تانيا صالح: لأننا كفينيقين نحب جني المال...
في مكانٍ هادئ وسط موسيقى خفيفة، وبين أروقة ممتلئة بالكتبٍ، استقبلتنا تانيا صالح. هدوء المكان لا يتخطى هدوءها، تدفعك لأن تسمعها وتصب تركيزك على كل تفاصيل الحديث. صوتها الخافت يفاجئنا في الغناء، أما حضورها والراقي فينعكس على أغنياتها حتى الجريئة منها.
ستسجل قصيدة «هي لا تحبك أنت» من كلمات الشاعر محمود درويش، وبالتالي تطلق ألبوها الرابع بعد أن شاركت الفنانة «المستقلة» في مشروع «زومال».
عن مسيرتها الفنية في جانبيها المضيء والمظلم تتحدث تانيا صالح في هذا الحوار مع «لها»..
- ما هو مشروع «زومال»؟
زومال هو موقع يموله أربع شخصيات عربية من مصر والإمارات والسعودية ولبنان، أنشأوا هذا المشروع لكي يدعموا المشاريع العربية من موسيقى إلى شعر وكتابات ومسرح وحتى الإختراعات العلمية، فيدخل صاحب المشروع إلى موقع زومال ويطلب من الناس أن يدعموا مشروعه عبر مساعدات مادية.
اتصلوا بي وأعربوا لي عن اهتمامهم بي بما أنني أنتج أعمالي بنفسي، واقترحوا مساعدتي لإطلاق ألبومي الجديد. رفضت الفكرة بدايةً وقلت لهم هذا نوع من التسوّل. تواصلنا على مدى شهرين وفي النهاية سألت نفسي ما هي الخيارات، إذا لم أُقدم على هذه الخطوة سأنتظر سنوات لكي أصدر الألبوم الجديد.
طرحت السؤال عبر حسابي على فيسبوك، وأخذت رأي جمهوري، لأنني خفت من أن أقدم على هذه الخطوة وتتم مهاجمتي لاحقاً.
بعضهم رفض الفكرة وأيّدت الغالبية خطوتي ووافقت على خوض هذه التجربة. لن أخسر شيئاً إذا لم أجمع المبلغ بأكمله لن أتقاضى حتى المبلغ الذي جمعته.
وإذا جمعت المبلغ بأكمله سآخذه وأصدر الألبوم وأنتج كليب، والمبلغ يجب أن يكون 40 ألف دولار وعلى صفحتي شرحت ماذا سأنتج من المبلغ، وسأقيم حفلة لإطلاق الألبوم. وبالفعل جمعت المبلغ من خلال «زومال» وسأصدر الألبوم الجديد.
- روّجت الإعلان عبر فيديو أيضاً...
نعم، كان علينا تصوير فيديو لا أن يقتصر الموضوع على معلومات، وذلك لأن قلة هم من يقرأون العالم العربي.
- لماذا اخترت «شوية صور» عنواناً وكم أغنية يتضمن الألبوم الجديد؟
الألبوم يتضمن 10 أغنيات، أما بالنسبة إلى عنوانه فأنا دائماً أحتار في التسميات، ولذلك الألبوم الأول حمل اسمي «تانيا صالح» ولم أعرف ماذا أسميه.
أما الألبوم الثاني كان أسهل عليّ وأطلقت عليه عنوان «وحدة»، اختصرت كل الألبوم بعنوان واحد. وأطلقت على الألبوم الثالث Live at DRM لأنه كان مباشراً وهو عبارة عن حفلات عدة في مكان واحد، وتضمن أغانيَ جديدة كأغاني الأفلام التي غنيتها لفيلميْ نادين لبكي «سكر بنات» و«هلأ لوين» وثلاث أغنيات جديدة، لا أحب أن أردد فقط أغنياتي القديمة خلال الحفلات. لذلك بذلت مجهوداً لكي أقدم ولو حتى أغنية جديدة في كل حفلة.
- ماذا عن مشاركتك بأغنية في فيلم «ميراث» للمخرج فيليب عرقتنجي؟
كانت الأغنية من ألبومي الأول «تانيا صالح» وهي بعنوان «يا ليل يا عين» وقمنا بـ«ريمكس» أنا وريس بيك وهو مؤلف وملحن يؤدي لون الراب، وأطلقنا عليها اسم «رزق الله»، وكانت مناسبة لفيلم «ميراث» لأنه يتناول تشتتنا وضياع هويتنا.
- أنت كاتبة وملحنة ومغنية منذ 18 سنة ولم تصدري سوى 3 ألبومات، هل تشعرين بالظلم؟
أول أغنية سجلتها في العام 1997، وأشعر بأني مظلومة لأن الزمن الذي يجب أن يُقدر خلاله الكاتب والملحن انتهى، بينما الآن التقدير يكون على الشفتين الأجمل والأنف الأحلى أي على الشكل للآسف.
وقلة هم الذين يُقوَّمون من خلال أعمالهم، ولكن أنا مقارنةً بغيري أفضل. مثلاً وسائل الإعلام تهتم بي فيما غيري لا يسأل عنه أحد، وذلك لأن الناس يحبون أن يتابعوا القريب منهم ومن يتكلم عن همومهم ومشاكلهم اليومية. وعندما يأتي أجنبي إلى لبنان ويسأل عن الفن ويرسلونه إلى من يمثّل الفن اللبناني ومنهم أنا، أشعر بالسعادة أني أمثل بلدي. لذلك هناك ناحية مضيئة وأخرى مظلمة في مسيرتي الفنية.
- تغنين اللهجة اللبنانية فقط...
معظم الفنانين اللبنانيين لا يغنون باللهجة اللبنانية، بل المصرية والخليجية و«الطقاطيق»، وحين يغنون باللبناني يطلقون عليها اللهجة البيضاء لكي تكون مفهومة لكل العرب. من ناحيتي، لا أطلق أغنية لكي يسمعها الجميع، بل يهمني أن ترضيني أولاً، وألا تكون مكررة.
سيصل كلامي لأن الناس لا بد أن يشعروا يوماً ما بالصدق الذي أقوله، والناس يعرفون أنني لا أغني لأجني مالاً، والذي أقدمه من أجل لبنان، وخصوصاً عندما أتذكر الفترة الفنية المزدهرة في لبنان، الفنانون حينها لم يهتموا بتسويق أغنياتهم عربياً لأن السوق العربي لم يكن مفتوحاً، وكان اللبناني حينها يحتل موقعاً مميزاً بين الفنانين.
كنا سعداء بتراثنا و«الميجانا والعتابا»، لماذا ننسى تراثنا الغني؟ لأننا كفينيقين نحب جني المال، لا نصوب تفكيرنا على القيمة الفنية، ولكن بالطبع هناك استثناءات، منذ فترة لم نقدم شيئاً للتاريخ.
- تعتمدين الأسلوب الساخر الذي يحاكي الواقع، كما أن كلمات أغنياتك تحمل أكثر من معنى.
هذا أسلوبي في الحياة، واضحة وصريحة وأحاول أن أقول المسميات بأسمائها ولا أكذب على أحد، ولكن بطريقة مرنة من دون أن أجرح.
معظم الأغاني في تراثنا العربي مليئة بالأحزان والمآسي، من الجميل أن نفرح ونضحك حتى لو كان الموضوع موجعاً. الفرح شيء مهم جداً في الحياة لو من خلال فيلم جدي، لأننا إذا نظرنا إلى حقيقة ما نعيشه في حياتنا اليومية لانتحرنا جميعاً.
- مع من تعاونتِ من الكتّاب؟
في الألبوم الأول مع عصام الحاج علي، في الألبوم الثاني مع فرقة شباب تعزف الروك، وفي الألبوم الجديد معظم الأغاني من تأليفي وهناك أغنيتان لعصام الحاج علي وشعر لمحمود درويش والقصيدة بعنوان «هي لا تحبك أنت».
- لماذا اخترت محمود درويش؟
في الحقيقة لم أكن أنوي اختيار شعر لمحمود درويش، ولكن عندما لحنها عصام الحاج علي وسمعتها أعجبتني كثيراً لتميز الأغنية.
تتناول علاقة الرجل بالمرأة، وقلت في نفسي إذا لم أغنها أنا لن يغنيها أحد، أود أن أتحدى نفسي. وهناك أغنية من ألحان بوغوس جلاليان وهو الموزع الموسيقي لمعظم أعمال الرحابنة وأعمال روميو لحود، وكان دائماً جندياً مجهولاً، درس أولادي البيانو عنده، وعندما توفي، اقترحت عليّ زوجته أن أكتب على لحن تركه فقلت لها سأجرب.
وكتبت كلمات على اللحن وأسمعتها الأغنية فأعجبتها، اسمها «طريق الحب»، وتتحدث عن شخص أضاع طريق الحب.
- السياسة تأخذ حيزاّ كبيراً في أعمالك.
أنا لا أفهم في السياسة، ولكن أفهم مجتمعي وكيف نعيش، وأسأل عن حقوقنا لماذا تضيع؟ لا أعبّر عن انتماء سياسي. أما الأغنية السياسية خلال الحرب فكانت مختلفة تماماً عما أغنيه، أنا أتحدث عن حياتنا كعرب نعيش الذل والتدخلات الخارجية، علينا أن نتناول هذه المواضيع، إذ كيف نتحدث عن الحب فقط ونحن نقتل بعضنا البعض؟ هناك شيء غير صحيح في هذا المجتمع الغريب.
- هل تشجعين أولادك على دخول مجال الفن؟
لا بالطبع.
- لماذا يتلقون دروساً في العزف؟
لكي يقدّروا قيمة الموسيقى ويتعرفوا على جمالها والفرح الذين نعيشه حين نسمعها، ولكي يميزوا بين الموسيقيين، ليكتسبوا الثقافة الموسيقية فقط. في البلاد المتحضرة يعلّمون الموسيقى مثلما يعلّمون الحروف الأبجدية. وأعتقد أن الموسيقى هي الشيء الوحيد الجميل في الحياة، لماذا لا أتعلم كيف أتذوق الموسيقى؟
- ما هي آخر حفلاتك؟
أحييت حفلة في مصر في حديقة الأزهر، وحفلة في القاهرة أخيراً.
- كان لديك تعاون مع زياد الرحباني، لماذا لم نرَك في عمل جديد معه؟
هو لديه اهتماماته وأنا كذلك، ولكن كلما التقينا نقول أنه يجب أن نصدر عملاً مشتركاً أو على الأقل أغنية ولكننا ننشغل ولم يتناسب وقتنا بعد، لكن لا بد أن يتم هذا التعاون.
- هل تعتقدين أن أسلوب زياد اختلف، مثلاً هناك تعاون بين زياد ومايا دياب؟
لا يمكنني أن أعلق لأن زياد يعرف ماذا يفعل وبالتالي لا بد من وجود سبب لهذا التعاون. يبدو أن هناك سوقاً معيناً يستطيع أن يصل إليه من خلالها، ومايا غريبة نوعاً ما وهو يحب هذا النوع من النساء. وفي هذا الإطار يلتقيان وربما تستطيع أن تسوق لعمله أفضل من أي فنانة أخرى. وثمة احتمال أنه يحبها كشخص، لا يمكنني أن أحكم من بعيد، وأعتقد أن الأغنية ستكون جميلة جداً لأن زياد كتبها ولحنها.
- لمَ ترفضين لقب «فنانة ملتزمة»؟
لأني أخاف من أن أتقوقع في مكان معين، لكني لن أبتعد عن المسار الصحيح أو الذي أعتقد أنه صحيح. كل شيء يمكن أن يتغير، وأفضل أن أكون مستقلة، وكذلك لست من هؤلاء «المعترين» الذين يكافحون طوال حياتهم... الصحافة تطلق تسميات تعيش سنوات علماً أن الحالة التي يتحدثون عنها لم تعد موجودة. لا أحد يبقى كما هو وكلما انفتح الفنان على الناس أكثر كان انعكاس ذلك إيجابياً عليه.
- بماذا تتوجهين لمحبي الثقافة الموسيقية لكي يدعموك؟
الفن العربي يجب أن يُدعم بكل أوجهه، الرقص والشعر والمسرح والتمثيل، بالموسيقى. هذا ما يتحدث عن شعوبنا، وإذا تحدثنا عن أي حضارة، نعرفها من خلال تخليد ذكراها بالفن.
حتى اليوم نستمع إلى موشحات أندلسية ونستمع إلى شعر المتنبي، نشاهد تمثال رمسيس... كل هذا فن. يجب أن نكون موجودين لأننا شعب مهم وطيب وكريم، طبيعتنا جميلة. من المؤسف أن نندثر وهذا جزء بسيط من تراثنا الفني. علينا أن نحارب لا نجني المال فقط ولكن لكي نترك لهذا المكان من العالم هوية. وأود بعد عشرين سنة أن يصفق لي الجميع حتى لو من خلال عمل صغير جداً، أي أترك بصمة، وأنا أدفع من قلبي لأن يحدث ما أصبو اليه لكي يأتي يوماً يفتخر بي أولادي من خلال أعمالي، وأبناء بلدي... «حرام أن نندثر».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024