المرأة التونسية احتفلت بعيدها الـ 58 فهل استطاعت تحقيق تطلّعاتها؟
خصصت تونس يوم 13 آب/أغسطس من كل عام للاحتفال بعيد المرأة التونسية، وهي عادة دأبت عليها منذ عام 1956، السنة التي استقلت فيها تونس عن الرعاية الفرنسية ووُلدت فيها مجلة الأحوال الشخصية، إذ أصر الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة على أن تحتفل المرأة التونسية بعيدها في اليوم الذي تم فيه إصدار مجلة الأحوال الشخصية. واحتوت المجلة على مجموعة من الفصول التي تحمي المرأة والطفل وكيان الأسرة، كما احتوت على تغييرات جذرية قوننت علاقة المرأة بالرجل في إطار مؤسسة الزواج. ومنعت المجلة، في مجتمع كان ذكورياً بحتاً، إكراه الفتاة على الزواج من قبل الولي عليها وتحديد السن الدنيا للزواج بـ 17 سنة للفتاة و20 سنة للفتى، ومنع الزواج العرفي وفرض الصيغة الرسمية للزواج وتجريم المخالف، وإقرار المساواة الكاملة بين الزوجين في كل ما يتعلق بأسباب الطلاق وإجراءاته وآثاره. ولكن، بعد كل هذه السنوات من الحقوق المتراصة في مجلة تحوي 213 فصلا تنتصر للمرأة، تفيد آخر الإحصائيات الرسمية بأن امرأة من بين ثلاث نساء تتعرض للعنف على يد الرجل.
في هذا السياق، تقول ابنة المناضل التونسي الطاهر الأسود وبطلة الرالي وصاحبة قناة «الإخبارية» التونسية عبلة الأسود: «حققت المرأة التونسية تفوقاً مشهوداً في كل المجالات، وهذا في حد ذاته مكسب لتطلعاتها. وقد استطاعت مجلة الأحوال الشخصية التي تمر هذه السنة ذكرى تأسيسها الـ58 حمايتها والمحافظة عليها كعضو فاعل في الأسرة والمجتمع».
وتضيف: «المرأة التونسية أثبتت أنها جديرة بكل الحقوق التي استقتها من المجلة، فقد استطاعت اقتحام البرلمان والحياة السياسة والعملية، والدليل على ذلك كثرة المرشحات لمنصب الرئاسة التونسية. وهي ثقة صنعتها مجلة الأحوال الشخصية في قلب المرأة التونسية، كما لا يخفى على الكل دور المرأة التونسية في الثورة التي أطاحت نظاماً جثم على صدر تونس 23 سنة. مع ذلك أرى ان المجلة لم تحافظ على حق المرأة الحاضنة في تشريع العمل ثلاثة إلى أو أربعة أيام في الأسبوع، والتمتع مع ذلك براتب كامل حتى يتسنى لها الحفاظ علي العائلة والتقليل من إرهاقها باعتبارها العمود الفقري للعائلة».
لينا بن مهنّي: تطبيق القوانين يتطلب إرادة سياسية
من جانب آخر، تقول الناشطة في حقوق الإنسان والمدونة والعضو السابق في الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال لينا بن مهنّي: «تحتفل تونس هذه السنة بمرور 58 عاماً على صدور مجلة الأحوال الشخصية التي اعتبرت حين إصدارها سابقة تاريخية في ما يتعلّق بضمان حقوق المرأة وتنظيم الحياة الأسرية في العالم العربي، ففصلها الثامن عشر مثلا يمنع تعدد الزوجات، وهو الفصل الذي ما زال يثير جدلاً واسعاً في العالم الإسلامي».
وتضيف: «لكن إذا ما تمعنّا جيداً في فصول هذا النص سنرى أنّها في حاجة إلى مراجعة لتواكب مختلف التطورات التي يعرفها العالم، فإذا ما أردنا اليوم الحديث عن مساواة كاملة و فعلية بين النساء و الرجال يجب مثلاً أن تراجع الفصول المتعلقة بالإرث، بالإضافة الى عدة فصول و مواد أخرى. كما أن القوانين و النصوص القوانين وحدها غير كافية لضمان حقوق المرأة وتحديد واجباتها، لذا يجب توافر الإرادة السياسية لتفعيل هذه القوانين و تطبيقها حتى تؤدي دورها و لا تكون جزءا من بروباغندا سياسية». ولفتت إلى أن وجود العديد من النصوص القانونية لم يمنع بقاء «نسبة العنف الزوجي مرتفعة بشكل مخيف جداً وذلك لتراخي الجهات المسؤولة في تطبيق القوانين وأيضاً لغياب الوعي عند النساء، فمعظمهن يلجأن الى الصمت خوفاً من الفضيحة ومن النظرة الدونية إلى المرأة المعنفة أو المغتصبة مثلاً. وقد سبق لي أن التقيت نساء قمن بالخطوة الأولى لمقاضاة من اعتدى عليهن والمتمثلة في التوجه الى مركز الشرطة للتبليغ عما حدث. إلا أنّ أفراد الشرطة عادة ما يحطون من عزيمة الشاكيات ويحاولون جعلهن يحسسن بالذنب، هذا اذا لم يرفضوا تحرير محضر في الواقعة أصلاً. إذاً المسالة لا تتوقف عند القوانين بل هي مرتبطة بثقافة ووعي وتوافر إرادة سياسية».
المشكلة في التطبيق
تقول الإعلامية التونسية كريمة دغراش: «الأكيد ان المكاسب التي تحققت للمرأة بفضل مجلة الأحوال الشخصية هي مكاسب مهمة يحق للمرأة في تونس أن تفاخر بها. لكن المشكلة الكبيرة في تطبيق هذه القوانين، فالهوة شاسعة بين ما تضمنته المجلة والواقع. وأعتقد أن العيب يكمن في العقلية لا في النص التشريعي، مع ضرورة الإشارة الى ان بعض النصوص الواردة في المجلة بحاجة الى التنقيح في اتجاه ضمان حقوق أوفر للمرأة. ورغم كل النقائص التي قد تتضمنها مجلة الأحوال الشخصية في تونس فإنها تظل رائدة ومتقدمة مقارنة ليس فقط بالمنظومة التشريعية في دول عربية عدة بل و حتى في دول أوروبية».
هل استطاعت المرأة التونسية تحقيق تطلعاتها؟
يقول الناشط الحقوقي والكاتب التونسي شكري بن عيسى انه «عندما نسأل أنفسنا هل استطاعت المرأة التونسية فعلا تحقيق تطلعاتها تبدو الإجابة للوهلة الأولى في المتناول، فكل شخص سيجيب من منطلق ذاتي بناءّ على شعوره وجنسه وموقعه الاجتماعي ومستواه التعليمي... ويضيف: «التطلعات يصعب تحديدها بدقة او بطريقة مادية. فقد تكون مادية وقد تكون معنوية ورمزية، وقد تكون ذاتية وقد تكون اجتماعية أو أوسع من ذلك إنسانية. تطلعات الاستاذة الجامعية أو الدكتورة او الوزيرة او المديرة العامة أو سيدة الاعمال التي تملك عشرات الملايين من الدنانير، ليست مثل تطلعات المرأة الريفية التي تعمل في الزراعة، ولا مثل تطلعات المرأة ربة البيت العاطلة عن العمل، ولا مثل تطلعات المرأة الامية او الجاهلة... نسبة الأمية العامة في تونس تفوق 20 في المئة والمرأة تستأثر بالنصيب الأكبر طبعاً. وهناك من لا تزال تبحث عن أبسط الحقوق الأساسية من تعليم وصحة وسكن، وهناك من تبحث عن حقوق اجتماعية في العمل، وهناك من تبحث عن حقوق أعلى تتمثل في المشاركة السياسية وتبوّؤ المناصب العليا في الدولة». ويلفت إلى أن «التطلعات مختلفة ومتعددة ومرتبطة بتراكمات تاريخية. المرأة اليوم في التعليم الجامعي تفوق نسبتها الرجل وهي متفوقة عليه في كثير من المجالات وطموحاتها أعلى في اغلب المستويات مثل التوظيف والمشاركة في الوظائف العليا والمجلس النيابي والحكومة. والمشكلة ان المساواة الفعلية غير ممكنة لاعتبارات عدة، وحتى الدول المتقدمة لم تصل الى ما يجب الوصول اليه. وتونس تعتبر عربياً متقدمة وحتى رائدة برغم وجود نواقص».
مشروع قانون شامل حول القضاء على العنف ضد المرأة
أكدت كاتبة الدولة للمرأة والأسرة نايلة شعبان أن القانون الشامل حول القضاء على العنف ضد المرأة هو قيد الانجاز وأنه سيكون جاهزاً يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على العنف.
وذكرت أن مشروع القانون يعتبر شاملاً لأنه لا يعالج فقط الجانب القانوني بل يهتم كذلك بجوانب حماية النساء المعنفات ومساندتهن.
ومن جهته، عبّر وزير الصحة محمد الصالح بن عمار عن قلقه إزاء الإحصائيات المتعلقة بالعنف المسلط ضد المرأة في تونس، واصفاً إياها بــــالمنذرة بالخطر. وبحسب إحصائيات ديوان الأسرة والعمران البشرى الصادرة عام 2010 فان امرأة من بين ثلاث نساء تعرضت للعنف أو مهددة بذلك، سواء على المستوى الجسدي أو المعنوي أو الاقتصادي.
من جانبها، أوضحت النائبة في المجلس التأسيسي التونسي سميرة مرعي أن ما جنته المرأة التونسية يجب ألا يحجب معاناتها من العنف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وذكّرت بأن نسبة العاطلات عن العمل من حاملات الشهادات الجامعية في الجنوب الشرقي والجنوب الغربي تفوق 50 في المئة وأن 23 في المئة من النساء العاملات تذهب مواردهن المالية إلى أزواجهن فضلا عن أن 10 في المئة من الأزواج يعيشون عالة على زوجاتهن.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024