تأخر النطق عند الطفل أسبابه كثيرة
«سامي قليل الكلام فيما جاد ينطق الكلمة بشكل طريف، أما أمين فإنه يفكّر قبل أن يتكلّم ويخلط لغتين في جملة واحدة».
فهل يعاني هؤلاء الأطفال مشكلة في الكلام؟ هناك أسباب كثيرة وراء تأخر النطق عند الطفل، منها بيولوجية مشكلة في السمع مثلاً، أو إجتماعية عندما لا يحاور الأهل الطفل.
لماذا يتأخر بعض الأطفال في الكلام؟
يتأخر الطفل أحيانًا في الكلام بسبب الأهل الذين يلبّون كل رغباته من دون أن يتكلم، وهذا ما يجعله يقتصد في كلامه فهو ليس مضطرًا للكلام أو التعبير أو الدفاع عن نفسه طالما أن كل ما يريده يُنفّذ.
فإذا أراد الطفل مثلاً أن يشرب وأشار إلى أمه بيده يمكنها عوضًا عن تلبية رغبته فورًا، أن تسأله ماذا تريد؟ وإذا أعاد الإشارة تردّ: «لا أفهم عليك قل لي ماذا تريد».
تسأله «لماذا أحضرت الكوب؟ آه هل تريد ماء ؟ أنت عطشان». فمن السهل تلبية رغبته ولكن من الضروري تحفيزه على الكلام.
لذا فإنّ إرسال الطفل إلى الحضانة في هذه السن أمر جيد لأنه يعوّد الطفل على كل هذه الأمور. فالحضانة تضع الطفل في موقع أنه ليس ملكًا والكل في خدمته، بل هناك أطفال مثله والكل لديهم الحقوق نفسها. مثلاً إذا كان يلعب بالكرة وجاء طفل آخر أخذها منه في هذه الحال سوف يعترض.
ما معنى «تأخّر حادّ في النطق»؟
أي أن الطفل يبدأ الكلام في سن متأخرة، يقول كلمات قليلة لا يعرف ربطها في جملة واحدة أو جمله غير مرتبطة ببعضها، أي جمل قواعدها خطأ مثل «ألعب طابة، أو روحي سيارة».
في هذه الحالة لا يمكن الطلب منه إعادة الكلمة أو الجملة لأنه سيكرّر الخطأ. مثلاً إذا طلبت منه نطق كلمة «دب» يقول «جب». ثم تعيد عليه دب فيرد حب. وهذه الفئة من الأطفال تساعدهم القراءة الكثيرة في لفظ الكلمات وتركيب الجمل.
ما هي السن المناسبة لإجراء فحص عند مقوّم النطق؟
إذا كان الطفل يقلب الكلمات من الضروري إجراء فحص بدءًا من السنتين والنصف. لذا فخلال الزيارة الأولى يتمّ إجراء تقويم لحالة الطفل وطرح الكثير من الأسئلة على الأهل لمعرفة المشكلة. فمثلاً هناك أهل يقولون إنّ طفلهم تعلق معه الكلمة بينما يكون الطفل يتأتئ، أو لديه تأخر في الكلام أو أن الطفل يخجل ... لذا يتأكد الإختصاصي ما إذا كان لدى الطفل ضعف في العضلات ، أي ما إذا في كان إمكانه نفخ خديه أو الصفير أو زمّ خديه... ويعاين عضلات اللسان الخاصة بالكلام، فإذا كانت قصيرة لا يمكنه لفظ اللام ضروري التأكد من ذلك. ولكن الطفل الذي يتأتئ لا تكون هذه العضلة هي سبب المشكلة. فللتأتأة أسباب أخرى مثلا غنج أو عادة أو صدمة.
كيف يجري تقويم حالة الطفل؟
دور اختصاصي تقويم النطق في البداية هو البحث عن الأسباب التي وراء تأخر الكلام، وهي:
- نقص في التحفيز: يعني إذا كان الطفل يجلس طويلاً أمام التلفزيون أو لا يوجد أحد يتكلم معه فمن الطبيعي ألا يتكلم. فالتلفزيون لا يعلّم الكلام لأنه ليس تفاعليًا.
- ضعف في السمع: من الطبيعي ألا يتكلم الطفل، فهو إذا لم يكن يسمع كيف يمكنه الكلام.
- نقص في الفهم والذكاء: أي إذا كان معدّل الذكاء عند الطفل منخفضًا فمن الطبيعي أن يتأخّر في الكلام.
- إذا كان الطفل يعاني مشكلة التوحّد Autism: ولكن هذا لا يعني أن الطفل إذا تأخّر في الكلام يعني أنه طفل مصاب بالتوحّد، بل أنّ الطفل المصاب بالتوحد قد يتأخّر في الكلام.
هل صحيح أن هناك كلمات أسهل على الطفل لفظها؟ مثل بابا يلفظها قبل ماما؟
الطفل يكتشف الكلام بطريقة عفوية فخلال مناغاته والتي نسمّيها لعبة عضلة اللسان يصطدم بسقف الحلق فيُصدر صوتًا مثل «الإغ»، تُسرّ الأم وتبدأ بمناغاته وهذه بداية الحوار الفعلي.
وغالبًا ما يكون الطفل خلال هذه المرحلة ممدّدًا على ظهره، وفي مرحلة لاحقة عندما تقوى عضلات جسمه ويصبح في إمكانه الوقوف، يقول كلمة «با» قبل «ما» وهذا طبيعي، والمضحك اللغط الذي يحدث عندما يقال إنه يحب أباه أكثر من أمه والحقيقة أن لفظة «البا» ترافق الفترة التي تقوى فيه عضلات الطفل ومع مرحلة الوقوف، بينما يقول الـ «ما» عندما يكون ممدّدًا على السرير.
ومن الملاحظ أن الطفل في هذه السن يقول الكلمات التي يتكرر فيها الحرف مثل «بابا، ماما، تيتا،...» لأنها أسهل على اللفظ ومن الطبيعي أن يقولها في شكل سريع.
هل ترتبط مشكلة اللفظ بتشوّه النطق؟
مشكلة اللفظ هي اللدغ، إذا كان الطفل يلدغ فهذه المشكلة لا تؤثر في نفسيته، فهناك الكثير من الشخصيات المشهورة يلدغون حرف الراء.
وهذه ليست تشوهًا بل مشكلة تعالج بعد سن الثامنة لسبب بسيط، فهذا الحرف في حاجة إلى أن تكون عضلة اللسان قوية للفظه في شكل سليم. بينما حروف جيم والشين والسين والزين هي أكثر الأحرف تعرضًا للمشاكل فلفظها يتطلب دقّة لأن الطفل يُخرج لسانه ومن السهل أن تختلط عليه.
ويبدأ علاج مشكلة لدغ الأحرف الآنف ذكرها في سن الخامسة لأن هذه الصعوبة سوف تتراكم مع بدء القراءة باللغة العربية، وهي أحرف تشبه بعضها فإذا أعاد التلميذ ما قالته المعلمة بشكل خاطئ، قد يكتب كما لفظ هو وليس كما لفظت المعلمة.
في سن الخامسة يُجري مقوّم النطق فحصًا ليرى درجة وعي الطفل، وبناء عليه يحاول أن يجعله يلفظ بشكل صحيح. أما إذا كان الطفل لا يزال غير متمكن فيؤخّر العلاج.
متى تكون المشكلة معقّدة؟
عندما يكون لدى الطفل شفة أرنب أو سقف الحلق مشقوق. ولكن صار الطبيب يتنبّه إلى هذه المشكلة في وقت مبكر ويجري للطفل عملية بسيطة. غير أن هناك بعض الأطفال لا يستطيعون التحكّم في سقف الحلق ولديهم ضعف في عضلات اللسان. ومع ذلك فكل مشكلات اللفظ عمومًا من السهل حلّها.
هل صحيح إذا كان أحد الوالدين يلدغ فإنّ الطفل حكمًا سيلدغ؟
إذا كانت الأم تلدغ من الطبيعي أن يلدغ الطفل، لذا يطلب منها مقوّم النطق أن تسمح لطفلها بالتواصل مع راشدين آخرين ليطوّر نطقه.
هل تقليد الأهل كلام الطفل أو ما يعرف بالـ Baby Talk يؤخّر نطقه الصحيح؟
يصدر الطفل أصواتًا لا معنى لها ولكن الذي يحدث أن الأم تحدّد له معنى هذه الأصوات، فمثلاً عندما يقول «ابا» تقول له بابا، أي أنّ الطفل يصدر أصواتًا غير موجودة في اللغة، ويؤدّي تفاعل الأهل مع هذه الأصوات وتحديد معناها إلى بقاء الصوت، فيما تختفي الأصوات التي لا معنى لها.
فكلما سمع الطفل كلامًا واضحًا وصحيحًا تحسّن نطقه وتطوّر. لذا من الضروري ألا يجاري الأهل طفلهم في نطقه الخطأ أي التحدث معه بلغة الـ Baby talk مثلاً يقول الطفل «توتولا» على الأم أن تعيد وراءه «شوكولا» شرط ألا تقول له: «لا لماذا تقولها هكذا و عليك نطقها هكذا»، وإنما تكرّر ما قاله بطريقة تنبهه إلى اللفظ الصحيح مثلا: «آه تريد أن تأكل شوكولا.عفوًا لم أفهم».
هل التحدّث مع الطفل بلغة ثانية يؤخر نطقه؟
ممّا لا شك فيه أن تعرّف الطفل إلى عدة لغات في سن صغيرة جدًا أمر جيد شرط أن نتحدث اللغة الأجنبيّة في شكل سليم. يعني عندما تريد الأم أن تتحدث إليه باللغة الإنكليزية عليها أن تقول جملة كاملة وليس كلمة عربية وأخرى إنكليزية
. مثلاً تقول أم «هيدا What» فهذا خطأ فادح إما أن تسأل بالإنكليزية سؤلاً كاملاً أو تسأل بالعربية. وأحيانًا يقوم الأهل بتشويه اللغة الأجنبية بحذف حرف التعريف فيها مثلاً نسمع أمًا تقول bring ball عوضًا أن تقول له. Bring the ball فكل لغة لديها قوانينها وقواعدها وعلى الأم احترامها، فهي التي ستكون نموذج الطفل. عدا هذه المشكلات ليس هناك سبب لتأخر النطق عند الطفل إلاّ في حالات محدّدة كأن يريد معاقبة أمه إذا سافرت لأنها تركته وحده مثلاً.
أحيانًا ينطق الطفل كلمات وبعدها يعزف عنها. لماذا؟
لأنه بكل بساطة ليس لديه رغبة في قولها. فمثلاً يلفظ بطاطا، وفي اليوم التالي لا يرغب في قولها. فقد يحدث أحيانًا أن الطفل قد يضجر من بعض الكلمات، فهو في مرحلة تقليد ويحتاج إلى تقليد شيء آخر أمّا إذا كانت الأم مصرّة على جعله ينطق الكلمة نفسها فهذا خطأ لأن الطفل في حاجة إلى اكتشاف كلمات جديدة.
كيف يكون التعاون مع الأهل؟
عندما يلاحظ الإختصاصي أن الطفل يعاني مشكلة في علاقته مع أمّه أو في المدرسة أو أي مشكلة أخرى يحوّله إلى اختصاصي نفسي للأطفال.
ويطلب من الأهل عدم السماح للطفل بمشاهدة التلفزيون، وتقليص الألعاب التي تتطلب اللعب وحده لا سيّما الألعاب الإلكترونية، بل توفير ألعاب تتطلب المشاركة مع الآخرين أي التي فيها تبادل أدوار. وهذا يعود إلى حالة الطفل إذا كان لا يتحدث مع أهله يطلب منهم أن يتحدثوا إليه.
3 نصائح ذهبية
يؤكد الإختصاصيون أنه ما دام لعب الطفل طبيعيًا وكذلك تقليده للآخرين فهذا يشير إلى أنه في حالة جيدة. وينصحون الأهل بالآتي:
1 الحوار مع الطفل
2 التكلم مع الطفل في شكل سليم وواضح
3 ألا يكرّروا ما قاله الطفل من كلام مكسّر
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024