ثقافات شعبية تسيطر على أمهات متعلّمات وتجعل من المواليد حقل تجارب
أمهات متعلمات ومثقفات يقفن مكتوفات الأيدي أمام ثقافات شعبية وممارسات متوارثة تظن الأكثرية أنها تقي المولود أو تساعد على علاجه، فمنهن من لا تقوى على البوح باعتراضها على فكرة «الكوفلة» أو «التقميط»، لكي لا تنال نصيبها من النقد اللاذع وخاصة من أم الزوج، وأخرى سبّب رفضها لتكحيل مولودها الأول مشكلة عائلية ومقاطعة من أهل الزوج. وتبقى وجهة نظر هذه الشريحة أن هذه الممارسات الشعبية والمتعارف عليها ربّت أجيالاً، وليس هناك مجال للجدل وبالذات في ما يتعلق بطقوس المولود الجديد أو علاجه. هذه الطقوس والعلاجات تأخذ أشكالاً ومسميات غريبة وعديدة، أهمها «التقميط» و«التكحيل» و«الكي»، وكلها تأتي تحت جملة من المعتقدات المتوارثة، وهي لا تمت إلى العلم والطب بصلة، كما يؤكد الدكتور مخلص العم استشاري طب الأطفال والربو والحساسية في عيادات «فيرست كلينيك» في جدة، في هذا اللقاء...
«التقميط» أو «الكوفلة» ثقافة منتشرة في أنحاء العالم، يرى ممارسوها أنها تحفظ عظام المولود، وتمنع الأرجل من التقوس، وتسهم أيضا في مساعدة الطفل على الهدوء والنوم، دون أن يخدش نفسه بأظافره.
من الناحية الطبية لها آثار جانبية سلبية، فوضع الطفل بشكل مستقيم مع إحكام تربيطه، يساهم في إخراج رأس عظمة الفخذ من مكانها الطبيعي، مما يتسبب بـ «خلع ورك مكتسب»، وهذا يختلف عن خلع الولادة الطبيعي.
فعظمة الورك خلقت مفتوحة بشكل طبيعي، وعلاج هذا الخلع يقتضي عملية معاكسة تماماً لفكرة الضم أو «التربيط»، ويجري فتح الرجلين ووضع جهاز معين، أو زيادة عدد الحفاضات، لتساعد عظمة الورك على النمو بشكلها الطبيعي.
أما بالنسبة إلى معتقد أن «الكوفلة» تساعد على منع تقوس الأرجل، فذلك أيضاً ليس له أساس من الصحة كونها لا تقي ولا تعالج هذه المسألة، فتقوس الأقدام أما أن يكون له عارض مرضي أو طبيعي، والمرضي هو الأقل نسبة، ويكون مرتبطاً أحياناً بمشكلة لين العظام أو الكساح، ووقائياً يتم إعطاء فيتامين (د) يومياً للطفل.
ولا شك أيضا أن هذه الممارسة الخاطئة هي تقييد لحرية الطفل بشكل غير طبيعي، وتمنعه أيضاً من فرصة التعرف على جسمه.
رباط بطن وسرة المولود بقطعة معدنية ومشد الصدر
من الأفكار المغلوطة والمنتشرة محلياً وضع عملة معدنية على سره المولود مع ربطها بإحكام، لمساعدة السرة على الدخول والالتئام، وكذلك ربط البطن مع الصدر، لحماية الطفل من الخلع عند حمله، ولمنع تكوّن الغازات في منطقة البطن.
والصحيح أن رباط البطن مع العملة المعدنية لا يساعد لا على التئام السرة، ولا يقي من الغازات أو النفخة، كون العملية الهضمية مسألة داخلية، فالنفخة أو الغازات ترتبط بنوع التغذية والحليب وكمية السكريات.
كما يعد مشد الصدر لحفظ المولود من الخلع فكرة خاطئة أيضاً، فالقماش الرخو لا يعمل عمل الجبيرة، كما أن الأساس هو تعلم الطريقة الصحيحة لحمل المولود، والأربطة بجميع أنواعها لا تقدم ولا تؤخر في مسألة حماية الرضيع.
زيت الزيتون على جسم المولود لتقوية العظام أو ترطيب الجلد
دهن جسم المولود بزيت الزيتون ليس له ضرر، ولم يثبت أنه يسبب حساسية للجلد، ولكن مسألة مساعدته على تقويه العظام غير صحيحة.
أما بالنسبة إلى استخدامه بدافع ترطيب جلد المولود الذي قد يكون جافاً أحياناً، فهناك بدائل حديثه مثل الكريمات والمرطبات المنتشرة في جميع الصيدليات والمركبة بطريقة طبية تغني عن هذه العادة.
علاج الكحة والبرد بزيت السمسم
زيت السمسم مستحضر قوي جداً، ويعد دهنه على الجسم مباشرة من أشد أنواع مسببات التحسس عند الأطفال.
«تكحيل» المولود ورسم حاجبيه
تقضي هذه العادة بتكحيل المواليد الجدد، بغية زيادة كثافة شعر الرموش والحواجب، وتقوية النظر، مع إضفاء صورة جمالية على المولود.
وينفي الطب والعلم هذا المعتقد تماماً، فالشعر وكثافته ولونه، والنظر وقوته مرتبطة حصراً بالجينات الوراثية. وتعد هذه العادة خطراً على المولود، وبالذات في حالة الاستخدام المتعدد.
فمادة الكحل تكون عادة غير معقمة وتستخدم بشكل عشوائي من طفل إلى آخر. ولكن إذا كان قد تأكد الأهل من تعقيم الكحل، واستخدامه بشكل فردي، فلا مانع لإضفاء شكل جمالي لا غير.
المشروبات العشبية لمعالجة النفخة والغازات
تأتي الكراوية واليانسون على رأس تلك المشروبات التي تستخدمها الأمهات في معالجة النفخة والغازات، وتقدم للمولود بعد غلي الماء وتركه ليبرد.
والأَولى في الأساس هو الاعتماد على الرضاعة الطبيعية بشكل كلي لتجنب النفخة والغازات، ولمدة الأربعة أشهر الأولى على الأقل، تفادياً لمشكلة التحسس من حليب البقر أيضاً، فحليب الأم مكوّن من مركبات فريدة لا يضاهيها أي حليب اصطناعي، وهذا ما يجعله المشروب الأساسي والوحيد خلال فترة الأربعة أشهر الأولى.
في حالات عجز الأم عن إرضاع مولودها بشكل طبيعي، بإمكانها الاستعاضة بحليب مناسب لمولودها، والاعتماد عليه بشكل كلي دون إضافة سوائل أخرى، إلا في حالة تعرض الطفل لظروف حر شديد أفقدته سوائل من جسمه.
أما تعرض الطفل للمغص أو الغازات فمن الممكن علاجه عبر تغيير نوع الحليب، أو إعطائه علاجات حديثة أثبتت فعاليتها.
علاج «الكي» الشعبي
يعد العلاج بالكي طريقة شعبية متداولة، ومن أكثر الطرق سوءاً. ولحسن الحظ بدأ الناس يعون أن هذه الوسيلة لا تفيد في شيء.
تجنّب غسل المولود
تتباهى بعض الأمهات بعدم «تحميم» مولودها لمدة أسبوع، وذلك لاعتقاد الكثير من الأمهات أن استحمام المولود سيجعله عرضة للأمراض والإصابة بالبرد.
والصحيح أن النظافة ليست أحد مسببات الأمراض، خصوصاً إذا كان جو المنزل دافئاً نسبياً. ويجب أن يكون الماء بدرجة حرارة مناسبة للطفل أي نحو 37 درجة، مع التجفيف وتجنب الهواء المباشر، وبهذا لن يحدث للطفل أي مكروه.
تعريض الطفل للبخور والروائح العطرية والبودرة
هناك ارتفاع هائل في نسبة التحسس والربو لدى الأطفال، وتعد الروائح أحد الأسباب الرئيسة لحصولها، لذا تعتبر تنقية الهواء في البيت عن طريق فتح الشبابيك أمر مهم لتجنب حدوث الحساسية.
ويجب الابتعاد قدر الإمكان عن البخور والمعطرات والدخان ومواد التعقيم، وبودرة الأطفال أثبتت ضررها على المواليد، فهي مادة عند امتصاصها للرطوبة والسوائل تتحول إلى ما يشبه الطين الذي يسد المسامات في الجلد، إضافة إلى تأثيرها السيئ على الجهاز التنفسي.
نصائح ضرورية لكل أم يقدم الدكتور مخلص العم إلى الأمهات النصائح الآتية:
● لا بد أن تلم كل أم بأساليب الوقاية من «موت المهد المفاجئ» الذي يصيب حديثي الولادة. بعد دراسات أجريت في أوروبا أُكتشف أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لذلك: الحر الشديد، والنوم على البطن، والدخان.
وللوقاية يجب على كل أم الاهتمام بدرجة حرارة الغرفة بحيث تكون ما بين 20 و22 درجة، مع عدم تغطية الطفل بأغطية كثيرة، ووضعه على فراش قاسٍ، خوفا من اختناقه أثناء النوم، وتجنب وضعية النوم على البطن لكونها تزيد احتمال الموت المفاجئ بنسبة 15 في المئة، إضافة إلى إبعاد المولود قدر الإمكان عن روائح الدخان.
● الحرص على الرضاعة الطبيعية، واعتماد البساطة في ما يتعلق بتغذية المولود، دون إضافات أو تعقيدات.
● إعطاء الطفل حقوقه في تنظيم حياته وفق الروتين الخاص به، وليس الخاص بالأهل، فلا بد من تنظيم مواعيد النوم، والرضعات، وبدون شك سيضمن ذلك راحة للمولود أولاً، وللأم ثانيا.
● تجنب سماع النصائح والمقولات المتداولة في جلسات الشاي، فالأم أو العمة أو الصديقة، مهما كانت لهن تجارب عملية، ومهما ازداد عدد أولادهن، ليس لديهن خبرة طبية، ونصائحهن أحياننا قد تضر وتربك الوالدين، فالطفل ليس حقل تجارب.
● تثقيف النفس بالمعلومات المستقاة من الموارد الموثوقة، من خلال زيارات شهرية للطبيب الذي سيقدم النصائح الطبية الصحيحة، أو عن طريق الكتب ومواقع الإنترنت التي تتميز بمصداقيتها طبياً.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024