حضانات ترفع معاييرها لأم عاملة أكثر راحة
تحتم الظروف أن تترك الأم طفلها الرضيع سعياً وراء طموحها من خلال عملها أو لإكمال دراستها، ومن هنا كانت أفكار العديد من السيدات اللواتي قررن إنشاء دور حضانة ورعاية تستقبل الأطفال من سن الشهر، في سبيل إتاحة الفرصة أمام العديد من الأمهات لمواصلة حياتهن بشكل طبيعي وبلا عوائق. والأصعب هو مرحلة البحث عن دار حضانة تناسب الأم من حيث الموقع والتكاليف أيضاً. وتبقى السيدات ذوات الدخل المتوسط حائرات أمام صرف معظم رواتبهن على دور حضانة أو ترك العمل والتخلي عن مجال الدراسة، وينتظرن أن يكبر الأطفال ويذهبوا إلى المدرسة لمتابعة حياتهن. ومن هذا المدخل تستقصي «لها» آراء وتجارب لأمهات عاملات حول هذا الموضوع.
فضّلت الخادمة على الحضانة لرعاية أطفالها
جمانة عبد الله (27 عاماً) أم لثلاثة أطفال، رغبتها في مواصلة عملها لم تجعل من أطفالها عائقا لإكمال مسيرتها. ورغم فترة دوامها الطويل والمتعب، استطاعت إيجاد الحل، باستقدام خادمة للعناية بالأطفال، والاهتمام بأمور البيت في آن واحد. فكونها تقطن في مسكن والديها أزال اي خوف أو قلق تجاه ترك أطفالها مع الخادمة، وترى أنها بذلك وفرت أجرة الحضانات الباهظة، واستفادت أيضاً من وجود خادمة تهتم بأمور المنزل، وتحت نظر والديها.
«البحث عن حضانة مناسبة أمر تعجيزي»
البحث عن مكان آمن لطفلة لم تتجاوز السنة أمر بغاية الصعوبة والتعقيد، فإسراء بدح التي تعمل في مجال الأشعة فوق الصوتية في مستشفى الحرس الوطني، واجهت مصاعب في بداية بحثها عن الحضانة المناسبة، فمكان عملها البعيد وساعات دوامها الطويلة كانت عبئا ثقيلا على كاهلها. ولإصرارها على متابعة حياتها العملية وعدم تفويت فرصة وظيفة الأحلام، بقيت ما يقارب ثلاثة أشهر تبحث عن ما يناسبها. صغر عمر طفلتها التي أتمت الخمسة أشهر للتو، والتزامها بفترة عمل تقارب الثماني ساعات، مع ضرورة قرب مكان الحضانة من بيتها، جعلت الأمر تعجيزياً في البداية، فالكثير من الحضانات تعمل لفترة واحدة فقط، وأحياننا ملتزمة بعدد معين من الأطفال وما من مكان شاغر، أو لا تستقبل أطفال تحت سن السنة، أو أن كلفتها مرتفعة نوعاً ما... وبعد بحث طويل وجدت إسراء الحضانة المناسبة لطفلتها، ولكن خوفها من موضوع النظافة والاهتمام بمولودتها أوجد صعوبة في التعامل مع موظفات الحضانة في البداية، ولكن الأمر نجح بعد محاولات. وتقول إسراء: «ابنتي الآن تبلغ من العمر سنة ونصف سنة، والحمد لله هي الآن اعتادت على الحضانة، وعلى أصدقائها الأطفال، وهذا بالتأكيد نمّى شخصية ابنتي وجعلها اجتماعية ومنتظمة في مواعيد نومها، وتمارس نشاطات مع أصدقائها وتحظى بالكثير من التسلية. وأنا في اطمئنان تام عليها».
تنتظر أن يُتم طفلها العامين لتعود إلى العمل
كانت تجربة العمل بعد الإنجاب صعبة جدا على سارة الطويل (26 عاماً) التي كانت تعمل سابقاً مدرّسة لغة انكليزية في إحدى المدارس الخاصة. فرغم رغبتها القوية وعزمها على عدم ترك العمل، توالت العوائق أمامها، فالمدرسة التي تعمل فيها ليس لديها حضانة تستقبل أطفالاً دون العامين. وكانت فكرة وضع طفلها في حضانة في مكان آخر مكلفة مادياً. لذلك وجدت الحل الأمثل في الانتظار ليكمل طفلها العامين، ثم معاودة العمل.
موعد الاختبارات جعلها تتخبّط وألزم زوجها بأخذ إجازة من عمله
وعد عبد الجواد (18 عاماً) تزوجت في سن مبكرة وقبل إتمامها المرحلة الثانوية، وبعد زواجها بفترة بسيطة علمت أنها حامل. وبسبب متاعب الحمل وما تلاه من الولادة والاهتمام بطفلها الأول، أجّلت إتمامها دراستها. ولكن بعد إتمام طفلها عامه الأول عادت إلى الدراسة، وسجلت كطالبة منازل في الصف الثاني ثانوي. وكانت مشكلتها أن موعد اختباراتها كان يوافق موعد سفر عائلتها، مما جعلها تتخبط في مسألة المكان المناسب لترك طفلها الرضيع، ففكرت في وضعه في حضانة قريبه من منزلها، إلا أن نظام هذه الحضانة كان يحتم عليها الدفع الشهري المسبق، في حين هي كانت تريد إبقاءه فيها أسبوعين فقط. ووقتها عدلت عن ذلك واضطر زوجها لأخذ إجازة لمدة أسبوعين للبقاء مع طفله في فترة الاختبارات.
«تسلية طفلتي الصغرى دافعي لتسجيلها في حضانة»
ليست الدراسة أو العمل الدافع الوحيد الذي يجعل من الأمهات يسجلن أطفالهن في حضانات وهم تحت عمر العامين، فهبة فيصل (32 عاماً) أم لخمسة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 10 أعوام، فكرت في وضع ابنتها التي تبلغ من العمر عاماً ونصف عام في حضانة في الفترة الصباحية، وذلك لكون طفلتها تشعر بالملل وحدها بعد ذهاب إخوتها الأكبر سناً إلى المدرسة، وهو ما أثر ايجاباً على ابنتها، بحيث أصبحت تمارس نشاطات في الحضانة، وتتعرف إلى أطفال من عمرها، مما جعلها أكثر حيوية في البيت، ومستقلة بشخصيتها عن بقية إخوتها.
تترك أطفالها عند جارتها بأجرة رمزية
وتؤكد زينة عطا الله (31 عاماً) أن إنجاب الأطفال ليس عائقا للمرأة لممارسة عملها أو متابعة دراستها، فالخيارات كثيرة ومفتوحة أمامها، فهي استطاعت من خلال تجربتها إيجاد مأوى مناسب لطفليها المتقاربين بالعمر، واللذين لم يتما الثلاث سنوات. فمن خلال بحثها وجدت سيدة تعرفها وتسكن في مكان قريب منها، خصصت بيتها لاستقبال الأطفال ورعايتهم بمبلغ رمزي وبسيط، فكان ذلك مؤاتياً لظروف زينة التي لم تتردد في ترك أطفالها عند هذه السيدة.
مستعدة لاستقبال الأطفال في منزلها لحبها لهم
وتشير السيدة بهيجة عبد الله (42 عاماً) إلى كون كلفة الحضانات الباهظة جعلت العديد من الأمهات يلجأن إلى من يفتحن المجال لاستقبال الأطفال في بيوت، لكونها أقل كلفة، لتتناسب مع السيدات ذوات الدخل المتوسط والضعيف، وهذا ما كانت تفكر فيه هي شخصيا. فسكنها الكبير والمكوّن من طابقين، وتوفر ثلاث خادمات لديها جعلها تفكر في هذا المشروع، لحبها للأطفال ورغبتها في مساعدة الأمهات العاملات، وبأجر رمزي وبسيط.
الحضانة هي المجتمع الأول لطفل
مشروع إقامة حضانة ليس بالشيء السهل، هذا ما تشير إليه السيدة حنان إبراهيم خنكار مالكة روضة في جدة، والتي كانت تجربتها كأم عاملة وراء إنشاء هذه الحضانة، فرغبتها في مساعدة الأمهات العاملات جعلتها تتخطى صعوبات بعض الإجراءات التي أخذت منها الوقت والجهد، فحضانتها التي أنشأتها قبل ثلاث سنوات تقريباً، تستقبل الأطفال من عمر السنة إلى عمر الست سنوات، وتحاول السيدة حنان تطبيق معايير الأمان والنظافة بشكل أساسي، ومن ثم التعليم والترفيه من خلال بعض البرامج والمناهج المخصصة لكل عمر، إضافة إلى أهمية تحقيق الموازنة ما بين عدد الأطفال وعدد العاملات في الحضانة. وتلفت إلى أن للحضانة دوراً مهماً في تعديل سلوكيات الطفل وتعليمه كيفية التعامل مع الأطفال الآخرين وانضباطه بقوانين الحضانة، في جو آمن وملائم بحيث يجعل الأم مطمئنة وهي تمارس عملها أو تتابع تعليمها. وفي الحديث عن المشاكل التي تواجه العاملين في الحضانة تقول خنكار: «من أكثر المشاكل التي تواجهنا في الحضانة تسجيل الأمهات أطفالهن لمدة قصيرة، فيكون هناك أطفال معتادون على الحضانة ومنضبطون في قواعدها، وأطفال جدد تبدأ مرحلة تعليمهم ومن ثم رحيلهم بشكل سريع. ومن الخدمات المميزة التي تقدمها حضانتنا هي توفير اختصاصيات نفسيات يزرن الحضانة بشكل شهري، ويكتبن تقارير عن حالة الأطفال، بحيث يتم إعطاء بعض النصائح للأمهات أو إرشادهن إلى طبيب مناسب لعلاج بعض مشاكل الأطفال، والتي تتمثل أحياننا بكثرة الحركة أو العنف».
وتتمنى خنكار أن يكون هناك تسهيلات أكثر لإنشاء هذه المؤسسات التعليمية المهمة للنهوض بالمجتمع والمرأة، إضافة إلى تخصيص مبانٍ نموذجية لإقامة هذه المشاريع التي تحتاج إلى أن تكون هندستها وتصميمها مناسبين لاستقبال أطفال.
معايير الأمان والسلام ضرورية بكل حضانة لمصلحة كل الأطراف
وفي تجربة أخرى أنشأت مدرسة أكاديمية جدة العالمية حضانة لتغطية افتقار بعض الأمهات إلى وجود مأوى لأطفالهن أثناء فترة عملهن. وتقول شيماء الجعيد المسؤولة الإدارية في المدرسة، والمشرفة على قسم الحضانة:«توفر حضانتنا الأمان التام لجميع الأطفال، بحيث نستقبل الرضع من عمر الشهر إلى عمر السنتين في فئة الحضانة، وهذا ما يجعلنا حريصين على معايير عالية من النظافة، والاهتمام بمسألة عدد العاملات الموجودات ونوعيتهن ومطابقة جودة الأثاث للمعايير الآمنة للأطفال، إضافة إلى توفير كاميرات المراقبة في كل الغرف، ليتاح لكل أم الإطلاع على كل صغيرة وكبيرة. كما نوفر خدمة الرسائل القصيرة بحيث يتم إعلام الأم بأي طارئ، وإخبارها بعدد وجبات طفلها وعدد مرات تغير الحفاض، وبذلك تكون الأم مطمئنة تماماً».
وتضيف الجعيد: «الأطفال مسؤولية كبيرة تقع على عاتقنا، لذا لا بد أن نتميز في مستوى الخدمة التي نقدمها لنحظى بثقة الأم. أكثر ما يزعجنا ويقلقنا هو مرض أحد الأطفال، وعدم قدرة والدته على أخذه من الحضانة، فالخوف من مسألة انتقال العدوى إلى الأطفال الآخرين هاجس لدينا، مما يضطرنا أحياننا لعزل الطفل المريض ومراقبته واستشارة والدته بشأن الدواء المناسب له».
الأم هي الحضانة الأولى والأخيرة للطفل
وفي وجهة نظر مخالفة، تقول استشارية الطب النفسي وعلاج الإدمان ورئيسة القسم النسائي في مستشفى الأمل الدكتورة فاطمة كعكي «إن الأَولى هو اهتمام الأم بطفلها وبالذات خلال السنتين الأولى والثانية من حياته، فليس من الممكن أن تكون الحضانة أو الخادمة أحن على هذا الطفل من أمه». وتضيف: «أتمنّى أن يقام في كل شركة ومنشأة عمل سواء حكومية أو خاصة مكان خاص لحضانة أطفال الموظّفات. وعلى كل الأحوال إذا كان الوضع المادي جيد وليست بحاجة إلى دخل إضافي فما المانع أن تبقى الأم في البيت لرعاية طفلها في هذه الفترة الحرجة من عمره؟».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024