تحميل المجلة الاكترونية عدد 1075

بحث

قصة غريبة وعلماء الدين يستنكرون زوجة تتهم زوجها باغتصاب شقيقتها

د. أحمد كريمة

د. أحمد كريمة

 الزوجة سعاد<br />

الزوجة سعاد

الزوج المتهم<br />

الزوج المتهم

سلمى

سلمى

في أحد الأحياء الشعبية التي لا يملك سكانها الحق في الترفيه بفعل العشوائية التي تحيط بهم من كل جانب، كانت تعيش سلمى، الفتاة البريئة التي وجدت في الذهاب إلى منزل شقيقتها ومساعدتها في أعمال المنزل نوعاً من التسلية والخروج عن المألوف. لكنها وجدت نفسها في النهاية ضحية لنزوة زوج شقيقتها الذي أوهم الجميع بقدرته على ترويض الجن من أجل خدمة أفعاله القذرة، حتى كان اعتداؤه على النساء واحدةً تلو الأخرى وسط صمت من زوجته خشية أن تنال الجزاء من أسياده.

تفاصيل وأحداث كثيرة قد لا يصدقها البعض بسهولة، ومن بينهم رجال الشرطة الذين ذهبت إليهم سعاد الزوجة الضحية بصحبة والديها لتبلغ عن زوجها، مطالبة بحق شقيقتها الصغرى الذي أهدره هذا الذئب، حتى كان ما لم يصدقه عقل، فقد انتابت سعاد حالة من الصرع وبدأت تتحدث بصوت غريب يشبه أصوات الرجال وهي تطالب الجميع بعدم إيذائه وإلا ستنال هي العقاب ويكون جزاؤها الإصابة بالعجز بقية حياتها... وسادت حالة من الرعب بين الجميع ظناً منهم أن الجان ظهر في قسم الشرطة!
لحظات غابت خلالها سعاد عن الوعي والرعب يتملك جميع من حولها، لتعود مؤكدةً أن ما أصابها بفعل الجن الذي أحضره زوجها لينال منها، عقاباً لها على إبلاغها الشرطة عنه، وهو ما سبق وهددها به أكثر من مرة، وقد نفذ وعيده لكنها لن تصمت أكثر من ذلك، بعد أن وصل الأمر لشقيقتها ودمر هذا الوغد مستقبلها بفعلته هذه، بل دمر عائلة بأكملها.
حالة من الفزع والخوف سيطرت على الموجودين في قسم شرطة الدرب الأحمر في القاهرة، بعد رواية سعاد عن الجن الذي يسخره زوجها، خاصةً بعد الذي شاهدوه بأعينهم. لكن سرعان ما تنبّهوا إلى أنه ربما يكون ما حدث مجرد حالة صرع مرضية تهيئ للمسكينة أموراً غريبة لا يمكن كثيرين تصورها، فحاولوا إقناعها وإقناع أنفسهم بأنها مجرد تهيؤات تسيطر عليها، لتبدأ رواية قصتها من البداية.


بداية القصة

 قصة سعاد مع يوسف بدأت منذ عشر سنوات، كان عمرها وقتها خمسة عشر عاماً، وكانت تتردد على محل الهواتف المحمولة الذي يملكه لشراء بطاقات الشحن لهاتفها بين الحين والآخر. وسرعان ما نشأت بينهما علاقة عاطفية انتهت في منزلها، حيث حضر لطلب يدها من أسرتها. وبعد مجموعة من التجهيزات كان زواجهما.
حياة سعيدة عاشتها في البداية مع زوجها، واكتملت سعادتهما مع أول مولود، لكن سرعان ما تبدل الحال خاصةً مع المولود الثاني، وأصبح زوجها يغيب عن المنزل أوقاتاً كثيرة. وعندما عاتبته على ذلك ثار في وجهها وأخبرها بأن عليها حمل أبنائها ومتعلقاتها والذهاب لأهلها إذا كان الأمر لا يعجبها، لتجد نفسها أمام شخص لم تعرفه من قبل، أجبرت على البقاء معه لتضمن لصغارها حياة كريمة، حيث ظروف أسرتها لا تتحمل عودتها بهم للعيش معهم.

«مستحيل أن يكون هذا يوسف الذي أحببته»، بهذه الكلمات وصفت سعاد ما آل إليه حال زوجها، خاصة في ظل المعاملة السيئة التي بات يعاملها بها، فقد تحولت لمجرد جارية في منزل سيدها عليها الطاعة العمياء لأوامره.
اعتقدت سعاد أن معاملة زوجها تغيرت بسبب إنجابها ابنتين، فقررت أن تحمل للمرة الثالثة ربما تأتي له بالولد ويتغير الحال ويعود لسابق عهده، وهو ما كان، فوضعت مولودها الثالث ذكراً. لكن هذا لم يغير من يوسف واستمر في معاملته السيئة لها، وتبدلت أحوالها وبدأ يهددها بالإيذاء بعد أن أقنعها بأنه يستطيع تحضير الجن وتسخيرهم لأوامره، وهو ما صدقته المسكينة بعد أن شاهدت أفعاله وباتت تنفذ كل أوامره حتى لا تنال عقابها من الأسياد.

استمرت سعاد في حالة الطاعة العمياء حتى كان ما لم تتوقعه في إحدى الليالي، عندما فوجئت بزوجها يدخل عليها وبصحبته إحدى السيدات، وأقنعها أنه أحضرها لعلاجها من مس شيطاني بفضل أفعاله الخارقة بتسخير الجن، وهو ما صدقته، لكن سرعان ما اكتشفت أن السيدة مجرد ساقطة أحضرها زوجها لممارسة الرذيلة معها. وتكرر الأمر مع أكثر من واحدة وهي لا تجرؤ على الاعتراض خشية أن ينالها الجزاء على يد الأسياد.
تدهورت حالة سعاد الصحية، وأصبحت تعاني من نوبات صرع من حين إلى آخر جعلتها غير قادرة على الوفاء بمتطلبات أطفالها الثلاثة، الأمر الذي دفع بوالدتها لإرسال شقيقتها الصغرى سلمى بين الحين والآخر لمعاونتها في بعض الأعباء المنزلية، وهو ما فرحت به سلمى بعد أن وجدت في منزل شقيقتها متنفساً جديداً بعيداً عن منزلها الذي حفظت جميع جدرانه التي تجبرها أمها طوال الوقت أن تظل حبيسة خلفها.


الفرحة تتحول إلى كارثة

مثلما كانت فرحة سلمى كانت فرحة سعاد بأن تجد من يساعدها، دون أن تدري أن هذه الفرحة سرعان ما ستتحول لكارثة ستعصف بكل شيء وتفقدها ما تبقى لها من عقل، ففي أحد الأيام التي انتابتها حالة الصرع شعرت بإرهاق شديد خلدت على إثره للنوم لبضع ساعات، تاركة شؤون المنزل لشقيقتها، وعندما استيقظت وجدت زوجها يخرج من غرفة شقيقتها محاولاً إصلاح ملابسه، وعندما شاهدها أصيب بالارتباك والتوتر وحمل متعلقاته وخرج مسرعاً من المنزل.
حالة من القلق والتوتر انتابت سعاد، أسرعت على إثرها للاطمئنان على شقيقتها التي وجدتها شبه عارية تعاني من حالة هذيان وتبدو غير طبيعية على الإطلاق، فأدركت على الفور أنها أصيبت بمكروه على يد زوجها.

روت سلمى لشقيقتها أن زوجها طلب منها الجلوس بجواره ليتحدث إليها في أمر مهم منذ فترة، وعقب ذلك غابت عن الوعي لتستفيق من غفوتها وتجد نفسها مصابة بنزف حاد دون أن تدري ما حدث لها، وهو الأمر الذي تكرر معها أكثر من مرة، لتدرك سعاد أن شقيقتها ضحية زوجها الذي جعلها تغيب عن الوعي لينال من شرفها بلا رحمة.
شعرت الزوجة بصدمة كبيرة، أظلمت الدنيا في وجهها وجعلتها تحمل أطفالها وتذهب مسرعة لوالديها تروي لهما ما حدث، وفور أن تأكدا من أن صغيرتهما فقدت عذريتها على يد زوج شقيقتها الكبرى، أسرعوا جميعاً إلى قسم الشرطة لتحرير محضر ضد هذا الشيطان مطالبين بسرعة القصاص منه.


مفاجأة

تفاصيل كثيرة روتها الأم هناء شعراوي (45 عاماً) وزوجها صلاح محمد (47 عاماً) وابنتهما سعاد (25 عاماً) في بلاغهم ضد زوج الإبنة يوسف رمضان (34 عاماً)، يتهمونه بهتك عرض الصغيرة سلمى (17 عاماً)، بعد أن غيَّبها عن الوعي، وحسبما قالوا في البلاغ فقد استخدم الجن في أفعاله القذرة، ليصدر على الفور قرار من النائب العام المصري بإحضار زوج الإبنة بناءً على شهادة تم تقديمها تفيد أن المجني عليها لم تعد عذراء.
نجحت قوة من رجال الشرطة في القبض على يوسف داخل المحل الذي يملكه في الحي الشعبي، الذي وقف سكانه يخمنون الأسباب، دون أن يدركوا مدى الجرم الذي ارتكبه جارهم.

 مفاجأة جديدة كانت في انتظار رجال الشرطة بعد إلقاء القبض على يوسف، عندما وجدوه يعترف بجريمته، مؤكداً أنه فعل ذلك برضى سلمى التي كانت على علم بكل ما يتم، وأنها كانت تحضر له من تلقاء نفسها لممارسة الرذيلة معه.
ظن يوسف أن اعترافه هذا سيخلصه من المسؤولية، فروى تفاصيل جديدة تختلف عن رواية زوجته ووالديها، فقد بدأ الأمر بينه وبين الفتاة على حد قوله في جلسة تعاطيا فيها المخدرات، ليغيب الاثنان عن الوعي ويجدا نفسيهما يمارسان الرذيلة معاً دون أن يدركا ما حدث، حيث كانا تحت تأثير المخدر. 

لم تتوقف اعترافات يوسف عند هذا الحد، فأضاف أنه عقب ذلك صارت هناك علاقة بينه وبين شقيقة زوجته بعد أن وقعت في حبه وبدأت تحضر إليه برغبتها. وتكرر الأمر بينهما عشرات المرات على مدى ثمانية أشهر، في الوقت الذي أنكر ادعاءات زوجته بعمله في الدجل والشعوذة وتسخيره الجان لتغييبها عن الوعي وارتكاب ما يحلو له.
كثير من الأحداث والتفاصيل رواها الطرفان في محضر الشرطة وتحقيقات النيابة التي تبادلا خلالها الاتهامات، لينتهي الأمر بصدور قرار من النيابة بحبس الزوج خمسة عشر يوماً على ذمة التحقيقات تمهيداً لإحالته على المحاكمة بتهمة هتك عرض شقيقة زوجته.


رأي الدين
 

أحداث يرفضها المجتمع والدين جاءت في قصة الفتاة سلمى مع زوج شقيقتها، قد يصدق البعض معها أنها فعلاً كانت مسحورة هي وشقيقتها من هذا الرجل الذي يمارس الدجل والشعوذة لخدمة أغراضه الدنيئة، وقد يصعب على البعض الآخر تصديق هذه الخرافات التي يرون أن مرجعها الجهل والفقر وانعدام الدين، الأمر الذي يجعلنا نطرح القضية للمناقشة على أحد علماء الدين لنعرف مدى جواز حدوث ذلك، وهل يملك المرء أن يتحكم في تصرفات الآخرين لإلحاق الضرر بهم تحت تأثير السحر والشعوذة وأعمال الدجل؟
يستنكر الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية والفقه المقارن في جامعة الأزهر، أحداث هذه الجريمة التي يرفضها الدين والمجتمع والتي وقع أبطالها في رأيه تحت تأثير الجهل والبعد عن الله والدين، فجميع أطرافها وقعوا في الخطأ والخطيئة وارتكبوا المعصية، وأولهم الزوجة التي صمتت على أفعال زوجها الشاذة وجعلته يصطحب النساء لممارسة الفاحشة معهن على فراش الزوجية، فكان الجزاء أن تكون شقيقتها واحدة من هؤلاء.

ويضيف: «السحر حقيقة قائمة لا يمكن إنكارها، وقد جاء ذكره في القرآن الكريم والحديث الشريف، إلا أنه من الموبقات أي الكبائر، وهو أمر محرم بإجماع آراء علماء المسلمين استناداً لقوله تعالى في سورة البقرة الآية 102: «ومَا كَفرَ سُلَيْمَانُ وَلَكنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ»، وفي حديث البخاري أن الرسول الكريم قال «اجتنبوا السبع الموبقات»، قيل: يارسول الله وما هن، قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»، أي أنه يأتي في مقدم الكبائر المحرمة، لكن الإيمان بالله والتحصن بكتابه الكريم وسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام ينجي المرء من هلاك السحر والسحرة».
ويكمل الدكتور كريمة أنه على المرء أن يعلم أن الضرر والنفع بيد الله سبحانه وتعالي، فآثار السحر لا تقع إلا بقدرة الله تعالى وإذنه ومشيئته، كما جاء في قوله تعالى في سورة البقرة: «ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله» وذلك في حديثه عن سحر الشياطين. ويشرح طرق الوقاية والعلاج من السحر بالرقية الشرعية وقراءة القرآن، خاصة سورة البقرة والدعاء والأذكار، مشيراً إلى أنه لا يجوز التداوي بالسحر كما يعتقد البعض، فالدين ينهينا عن معاملة السحرة والدجالين والمشعوذين أو سؤالهم أو دفع المال لهم.
ويرى كريمة أن ما تعانيه الزوجة ليس بسحر، لكن هي حالة نفسية مرضية تسبب فيها الزوج بأفعاله، ولا علاقة لها بالجن كما يهيئ لها، وكان من الأولى بها أن تذهب لطبيب نفسي وتحصن نفسها بالقرآن حتى لا تقع ضحية لأفعاله، مؤكداً أن ما ارتكبه الزوج من الكبائر.

المجلة الالكترونية

العدد 1075  |  حزيران 2024

المجلة الالكترونية العدد 1075