فتاة الثأر قضت بالإعدام على قاتل شقيقها وشرعت في تنفيذ العقوبة
فتاة تحمل سكيناً، تندفع بسرعة الرياح في اتجاه أحد المتهمين قبل لحظات من دخوله غرفة التحقيق، لتصيبه بجرح نافذ في الوقت الذي يتلقى حارسه طعنة أصابته بجرح في يده أثناء محاولاته المستميتة لإبعادها عنه... مشهد كان كفيلاً بإثارة الذعر داخل محكمة جنوب القاهرة، خاصةً بعد حالة الانهيار والصراخ الهيستيري التي أصابت تلك الفتاة لعجزها عن قتل هذا الشخص، عقب نجاح رجال الشرطة في إبعادها عنه ونزع السلاح من بين يديها، لتكشف التحقيقات معها أحداثاً مثيرة تحمل بين طياتها نوعاً من الغرابة في مجتمع اختص فيه الرجال دون غيرهم بالأخذ بالثأر.
منال (17 سنة) فتاة اشتعلت النار في صدرها وفشلت كل محاولات إطفائها، عقب تلقيها خبر وفاة شقيقها الأوحد في مشاجرة نشبت بينه وبين أحد الباعة في السوق الذي يقف فيه لعرض الفاكهة التي يبيعها مع والدها... اعتصر الحزن قلبها ونزع عنها أنوثتها وبراءتها، فهي لم تكمل عقدها الثاني بعد، لكنها قررت أن تودع الأنثى والثأر من قاتل شقيقها.
أحداث متسارعة ممزوجة بالدماء صنعت مشاهد حزينة في حياة منال وعائلتها، بدأت في عصر أحد الأيام عندما راح الباعة في منطقة المنيل بمصر القديمة يعرضون بضائعهم، في محاولة لجذب المشترين، علهم ينجحون في بيع كل ما لديهم في هذا اليوم ويعودون في المساء بالرزق الوفير، إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن.
وقف علاء، الشقيق الأكبر لمنال، يعرض ما لديه من فواكه على مدرج خاص بوالده منذ سنوات، إلا أن البضاعة في هذا اليوم كانت كثيرة، فاضطر لوضع مجموعة من الأقفاص قرب المديج، وهو ما ضايق قطب، بائع الخبز الذي يقف بجواره، فطالبه برفعها بدعوى أنها تعيق الرؤية عن العربة الخاصة به. وتطور النقاش إلى تلاسن مع رفض علاء الامتثال لطلب قطب، وسرعان ما نشبت معركة مع تبادل الطرفين التراشق بالألفاظ ثم الضرب... أخرج قطب سكيناً من طيات ملابسه، وسدد إلى شقيق منال طعنة في صدره جعلته يترنح يميناً وشمالاً، قبل أن يسقط على الأرض غارقاً في دمائه، ويسارع الباعة إلى استدعاء سيارة إسعاف لنقله إلى أحد المستشفيات، لكنه مات متأثراً بإصابته.
مات علاء لتتولد بداخل شقيقته رغبة الانتقام من قاتله، خاصةً بعد أن علمت بهروبه عقب ارتكابه جريمته الشنعاء.
وقع اختيار منال على سوق السلاح، وذهبت إليه لشراء سكين لتنفيذ جريمتها، أخفتها بين طيات ملابسها حتى لا يفتضح أمرها، خاصةً من والديها اللذين لم يكونا يرغبان في أن تضيع هي الأخرى مثلما ضاع شقيقها الوحيد.
أخذت منال تبحث عن قاتل شقيقها في كل مكان قبل أن يصل إليه رجال الشرطة ويقفوا عائقاً أمام الثأر لشقيقها، إلا أنها فشلت في ذلك، فقد ألقي القبض عليه بعد ثلاثة أيام من ارتكاب جريمته.
خيبة أمل
على عكس جميع أفراد عائلتها الذين فرحوا بخبر القبض على قاتل ابنهم، سيطر الحزن وخيبة الأمل على منال، إلا أنها لم تتراجع عما عزمت عليه، وذهبت لزيارة مدفن شقيقها ووعدته بالثأر له مع عدم التراجع عن هذا الوعد طالما في العمر بقية ومهما طال الزمن.
فتاة ترتدي ملابس سوداء تدخل محكمة جنوب القاهرة، في مشهد لم يثر اهتمام قوات الأمن المنتشرة في كل الأرجاء بحكم طبيعة المكان وكثرة المترددين عليه، علاوة على كونها فتاة صغيرة لم تتخط العقد الثاني من عمرها، دون أن يدور في خلدهم ولو للحظة أنها جاءت لارتكاب جريمة.
تسع طبقات صعدتها منال على درجات السلالم دون أن تشعر بأي نوع من الإرهاق، فهي لا تفكر إلا في الانتقام من هذا الوغد الذي حرمها من شقيقها، حتى وصلت إلى المكان الذي تقع فيه النيابة التي ستباشر التحقيق معه بعد ترحيله إليها من قبل قوات الشرطة للنظر في أمر حبسه على ذمة اتهامه بقتل شقيقها، تمهيداً لإحالته على المحاكمة.
لحظات تفصل بين دخول قطب إلى غرفة التحقيق، كانت اللحظات التي تفصل بينه وبين منال التي تقف على مسافة خطوات صامتة، تتحين الفرصة التي ستطفئ فيها النار التي بداخلها، حتى هم حارسه باقتياده للمحقق، فانطلقت في اتجاهه كالوحش الكاسر وبيدها سكين أخرجتها من طيات ملابسها، وانقضت عليه محاولة توجيه طعنة قاتلة إلى صدره مثلما فعل مع شقيقها، إلا أنه نجح في الإفلات منها دون أن تيأس هي من تكرار المحاولة، لتصيبه هذه المرة في كتفه، قبل أن يتدخل الحرس محاولين إبعادها، ويصاب أحدهم بجرح قطعي في اليد أثناء قيامه بصد طعنة أخرى عنه.
الصدمة
حالة صراخ هيستيري كانت كفيلة بإثارة الذعر داخل أروقة النيابة، سيطرت على منال وهي تنادي على شقيقها الذي وعدته بالثأر له ممن حرمه حق الحياة، وتتوسل إلى رجال الشرطة الذين ألقوا القبض عليه أن يتركوها تنتقم له ثم يعدموها بعد ذلك، دون أن تجد أي بادرة استجابة، لتفقد الأمل في تنفيذ العهد الذي قطعته على نفسها.
كإجراء قانوني تم تحرير محضر بمحاولة الفتاة قتل المتهم مع سبق الإصرار والترصد، ليتم اقتيادها إلى غرفة تحقيق مجاورة للغرفة التي يقبع داخلها قاتل شقيقها، بعد إسعافه من الجرح الذي أصابه.
اعتراف المتهمة
لم يجد وكيل النيابة أي صعوبة في استجواب الفتاة، فهي معترفة بجريمتها منذ اللحظة التي توجهت فيها لشراء السلاح الذي صودر على ذمة القضية، حتى فشلها في جريمة القتل التي خططت لها. وبدلاً من أن تحاول نفي الواقعة كما يفعل غالبية المتهمين، وقفت تطلب من وكيل النيابة مساعدتها في الوفاء بعهدها مع شقيقها، لتدخل في حالة انهيار مرة ثانية.
روت منال في التحقيقات أنها أرادت قتل المتهم لأنها تعرف أنه سيقدم للمحاكمة على سبيل القتل الخطأ أو الدفاع عن النفس، وأن أقصى عقوبة سيحصل عليها لا تتجاوز سبع سنوات كما أبلغها المحامي الذي أحضره والدها، أي أنه بعد سبع سنوات سيعود إلى حياته خارج أسوار السجن.
ارتدت منال ثوب عشماوي وذهبت لتنفيذ عقوبة الإعدام، لكن القدر جاء بنقض الحكم ليفلت قاتل شقيقها من العقوبة، بينما وُجّهت إلى منال تهم عدة، من بينها حيازة سلاح ومحاولة قتل المتهم مع سبق الإصرار والترصد، وإصابة حارسه. ورغم هذا أخلى المحقق سبيلها مراعاة للحالة النفسية السيئة التي كانت عليها، بعد فشلها في مهمة الثأر التي أسندتها إلى نفسها.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024