تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

«زوجي شتّام فهل أطلب الطلاق؟»

د. عبلة الكحلاوي

د. عبلة الكحلاوي

د. محمد رأفت عثمان

د. محمد رأفت عثمان

د. مريم الدغستاني

د. مريم الدغستاني

د. سعاد صالح

د. سعاد صالح

د. آمنة نصير

د. آمنة نصير

أمام محكمة الأسرة، وقفت عفاف تطلب الطلاق من زوجها بسبب اعتياده سبها وشتمها منذ بداية زواجهما قبل سبع سنوات، ولم يتوقف عن هذه العادة السيئة حتى بعد أن أنجب منها طفلين، وتطور الأمر إلى قيامه بسبّها أمام الجيران والأقارب بعد أن فقد السيطرة على أعصابه، وفي كل مرة يدعي أنه مرهق ومضغوط بسبب العمل.
 وأضافت الزوجة باكية أمام المحكمة: «لم أعد أطيق العيش معه بعد أن أهان كرامتي أمام أولادي وجيراني وأهلي، وبعد رفضه الاعتراف بما يرتكبه من أخطاء، ولهذا نفد صبري وفشلت تدخلات الأهل والأصدقاء في حل مشكلاتنا، لأنه أدمن السب والشتم، وأريد الطلاق للضرر، وخاصةً أن الشهود على تلك الوقائع كلهم موجودون ويؤيدون كلامي»، فما كان من القاضي إلا أن حكم للزوجة بالطلاق للضرر. فإذا كان هذا هو حكم القانون فما هو موقف الشرع؟ وهل يجيز للزوجة بالفعل الطلاق إذا كان زوجها شتّاماً؟

يؤكد الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، أن الإمام النووي عرّف «السب» في اللغة بأنه الشتم والتكلّم في عِرض الإنسان بما يعيبه، ولهذا فإن سب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة وفاعله فاسق، ولابد أن يدرك الأزواج الذين يطلقون ألسنتهم سباً وشتماً لزوجاتهم أنهم يكونون بذلك فساقاً خارجين عن طاعة الله ورسوله ويلقون بأنفسهم موارد التهلكة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم كالمشرف على التهلكة».
 وعن الحكم الشرعي في حالة تبادل السباب أو الشتم الزوجي قال عثمان: «البادئ بالسباب هو الذي يتحمل الإثم وحده، سواء كان الزوج أو الزوجة، ومن الأفضل أن يعفو المسبوب، أما إذا رد المظلوم بنفس قدر الظلم الواقع عليه ولم يتجاوز ذلك فهو ليس بآثم شرعاً لأنه يرد ما عليه من ظلم، مع التذكير بأن الأفضلية لمن يصبر ويعفو حتى لا تزداد المشكلات الزوجية اشتعالاً، وتؤكد هذه المعاني العديد من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى: «وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ» آية 41 سورة الشورى، وكذلك قوله تعالى «وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» آية 43 سورة الشورى.

الكرامة

تؤيد الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات بالإسكندرية جامعة الأزهر، الحكم القضائي قائلةً: «هذا الحكم يرسي قاعدة المساواة في الكرامة الإنسانية، والتي أكدها الله في قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» آية 70 سورة الإسراء، من يتأمل الآية يجد أن التكريم جاء عاماً وشاملاً، ولم يفرق الله بين الذكر والأنثى في التكريم في كل مراحل حياتهما، سواء قبل الزواج أو أثناء الزواج.
 وأشارت الدكتورة آمنة، أنه من مقاصد رسالة الإسلام تهذيب الأخلاق وتنقية المشاعر ونشر المحبة والألفة وروح التعاون والإخاء بين المسلمين عامة والأزواج والزوجات خاصةً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ومن يتأمل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره القدوة الحسنة لكل الأزواج، سيجده لم يسب أحداً قط، وقد وصفه ربه في القرآن الكريم في قوله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» آية 159 سورة آل عمران، ووصفه خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبَّاباً ولا فحَّاشاً ولا لعاناً....» ووصف صلى الله عليه وسلم حاله مع زوجاته بقوله «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».
 وأنهت الدكتورة آمنة كلامها بالتأكيد على أن توجيه الأزواج الشتائم لزوجاتهم، بسبب أو بدون سبب، يعد آفة انتشرت بين معظم فئات المجتمع على اختلاف مراحلهم العمرية وطبقاتهم الثقافية، وقد أدى التساهل الأسري القانوني تجاهها إلى تزايدها، مما أدى إلى تدمير مشاعر الحب وبالتالي في حال ازدياد الأمر عن حده يحق للزوجة طلب الطلاق لإستحالة الحياة مع زوج شتّام.

ضبط اللسان

 قالت مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في القاهرة، إنها تؤيد الحكم القضائي وتتمنى أن يؤدي إلى محاربة ظاهرة عدم الاحترام بين الزوجين، فضلاً عن أنها تؤدي إلى كراهية الزوجة لزوجها، نظراً لأن هذه الظاهرة عادةً ما تكون من الزوج لزوجته، في ظل مجتمعاتنا الذكورية التي تميز الرجل وتجعل كرامته فوق كرامتها، وهذا فعل يغضب الله عز وجل، ومن يقُم بذلك يدخل في عداد العصاة الفاسقين.

 وأشارت الدكتورة سعاد صالح، إلى أن السب واللعن والفحش وبذاءة اللسان من كبائر الذنوب والآثام ولهذا فمن الواجب على كل زوج عاقل أن يضبط لسانه دائماً ولا يعتاد على السب واللعن، خاصةً مع زوجته، لأنه لا يأمن إذا سب أحداً من الناس، حتى لو كانت زوجته، أن يقابله بمثل قوله أو يزيد عليه فيثور غضبه ويطغى، ويقوده إلى ما لا تُحمد عقباه ومعظم النار في الحياة الزوجية من مستصغر الشرر.
وحذرت صالح الزوج الشتّام من عقاب الله عز وجل في الدنيا والآخرة باعتباره من الظالمين، الذين يؤذون الناس بغير حق، ولهذا فإن الله تعالى يقول: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا» آية 58 سورة الأحزاب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر».

العلاج الشرعي

 عن العلاج الشرعي للزوجة التي ابتلاها الله بزوج شتّام سبَّاب، تقول الدكتورة مريم الدغستاني، رئيس قسم الفقه في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، الأفضل أن تنصح الزوجة زوجها برفق ولين، وبيان خطأ ما يقوم به، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم»، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه».
 وأوضحت الدغستاني أنه إذا استجاب فهذا خير وتحمد الزوجة ربها، وإن لم يستجب فعليها اللجوء إلى حكماء وعقلاء من أسرته وأسرتها ليحكموا بينهما بالعدل وبيان خطأ ما يقوم به، فإن استمر في شتمه وسبه وإهانته لها فمن حقها شرعاً اللجوء إلى القضاء لرفع الظلم الواقع عليها، وهي هنا ليست مفترية وإنما تطبق شرع الله القائل: «وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ. وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» الآيتان 39-40 سورة الشورى.
وأنهت الدغستاني كلامها قائلة: «يجب شرعاً على القاضي إنصافها ومحاولة ردع الزوج بالترغيب والترهيب، فإن لم يرتدع وجب عليه الحكم لصالحها بالطلاق للضرر من الزوج الشتّام، لقول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» آية 58 سورة النساء.

اللجوء إلى الحكمة

أما الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد، فترفض سرعة اللجوء إلى القضاء للانتقام من الزوج الشتّام أو ردعه، وذلك للحفاظ على الأسرة من الانهيار، مما يزيد عدد المطلقات وتشرد الأولاد في ظل افتقاد الحكمة في معالجة الأمور الأسرية، والأفضل اللجوء إلى الحكمة في معالجة الأوضاع مع الزوج الشتّام ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً».
 وتحذر الدكتورة عبلة، من تعدي المسبوب، إذ يجب ألا يتجاوز الرد على الزوج الشتّام الحد وإلا وقع الإثم عليهما معاً، حيث قال أحد الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: «الرجل يشتمني وهو دوني، أعليّ من بأس أن أنتصر منه؟، قال: «المستبَّان شيطانان يتهاتران، ويتكاذبان»، أي من يتبادلان السباب، أياً كانا، عادةً ما يكونان فريسة للشيطان الذي وصف الله وظيفته بيننا بقوله: «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا» آية 53 سورة الإسراء.
 وأنهت كلامها مؤكدةً أنه من المؤسف انتشار ظاهرة السباب الشتائم بين الأزواج وزوجاتهم، مما يؤكد وجود تردي في التربية وتفريط من أولياء الأمور، الذين لا ينشئون أبناءهم على الفضيلة والأخلاق الحسنة والخصال الجميلة، بل إن سوء الخلق يسلب صفة الإيمان حيث قال صلي الله عليه وسلم «لا يكون المؤمن لعاناً»، وقد نهى النبي عن التلاعن بين المتشاجرين، وخاصةً إذا كانا من الأزواج والزوجات الذين تربطهم أقدس صلة إنسانية، فقال عليه الصلاة والسلام: «لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضبه ولا بالنار».

معارضة

 يعارض الدكتور محمد البري، الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية، الحكم القضائي بحق الزوجة في الطلاق من زوجها الشتّام. ويقول: «رغم عدم إقرارنا بما يقوم به هذا الزوج، لكن يجب تعقيله بالحكمة، وليس بالقضاء، رغم مخالفة ما يقوم به لأحكام الشرع، ولهذا قال عبد الله بن مسعود: «إذا رأيتم أخاكم قارف ذنباً فلا تكونوا أعواناً للشيطان عليه، تقولون: اللهم اخزه، اللهم العنه، ولكن سلوا الله العافية، فإنا أصحاب محمد كنا لا نقول في أحد شيئاً، حتى نعلم على ما يموت، فإن ختم له بخير، علمنا أنه قد أصاب خيراً، وإن ختم له بشر، خففنا عليه عمله».
واستشهد البري بما روي عن أن أبا الدرداء مر على رجل قد أصاب ذنباً، فكانوا يسبونه، فقال لهم أبو الدرداء: «أرأيتم لو وجدتموه في بئر ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم. قالوا: أفلا نبغضه؟ قال: إنما أبغضه عمله، فإذا تركه فهو أخي»، ولهذا يجب على المسلمين، خاصة الأزواج والزوجات، أن يتعاملوا بهذه الأخلاق الكريمة والنفوس الصافية والصدور السليمة، حتى يغير الله حالهم إلى الأفضل، بدلاً من الذهاب إلى المحاكم ومطالبة القضاة بالحكم بالطلاق للضرر.
 وأنهى كلامه بالتأكيد أن الصفح والمغفرة بين الزوجين أفضل من التقاضي الذي لن يأتي بخير في غالبية الأحوال، بل إنه قد يكون بمثابة وضع الزيت على النار، ولهذا فإن هذا الحكم القضائي الذي وصفته المنظمات النسائية بأنه تاريخي ومنصف، هو في الحقيقة حكم «ظاهره الرحمة وباطنه العذاب».

على سطح صفيح ساخن

أما الدكتورة إيمان شاهين، مديرة مركز الإرشاد النفسي بجامعة عين شمس، فتحذر من النتائج النفسية السلبية على الزوجة التي تتعرض باستمرار لشتائم من زوجها مؤكدة أن هذا يؤدي إلى الكراهية بين الزوجين، لأنه من الناحية النفسية نجد المشتوم يكره الشاتم لأنه نال منه ظلماً وعدواناً، أما الشاتم فيكره المشتوم لأنه يظن أنه أقل منه، وقد يصل الأمر إلى أن يقوم الشاتم بتحقير المشتوم والتصغير من شأنه، ظناً منه أنه أحسن وأفضل.

وقد يريد الشاتم جر المشتوم للاشتباك معه، فيضطر المشتوم للرد عليه والبحث عن مكائد ومخططات لمواجهة طغيانه، مما يجعل الحياة الأسرية على سطح صفيح ساخن.
وطالبت الدكتورة إيمان شاهين، الأسر بضرورة الاحترام المتبادل بين الأزواج والزوجات، وتجنب معالجة أي خلاف بالسباب والشتائم، وخاصةً أمام الأولاد والأقارب والجيران، لأنه كما يقال «البيوت أسرار» وإهانة أي من الزوجين للآخر هو بمثابة إهانة لنفسه أيضاً، لأنه من المفترض أنهما كيان واحد وكل منهما أمين على أسرار الآخر وكاتم لها، ومخطئ من يتصور أنه رابح أو فائز إذا أهان أو وبّخ الآخر.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079