تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

الزوج ناشز فهل من حق الزوجة تأديبه؟

د. فوزية عبد الستار

د. فوزية عبد الستار

د. فايزة خاطر

د. فايزة خاطر

د. سعاد صالح

د. سعاد صالح

د. عبلة الكحلاوي

د. عبلة الكحلاوي

د. مبروك عطية

د. مبروك عطية

د. نصر فريد واصل

د. نصر فريد واصل

«نشوز الزوجة»، اتهام جاهز عند كل زوج لا يعجبه أحد تصرفات زوجته، لكن ماذا عن الرجل؟ هل هناك تصرفات يمكن معها اعتباره ناشزاً أيضاً؟ وفي هذه الحالة كيف يمكن للزوجة تأديبه؟ وهل يختلف أسلوب تأديب الزوج الناشز عن أسلوب تأديب الزوجة الناشز؟
علامات استفهام عديدة يطرحها حكم قضائي جريء صدر أخيراً عن محكمة الأسرة في مصر، باعتبار أحد الأزواج ناشزاً ومن حق الزوجة تأديبه.

فاجأت محكمة الأسرة الجميع في جلسة النطق بالحكم، في الدعوى التي أقامها زوج يطالب فيها باعتبار زوجته ناشزاً لخروجها عن طاعته، بإصدار حكم ضد الزوج نفسه، قائلة له بعد الاستماع إلى الزوجة «أنت الناشز».
تعود وقائع القضية إلى عدة شهور مضت، عندما انفجر الخلاف بين الزوجة الشابة وزوجها بعد زواج أثمر عن طفل صغير، إلا أن المشكلات كانت كثيرة ولم تجد الزوجة أمام تصرفات زوجها الطائشة إلا إعلان حالة العصيان والمواجهة المباشرة، قالت له: «كنت أعتقد أن اختياري كان صحيحاً باعتبارك الزوج والحبيب والأخ والصديق، لكنك كسرت خاطري وضيعت أملي، وحاولت إصلاحك عدة مرات لكنني فشلت، ولكنك نجحت فقط في قطع أواصر الحب بيننا، وتحملت من أجل ابني، لكنك لم تنصلح من أجل ابنك ولا أمل في الإصلاح، وجاء رد الزوج مثيراً جداً، فقد جمع ملابس زوجته في حقيبة وطردها من منزل الزوجية وهي تحمل ابنها الصغير.

جلست الزوجة في منزل والدها عدة أسابيع، وفوجئت من زوجها يطالبها فيها بالدخول لطاعته، استفز تصرف الزوج زوجته وبدأت على الفور بمساعدة محاميها في اتخاذ بعض الإجراءات القانونية ضده، مستعينة بعدد من الجيران والشهود ولم تنصفها محكمة الأسرة في أولى درجات التقاضي، حيث رأت أن ما ساقته الزوجة من أسباب لا يعطيها الحق في رفض الدخول إلى طاعة زوجها، وحكمت لصالح الزوج بأن زوجته ناشز ولا يحق لها أي حقوق زوجية لديه.

لم تيأس الزوجة وحملت أوراق قضيتها إلى محكمة استئناف أسرة القاهرة، وقالت أمام هيئة المحكمة: «كيف أكون ناشزاً وأنا الضحية؟ لقد طردني زوجي وأهانني ولم يحترم قدسية الرباط المقدس بيننا، وأنا لا أتكلم كلاماً مرسلاً فهذه مستنداتي، ومنها قرار من المحامي العام بتمكيني من شقة الزوجية، وحكم من محكمة الجنح بإدانة زوجي بالحبس ستة أشهر لقيامه بطردي من شقة الزوجية، وهذه شهادة الشهود والجيران».

وقد أنصفتها المحكمة وأصدرت حكمها بإلغاء الحكم الأول، لأن محكمة أول درجة لم تطبق صحيح القانون، لأن الزوجة لم تخرج من طاعة زوجها بل زوجها الذي طردها وتعدى عليها وحرمها من حقوقها الشرعية، بهذا يكون الزوج هو الناشز وليست الزوجة، ومنح الزوجة الطلاق للضرر والحصول على كل حقوقها كاملة، مع التعامل القانوني مع أي تصرفات غير منضبطة للزوج تجاه زوجته وطفلها عن طريق قانون العقوبات.


نشوز
الزوج

يوضح الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، أن النشوز في اللغة معناه «الارتفاع والعلو»، أما في الاصطلاح الشرعي فهو يعني «الخروج عن الواجبات التي تطلب من الزوجين في إطار الأسرة، لأن كلاً من الزوجين له حقوق وعليه واجبات، وإذا لم يلتزم بواجباته أعتُبر ناشزاً».
وأشار مبروك إلى أن نشوز الزوجة هو امتناعها عن أداء حق الزوج أو عصيانه أو إساءة العشرة معه، وبالتالي فإن كل امرأة صدر منها هذا السلوك ناشز، ونفس الحال في وصف نشوز الزوج، هو عدم قيامه بواجباته الزوجية.

وكشف أن نشوز الرجل أخطر وأشد على حياة الأسرة من نشوز المرأة, ذلك أن الرجل له دور كبير ومؤثر داخل الأسرة، فهو الراعي لها والقوَّام عليها وفقا للنصوص الشرعية، حيث قال الله تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ ....» آية 34 سورة النساء، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته».

وأنهى الدكتور مبروك عطية كلامه بالتأكيد أن من حق الزوجة تأديب زوجها الناشز بالحسنى والرفق واللين، عن طريق النصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم»، فإن لم يسمع للنصيحة الطيبة يتم إجراء محاولة للصلح من أسرة الزوجين، فإن فشلت يتم اللجوء إلى ولي الأمر أو القاضي المفوض بإعطاء كل ذي حق حقه وعقاب الزوج الناشز.


حقوق
وواجبات

تؤكد الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق جامعة الأزهر، أنه قد ينشز الرجل مثلما تنشز المرأة, وانطلاقاً من المساواة في الحقوق والواجبات بين الزوجين فإن للزوج حق تأديب زوجته إذا كانت ناشزاً، حيث يبدأ التأديب بالوعظ ثم الهجر بالمضاجع ثم الضرب الخفيف بضوابطه الشرعية، لقوله: «.... وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً» الآية 34 سورة النساء.

وأوضحت أن الزوج قد يكون ناشزاً أيضاً ومن حق زوجته تأديبه، لكن بأسلوب مختلف عن طريق الحكماء من أهله وأهلها ليقوموا بمحاولة الصلح بينهما لقوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» الآية 35 سورة النساء.

عن الأسباب التي يمكن من خلالها وصف الزوج بأنه ناشر، قالت الدكتورة فايزة: «يعد الزوج ناشزاً إذا لم يتق الله في زوجته وقصّر في حقوقها متعمّداً، مخالفاً أوامر الشرع، فمثلاً نجده يخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تطعمها إن طعمت، وتكسوها إن اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت ولا تضربوهن ولا تقبحوهن»، أو من يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره المثل الأعلى للأزواج مع زوجاتهم، ووصف نفسه قائلاً: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».


خطوات

 عن إمكان اعتبار الزوج الذي يضرب زوجته بشدة أو حتى يعنفها باستمرار ناشزاً، يقول الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر سابقاً: «الضرب الوحشي الذي لا يصدر إلا عن زوج همجي مرفوض شرعاً، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تضربوا إماء الله» وبعدها جاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: ذئرن النساء– أي اجترأن على أزواجهن– فرخّص في ضربهن، فأطاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رسول الله: «لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشتكين أزواجهن ليس أولئك بخياركم»، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم».

 وعن علاج الرجل الناشز من الناحية الشرعية قال الدكتور نصر: «قد يخرج الرجل في معاملته لزوجته عن ضوابط الشريعة الإسلامية وآدابها، إلا أن الزوجة تملك في هذه الحالة العديد من الوسائل، أولها النصح والموعظة برفق والعفو والصفح إذا صلح حال الزوج الناشز لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «من أُعطي حظه من الرفق، فقد أُعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق، فقد حرم حظه من الخير». فإذا فشلت في إصلاح الزوج الناشز أو المسيء برفق، فتكون وسيلة الإصلاح الثانية من خلال الاستعانة بحكماء الأسرة من أهلها وأهله، حيث قال الله تعالى: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» آية 128 سورة النساء.

  وأنهى الدكتور نصر فريد كلامه، بأن الوسيلة الثالثة لعلاج الزوج الناشز تكون بأن يلقى عقابه، لكن دون أن تعرّض الزوجة نفسها للخطر، ويكون ذلك بشكواه إلى القاضي كي ينتصر لها وينزل بزوجها الناشز العقوبة المناسبة، وقد تصل إلى السجن وغيره، وفي نفس الوقت يحكم القاضي لها بالطلاق للضرر مع المحافظة على كل حقوقها وحقوق أولادها في الحضانة والنفقة، فهذا هو منهج الشريعة الإسلامية في إنزال العقوبات على مستحقيها وإنصاف المظلومين.


حكم
جريء

أشادت مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، بالحكم الجريء لمحكمة استئناف الأسرة، ودعت مختلف محاكم الأسرة في العالمين العربي والإسلامي لأن يفعِّلوا النصوص القانونية الخاصة بحق الزوجة في تأديب زوجها الناشز، مثلما هو الحال في تفعيل نصوص حق الزوج في تأديب الزوجة الناشز، وفي هذا إنصاف الشرع لها، حيث قال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» آية 97 سورة النحل.

وأشارت الدكتورة سعاد، إلى أن الفقه الإسلامي، رغم اتهام البعض له بأنه «ذكوري»، لكنه منصف في بيان حق الزوجة في تأديب زوجها الناشز بالحسنى، وذلك بأن تطلب من القاضي تأديبه إذا لم يعاملها زوجها بالمعروف، فمثلاً حسب مذهب الإمام مالك فإن على القاضي أن يعظه، فإذا لم ينفع الوعظ حكم القاضي للزوجة بالنفقة، ولا يأمر له بالطاعة وقتاً مناسباً، وذلك لتأديبه وهو مقابل الهجر في المضاجع، فإذا لم يصلح ذلك الزوج حكم عليه بالضرب بالعصا»، وهو ما يقابل العقوبات القانونية حالياً.

وطالبت مفتية النساء بأن يؤخذ برأي مالك في قوانين الأحوال الشخصية في الدول الإسلامية والعربية، منعاً لشطط الرجال في إساءة معاملة الزوجات، لأن الإسلام يرفض ظلم النساء، فقال صلى الله عليه وسلم « إنما النساء شقائق الرجال».


تصرفات

تعرض الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، لبعض التصرفات التي إذا قام بها الزوج انطبقت عليه تسمية «ناشز»، قائلةً: «اجتهد الفقهاء في ذلك فجعلوا من نشوز الزوج تركه معاشرة زوجته بدون عذر وإعراضه عنها بوجهه والامتناع عن مجالستها لتأنس به في حياتها العادية، أو عدم العدل بين الزوجات إذا كان من متعددي الزوجات، وقد أشار القرآن الكريم إلى نشوز الزوج، وبيَّن حل تلك المشكلة فقال تعالى: «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا» آية 129 سورة النساء، بوجه عام فإن كل زوج لا يتقي الله في زوجته ويخالف تعاليمه متعمداً فهو زوج ناشز يجب تأديبه بالتدرج.

  وأوضحت الدكتورة عبلة أن الزوجة يحق لها رفض نشوز الزوج أو التعامل معه حتى تستمر الحياة الأسرية، ولهذا قال الإمام مالك «إن المرء إذا نشز عن امرأته أو أعرض عنها فإن عليه من الحق أن يعرض عليها أن يطلقها أو تستقر عنده على ما رأت من الأثرة في القسم من نفسه وماله، فإن استقرت عنده على ذلك وكرهت أن يطلقها فلا جناح عليه فيما آثر عليها به من ذلك. وإن لم يعرض عليها الطلاق فصالحها على أن يعطيها من ماله ما ترضى به وتقر عنده على تلك الأثرة في القسم من ماله ونفسه صلح ذلك وجاز صلحهما عليه، وذلك الصلح الذي قال الله عنه: «فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ» الآية 128 سورة النساء.


إنصاف
قانوني

تطالب الدكتورة فوزية عبد الستار، الأستاذة بحقوق القاهرة والرئيسة السابقة للجنة التشريعية بالبرلمان المصري، الفقهاء وخبراء القانون بالاشتراك معاً في صياغة تشريعات منصفة للمرأة، التي ظلمتها تقاليد ذكورية ظالمة على مدى قرون طويلة، مما جعل كثيراً من الظلم يقع عليها باسم الدين، وهو من ذلك براء تماماً، لكنها الثقافة الذكورية التي ترتدي عباءة الدين في عصور الضعف.

وأشارت إلى أن الفقهاء عرَّفوا النشوز بأنه خروج عن الواقع الذي أقرّه الشرع والقانون، فمثلاً الأصل في قيام الزوجية هو الحقوق والواجبات المتبادلة، فنجد أن طاعة الزوجة لزوجها تكون في المعروف أو طاعة الله، فإذا خالفته دون عذر وجبت طاعته قضاء،ً وإذا لم تلتزم قُضي بنشوزها عن العلاقة العقدية التي نظمها عقد الزواج، وفي الوقت نفسه إذا تقاعس الزوج عن أداء ما عليه من حقوق، مثل الإنفاق على زوجته أو توفير منزل مناسب للزوجية، أو غيرها من حقوق الزوجة عليه، يكون هنا ناشزاً يجب التعامل معه من خلال الدين والقانون، بما يصلح حاله مع وضع مصلحة الأسرة في الاعتبار.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080