عن انضمامه إلى الفريق قائلاً: «مارست التزحلق منذ كان عمري أربع سنوات، حيث كنت أقيم خارج مصر، وعند العودة لم أجد الرياضة منتشرة، اللهم إلا فريقاً اسمه cairoskeeters، ومن هنا تعرفت على اللاعبات وأصبحت الحكم، خاصةً أن الحكم يجب أن يكون ماهراً في التزحلق، وسرعة الجري مع أعضاء الفريق ليتابع أدق التفاصيل».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024