ابني لا يحدّثني عن يومه المدرسي... هل أقلق
كيفيمضينهارهالمدرسيأومنهمأصدقاؤه؟لاأعرف،يبدوابنيكتومًالايريدأنيحدثنيعنيومهالمدرسيوأناقلقةمنتصرفه.
كيفيمكننيأنأجعلهيتحدثإليّعماحدثمعه! تشكوأمهاتكثيراتمنتكتمأطفالهنعمايحدثمعهمخلالالنهارالمدرسي،ويشعرنبالقلق. لماذالايتكلمبعضالأطفالعمّايحدثمعهم؟
يرى اختصاصيو علم نفس الطفل أنّ هذا السؤال في غير محله بل السؤالالحقيقيالذيينبغيأنيُطرحلماذاعلىالطفلأنيخبرعنكلمايحدثمعهفيالمدرسة؟ فغالبًا يخشى الأهل أنّ يكون صمت طفلهم يخفي توترًا نفسيًا يعيشه. والأسوأ أن يكون ضحيّة معاملة سيئة أو تنمّر ورفضه البوح بما يحدث قد يعرّضه للخطر.
وبحسب الاختصاصيين، يمكن النظر إلى تكتّم الطفل في شكل إيجابي، فهو يظهر أن الطفل أصبح قادرًا على تدبّر أموره وحده، فضلاً عن أن عدم إخبار الطفل والدته بما يحدث في المدرسة هو أيضًا إعلان منه أنّه بدأ يكبر، ولديه أسراره الخاصة لنفسه. فمن المعلوم أن الطفل الصغير يميل في كثير من الأحيان إلى أن يُخبر أهله عن كل ما يحصل معه.
وبعد ذلك ومع الوقت يبدأ انتقاء المسائل التي يريد التحدث عنها، ويبدأ إدراك معنى إخفاء الحقيقة أو الكذب في بعض الأمور، فهو يعرف اختيار ماذا يريد قوله وما يريد إخفاءه، وبدأ يفهم قضايا التعبير، وكذلك بدأ يكتشفأنّالبوحبأسرارهيمكنأنيكونلشخصثالثخارجخليّةالعائلةالصغيرة. فبدلأنيخبروالدتهعنالشجارالكبيرالذيحدثبينهوبينصديقهالمقرّبفقديتحدثإلىخالهأوجدتهعنهذهالمشكلة.
وربما هذا الطفل يجد أن البوح بسرّ لأحدهم لا يعتمد عليه مباشرة يشعره أكثر بالطمأنينة، فهو لن يعاقب مثلا بحرمانه من المصروف لأن الخطأ يقع عليه وليس على صديقه.
وباكتساب الطفل قدرة انتقاء عباراته واختيار محاوره، فإنه يتكيّف بشكل أفضل مع معنى الأسرة والتأكيد عليه والحفاظ عليه.
وفي محيط عائلي حيث الأهل ليسوا متوافرين دائمًا أو أنهم من النوع القلق جدًا، وفي وجود أخوة وأخوات ثرثارين، يمكن الطفلأنيختارالإحتفاظببعضالأسرارلنفسهكيلايربكمحيطه، أو كي لا يتعرض لخيبة أمل بألا يسمعه أحد، أو بكل بساطة لأنه يريد أن يبتكر لنفسه مساحة خاصة به.
كيفعلىالأهلأنيتصرفواعندمايتكتّمعنأخباره؟
بقدر ما يسبّب تكتّم الطفل توترًا للأهل، فإنه لا يجوز لهم مطلقًا أن يشعروا بالذعر بل عليهم أن يتركوا للطفل اختيار ما الذي يرغب في التحدّث عنه، مؤكّدين له أنّ الأبواب مفتوحة له دائمًا للإستماع إليه، وأنه محاط براشدين يمكنه البوح لأحدهم عما يدور في خلده.
في النهاية إنهم الأهل الذين يقلقون عندما يعلمون أن طفلهم لا يخبرهم بشيء، ويتساءلون لماذا لا يروي لنا أي شيء! فيما الطفل يتعايش مع هذا الوضع و لامشكلة لديه. وبدلاً من جعل جبل الصمت يكبر، يمكن الشروع في سؤاله بكل بساطة. فبعض الأحيان لا يبوح الطفل لأهله بأموره الخاصة لأنه بكل بساطة لا يدرك أهمية ذلك. لذا على الأهل ألا يتردّدوا في طرح الأسئلة.
إذًا الإطلاع على كل ما يدور في حياة الطفل لا يخدم الأهل بشيء، إذ يحق للطفل ببعض الخصوصية، فشعوره بأنّه مطلوب منه التحدث دائمًا عن كل ما يحصل معه قد يفقده الثقة بنفسه وبقدرته على التمييز بين ما يمكنه مواجهته وحده والموقف الذي يحتاج فيه إلى مساعدة.
ولكنألايشيرتكتّمالطفلالمستمرإلىوجودمشكلةحقيقية؟
بلى إذا كان صمته مفاجئًا، فإذا صار الطفل الذي اعتاد إخبار والدته عن كل ما يحدث معه خلال نهار مدرسي طويل، كتومًا فجأة، فهذا مؤشر لوجود مشكلة لديه ويجب التحقّق في الأمر، فلربما يتعرّض للتنمر Bullying من أحدهم في المدرسة أو لعنف من أحد الراشدين ويهدّده إذا ما أخبر أحدهم. وفي المقابل لرد فعل الأهل على حادثة أطلعهم طفلهم عليها دور في جعله كتومًا.
مثلاً عندما يخبر الطفل والدته عن حماقة ارتكبها في المدرسة وفي رأيه مجرد «مقلب مضحك» قام به تجاه المعلمة أو أحد الأقران، وكان رد فعلها قاسيًا، نتج عنه عقاب، قديصيرالطفلكتومًالأنهذاقطعمالعقابالقاسيوبالتاليفقدالثقةبوالدته، فهو سيقول في نفسه إذا أخبرتها عما حدث سوف تعاقبني، إذًا الأفضل لي أن أصمت.
لذا على الأهل أن يكونوا حذرين في رد فعلهم على الحماقات التي يرتكبها الطفل في المدرسة والتي باح لهم بها، فبدل العقاب يمكن الأم أن تسأله عن سبب الحماقة التي قام بها وماذا يشعر الآن وما إذا كان راضيًا عن نفسه وتصرفه، وكيف يمكنه تصحيح الخطأ الذي ارتكبه. بهذه الطريقة يشعر الطفل بالثقة بأمه.
كيفيمكنالأمالتنبّهماإذاكانسكوتطفلهاسببهتعرضهللعنف؟
هناك مؤشرات كثيرة. مثلاً قد يصاحب صمت الطفل المفاجئ رغبة في العزلة وفقدان شهية وعدم رغبة في اللعب وأحيانًا كثيرًا يبدو غارقًا في عالمه، غير مكترث لما يدور حوله، ويرى كوابيس ليلية. كل هذا مؤشرات لتعرض الطفل لمشكلة كبيرة.
وفي المقابل هناكبعضالأطفاليختارونعدمالتعبيرعمايشعرونبهبعدمايختبرونحدثًامؤلمًامثلطلاقأهلهمأوموتأحدهم. فلهذاالنوعمنالأحداثالأثرالكبيرفيالطفل،لأنهاصادمةله، لذا يمكن الأهل استشارة اختصاصي علم نفس أطفال، علمًا أن الإستشارة ليست ضرورية دائمًا، إلا إذا طال صمت الطفل وصاحبه عزلة وفقدان رغبة في الأكل أو اللعب مدة طويلة.
ولكن في الوقت نفسه على الأهل أن يدركوا أن الطفل في حاجة إلى مداوة جراحه ، فهو ليس مضطرًا للتحدث عما يخالجه في لحظات الحزن لأنه سيتحدث عن حزنه لاحقًا، فالحزن مسألة شخصية جدًا، وكما الراشد كذلك الطفل يحتاج إلى وقت يكون وحده بعد صدمة عاطفية أو حدث مؤثر. فلكل إنسان رد فعل خاص به تجاه حدث ما.
وإذاكانالطفللايثقبأحد؟
من النادر ألا يخبر الطفل أحدهم عن أموره الخاصة. فإذا لم يكن يتحدث إلى أحد من أفراد العائلة، ولاحظتالأمأنصمتطفلهامريب، عليها التحدث مع المعلمة من أجل معرفة أحوال الطفل وكيف يتصرف في المدرسة، أي إذا كان يتكلم كثيرًا، وإذا كان لديه أصدقاء.
والمفاجآت الجيدة تكون دائمًا موجودة. أما إذا كان الطفل لا يتحدث إلى أحد لا في المدرسة أو في البيت عندهااستشارةاختصاصيضروريةلمعرفةالسببوراءتكتمالطفل.
أخيرًا يؤكد الإختصاصيون أن الأهل لن يتمكنوا أبدًا من معرفة ما يدور في رأس طفلهم، فعندما يتكلم كثيرًا يظنون أنّهم يعرفون كل شيء عن حياته ومشاعره، ولكنهم لن يتمكّنوا من معرفة ما يفكر فيه في المساء قبل أن يخلد للنوم. لذا عليهم أن يعرفوا كيف يثقون بطفلهم.
الحوار مع أطفالك فن
إذا أردت أن يحدثك طفلك عن كل الأمور التي تشغله عليك أن تصبحي مستمعة جيدة. ويستوجب الإصغاء التركيز بين المتكلم والمستمع. لذا عندما يتحدث طفلك إليك عليك أن توقفي كل ما يشغلك عنه كأن تطفئي المذياع أو التلفزيون أو تتوقفي عن كل ما يلهيك عنه.
أنطري إلى عيني طفلك مباشرة، واستخدمي الحوار الجسدي كأن تومئي برأسك أو تميلي نحوه لتؤكدي له أنك تصغين إلى ما يقوله، ولا تقاطيعه بل اسمحي له أن ينهي كلامه، وإذا لم يكن لديك الوقت لتُجيبي، لا تحاولي أن تطرحي عليه أي سؤال.
إسألي طفلك أسئلة مفتوحة تكون أجوبتها محددة، فأنت بذلك تبرهنين له أنك مهتمة بأن تشاركيه أفكاره ومشاعره في مواضيع محددة. لذا عليك تجنب الأسئلة التي تكون إجابتها كلمة واحدة» نعم» أو « لا»، فعوضًا عن أن تسأليه مثلاً « هل في إمكان فريقك الفوز في المباريات التي سيلعبها هذا الأسبوع؟» يمكن أن تسأليه « يظهر فريق كرة السلة الذي تلعب معه تقدمًا ملحوظًا، كيف تظن سوف تكون المباراة هذا الأسبوع خصوصًا أن هاني لن يلعب؟»
تجنبي الأسئلة التي تبدأ بكلمة « لماذا» لأنها تُشعر الطفل أنه من واجبه تقديم مبرّرات لكل فعل يقوم به، كما تجعله في موقف الدفاع عن نفسه، ما يقضي على رغبته في مشاركته في الأمور التي تشغله. فمثلاً عوضًا عن أن تسأليه « لماذا ضربت أختك»، اسأليه» ماذا حدث؟».
وكل أم تعرف أن الحوار المهم غالبًا ما يحدث في وقت قصير خلال وقت النوم مثلاً أو أثناء انشغالها في أمر ما.
فإذا أراد طفلك التكلم إليك توقفي عن العمل الذي تقومين به، وشاركيه الحديث وتعرفي إلى اهتماماته واعرفي المواضيع التي تهمه، كما اسمحي له بمشاركتك بعضًا من أمورك وشجعيه على أن يثق بك مهما كانت أسئلته وآراؤه ومشاعره واسمحي له بالتعبير عنها مهما كانت دون أن تستهزئي بها أو تعاقبيه عليها. فمن خلال ذلك سوف تتمكنين من إيجاد جو من الثقة بينك وبين طفلك.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024