الميراث الملعون! استولى شقيقها على حقّها فخطفت ابنه
إحساس بالغضب يسيطر عليها، ماضٍ بذكريات سعيدة يتلاشى من ذاكرتها، صلة رحم تتقطع بلا رحمة، دماء تجري في عروقها ضربت بها عرض الحائط، فهي لا ترى أمامها الآن سوى كراهية وعداء تجاه شقيقها الوحيد، بعد أن سلبها حقها في ميراث والديها، ليولّد ذلك بداخلها حالة من السواد أشعلت النيران التي لم تفلح غريزة الأخوة في إخمادها، فانطلقت تلتهم كل شيء دون أن ترحم صغيراً لم يكمل عامه الخامس بعد، أو تشفق على أمّ سلبت منها صغيرها وتركتها تكتوي بنار اللوعة عليه، فكل هذا لا يساوي لديها حقها الذي استولى عليه هذا الشقيق، وكان الثمن طفله الذي قررت اختطافه وطلب فدية لإعادته، وإلا ستكون حياته الثمن.
لم يتخيل صفوت أن انتقام شقيقته هويدا سيكون على هذه الشاكلة، وأنها ستفكر في الحصول على حقها مستخدمة صغيره الوحيد الذي تعرف جيداً كم يمثل له، فهو الحياة وما فيها، هو الآن يجلس نادماً لكنه لا يستطيع أن يسامحها على خمسة عشر يوماً أمضاها في حسرة ولوعة، يكاد لا تغمض له عين هو وزوجته، بعد أن خطف ابنه على يد أحد اللصوص الذي اتصل به وطلب منه فدية مقابل عدم إيذائه وإعادته. صورة صغيرة تكاد لا تفارق مخيلته، ولا يعرف كيف سيكون مصيره إذا عجز عن دفع مبلغ لا يستطيع تدبيره بأي حال، ليصاب عقله بالشلل، فهو حقاً في معاناة لا يتصورها أحد، كما لا يتصور أن من فعل به ذلك هي شقيقته الوحيدة.
البداية
أحداث قصة الجشع والطمع والميراث الملعون بدأت تنكشف معالمها في مكتب الرائد وائل غانم، رئيس مباحث قسم شرطة حلوان، عندما كان يجلس وفوجئ برجل وامرأة يدخلان عليه في حالة انهيار هيستيري، يتوسلان إليه أن يفعل أي شيء من أجل إعادة روحهما إليهما.
لم يفهم الضابط من كلمات الرجل والمرأة في البداية ما حدث، وبعد معاناة نجح في التهدئة من روعهما ليفهم القصة التي بدأت أثناء نزول الطفل فارس للعب أمام منزله مع أقرانه من الصغار، بعد أن حصل من والدته على بعض المال لشراء الحلويات، وطلب منها أن يمكث بعض الوقت يلعب الكرة كعادته كل يوم. وافقت الأم على طلب صغيرها، فلا يوجد ما يجعلها ترفض بل وجدتها فرصة لتتمكن من الانتهاء من تنظيف المنزل وإعداد طعام الغداء لزوجها، خاصةً أنها ستكون مطمئنة على فارس، فالمنطقة التي تسكن فيها شعبية والجميع يعرفون بعضهم، والأطفال يلعبون في الشارع باستمرار، ولا يوجد ما يجعلها تخشى عليه من أن يصيبه مكروه، فهي تحظى بمحبة كل جيرانها الذين يعاملون صغيرها مثل أبنائهم.
انتهت الأم من أعمالها المنزلية وخرجت إلى شرفة مسكنها للنداء على فارس حتى يصعد لتناول الطعام قبل أن يأتي والده، لكنها لم تجده، فظنت أنه ربما يلعب في شارع خلفي ولا تراه من الشرفة، فسألت الأطفال الذين يلعبون أمامها البحث عنه، لكن بلا جدوى. ولأن زوجها اتصل بها منذ فترة وأبلغها أنه عائد في الطريق إليها، وجدتها فرصة لتعاود الاتصال به ليبحث عنه وهو قادم، لعلّه انتقل للعب في شارع آخر.
لم يشعر صفوت بأي خوف على صغيره، فما ترويه زوجته شيء عادي ويتكرر بشكل شبه يومي تقريباً، فوعدها بالبحث عنه وأغلق الهاتف حتى وصل إلى المنطقة وتوجه إلى العم سعيد بقّال المنطقة للسؤال عن ولده، لكن الرجل أبلغه أنه لم يره منذ الصباح.
الصديق الغامض
بدأ القلق يتسرّب إلى نفس صفوت، حتى جاءت بضع كلمات متلعثمة خرجت من الصغير محمود، الذي لا يتجاوز الرابعة وكان يلعب مع فارس قبل اختفائه، تفيد بأنه ذهب مع أحد الأشخاص.
روى محمود أن فارس كان يلعب معه عندما شاهد شخصاً صديق والده، فابتسم وجرى إليه ليحمله هذا الشخص وينصرف. وبدأ الأب بعد هذه الكلمات رحلة تفكير للبحث عن هذا الصديق الغامض الذي أخذ ابنه.
عشرات الاتصالات أجراها صفوت بمجموعة من أصدقائه الذين يقيمون في المنطقة دون جدوى، فجميعهم يؤكدون أنهم لم يشاهدوا فارس في هذا اليوم.
لم يكن أمام صفوت إلا العودة إلى الطفل محمود يعيد عليه الأسئلة، ربما ينجح في الحصول على مواصفات لهذا الشخص الذي حمل صغيره واختفى. وبصعوبة شديدة خرجت كلمات الصغير لتنطبق على شخصين، الأول هو إيهاب والثاني جمعة، وقبل أن يتصل بهما للسؤال عن صغيره جاءه اتصال من مجهول يبلغه بخطف فارس وطلب فدية مليوني جنيه لإعادته.
كانت كلمات المتصل حادة مصحوبة بالتهديد والوعيد في حالة الامتناع عن دفع المبلغ خلال أسبوع، وإلا فسيكون الثمن حياة ابنه، ليصاب الرجل بعدها بانهيار عصبي، فهو لا يستطيع تصور الحياة بدون ابنه، ولا يحتمل أن يجده جثة كما يسمع في حكايات خطف الأطفال. لكن في الوقت نفسه من أين له تدبير هذا المبلغ، فهو لا يمتلك حتى خمسه، وكل ممتلكاته منزل ورثه عن والده يقيم فيه، بالإضافة إلى سيارة نقل يعمل عليها هي مصدر رزقه الوحيد.
لم يكن أمام صفوت البيلي (43عاماً) وزوجته داليا السيد (34 عاماً) بعد هذه الكارثة التي ألمت بهما إلا أن يتوجها إلى قسم الشرطة لتحرير محضر بواقعة اختطاف ابنهما الوحيد فارس، واتهام الصديقين اللذين انطبقت عليهما الأوصاف التي أدلى بها الطفل محمود، لتبدأ جهود رجال المباحث في إجراء التحريات اللازمة من أجل كشف ملابسات الواقعة والتوصل إلى مرتكبها وإعادة الطفل قبل أن يصيبه مكروه.
الخطة
اعتمدت خطة رجال الشرطة على مراقبة الهاتف الذي استخدمه الخاطف في طلب الفدية وتحديد موقعه الذي تطابق مع محل إقامة أحد الاثنين اللذين تدور حولهما الشكوك، لتبدأ عقب ذلك خطة للإيقاع به، تم الاتفاق عليها مع الأب الذي تظاهر بعرض منزله للبيع من أجل توفير مبلغ الفدية المطلوبة. وعندما اتصل به الخاطف مرة أخرى طالبه بإمهاله أسبوعاً آخر حتى ينهي الإجراءات ويحصل على المبلغ المطلوب، وقبل كل هذا طلب منه أن يسمع صوت ابنه ليتأكد أنه بخير، وهو ما رفضه المتهم، ليتأكد الأب أن هناك شيئاً يخشى أن يقوله الطفل عندما يتحدث إلى والده ويفتضح أمره عندما يبلغه عن الشخص الذي استدرجه.
ألحّ صفوت في طلبه، وأمام ذلك أرسل المتهم له فيديو صامتاً لصغيره وهو يجلس على أحد المقاعد ويبدو بحالة جيدة، ليكون هذا الفيديو تأكيداً على أن من خطف ابنه هو صديقه إيهاب، بعد أن تذكر صورة له كان قد شاهدها وهو يجلس على الكرسي نفسه مع ابنه قبل ثلاث سنوات تقريباً.
بلا تردد كان رجال المباحث يستخرجون إذناً من النيابة بضبط وإحضار إيهاب عمر عبد القادر (42 عاماً) بتهمة خطف الطفل فارس. وبعد إعداد المكامن اللازمة تمكنوا من إلقاء القبض عليه، فحاول المتهم إنكار جريمته بشكل قاطع، نافياً أن يفعل ذلك في صديق عمره، لكن سرعان ما وجد أنه لا مفر من الاعتراف عندما تم عرضه على الطفل محمود الذي شاهده وهو يحمل فارس، فتعرف عليه فور رؤيته، ليجد نفسه مجبراً على الإرشاد عن شريكته في الجريمة التي لم يكن أحد يتصور من تكون على الإطلاق.
اعتراف
حالة من الذهول انتابت الجميع عندما اعترف المتهم بارتكابه الجريمة بتحريض من هويدا شقيقة صفوت التي دفعته لارتكاب ذلك لتحصل على حقها في الميراث من المنزل الذي يقيم فيه والذي ورثه عن والده دون أن يعطيها حقها فيه، فيما تعجز هي عن توفير قيمة إيجار شقة صغيرة تسكن فيها مع أسرتها وهو ينعم بمنزل بأكمله.
كشف المتهم تفاصيل الاتفاق، فقد وعدته هويدا بالحصول على نصف قيمة الفدية التي سيدفعها شقيقها. ورغم التأكيدات التي قدمها إيهاب على صحة ما يقول، خاصةً عندما اتصل بهويدا أمامهم يبلغها بنجاح الخطة وقيام شقيقها بتدبير نصف المبلغ المطلوب، إلا أن صفوت لا يزال لا يصدق أن شقيقته يمكن أن تفعل به ذلك، فهو يعيش في منزل كبير لكن لا يملك أموالاً ليعطيها حقها فيه، وهي تعرف ذلك جيداً.
بعد دقائق من اعترافات المتهم كان رجال المباحث يتحركون للقبض على هويدا، وتم بإرشاده ضبط الطفل المخطوف داخل منزله وهو يلعب مع أبنائه منتظراً حضور والده لأخذه كما أبلغه «عمو إيهاب».
كانت المفاجأة لرجال المباحث عندما وجدوا المتهمة سيدة منتقبة أذهب المال عقلها وأعماها عن التفرقة بين الحلال والحرام، فلم تراع هذا النقاب الذي تضعه على وجهها. إلا أن المفاجأة القاسية التي كشفتها التحقيقات مع المتهمين، أنهما كانا يخططان للتخلّص من الطفل بعد الحصول على الفدية خوفاً من اكتشاف أمرهما.
بدموع الفرح والألم احتضن صفوت وزوجته صغيرهما، وعقلاهما لا يزالان عاجزين عن تصور ما حدث أو التفكير فيه، بعد أن جعل الطمع من هويدا إنسانة جشعة لا تراعي الله، تريد أن تدمر كل من حولها، حتى لو كان أقرب الناس إليها، شقيقها الوحيد.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024