وجوه ناعمة في حرب بشعة … مقاتلات سوريات في حلب
تناضل المرأة العربية للحصول على حقها في المساواة مع الرجل في مختلف المجالات الحيوية. أما المجال المميت؟... هي مهدورة الحقوق بشكل عام، لكن حين يتعلّق الأمر بإهدار الدم، هل يختلف المشهد؟ يبدو ذلك مطلباً مستجاباً على أرض المعركة في سورية. لا داعي للمطالبة بل حُمل السلاح وضغط الزناد ليُراق مزيد من الدماء في مدينة حلب التاريخية، النبض التجاري السوري الشمالي الذي توقف. هي الجندية السورية التي خرجت من دائرة الجندر إلى المساواة الأخطر.
هل هو الإنتماء الوطني أم الوجع الشخصي بعد فقد الزوج أو الوالد أو الإثنين؟ أم هو الخروج النهائي عن الصمت بعد فقد العائلة والوطن؟ مقاتلات سوريات بهويات وهيئات مختلفة ارتدين السترات العسكرية وأبقين ملامح أنثوية من تاريخ ما قبل الثورة (آذار/مارس 2011)، منديل منقوش بالورود ونظارات شمسية مرصعة بالأحجار البراقة وجزمة بكعب مرتفع قد تفقد وقع خطواتها في أي لحظة بين شوارع حلب...
القناصة غيفارا... مدرّسة اللغة الإنكليزية السابقة
هي مدرّسة اللغة الإنكليزية السابقة (36 عاماً) التي أصبح لقبها «قناصة حلب». اسمها «غيفارا» تيّمنا بالزعيم الثوري الارجنتيني، وكان الاسم موضة في السبعينات في الوسط اليساري العربي وعلى الأخص لدى الأسر الفلسطينية اللاجئة التي كانت تعيش حالة الثورة يومياً... تحمل بندقية «فن فال» الآلية البلجيكية، أو كلاشنيكوف معدلة للقنص روسية الصناعة… تجلس على كرسي أسود أخرج من إحد المكاتب المدمرة. ثم تختبئ لتترصد. تدخل مبنىً سكنياً من الجدار ولا تخرج من الأبواب بل من كوّة في جدار آخر، تجاور كرسي المرحاض وإمدادات المجاري. بدت امرأة تحب تنسيق مظهرها وتحب أن تبدو جميلة. كانت ترتدي سترة عسكرية وبنطلون جينز وتنتعل جزمة كاكية منسجمة جداً مع الألوان المتاحة في الحرب. ترتدي الحجاب وتضع الآيلاينر ونظارتين شمسيتين بإطار أخضر يتماشى مع ألوان الحرب أيضاً.
بحاجبين معقودين، تنظف سلاحها وهي تجلس بين المباني المنكوبة حيث يتمركز الجيش النظامي على مسافة أمتار في منطقة صلاح الدين. تبدو الخلفية وراءها مشهداً من فيلم حرب.
قُتل طفلاها بغارة جوية؟
قال البعض إن طفليها قتلا بغارة جوية لكن «المعلومة» غير صحيحة… فقد حدثتني غيفارا عن عدد من طلابها تظاهروا وقتلوا مما دفعها الى حمل السلاح… ولم تتحدث عن طفليها.
اللواء الكردي
لم تستثنِ الظاهرة النسائية - التي شكلتها الحرب - الأكراد الذين حصلوا على الجنسية السورية بعد الثورة. يزعم اللواء الكردي النسائي أنه مسؤول عن حماية ناسه. شابات جذابات بملامحهن وإن حملت بعضهن علب سجائر وحاولن التخلّي عن أنوثتهن أمام الرجل. هن جنديات محترفات من «وحدات الحماية الشعبية» التي هي نوع من جيش أو ميليشيا كردي يهتم بحماية الاحياء التي يسكنها سوريون أكراد.
حيّ «الشيخ مقصود» في شمال غرب مدينة حلب
هنا المقاتلات يلبسن الجينز والتي شيرت، بعيدا عن النقاب. اتخذن من صالون نسائي لتصفيف الشعر مقرهن الموقت وقائدة المجموعة عمرها ٢٩ سنة واسمها انغيزك… وتحت أوامرها عدد من المقاتلين من الرجال والنساء بلا أي فرق أو تفريق. أسأل انغيزك إن كان عملها الميداني والعسكري يتماشى مع حياة عائلية وتكوين أسرة يوما ما… فتجيب: لا، نحن الثوار لا نتزوج. ونمضي حياتنا هكذا لا يمكنني أن أمضي وقت مع زوج أو مع أطفال فلماذا أظلمهم؟
انغيزك تتجول في شوارع «الشيخ مقصود» لتتفقد عدداً من المواقع واللاسلكي في يد والمسدس على صدرها وهنالك حراس معها يحملون بندقية كلاشنيكوف الروسية …
اسألها عن دور المرأة في الثورة السورية فتقول لي ان المرأة السورية عليها أن تقوم بثورتين … الثورة الاولى هي على النظام والثورة الثانية هي على المجتمع الذي لا يزال يعتبر المرأة قاصراً او عنصراً ليس له دور أو مكان في المجتمع خارج البيت والطبخ والاهتمام بالأطفال...
الكتيبة الملثّمة الكلاشنيكوف والنقاب
مجاهدات الإخلاص (ام فادي)
تقول ام فادي المسؤولة عن مجموعة «مجاهدات الاخلاص» التابعة لكتيبة «غرباء الشام» ويأتي اسمها من القول المأثور «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء»، ان المرأة السورية تعاني اكثر من الرجل في ظل الثورة فهي تُغتَصَب وتفقد اطفالها وتشوّه وتعذَّب بأبشع الأشكال… وتضيف انها تظن ان المرأة قلبها طيب الا انها اقسى من الرجل في الميدان ولا تتردد في الرد ورمي الرصاص وانها لا ترحم… وأم فادي هي أم لعشرة اطفال ويكون احيانا اصغرهم معها خلال جلسات التدريب او تنظيف السلاح مع نساء مجموعتها .
تبدي النساء الناشطات تخوفاً من الضغط الذي قد تمارسه الجماعات المتشددة الذين سيقسطون أي دور ريادي للمرأة.
بين الداعمات للنظام السوري الحاكم ثمة نساء يحرسن نقاط التفتيش ويشغلن مهمات في عمليات الأمن دعماً للجيش السوري. أما على المقلب الآخر، فالنساء يهرّبن الأسلحة وينقلنها ويزودن الرجال بالذخائر ويحاربن أحياناً كما يشكلن ألويتهن الخاصة. هذا يعطي الحرب الأهلية السورية ملامح أخرى، حيث وجود المرأة على الأرض قتالاً ونقلاً للأخبار كمراسلة ومعاونة وناشطة. في كل هذه المجالات تشغل المرأة دوراً عسكرياً جوهرياً.
تشكيك بقدراتهن
حتى الرجال لا يصمدون
آلاف النساء انخرطن في القتال، لا يمكن إحصاؤهن لخطورة الوضع وعشوائيته، لكنهن في طرفي القتال موجودات بقوة. في المعسكر المعارض للنظام، ثمة أكثر من لواء نسائي رغم أن البعض يعارض حضورهن العسكري ويحصر وظيفتهن في المنزل. ويشكك بقدراتهن فحتى الرجال لا يصمدون أحياناً. في المرحلة الأولى وقبل الدخول في دوامة العنف، كانت النساء ينظمن التظاهرات والإحتجاجات. لكن حين دخلت الثورة نفق الحرب، اتخذت النساء أدوراً لوجستية مساندة، تسليم الذخيرة والمال والأسلحة والمساعدات الطبية والطعام والملابس للمقاتلين. بعضهن ينشطن في مكاتب التنسيق. نساء من كل الأعمار ومن خلفيات اجتماعية مختلفة «تورطن» بالنشاطات العسكرية من الطبخ إلى القتال إلى إدارة عمليات معقدة وخطرة. كما حدثنا البعض في حلب عن نساء أُسندت اليهن ادوار تجسسية من اغراء ضباط من النظام على الهاتف واستدراجهم الى موعد غرامي كان مكمناً احكمه الثوار، او من دخول دار او ثكنة على انهن عاملات تنظيف بشكل وبلباس بسيطين ومن الداخل يمكنهن معرفة ساعات تحركات بعض الضباط او العاملين مع النظام.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024