ذلك المساء
الوقت لي والليل طويل فعلاً مثلما تدّعي كلمات الأغاني. في العادة لا أعرف الأرق. أصحو في وقت مبكر لأنام منهوكة القوى في توقيت يعتبر مبكراً. كنت أفكّر في مَن عرفتهم قبل أن يكتبوا بإراداتهم وأيديهم نهايات أيامهم.
وما زلت عاجزة عن استيعاب جرأة التنفيذ. أحسست خلال ذلك المساء القريب بأنني أملك الوقت والرغبة في أن أبدّده على طريقتي. يمكنني الرسم برغم أنني لا أجيده.
يمكنني أن أستمع إلى الموسيقى، أو أن أقرأ مقالة أدبية تهمّني أو أن أفكر على مهل وبصمت في ما قرأته في الصباح الباكر وأعادني إليّ، إلى كهف كنت قد أغلقت مدخله بصخرة عملاقة.
لا يبدأ يوم من دون أن تطاردنا أخبار غير عادية، تفاصيل معارك تتأجّج حولنا، مفاجآت تكشف غباء الإنسان ووحشيته. لا يبدأ نهار من دون أن نقدّر نعمة الحياة لأننا بسبب ظروف المنطقة نحسّ بأن الموت أقرب إلينا من غيرنا.
قبل أن يحلّ ذلك المساء، صباح الثلاثاء الماضي، صحونا على خبر رحيل الممثل الأميركي روبن وليامز. محزن فقد صاحب موهبة تقترب من العبقرية، لكن المرارة والحيرة تسيطران عند معرفة أنّه وضع بنفسه حداً لحياته.
كيف يمكن أن يفقد صانع الابتسامات الثقة بالحياة؟ من هنا يتحرّك الألم. مخيف أن يضع حداً لحياته شخص طالما ظننا أنه امتلك أجمل ما في الحياة. اختار الممثل العبقري موتاً قاسياً وساخراً.
سخر من الحياة في الأفلام والكوميديا التي قدّمها، من الحرب والمرض وعيوب البشر، وأخيراً سخر من الموت. كثر سألوا: لماذا؟ كيف يستسلم للاكتئاب من اختار الضحك مهنةً؟ هل يكفي أن نقول إن المبدعين حساسون، يقلقهم الموت حتى ينساقوا إليه، ويتعلّقون بالحياة إلى حد إفلاتها في لحظة واحدة، «لحظة التخلّي» عنها.
يتخلّون عنها ليتخلّوا عن أنفسهم. أيهربون من الحياة أم من أنفسهم؟ أنتعلّق بالحياة لأننا نحبّها أم لأننا نحبّ أنفسنا؟ حتى في موته قدّم روبن وليامز أداءً مؤثراً، أم تراه كان المشهد الحقيقي الوحيد؟
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024