تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

كرامة

كرامة

الزحمة تضاعف وحدتي. أسمع أصواتاً كثيرة، أصوات أشخاص ولدت بينهم ولم أحس بالانتماء إليهم. ليست قسوة، هما الصدق والتواصل مع الذات اللذان أوصلاني إلى نتائج قديمة.
حسمت الأمور ومضيت. وما زلت مقتنعة بأنّ اختيار من نريدهم حولنا حقّ لا يجب أن نخجل منه. الحياة قصيرة، فلنختر مَن يمكن أن نسمّيهم رفاق أيامنا ومَن نحرص على ألا تفصلنا عنهم مسافات.

كأنني أجلس وحدي في غابة من الوجوه. تصلنا الأخبار القاسية ويصعب أن نصدّقها. أقرأ الصحف العربية لأفهم. أتنقّل من «قصيدة» تصف أوضاعنا إلى «قصيدة» تبكيها. عدت غير قادرة على تحمّل هذا النوع من «القصائد».
هي كلمات ينقصها العمق والتحليل. كلمات تحرّك العواطف ولا تتحرّك أو تقول ما يجب أن تقوله. وفي معظم الصحف الغربية يتذرّعون بـ«النزاهة الإعلامية» لخوفهم من نقل الحقيقة.
فالأقوياء قادرون على إلحاق الأذى المعنوي بهم، على معاقبة إعلامي احترم ضميره. لكن في العصر الرقمي، في زمن وسائل التواصل، يصعب إخفاء الحقيقة، كما أنّ أعداد الضحايا لا تكذب ولا صور الأطفال.

الإنسان بارع في الكذب. وإنسان أيامنا هذه «المتطوّر» «المتحضّر» يركض إلى الوراء. كلُّ ما ظنّنا أننا حققناه وتجاوزنا به ما يكبّل إنسانيتنا ويضعفها اتّضح أنّه وهم. العالم قاس وشرس ومقسوم، عالم أول يدّعي الرقيّ ويعيش على دماء عالم تقرّر أنّه ثالث أو رابع أو عاشر.

أتفلسف ثم أهرب. حالة الإنكار التي تنتابني أعرفها جيداً. أنام لأهرب من وجع ما، أغمض عينيّ لأركّز على النسيان. أقول إنني لا أريد أن أكتب كلمات هي قصائد لا تقدّم ولا تؤخر. لم يفد وصف الواقع شعراً ولا يفيد ولن يفيد. لم يفدنا الشعر دوماً. كلماته أوهام أمجاد صدّقناها وبنينا عليها ثقافتنا.
كيف نسجّل الموقف؟ كيف لا نكون حياديين. «فلنجرّب الصراخ»، قلتُ. لنتوقّف عن التصرّف كأنّ الحياة تمضي «على طبيعتها»، كأننا بألف خير. لسنا بخير. لكن أين نصرخ؟ أنصرخ في شوارع لا تبالي بموت غيرها بسبب موتها.
نعم، لقد متنا. منذ أكثر من حرب متنا، لذلك لا نبالي. وربما نبالي ونغمض عيوننا، يبيدون أطفالنا ولا يردعهم شعرنا. فلنبحث عن وسيلة أخرى، كي لا نقول «سلاحاً» آخر، لنبحث عن كرامتنا.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077