الدراما الشبابية... بين العمق المطلوب والسطحية الترويجية
كثيراً ما تتعرّض الدراما الشبابية التي تتمحور حول مواضيع الشباب في سن المراهقة أو في الجامعات لانتقادات لاذعة، خصوصاً بعد ما أفرزته التجارب الأخيرة منها. فقد قدّم فنانون شباب أعمالاً ليعبّروا من خلالها عن شريحة مظلومة في الدراما التلفزيونية، لكن هذه الأعمال لم تنجح وكانت مواضيعها سطحية، رغم الجماهيرية التي حققتها بعض المسلسلات. ولم تكن تمثّل إلّا استهزاء بأساتذة المدارس في محاولة لجعلهم مادة للسخرية، أو إظهار سطحية العلاقات في الجامعة بأسلوب كوميدي، مما أثمر تجارب غير ناضجة ولا تعبّر في الواقع عن مشاكل وطموحات وهموم وهواجس لفئة من المجتمع، فكانت بعيدة كل البعد من تفاصيل الحياة اليومية للشباب ومفرداتها. وبالتالي لم تستطع غالبيتها الوصول إلى بر الأمان وغرقت في مستنقعات السطحية والصراخ والكوميديا المبتذلة.
حاول العديد من الأعمال الشبابية استجداء جماهيريته والضحك والسخرية بأي ثمن، كما فعل أحدها عبر محاولته التهكم من «أستاذ المدرسة»، الأمر الذي قد يجذب إليه شريحة الطلبة وصغار السن ولكن بالوقت نفسه يُظهر مدى ضعف العمل ويعرّيه أمام الجمهور عامة، في حين حاول آخر السعي إلى إضافة نوع من الأهمية من خلال الطروحات الجريئة لمشكلات الطلبة فجاء مفبركاً، بينما يمكن تناول مشكلات حارة وجريئة حقيقية بأسلوب راقٍ ويحوي الفائدة والتوعية معاً. ولدى المقارنة بين هذه الأعمال وما سبق أن قُدِم، يمكن الحديث عن مسلسل «أشواك ناعمة» للمخرجة رشا شربتجي والكاتبة رانيا بيطار الذي قدم قبل تسع سنوات تقريباً موضوعات تقارب هذه الفئة العمرية وغاص في مشكلات المراهقين وتلامذة المدارس ملقياً الضوء على محيطهم ومجتمعهم وبيئتهم مقدماً تصوراً منطقياً عن حال الشباب آنذاك، مما يكشف للمتلقي سريعاً الفرق الشاسع بين الغث والسمين ... وإن كان يحسب لمجمل هذه الأعمال قدرتها على التقاط فكرة أهمية التوجه إلى هذه الفئة بالذات، إلا أن الفارق بينها أن بعضها كان هدفه تسليط الضوء عليها لما تحتله من حيز مهم في المجتمع، وبعضها الآخر اكتفى بهدف التسويق وإرضاء بعض المحطات وإن جاء ذلك على حساب المستوى الفني والفكري والاجتماعي.
ضمن هذا الإطار تبرز مجموعة من الأسئلة التي تندرج في فلك ما يقدم من «الدراما الشبابية».
فهل ترقى تلك الأعمال بمجموعها لواقع الشباب حقاً؟ هل تغوص في حياتهم ومشكلاتهم بشكل حقيقي؟ وهل تنقل تلك المفردات والتفاصيل بحميميتها ودفئها؟ وما المفاهيم التي تطرحها وإلى أي مدى عّبرت عن مجتمعنا بما يحمله من تنوّع؟ وإلى أي مدى استطاعت إثارة الأسئلة المسكوت عنها بأسلوب فني عالي المستوى ومضمون يلامس واقعهم الحقيقي؟ أكان همها ملامسة الواقع بشفافية أم رجحت كفة التجارة والتسويق وانحصر مسارها ضمن قالب تلبية متطلبات الإثارة والأكشن؟ وهل حاولت رصد حياة الشباب بموضوعية وجرأة أم انحرفت عن مسارها باتجاه القضايا الأكثر إثارة ورؤية الجانب السلبي من المجتمع فقط ليكون الجاذب الأكبر للجمهور؟ وإلى أي مدى استطاعت التعبير عن واقع الشباب العربي أم تراها بقيت تراوح مكانها لتعيش غربتها عن واقعهم الحقيقي؟
هي أسئلة نحاول تلمس الإجابة عنها من خلال استقاء آراء عدد من مخرجين وكتاب وفنانين خاض أغلبهم غمار التجربة فيها، والحصيلة نرصدها عبر السطور التالية:
تجارب غير مُكتملة
لدى سؤالها عن سبب عدم مشاركتها في أعمال الدراما الشبابية تؤكد الفنانة نادين تحسين بك أنه لم يُعرض عليها المشاركة فيها، وهي ليست ضد الفكرة أصلاً من حيث المبدأ، أي أن يقوم الشباب بالتجريب، وتشترط أن يحدث ذلك تحت رقابة معينة.
تضيف: «هذه الأعمال توجّه إلى جيل معين وتجعله يأخذ فكرها، وأرى أنه من الطبيعي جداً في هذه الفترة ألا تظهر التجربة مُكتملة، وأن يكون فيها الكثير من التجريب، فهي تحتاج إلى وقت لتأخذ قالبها الطبيعي وصورتها الصحيحة لتصبح جاهزة لتُقدم إلى جيل الشباب. وبشكل عام لا أريد القول أن ما قدم من هذه الأعمال هو فقط ما أساء إلى الدراما السورية، فهناك الكثير من الأعمال التي أساءت لأنها وقعت في الاستسهال. وأنا أرى أنه لدينا اليوم شباب عندهم فكر حقيقي وطموح كبير، وما ينجزونه مختلف تماماً عن الدراما الشبابية. وأعتقد أن الأزمة التي نعيشها ستكون مادة زخمة ومن المستحيل أن تخرج بلاد من أزمة دون أن تقدم أعمالاً مهمة».
الجُرأة الجديدة
الفنانة لينا كرم التي شاركت في مسلسل «فتت لعبت» إخراج مصطفى برقاوي وتأليف طلال مارديني، تؤكد أن ما أغراها في العمل هو دورها والجرأة الكامنة فيه.
تقول: «إنها المرة الأولى التي يتم فيها طرح موضوع امرأة تروج الحشيش وتتعاطاه، وهو فعل يحمل بحد ذاته الكثير من الجرأة. فقد أديت دوراً جديداً ومختلفاً عما سبق، وكان هذا السبب الأساسي الذي جعلني أشارك في المسلسل». وتؤكد أن العمل حقق جماهيرية لدى شريحة واسعة من الشباب بفضل الجرأة التي طبعته.
أقل من الطموح
خاضت الفنانة رنا كرم غمار تجربة الدراما الشبابية في أحد أعمالها، ولها رأيها الذي لا يختلف كثيراً عن رأي الفنانين الآخرين. فرغم حماستها للتجربة للوهلة الاولى إلا أنها ما لبثت أن اكتشفت الحقيقة على أرض الواقع فأتت التجربة أقل من الطموح. ولفتت إلى أن هناك أعمالاً أخذت تكرس بعض الظواهر بشكل غير صحيح معربة عن خشيتها من كون غالبية هذه المسلسلات تقدم الشباب بطريقة تجعل المشاهد يتعاطف معهم، «ومن ثم نجد أنهم يرسخون من خلال ما يقدمون مفاهيم غير موجودة في الحياة إلا في ما ندر، كأن يتعاملوا مع أهلهم او أساتذتهم بطريقة وقحة في حين لا نجد أمثلة تشبههم في الواقع إلا عبر حالات شاذة في المجتمع... بهذه الطريقة ترسخ المفاهيم الخاطئة، وهنا ألوم الرقابة، فالمشكلة أن الرقابة تذهب إلى أماكن بات مسموحاً أن نحكي فيها في الوقت الذي لا تنتبه فيه للمفاهيم الاجتماعية التي تكرسها بعض الأعمال».
مُحاكاة واقع الشباب
هناك من يرى أن لوماً يقع على الجهات المختصة التي مررت هذه الأعمال رغم ما تحمله من ضحالة، فهي لم ترقَ إلى محاكاة الواقع الحقيقي لفئة الشباب... هذا ما يؤكده الكاتب الدرامي أحمد حامد الذي يقول: «جاءت هذه الأعمال في غالبيتها فقيرة جداً ومتواضعة على المستويين الأدبي والفني، واستغرب من الجهات المختصة كيف سمحت بها، حتى أنه لدى عرضها ظهرت أعمال هابطة وسيئة. وهنا أتوجه للمسؤولين الرقابيين بالسؤال: كيف تجيزون هذه الأعمال؟ إنكم تساهمون في خراب الشباب، حتى أننا نرى في أحد تلك الأعمال شاباً يقيم علاقة مع والدة صديقته! أهذه هي الأعمال الشبابية؟ أهذا هو توصيفها حقاً؟ أرى أن المشكلة ليست في تلك الأعمال بل الموافقة على تنفيذها ومن ثم عرضها فهي خطيرة جداً ومؤذية للمجتمع».
مصطلح الدراما الشبابية
الكاتب الشاب سيف رضا حامد الحائز جائزة أفضل نص في مهرجان «ربيع المسرح العربي» قدم تجربة تندرج ضمن إطار الدراما الشبابية في بعنوان «روزناما»، وفضل الانتقال إلى البيئة الشامية في الموسم الدرامي الأخير عبر نص «الغربال». حول مصطلح الدراما الشبابية ما تقدمه على الساحة والفوارق بين ما ينتج تحت عنوانها العريض، يقول:
« بات مصطلح «الدراما الشبابية» متداولاً بشكل واسع، ويخضع هذا الأمر لظروف الانتاج التي تفرض على مجموعة من الشباب أن يتبنوا مشروعاً ويقدمون تجربتهم من خلاله. ولكن للأسف هناك أعمال ينبغي عدم إدراجها تحت هذا المُسمى لأنها لم تكن جيدة وجاءت دون المستوى... يجب التنبه إلى أن للجامعات حرماتها، فهناك فرق كبير بين كاتب يملك هاجساً حقيقياً ومشروعاً إبداعياً يسعى إلى ترجمته من خلال عمله الشبابي وبين المُستكتب لدى شركات الإنتاج، فالمبدع ينبغي أن يقود الناس من خلال الأفكار التي يقدمها وليس أن يُقاد فيما يطرح، ومن المهم ألا يكون هناك تهريج أو إساءة».
هموم طلاب الجامعة
قدم المخرج وسيم السيد عملاً درامياً دارت أحداثه في رحاب الجامعة، وكانت التجربة التلفزيونية الأولى له في الدراما السورية، عنها يقول: «قدمنا عملاً بسيطاً يحكي عن حياة الشباب، همومهم ومشكلاتهم التي يعيشونها، من خلال الجامعة. وطرحنا في كل حلقة منه مشكلة ساعين إلى إيجاد الحل المناسب لها، فهناك مجموعة من الطلاب الذين يذهبون إلى الجامعة ويبقون فيها سنوات دون أن يتخرجوا ونسلط من خلالهم الضوء على هذه المشكلة والزمن الذي يمضي دون أن يشعروا بقيمته. وبشكل عام يمكنني القول إن العمل منحته الرقابة في التلفزيون السوري تقدير جيد جداً، وجاء في تقويمه الورقي أنه عمل جماهيري من الدرجة الأولى وراقٍ جداً».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024