هالة لطفي: في أفلام خالد يوسف المعالجة سيئة
فاز الفيلم الروائي الأول للمخرجة المصرية هالة لطفي «الخروج للنهار» بجائزة أفضل فيلم أفريقي بمهرجان ميلانو للسينما الأفريقية أخيراً.
وفاز بجائزة أفضل فيلم طويل في «مهرجان وهران للفيلم العربي» وجائزة «التانيت البرونزي» في أيام قرطاج السينمائية، وجائزة fPRESCI (الإتحاد الدولي لنقاد السينما) في «مهرجان أبوظبي السينمائي»، وأفضل مخرجة فى مسابقة «آفاق جديدة» بالمهرجان نفسه... ماذا بعد؟ لقاء مع هالة لطفي.
- متى زرت بيروت آخر مرة قبل المشاركة في «أيام بيروت السينمائية»؟
جئت في العام 2010 لإجراء مقابلة مع تلفزيون «الحرّة».
- هل جئت خصيصاً لإجراء هذه المقابلة؟
نعم، للحديث عن «سينما المرأة العربية» الذي لا أعتبره موضوعاً أصلاً.
- كنت وقتها لم تنجزي فيلمك السينمائي الأول «الخروج للنهار»؟
نعم، كان أرشيفي يقتصر على الأفلام الوثائقية.
- كيف بدأت في عالم الإخراج؟ ولمَ اخترت هذا العالم؟
أنا ابنة طبقة متوسطة، كنت متفوقة في دراستي. أحب الفنون عامة وكتابة الشعر والرسم ومشاهدة الأفلام. أحب فكرة التعبير عن النفس عبر الفن بشكل عام.
درست السياسة والإقتصاد على مدى أربع سنوات. ومن اليوم الأول الذي دخلت فيه الكلية كنت أعرف جيداً أن هذا الإختصاص لن يكون له علاقة بمستقبلي المهني لاحقاً.
- لم درستِ هذا الإختصاص إذاً؟
يحتاج الإنسان إلى دراسة اختصاص غير الفنون في البداية، في مرحلة بناء النفس. كنت مدركة بالمقدار نفسه أنني لن أدخل معترك المجال الأول. وكنت في الوقت نفسه أكتب نقداً فنياً للصحافة.
- هل كان النقد الفني يقتصر على الأفلام؟
طبعاً. كنت أكتب النقد الفني وتتملكني رغبة دراسة مجال له علاقة بتحليل الأفلام، وفي اللحظة الأخيرة قررت أنني لا أريد تمضية حياتي في الكتابة عن الأفلام فقط.
- من هو المخرج الذي كان سالماً من نقدك آنذاك وأي مدرسة إخراجية كانت تجذبك؟
مدرسة توفيق صالح، هو المخرج المصري الأكثر التصاقاً بذاته. لم يتغير مشروعه السينمائي في كل الأفلام السبعة أو الثمانية التي صنعها، وكأنها كلها ذات روح واحدة.
- حين يطرح سؤال عن المخرج المصري الأبرز يسمى يوسف شاهين ويحضر من بين الرواد...
للأسف الشديد حين دخلت المجال السينمائي وارتكزت حياتي عليه كانت المرحلة التي بدأ فيها يوسف شاهين تقديم أفلام سيئة. وقد كتبت عن هذه الأفلام التي لا تشبه بداية شاهين السينمائية.
- هل يمكن توضيح ما فقده؟
لجأ إلى ممثلين وكتاب سيناريو أقل مستوى ممن كان يتعاون معهم. وصل إلى مرحلة أن أي عمل سيقدمه سيبقى شهادة عن هذا العالم، ابتعد عن ذاته. تطرق إلى التاريخ الإسلامي مثلاً في فيلم «المصير» الذي لم يعجبني.
- لكن هذا الفيلم تألق في المهرجانات العربية والعالمية في التسعينات؟
هذا ليس معياراً بالنسبة إليّ، فالمخرجون الكبار قد يتجنبون المهرجانات أحياناً لشدة توحّدهم مع إنجازاتهم ومشاريعهم الفنية التي لا تقبل التفاوض والنقاش.
أحب المخرج المجري بيلا تار (Béla Tarr)، وهو أهم ممن يحصدون الجوائز الكبيرة، هو أهم مخرج على قيد الحياة في العالم برأيي المتواضع. تحتاج المهرجانات إلى الصبر والتواصل مع الصحافة والإعلام، وهو ليس كذلك وبالتالي يعتبر «بضاعة خسرانة» لهم.
السينما صناعة ثقيلة وقد لا تكون خدمة للفن بل للترويج لقيم معينة أو قضية ما أو مصالح متبادلة. مثلاً، مهرجان القاهرة صناعة ثقيلة لكن لا يساهم في تحسين نوعية الأفلام المصرية ولا يجد إلاّ نجوم الشباك التجاري الرديء لتكريمهم.
هذه مفارقة مؤلمة أن توافق مصر على هذا الوضع المزري. هذه ليست السينما.
- كيف تقوّمين عطاءات السينما المصرية الأخيرة؟
في المعهد كانوا يقولون لنا إن السينما فن وتجارة وصناعة. في مصر الجانب الصناعي في السينما ليس قوياً رغم عراقتها. لم يشكل أي مخرج إضافة لناحية التصوير وتقنياته وأكسسوار العدسات.
أما الجانب التجاري فغالب والفني أيضاً. ولو أردت رأيي دون مواربة، أكره السينما المستقرة على النجوم. لقد سقط النجوم مع الثورات العربية، وعلينا التخلص من سطوتهم.
فالأنظمة العربية سواء في مصر أو سورية استخدمتهم كثيراً لتضليل الجمهور. لقد خانوا جمهورهم الذي صادق على مواهبهم. فعادل إمام ودريد لحام اللذان لطالما منحهما الجمهور محبته كان عليهما الصمت في لحظة عدم الإطمئنان إلى الحقيقة.
- ماذا عن شيريهان؟
كانت شيريهان قد اختفت وذهبت مع النسيان ثم عادت أعظم وأجمل لكثرة ما تملكه من أمانة وشرف...
- يبدو أنك مع «الثانيين» كما يقال؟
ليست مصر منقسمة إلى فريقين، بل فريق واحد. ثمة ظلم وفقر. الثورات العربية لم تحارب إسرائيل أو الهيمنة الأميركية ولم تندلع لتحرير فلسطين بل من أجل الكرامة والخبز اللذين حُرم منهما الشعب العربي منذ زمن.
- كيف تقوّمين تغيير مسار الثورات؟
لقد انحرفت إلى الجحيم للأسف الشديد وبمباركة كل الأطراف. لكنني متفائلة ومتأكدة أن الأمور ستستقيم في مصر لأنه في لحظة معينة لا يمكن أن نقف ضد ضمير التاريخ فنياً أيضاً... إذا كان النجوم يمانعون تزييف وعي الجمهور.
- أي مشهد من القاهرة اليوم يشعرك بالألم؟
الميدان الذي كان جميلاً وآمناً وتحوّل إلى مكان مخيف للتحرش لكسر عزيمة المرأة لأن مفاتيح الثورات العربية في أيادي النساء. أول حادثة تحرش كانت في الميدان بعد أن تخيّلنا وبمنتهى الحماقة أن الثورة تنتصر.
- كيف عشت مرحلة الثورة؟
أعيش وسط البلد في عابدين وعلى مقربة من الميدان مسافة خمس دقائق مشياً على القدمين. نزلت ووالدتي إلى الميدان يوم 25 حتى بدأ رشق الغاز. عادت والدتي إلى البيت ثم رجعت بمفردي مع آلة التصوير.
كان عليّ توثيق شهادات حتى لو لم أستخدمها لاحقاً. عشت وراء العدسة حتى في أسوأ اللحظات يوم «موقعة الجمل». في لحظات معينة لا يمكن التفكير بمن هو على حق بل الإدراك بشكل مباشر أن ما يحصل في سورية مثلاً منحط وضد الإنسانية بمعزل عن حسابات من يقاتل من وتحليل المخطط وكلام المثقفين التافه.
- كيف تتفاعلين مع أحداث سورية؟
أشعر بالعجز وليس فقط تجاه أحداث سورية. ثمة طوفان من الشر يجتاح أنبل من في هذا العالم. أكثر من تضرر من الثورة المصرية هم أكثر من ضحوا لأجلها، أبناء الأحياء الفقيرة.
أسوأ ما رأيته هو نزول ضباط الجيش يوم الثامن من نيسان/إبريل ضد الثورة والإحساس بالخديعة.
- مشهد نزول الجيش إلى الشارع صوّره المخرج خالد يوسف في فيلم «دكان شحاته» قبل الثورة...
لا أشاهد أفلام خالد يوسف لأنها مزعجة، القضية موجودة وعادلة لكن المعالجة شديدة الرداءة. استغلال مبتذل لعناصر غير فنية لتصنيع جمهور مزيّف.
يتكلّم عن قضايا أحب معالجتها لكن بأسلوب تسليع للممثلين وللممثلات وللقضية المعروضة.
- أي سينما مصرية تشاهدين؟
أتعاطف مع أفلام المنطق المستقل بعيداً عن سينما النجوم.
- رأيك بمخرج «عمارة يعقوبيان»...
تخرجت ومروان حامد من المعهد العالي للسينما في الدفعة نفسها. هو مخرج موهوب جداً لكنني لا أتعاطف مع النجوم.
- هل تعرّف أفلامنا عنا؟
السينما المصرية شبيهة بالسينما الهندية اليوم.
- لكن المخرج لن يبرز فيلمه دون هؤلاء النجوم؟
نأخذ من النجم عنصراً واحداً وهو الرواج لا الإلتزام الموجود لدى نجوم هوليوود الذين طوال الوقت نسعى إلى التشبه بهم. وهذا أسوأ نموذج في الدنيا رغم أن السينما تتكلم عن قضايا عادلة.
- أي سينما هي صادقة... الكورية أم الإيرانية؟
أي سينما في العالم عليها أن تعكس شكل مجتمعاتها. الاقتراب من الثقافة هو الصدق. كان داوود عبد السيّد وراء هذه القصة الرائعة، هو أستاذي كذلك محمد خان. هما الكبيران.
تخيّل داوود أن قنبلة ذرية أبادت كل البشرية ولم يتبقَ سوى الأفلام التي توثق الحياة. كل العالم انتهى بحكاياته وذكرياته. وبعد 300 أو 400 عام، أرادت البشرية الجديدة معرفة أسلوب حياة الأسلاف فشاهدوا أفلامهم ولم يعرفوا الحقيقة.
هل تعرّف أفلامنا عنا؟... الأزياء الفارهة والمسدسات والأجواء المبهرة والنجمات؟ ما هذه الصناعة؟ هذا لا يعبر عنا إطلاقاً. لذلك السينما الصغيرة البعيدة عن الصناعة الثقيلة هي الأقرب إلى الواقع والعاكسة جداً لثقافة مجتمعاتها.
الأفلام التي تشعر المشاهد بأنه فعلاً كان موجوداً في بلد معين أو بالحاجة إلى زيارة هذا المكان. للأسف السينما المصرية شبيهة بالسينما الهندية اليوم، سينما معلّبة، النجوم أنفسهم والحوار نفسه. «كفاية بقى»!
- أي واقع نقلت في فيلمك الروائي الأول «الخروج للنهار»؟
صوّرت هذا الفيلم على مدى سنتين، مواقع التصوير كانت طبيعية. المشاهد الخارجية في شوارع القاهرة والداخلية في منزل في شبرا.
كنت حريصة على أن يكون الممثلون غير معروفين ودون خبرة لأن النجوم المعتمدين والمشهورين يميلون إلى «اجترار» حالتهم الناجحة عبر التنميط.
- كيف اخترت ممثلي الفيلم؟
انسحبت بطلة الفيلم قبل أسبوع من موعد التصوير بعد ستة أشهر من التدريبات. خافت من المسؤولية، وانسحب معها مدير الإنتاج يسري نصرالله حين بدأت الأعمدة تتساقط.
انسحبت عناصر الفيلم التي تحمل طابعاً تجارياً وبدأ الفيلم يجتذب فريقاً جديداً وفريداً من نوعه. الفيلم بطولة دنيا ماهر وسلمى حجار. قابلت دنيا ماهر وكانت رائعة، هي فتاة عادية في الحقيقة لا تلفت الانتباه لكن مذ وقفت أمام الكاميرا نوّرت المشهد.
كانت دنيا شجاعة أن تقبل دورها قبل فترة بسيطة من التصوير ودون تحضير. أما سلمى فقد كنت أبحث عن ملامحها ولا أجدها.
قبل عام من التصوير، كانت سلمى تبدو أصغر من الدور وأجمل، وملامحها أرستقراطية غير مناسبة لكنها تعرضت للمرض وتغير مظهرها. فأسندت إليها دور الأم في الفيلم.
وبعد انتهاء التصوير شفيت سلمى تماماً، وكأنها تفاعلت كيميائياً مع هذا الدور. جذب هذا الفيلم من يشبهون تفاصيله.
وقد قررنا لاحقاً أن نؤسس شركة إنتاج معاً، شركة «حصالة». الفيلم هو عن الحياة اليومية لامرأتين تعتنيان برب المنزل المُقعد.
- هل للفيلم خلفية تشبهك؟
والدي. كنت أفكر في إنجاز هذا المشروع تسجيلياً لكن الأمر كان مستحيلاً. لم يكن «الخروج للنهار» تسجيلياً بل روائياً لأنني لا أملك القدرة على رفع الكاميرا وتصوير والدي وهو «تعبان».
أضاف فريق العمل الكثير من الحقيقة إلى هذا العمل. عاشت مهندسة الديكور تجربة مماثلة مع جدها، أحضرت نظارتيه وأغراضه وكرسيه. كذلك بطل الفيلم رئيس التحرير في «الأهرام» أحمد لطفي الذي يجمع وجهه بين ملامح الفناء والحياة.
طلب مني قراءة السيناريو، وهو في الحقيقة لا يتضمن أي كلمة لدوره بل هو رجل يغيرون له الحفاض. وافق على الدور لأنه عاش التجربة نفسها مع والدته.
لم يكن الفيلم يخصني وحدي أو يروي حكايتي وحدي بل تحول إلى قضية شخصية تخص كل فريق العمل.
هالة لطفي
- كتبت النقد السينمائي لمدة عام في جريدة الدستور.
- بعد التخرج قامت بإخراج ثلاثة أفلام تسجيلية في ثلاث سنوات متتالية حصلت كلها على جوائز وعرضت في العديد من المهرجانات الدولية، «نموذج تهاني» و«صور من الماء والتراب» و«عن الشعور بالبرودة».
- قامت بإخراج سبعة أفلام تلفزيونية وثائقية لقناة الجزيرة ضمن سلسلة «عرب أمريكا اللاتينية» منها «ضائع في كوستاريكا» عام 2004.
- منذ 2006 تطوعت لتصوير مواد توثيقية لصالح جمعيات رقابة مدنية أبرزها حركة «شايفينكم».
- عام 2008، كتبت سيناريو فيلم «الجلطة» وحصلت في العام نفسه على منحة للإنتاج من «الصندوق العربي للثقافة والفنون». بدأ التصوير عام 2010، واستؤنف بعد الثورة مع تغيير العنوان إلى «الخروج للنهار».
- عام 2011، اختارتها النجمة شارلوت رامبلينغ للحصول على جائزة Katrin Cartlidge التي تمنح كل عام لصوت سينمائي جديد متميز ومستقل في سراييفو. في العام نفسه، أسست مجموعة «حصالة» للفن المستقل لدعم السينمائيين الشباب ومساعدتهم على إنجاز مشاريعهم.
رأيها بزميلتها الفلسطينية التي سميت ضمن قائمة أقوى 100 امرأة عربية لعام 2013 والمخرجة اللبنانية نادين لبكي...
المخرجة الفلسطينية آن- ماري جاسر...
باتت السينما الفلسطينية قوية جداً في التسعينات. وقفت على قدميها بفضل رشيد مشهراوي، وإيليا سليمان الذي يمثل قمة السينما الفلسطينية طبعاً.
أما آن-ماري جاسر فهي مخرجة رائعة وصوت حر في السينما الفلسطينية. فيلمها الأخير «لمّا شفتك» فيه طموح يحكي عن لحظة أسقطناها من زمن، لحظة تكلم عنها يسري نصرالله في فيلمه «باب الشمس».
هي لحظات ينبغي استعادتها على الدوام لكي لا ننساها. نتعامل اليوم مع القضية الفلسطينية منفصلة عن الأبعاد القديمة.
فيلم آن-ماري يذكرنا بالأبعاد المرعبة التي ننساها ويحيّي الهامش الذي نتجاهله، ننسى أصلنا طوال الوقت ويذكرنا فيلمها بالوضع المرعب بعد ال67.
الفيلم موجع، كنا نظن أنها نهاية العالم. نحتاج إلى أفلام شهادات مثله. فنحن ننسى، علينا أن نستعيد ذاكرتنا.
المخرجة اللبنانية نادين لبكي...
رأيي فيها تماماً كرأيي بخالد يوسف. أشم رائحة الاصطناع في أفلامها، بخلاف أفلام رندة الشهال ومارون بغدادي... أنا آسفة لكن هذا رأيي ولستِ مجبرة على نشره.
لي أصدقاء رائعون في السينما التسجيلية وأعبر لهم عن ذهولي من وضع السينما اللبنانية. فلبنان غني بالكفاءات ولديه طاقات على تقديم أعمال عظيمة في السينما العربية. الأفلام الوثائقية اللبنانية هي الأهم في العالم العربي، غسان سلهب أحد أهم المخرجين.
«برهان علوية ما بيشتغلش ليه؟» هذا معيب ! هل ثمة أجمل من فيلمه «بيروت- اللقاء»؟ هو فيلم خالد. صديقي باسم فياض ينجز فيلماً وثائقياً عن الحرب الأهلية والخوف وطفولته.
سيكون عملاً رائعاً. لديكم كل الإمكانات البشرية والموهبة والإعلان والقضايا الثقافية الأصدق والتجديد المبدع...
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024