اقتصاديون يؤكدون أن الهيمنة الذكورية سبب فقر المرأة السعودية
كشفت دراسة معمّقة عن الفقر المؤنث في السعودية، هي الأولى من نوعها، أبرز سمات الأنثى الفقيرة في المجتمع السعودي، وهي: الأمية، وضعف التعليم، وقلة فرص العمل، إضافة إلى عدم وجود عائل بشكل مباشر أو غير مباشر. وأثبتت الدراسة التي أصدرتها مؤسسة الملك خالد الخيرية، وأعدّها مركز إيفاد للدراسات والاستشارات، انخفاض المستوى التعليمي للأنثى الفقيرة، إذ بلغت نسبة الأميات من العينة 42.2 في المئة، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بمتوسط الأعمار، إذ تتركز الفترة العمرية لأفراد العينة بين 20 و50 سنة، ما يعد مؤشراً لأن الأمية ما زالت مشكلة تعاني منها الأنثى، في حين أن 25.4 في المئة لم يتجاوز تعليمهن المرحلة الابتدائية. «لها» تحدثت إلى مديرة مركز إيفاد للدراسات والاستشارات، وصاحبة هذه الدراسة، الدكتورة مجيدة الناجم، للوقوف على أهم الأسباب التي قد تجعل من هذه الدراسة مدخلاً لحل المشكلات التي تواجه المرأة الفقيرة في المجتمع السعودي. كذلك أُخذت آراء اختصاصيين في المسألة...
الناجم: الدراسة قدمت واقع الفقر المؤنث في المجتمع السعودي
قالت الأستاذة المشاركة في قسم الدراسات الاجتماعية في جامعة الملك سعود، ومديرة مركز إيفاد للدراسات والاستشارات الباحثة والدكتورة مجيدة الناجم، إن «الأنثى في أي مجتمع تعاني أحياناً من هيمنة الرجل، أو قصور الأنظمة عن تلبية حاجاتها وإحقاق حقوقها، لذلك هي تعتبر ضحية وأول من يتأثر بالهزات السياسية والاقتصادية لأنها في الغالب تكون مُعالّة وليست مُعيلة، ولا تملك دخلاً، وليس لديها وظيفة ثابتة، نتيجة حرمانها من التعليم، وما إلى ذلك من العوامل التي لها الدور الكبير في تقليل فرصها في سوق العمل».
واعتبرت أن «تدني مستوى التعليم هو سبب رئيسي لانخفاض الوعي العام. وحين نعلم أن هناك نقصاً في الوعي بالحقوق لدى الأنثى الفقيرة في المجتمع السعودي، فإن لذلك ما يبرره، بالنظر إلى المشكلة الواضحة والجلية المتعلقة بالتعليم». وأضافت: «بحسب الدراسة، فإن من أسباب عدم إكمال المرأة لتعليمها بعد المرحلة الثانوية الظروف الأسرية بنسبة 32.1 في المئة، يليها اقتناع بأن التعليم غير مهم للفتاة بنسبة 22.1 في المئة، ما يعني أن هناك أسباباً اجتماعية وثقافية لعدم إكمال التعليم، تؤمن بها نسبة كبيرة من العينة. كما لا يمكن إغفال عوامل متعددة ومتداخلة، تلعب دوراً في الحد من تعليم المرأة، منها أن للذكر سُلطة إلى حد ما في منع الفتاة من حقها في التعليم. وإذا كان العمل المصدر الرئيس لتوفير الدخل المادي لكثير من فئات المجتمع، وطبيعة العمل ودخله يحددان المستوى الاقتصادي للفرد، فإن المشكلة تبرز واضحة عندما تظهر الدراسة أن 10.5 في المئة فقط من أفراد العينة يعملن، «وهي نسبة منخفضة جداً مقارنة بالفئة العمرية من 20 سن إلى 50 سنة، ومن هنا نستطيع القول إن إحدى خصائص الأنثى الفقيرة أنها لا تعمل».
وأرجعت أسباب انخفاض نسبة عمل المرأة إلى «انخفاض ما يتاح لها من فرص عمل في سوق العمل، وحصرها في وظائف ومهن محدودة جداً، وهذا يحد من اتجاهها نحو العمل، إضافةً إلى تدني الأجور. كما أظهرت النتائج المتعلقة بطبيعة العمل، أن 28.6 في المئة من مجموع مفردات الدراسة أفدن بأنهن يعملن مستخدمات، ووظيفة المستخدمة لا تتطلب مهارات بل تعتمد على المجهود البدني. وظهر أن السبب الأول هو عدم توفر المواصلات بنسبة 32.6 في المئة، فوجود شبكة نقل عام برسوم منخفضة، سيؤثر إيجاباً على التحاق المرأة بالعمل».
ورأت الناجم أن بقاء المرأة دون عمل يعد «إهدارا للموارد البشرية من جهة، وسببا لفقرها وحاجتها من جهة أخرى، خصوصاً مع انخفاض مخصصات الضمان، والنقص في أعداد المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية، وانخفاض مستوى خدماتها، فضلاً عن ارتفاع مستويات المعيشة نتيجة التحولات الاقتصادية».
وقالت إن الدراسة «قدمت صورة لواقع الفقر المؤنث في المجتمع السعودي، من حيث سمات الأنثى الفقيرة، وخصائص الفقر في المجتمع. وهي بمثابة بداية لدراسة أخرى تحاول أن تقيس التغير في مؤشرات الفقر المؤنث في المجتمع السعودي على فترات متتابعة، لأنه ظاهرة متغيرة بتغير عوامل اقتصادية وثقافية وسياسية، تتداخل لتغير سماته وخصائصه. وأظهرت نتائج الدراسة أن عدد أفراد الأسر التي تنتمي إليها الأنثى الفقيرة في المجتمع السعودي يراوح بين ثلاثة وتسعة أفراد، أي بمتوسط 6.5 أفراد للأسرة. وهو ما يتفق مع نتائج وإحصاءات رسمية بيّنت أن متوسط عدد أفراد الأسرة السعودية هو ما بين 5 و 6.8 أشخاص، وبالتالي فإن عدد أفراد الأسر الفقيرة لا يختلف عن متوسط عدد الأسر بشكل عام، ما يستدعي القول إن إحدى سمات الأنثى الفقيرة في المجتمع السعودي أنها تعيش في أسرة متوسط عدد أفرادها 6.5 أفراد».
و لفتت أيضاً إلى أن من «سماتها العيش في أسرة الغالب عليها أن لا أحد من أفرادها يعمل، إذ أجابت 38.6 في المئة، من مجموع مفردات الدراسة بأن هناك أفراداً يعملون في المنزل، فيما كانت نسبة ذكرت أن فرداً واحداً هو من يعمل 23.1 في المئة، أي يعشن في أسر لا عائل لها أو في أسر ذات عائل واحد. وفي وقت ذكرت ما نسبته 52.1 في المئة من العينة أن أزواجهن على قيد الحياة، أكدت ما نسبته 42.9 في المئة أن أزواجهن يعملون، ما يعني أن أكثر من نصف المتزوجات في العينة يعشن مع أزواج لا يعملون، لتخلص الدراسة من هذه النتيجة إلى أن من سمات الأنثى الفقيرة في المجتمع السعودي أن زوجها في الغالب لا يعمل. وتشير هذه النتيجة إلى أن 75 في المئة من أفراد العينة تقريباً بلا عائل حقيقي، إذ أن نصفهن أرامل، أو مطلقات، بينما يعيش أكثر من نصف المتزوجات مع أزواج لا يعلمون».
وأوضحت نتائج الدراسة أن ما نسبته 62.4 في المئة من مجموع مفردات الدراسة، من الإناث الفقيرات ممن لديهن أطفال، متوسط عدد الأطفال في الأسرة كان خمسة أطفال من الذكور، 2.5 والإناث 2.5 وهي نتيجة تتفق مع نتائج الإحصاءات العامة الحديثة التي تظهر أن متوسط عدد الأطفال في الأسرة السعودية، هو خمسة أطفال، لتصل إلى نتيجة تقول بعدم وجود فرق بين عدد الأطفال في الأسرة الفقيرة السعودية، وغيرها بشكل عام. وأجابت ما نسبته 81.7 في المئة من العينة بأن أبناءهن يعيشون معهن. وجاءت المتزوجات في المقدم بنسبة 97.7 في المئة وكذلك الأمهات من المطلقات، إذ أن ما نسبته 90.2 في المئة كذلك أجبن بأن أبناءهن يعيشون معهن، وكذلك الأمهات من الأرامل وبنسبة 87.6 في المئة، لتصل الدراسة إلى أن المرأة السعودية الفقيرة غالباً أم، وأبناؤها يعيشون معها في معظم الحالات».
عبدالله العلمي: علينا تلبية مطالب المرأة السعودية وتغيير الثقافة والعادات المتشددة
قال الكاتب الاقتصادي والمهتم بشؤون المرأة عبدالله العلمي إن المقصود بالفقر المؤنث «ما يرمز إلى الأنثى الفقيرة، مقروناً بانتشار الأمية، وضعف التعليم، وقلة فرص العمل أمامها، وعدم وجود عائل لها، بشكل مباشر أو غير مباشر». ولفت إلى أن «الدراسة التي أصدرتها مؤسسة الملك خالد الخيرية، وأعدّها مركز إيفاد للدراسات والاستشارات، اعتمدت في تحليلها لظاهرة الأنثى الفقيرة على عدة عوامل أساسية، منها نسبة الأميات مقارنة بمتوسط الأعمار، وهي نسبة كبيرة، وتدني مستويات التعليم الذي نتج عنه انخفاض الوعي العام، صحياً أو اجتماعياً، وتدني الإلمام بالحقوق الشرعية والمدنية الحياتية. من الأسباب الأخرى المؤدية لظاهرة الأنثى الفقيرة، السلطة الذكورية المُطلقة، وخاصة ما يتعلق بمنع الفتاة من التعليم، أو من إكمال تعليمها، مما ينتج عنه عدم تمتعها بحقها في الحصول على عمل، أو حصر عملها إن وجد، في وظائف ومهن متدنية ومحدودة جداً لا تتطلب مهارات عقلية أو فكرية. أما الأسباب الأخرى، فتتعلق بعدم تمتع المرأة ذات الدخل المحدود جداً بحرية التنقل، وعدم السماح لها بالقيادة. كما تتعقد الأمور أكثر إذا أضفنا إلى هذه الاعتبارات انخفاض الضمان الاجتماعي، والإقصاء المجتمعي، وغلاء المعيشة».
وعن الآلية التي تصلُح لتقليل المشاكل التي تعكسها هذه الدراسة، أشار العلمي إلى أن «الآلية الفاعلة هي نزع الولاية الذكورية المتسلطة، وزيادة فرص التعليم للفتاة السعودية، لجميع الفئات العمرية، والمستويات التعليمية، مع نشر التوعية العامة الحقوقية والصحية والاجتماعية. إضافة إلى ذلك يجب إتاحة فرص العمل للفتيات في وظائف ومهن كريمة مع تدريبهن على اكتساب مهارات جديدة. وكشفت دراسة حديثة أعدتها إحدى الجامعات السعودية أن 60 في المئة من السيدات المتعلّمات في السعودية عاطلات عن العمل، أي 7 فتيات بين كل 10 فتيات، وهو ما يؤكد أن المرأة ما زالت تعيش في الجانب المظلم. وفي حال حصولها على وظيفة، يجب توفير المواصلات الحديثة الملائمة، أو السماح للمرأة بالقيادة، لقضاء حاجاتها اليومية، مثلها مثل الرجل الموظف. باختصار، علينا تلبية مطالبات المرأة السعودية بحقوقها، وتغيير الثقافات ذات التصورات والعادات الذهنية المتشددة، لتصحيح المفاهيم، والرؤى الملتبسة بالأعراف والعادات السلبية».
جمال بنون : هذه الدراسة نزعت الحجاب عن المشاكل التي تعيشها المرأة السعودية في وضعها الراهن
من جانبه، قال الكاتب الاقتصادي جمال بنون إن: «وزارة العمل اعترفت بأن البطالة النسائية وصلت نسبتها إلى 90 في المئة، وهذا مؤشر واضح جداً لأن نسبة البطالة النسائية في السعودية مرتفعة جداً، مع أنه ومن المفترض أن يكون هناك بدائل، وفتح مجالات عمل للمرأة بشكل أوسع جداً».
وأشار إلى صعوبة إيجاد آلية لحل المشاكل التي ابرزتها الدراسة، معللاً ذلك بأن «معظم الوظائف التي يروج لها عدد من الشركات، مثل باب رزق جميل، أو الغرف التجارية، وغيرها من الجهات التي تسعى لأن تروج لفرص العمل، جميعها تصب في منتجات أسرية، وماذا نعني بمنتجات أسرية؟! فهل بقاء المرأة في المنزل، وعملها في الصوف، يُعد وظيفة؟ في الكثير من الدول، نجد أن الأسر المنتجة تختص بسيدات كبيرات في السن وللأميات. كما أن الدراسة لم تحدد أي المناطق أخذت العينات منها، فكل منطقة تختلف عن الأخرى، فنسبة البطالة في منطقة القصيم قد تكون أعلى من نسبة البطالة في مدينة جدة، وربما قد تكون في جدة نسبة البطالة مرتفعة عند المتعلمات، وقد تكون نسبة الأمية في مناطق أخرى مرتفعة، نتيجة عوامل عدة منها أن البيئة الاجتماعية لا تحبذ إكمال الفتاة لتعليمها».
وعن تأثيرات هذه المشاكل على مستقبل المرأة في السعودية، أضاف بنون: «هذه الدراسة نزعت الحجاب عن المشاكل التي تعيشها المرأة في وضعها الراهن، ولا بد للجهات المختصة أن توجِد الحلول، بزيادة الأجور وإيجاد فرص عمل مناسبة، وبيئة مناسبة، وتوفير عدة قوانين في هذا المجال. باختصار هذه الدراسة هي ملف ساخن أمام الجهات المعنية، وعليهم الاهتمام بها والالتفات إليها».
الأكثر قراءة
إطلالات النجوم
فُتحة فستان ليلى علوي تثير الجدل... والفساتين...
إطلالات النجوم
مَن الأجمل في معرض "مصمّم الأحلام" من Dior:...
أخبار النجوم
يسرا توضح حقيقة خلافاتها مع حسين فهمي
أكسسوارات
تألّقي بحقيبة الملكة رانيا من Chloé... هذا سعرها
إطلالات النجوم
الـ"أوف شولدر" يغلب على فساتين نجمات الـ"غولدن...
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024