الشرق والغرب تحت سقف واحد
في شارع الجميزة العريق في قلب بيروت، الذي نفض عنه غبار السنين، تقبع هذه الشقة السكنية لآل زيود التي نزعت بدورها المهندسة مايا الترك غبار السنين عنها. بأسلوبها الشبابي العصري حولّت هذه المساحة إلى ركن فسيح ملؤه الرومنسية والدفء وصخب الحياة في آن واحد، كما النضارة في الخيوط الواضحة والبسيطة.
أبرز ما كانت تتسم به البيوت اللبنانية هو علو السقف. وقد حرصت المهندسة الترك على المحافظة على هذه الميزة لندرتها في البناء الحديث. فعلى مساحة 400 متر غابت الحواجز الفاصلة بين ركن وآخر، لتظهر رحابة المكان بالمساحة كما بالعلو.
السقف الذي يعلو ثلاثة أمتار وأربعين سنتيمتراً، حُرِص على إظهار جمال ارتفاعه، لذا جعل الجصّ في الصالونات كورنيشاً بسيط التصميم إنبعثت منه الإنارة غير الموجهة.
وقد عزّز الأثاث الفخم والبسيط التصميم بألوانه الزاهية، المساحة المترامية حتى بدت واحةً غنّاء. ولترسم الخيوط بإتقان وتميّز ودقة، صمّمت المهندسة بنفسها كلّ الأثاث. الصالون الأول الذي يطالع الزائر عصري التصميم من البيج، عبارة عن مقعدين متقابلين من البيج الزاهي، وإلى جانبيهما مقعدان منفصلان من البيج الداكن، يقابلهما مقعد مستطيل.
وتوزّعت على المقاعد أرائك مطعمّة بألوان زاهية أبرزها الفوشيا. جوّ الفرح والجمال إكتمل بالمزهرية في وسط الطاولة، إذ جمعت وروداً صغيرة نثرت ألوانها الفرحة في الأرجاء، وقد طغى عليها أيضاً كما الأرائك، اللون الفوشيا.
طاولة الوسط عملية الإستعمال ضمت طبقتين، علوية من الزجاج وقاعدة من الخشب ذات مستويات عدة. واللافت في هذه الجلسة الباب الخشب الشرقي الطراز باللون النيلي المطعمّ برسوم، وقد علّق على الجدار المقابل لهذا الصالون، مما اضفى على الجلسة نكهة عراقة خاصة.
هذا الجوّ العربي ينتقل معنا إلى الجلسة الثانية حيث يحضر الطراز الشرقي الممزوج بالغربي. فالمقاعد عبارة عن جلسة عربية، كل مقعد بلون، ولكن كلّها من تدرجات اللون الأزرق.
ويقابل هذا المقعد المتصل الأجزاء كرسيان أبيضان من ماركة عالمية. وفي الوسط الطاولة عبارة عن ثلاث طاولات مستديرة من اللونين الأزرق الزاهي والداكن، طَعّما بالبرتقالي الذي شكّل لمسة استثنائية.
وبما أنّ المهندسة الترك متخصصة بالرسم على الجدران، فقد تفنّنت برسم أحد جدران هذه الجلسة بطلاء متموّج، بفن وذوق من البيج المذهب.
وتدلت من هذه الجلسة ثريا عصرية من اللون الداكن. وتستوقفنا هنا أيضاً لوحة زيتية للرسام محمد سماحة اتسمت بلونها الأزرق وكبر حجمها، وهو ما أرخى جواً من الرومنسية والفخامة في آن واحد.
قبل الإنتقال إلى غرفة الطعام، نتوقف في ردهة شبه مغلقة بفضل الأعمدة التجميلية التي إخترقتها طاولة ومقاعد عالية صمّمت لجلسة خاصة، إلى جانب البيانو الذي قبع في زاوية هنا لتصدح نغماته في أرجاء المنزل، بعد أن تحركه أنامل المالكة لكونها عازفة بيانو.
غرفة الطعام تحكي قصة فريدة من الذوق والتميّز. فكرة تصميمها فرضها الجوّ العائلي الطاغي. فالمالكة أردنية وتقيم في لبنان وتستقبل الأقرباء والأصدقاء من الخارج، مما يتطلب جلوس أكبر عدد ممكن من الضيوف.
من هنا قسمت غرفة الطعام إلى جزئين، هما طاولتان مستطيلتان مقاعدهما مستطيلة أيضاً، مع كرسي أبيض على رأس كل طاولة. وعلى المقاعد، تناثرت الأرائك الملونة، وقد أبقي خشبها السويدي على طبيعته.
وتدلت من السقف فوق كلّ طاولة ثريا باللون الأسود من مستطيلات من الجصّ. وتزينت كلّ طاولة بمجموعة من المزهريات الصغيرة المربعة والشفافة، في كلّ منها وردة بيضاء داخل حصى بيض.
أما «الدرسوار» فمقسوم إلى جزءين، الجزء العلوي من الخشب الأبيض اللمّاع والجزء الثاني من الخشب، وفي الوسط مرآة مستطيلة.
وللحفاظ على الشفافية والبساطة في التصاميم، استعمل قماش من القطن الناعم.
غرفة الجلوس تطلق عليها صفات عدة، عملية وفرحة ومريحة، وأهمّها مبتكرة. مقاعدها متصلة الأجزاء ألوانها زاهية، أما المكتبة فضّمت عدداً كبيراً من المربّعات البيض، منها المقفل ومنها المغلق، اتسمت بكبر حجمها الممتد على جدارين، وفي الوسط جهاز التلفزيون.
الخشب اللمّاع الأبيض المستخدم لتصميم المكتبة، أعطى هذا الركن جمالية كبيرة، يقابله الطلاء الأخضر الزاهي على أحد الجدران. أما طاولة الوسط فمؤلفة من مكعبّات من القماش، كل واحد بلون، وفوقها مربعات من البليكسي يمكن بعثرتها واستعمالها، موزّعة في أرجاء هذه الجلسة.
وبالوصول إلى غرفة النوم، تبدو هادئة وعصرية، طغى عليها الأبيض والبنفسجي. والجصّ جزء من هندسة السرير، اختفت خلفه الإنارة على الجدار، ليكمل إلى السقف. وظهر السرير من ورق الجدران الأبيض المرقط برسوم باللون نفسه.
خزائن هذه الغرفة الكثيرة ناصعة البياض من الخشب اللمّاع الأبيض، أرخت راحة وسلاماً على هذا الركن، لتكتمل معزوفة الهدوء التي لحنّتها المهندسة مايا الترك بالتعاون مع المالكة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024