إدمان التسوق الأقرب إلى إدمان المخدرات
ليس إدمان المخدرات حديثاً في مجتمعاتنا، فقد سمعنا الكثير ولا نزال عن انتشار واسع يصعب فيه الحصر.
لكن ما برز بشكل مفاجئ في الفترات الأخيرة هو إدمان من نوع آخر بات ينتشر أكثر فأكثر، خصوصاً إدمان الانترنت ومختلف وسائل التواصل الإجتماعي مع انتشار هذه الوسائل بشكل كبير حتى باتت تهدد مجتمعاتنا بشكل خطير.
فها قد صنّف إدمان الإنترنت كمرض نفسي فعلي في الطب النفسي بعد أن انتشر كآفة خطيرة في مجتمعنا تهدّد مختلف الفئات العمرية.
أما إدمان التسوق فنوع آخر من أنواع الإدمان هو الأقرب في المقارنة الطبية إلى إدمان مواد كالمخدرات من بين مختلف أنواع الإدمان في السلوكيات، خصوصاً أنه في معظم الحالات يشكل عارضاً من أعراض مرض نفسي، وفق الطبيب النفسي فضل شحيمي الذي تحدث عن مختلف أنواع الإدمان المنتشرة بكثرة في أيامنا هذه وعن صعوبة معالجتها والتخلص منها.
متى يعتبر السلوك متجهاً إلى الإدمان؟
يقصد بالإدمان الافراط في عادات أو سلوك أو مواد معينة.
هل يخفي أي نوع من أنواع الإدمان مشكلة نفسية معينة أم انه قد ينتج عن ظروف حياتية؟
يلاحظ أن معظم الاشخاص الذين يتجهون إلى الإدمان يعانون اضطراباً معيناً في الشخصية، وغالباً ما تتصف الشخصية من الناحية الطبية بكونها لا إجتماعية.
فنسبة 50 في المئة من هؤلاء الأشخاص يتجهون إلى إدمان المخدرات، إذ أن هذا الاضطراب في الشخصية يدفع الشخص إلى التوجه إلى أمور تشكل خطراً على الحياة منها المخدرات.
كيف تصل الأمور بالشخص من الاعتياد إلى حد الإدمان؟
سواء في إدمان مواد معينة أو في سلوك معين، تبدأ الأمور بجرعات بسيطة أو باعتدال إلى أن يصبح الشخص معتمداً عليها فيزيد الكميات أو يتجه إلى الإفراط في السلوك المعني بشكل متزايد علّه يجد لذة أكبر، لأنه لا يعود مكتفياً فيصل إلى حد الإدمان النفسي والبيولوجي ويعجز حتى جسمه عن المقاومة.
هل يعتبر الإدمان في السلوك مشابهاً لإدمان المواد كالمخدرات والكحول؟
علمياً لا يمكن المقارنة بين الإدمان في السلوك وإدمان المواد باستثناء في حالات معينة. وفي ما يتعلق بإدمان التسوق الذي يظهر بشكل «هوس «بالشراء وبشكل خاص لدى النساء أكثر، فهو يخفي وراءه عادةً مرضاً نفسياً وتحديداً مرض ثنائي القطبdisorder Bipolar فيكون أحد أعراضه، ونادراً جداً ما تكون الحالة وحدها فلا تكون من أعراض هذا المرض.
فالإدمان في التسوق يعتبر الأقرب إلى إدمان المخدرات من حيث التصنيف العلمي، خصوصاً أنه يشكل عارضاً من اعراض مرض نفسي لكنه يبقى مختلفاً ولا يمكن اعتبارهما متشابهين تماماً.
كيف يمكن أن يصنف هذا النوع من الإدمان؟ وكيف يمكن التمييز بينه وبين الميل الزائد إلى التسوق الذي يعتبر شائعاً خصوصاً بين النساء؟
حتى يعتبر الشخص مدمناً للتسوق ثمة شرطان أساسيان لا بد من توافرهما معاً في تشخيص الحالة:
1 المبالغة في شراء أغراض لا أهمية لها.
2 أن يضع الشخص نفسه تحت ضغوط من أجل شراء أمور لا حاجة إليها. فإذا كان الشراء متناسباً مع قدرات الشخص، لا مشكلة فيه. من هنا أن إدمان التسوق يحدد في كل حالة على حدة فيكون التشخيص فردياً وكذلك العلاج.
وبشكل عام يتجه السلوك إلى الإدمان عند المبالغة إلى درجة يصبح فيها على حساب شخصه وحياته الإجتماعية والمهنية...
ماذا عن إدمان الانترنت، كيف يتم تشخيص الحالة، خصوصاً أننا نجد اليوم من حولنا إفراطاً في استعمال الانترنت ووسائل التواصل بشكل واسع؟
إدمان الانترنت تحديداً بات يصنف كمرض نفسي حقيقي حسب الصنيفات الجديدة في الطب النفسي بعد أن أصبحنا نشاهد إفراطاً فعلياً ومرضياً في استعمال الانترنت ووسائل التواصل الإجتماعي.
وقد ظهرت خطورة الوضع فعلياً عندما جرى الحديث عن وقف الWhatsapp وما أثاره الموضوع من هلع بين الناس وكأنها كارثة تهدد الحياة.
هذا خير دليل على وصول الإدمان في هذا المجال إلى أعلى المستويات بحيث يصعب العيش من دون هذه الأمور ويظهر تعلق بارز فيها بشكل مرضي.
وكما بالنسبة إلى بقية الأنواع، يظهر الإدمان في هذا الموضوع من خلال معايير معينة أبرزها زيادة ساعات الاستعمال تدريجاً خلال فترات إلى أن تتغلب على أي شيء آخر في حياة المرء وتصبح هذه المسألة على حساب حياته الشخصية والاجتماعية والمهنية والعائلية... حتى أننا نصادف أشخاصاً تصل بهم الأمور إلى حد التقليل من الدخول إلى الحمام باعتباره مضيعة للوقت الذي يمكن تمضيته على الانترنت. مع الإشارة إلى أن الإدمان في السلوك ولعادات معينة طغى بشكل كبير على إدمان المواد في أيامنا هذه وبات أكثر انتشاراً بشكل يثير القلق.
كيف تتطور الأمور بالنسبة إلى مدمن الانترنت من مجرد عادة شائعة وتسلية يلجأ إليها الكل إلى حد الإدمان؟
تبدأ الأمور كتسلية كما بالنسبة إلى أي شخص آخر، إلا أن الشخص الذي يميل إلى الإفراط فيها لا يتصور أنها تؤثر على «اللاوعي«لديه فيفرغ فيها رغباته فيزيد عدد ساعات الاستعمال تدريجاً دون أن يلحظ أنه يتجه إلى الإفراط في هذا النشاط ودون أن يدرك أنه بات يؤثر على «لا وعيه» ثم أصبح تأثيره بارزاً على «وعيه».
فمدمن عى الانترنت والتسوق أو غيرهما يجد لذة نفسية في هذا النشاط الذي يقوم به، وفي الوقت نفسه تأخذ مستقبلات الدماغ هذه اللذة إلى أن تصبح مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسلوك الشخص المعني.
من الناحية الطبية، كيف يمكن الفصل بين العادة أو الهواية والإدمان في السلوك؟
حتى تتم التفرقة بين الهواية أو الاعتياد على نشاط معين أو سلوك من جهة والإدمان فيه، يتم اللجوء إلى ما يعرف بـ «الفطام».
ففي هذا الوضع يمكن التمييز ما بين الشخص الذي يقوم بالنشاط كهواية عادية فلا يشعر بفرق حقيقي عند وقفه ويتابع حياته بشكل عادي، وذاك المدمن الذي يشعر بالقلق ويشعر بأن حياته انتهت وأنه عاجز عن المتابعة.
فإذا كان السلوك لا يؤثر على الحياة المهنية والاجتماعية لا يمكن اعتباه إدماناً والعكس صحيح.
هل يدرك المدمن أن الأمور وصلت به إلى حد الإدمان وأن حالته مرضية، خصوصاً في إدمان سلوك معين أو نشاط قد يكون تصنيفه المرضي أكثر صعوبة لعامة الناس؟
يدرك الشخص الذي وصل إلى حد الإدمان مشكلته. فالإدراك يبقى موجوداً لكنه يعجز في الوقت نفسه عن إيجاد حل لمشكلته.
فهو يدرك أنه يعطل حياته المهنية والإجتماعية ويسيء إلى حياته العائلية، إلا أنه يعجزعن التغلب على مشكلته من دون اللجوء إلى اختصاصي.
ما الذي يمكن أن يزيد الحالة سوءاً؟
تزداد الحالة سوءاً مع آلية الدفاع التي يعتمدها المدمن ومبدأ الإنكار تحديداً. وكما في التدخين، ينكر الشخص في حالة الإدمان في السلوكيات طوال الوقت إلى أن يصل إلى الإدمان تدريجاً دون أن يعي ذلك.
هل يعالج الإدمان في السلوكيات كما يعالج إدمان المواد؟
يكون علاج إدمان المواد دوائياً ونفسياً في الوقت نفسه. أما علاج الإدمان في السلوكيات فيكون نفسياً عادةً ، إلا إذا كان هذا الإدمان نتيجة ثانوية لمرض نفسي كما في حالة إدمان التسوق.
عندها لا بد من معالجة السبب أولاً. أما العلاج النفسي فيرتكز على مبدأ تحويل رغبات المريض وطاقته في اتجاه آخر إلى أمور لها منفعة بدلاً من تلك التي ترتكز عليها حياته.
هل من أسباب معروفة يمكن أن تدفع الشخص إلى حد الإدمان في السلوك؟
غالباً ما يلجأ الشخص إلى ملء فراغ معين لديه بهذه السلوكيات أو العادات التي يصبح مدمناً لها. إلا أن ثمة حالات لا سبب لها ولا تكون هناك مشكلة أساسية. أحياناً هي إسقاطات لا واعية. ولا يمكن أن ننكر أن ثمة عوامل خطر تساهم في حصول هذه الحالات أهمها الاضطرابات الشخصية التي تساهم في الاتجاه إلى الإدمان.
كيف يتم تشخيص الحالة؟
يتم الاستناد كما في كل حالات العلاج النفسي إلى المقابلة مع الشخص للتعرف إلى تاريخه لأنه من خلالها يمكن كشف أموراً كثيرة ومشكلات مختبئة خلف هذا الإدمان.
هل يعتبر علاج الإدمان في السلوكيات أكثر سهولة من إدمان مواد معينة؟
على العكس، يعتبر علاج هذه الحالات شديد الصعوبة. ليس سهلاً أبداً معالجة المدمن في السلوكيات ونسب الشفاء فيها قليلة جداً. عادةً يطول العلاج وتصبح الحالة مزمنة. يمر المريض في العلاج بفترات نرى فيها تحسناً ثم فترات تراجع.
هل يمكن تخطي الحالة تلقائياً أم أن العلاج ضروري؟
دون علاج تزداد الحالة سوءاً. ففي كل الحالات يعتبر العلاج ضرورياً لأنه يقلل خطر عودة الإدمان، رغم أنه كما في أي مرض يبقى خطر عودته موجوداً.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024