تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

يعملن في الحقول رغم أنهن حاصلات على شهادات جامعية

تحت شعار «لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس» اخترن أن يدخلن إلى ميدان العمل، ولكن ليس بشهاداتهن العلمية بل بسواعدهن الناعمة... هنّ فتيات تونسيات رفضن الركون إلى المنزل وانتظار عمل قد لا يأتي أبدا خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستمرة في البلاد.

يومها كٌنت أتجول في شمال تونس وسط حقول البرتقال والليمون فقابلت عدداً من الفتيات وهن سائرات نحو أحد حقول الليمون في ساعة مبكرة من الصباح. لفتني حديثهن، فكانت إحداهنّ تطلق مصطلحات باللغة الانكليزية لترد أخرى بالفرنسية، والأخريات يستمعن ويتدخلن في الحديث وضرب الأمثال القريبة من المصطلحات باللغة الفرنسية... استوقفني هذا المشهد وتساءلت ما الذي يجعل فتيات متعلّمات ومثقفات يعملن في الحقول؟
تقول إيمان المنكبي ( 26 عاماً): «أنا متخرجة من جامعة «9 ابريل» التونسية اختصاص لغة إنكليزية. تخرجت منذ سنوات عديدة وبحثت بجد عن فرصة عمل أستطيع من خلالها تحقيق طموحاتي العملية وإعالة والديّ الكبيرين في السن. وبعد أن طال انتظاري قررت أن أعمل في الحقول كحل موقت يبعد عني وعن عائلتي شبح الفاقة».
وتضيف: «العمل في الحقول حقق لي استقراراً نفسياً معيناً بعد أن كنت يائسة من فرصة إيجاد عمل ولا أرى أي عار أو عيب في أن تعمل فتاة جامعية في الحقول، بل بالعكس نحن نعمل ونتسلّى ونتكلم ونضحك، والمهم أننا لم نيأس من الحياة».
وتتابع إيمان أن فتيات المدن الزراعية عادة يعدن إلى مسقط رؤوسهن للعمل في إجازات الصيف لتوفير مصروف العام الدراسي. وقالت إنها كانت تنتظر فصل الصيف سابقاً لتعمل بجد في مزارع اللوز والليمون والخضر، لافتة الى أن ساعات عمل الصيف تكون عادة أقصر من ساعات العمل في فصل الشتاء لأن العاملات يعدن إلى بيوتهن فور أن تشتد حرارة الشمس ويتقاضين أجر عمل يوم كامل، وهو ما يجعل العمل في فصل الصيف مجزياً أكثر من غيره».

أدب فرنسي
راضية محمدي (28 عاماً) حاصلة على شهادة جامعية في الأدب الفرنسي تقول: «تجربتي مع العمل بدأت منذ صغري، فقد كٌنت أرافق والدتي إلى الحقول القريبة من بيتنا. كٌنت فقط أجلس تحت إحدى الشجيرات وألعب حتى تنتهي أمي من عملها في الحقل. بعدها دخلت المدرسة وبدأت أساعد والدتي في أيام العطل. بعدها بدأت أعمل وآخذ نصيبي من صاحب الحقل وهكذا».
تضيف: «رأيت بعيني قطرات عرق أمي وهي تضرب الأرض تحصد وتزرع وتقطف الثمار، وأدخلتني الجامعة بكدها وعرقها ومن ثم تخرجت. ولأن عملية إيجاد وظيفة في تونس تٌعد من المعجزات السبع قررت أن أرفع المشعل عن أمي وأعمل بدلاً منها في الحقول إلى حين يتحقق حلمي وحلمها في إيجاد وظيفة رسمية. وها أنا أتجول بين أشجار الليمون أشم رائحة الزهر المنعشة وأقطف من خيرات الله ومقبلة على الحياة بكل أمل وحب. وعسى ان نكون مثالا صالحا للشباب الذين يركنون إلى النوم والجلوس في المقاهي بانتظار وظيفة».

لا لطابور الانتظار
أمل شغالي درست في مجال التكوين المهني وتعلّمت التفصيل والخياطة. تقول: «عمري الآن 24 سنة. فور تخرجي من معهد التكوين المهني فتحت محلاً صغيراً للخياطة في قريتي. ولكن بحكم قلة سكان القرية التي أعيش فيها وعدم تعود السكان على حياكة ملابس خاصة بهم سرعان ما أغلقت المحل وقررت التوجه نحو الحقول للعمل في الزراعة».
تضيف: «أعمل في كل الفصول ولكن هناك مواسم يكثر فيها العمل لدرجة أنه يصبح شبه يومي. وهناك أيام نضطر فيها للجلوس في البيت خاصة وقت هطول الأمطار وسوء الأحوال الجوية، إذ تصبح الأرض طينية ويصعب معها العمل».
وتعترف بأن «فرص العمل بالنسبة إلي ضعيفة جدا بحكم تخصصي في مجال الخياطة، وطموحاتي في هذا المجال توقفت حاليا لأنني لا استطيع ترك عائلتي هنا والتوجه الى العاصمة او إحدى المدن الكبرى لافتتاح محل خاص بي. ولذلك عودت نفسي على هذا النوع من الحياة، فالعمل في الحقول الزراعية هو مهنة أمي وجدتي وخالاتي وكل نساء عائلتي».

فلسفة
فطيمة حاجي متخرجة من الجامعة اختصاص فلسفة. تقول: «بلغت قبل شهرين 29 عاماً أمضيت معظمها في الدراسة والعمل في الحقول. حقيبتي مليئة بطلبات العمل التي وزعتها هنا وهناك في العديد من الوزارات والمدارس وغيرها من الأماكن التي قد أجد فيها فرصة ولكن دون جدوى. لم أيأس و ما زلت انتظر فرصة عمل... أنا الفتاة الوحيدة في البيت. لي 4 أخوة ذكور وكلّهم درسوا بعض السنوات في التعليم الابتدائي فقط ولم يواصلوا تعليمهم، وهم الآن في البيت لا يعملون ولا يحبون العمل، ولذلك أنا مضطرة للعمل في الحقول من أجل توفير لقمة العيش لأهلي في انتظار الأفضل».

الوجه الآخر للحقيقة
يرى رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمن الهذيلي أن العاملات في قطاعات غير مهيكلة و مهمشة على غرار قطاع الزراعة يعانين من الانتهاك والتهميش الاقتصادي. ويقول: «ما نلاحظه بالنسبة إلى هذه الفئة هو غياب كل تعامل إنساني في تشغيلهن، فيتم نقلهن بشاحنات لنقل البضائع بطريقة مهينة لا يتوافر فيها الحد الأدنى من حقوق الإنسان والحفاظ على كرامته كما لا تتجاوز أجور العاملات في الغالب 120 ديناراً (قرابة 80 دولاراً) شهرياً، وهو أقل بكثير من الأجر الأدنى الوطني».
ويلفت إلى أن العاملات في القطاع الزراعي «لا يتمتعن بالضمان الاجتماعي ولا التغطية الصحية ولا عقود عمل رسمية. وهن عاملات يتوزعن في مختلف مناطق تونس».

إحصاءات رسمية
المرأة الريفية في تونس تمثّل نسبة 35.5 في المئة من عدد النساء التونسيات وترعى أكثر من نصف أطفال البلاد، باعتبار ما تبينه الدراسات الديموغرافية من ارتفاع عدد الأولاد في الأسر الريفية أي أكثر من 5 أطفال في الأسرة الواحدة.

حسب وزارة الزراعة التونسية:
اليد العاملة في القطاع الزراعي عائلية تشمل حسب نتائج الاستقصاء حول متابعة الموسم الزراعي قرابة 1.190مليون شخص (58.7% منهم ذكور و41.3% إناث).

المرأة التونسية في أرقام...

  • نسبة النّساء الأجيرات أكثر من 75 % من مجموع النّساء.
  • 49 في المئة من الكوادر المتوسطة والتقنية في الوظيفة العمومية نسائية.
  • 43  في المئة من حاملي الشهادات العليا نساء ولا يجدن عملا مقابل 23  في المئة للرجال.
  • 60  في المئة من الطلبة فتيات.
  • أكثر من ربع (1/4) الإناث في تونس هنّ أميّات مقابل  11.2 % لدى الرجال.
  • وجود المرأة التونسية في مواقع القرار في المناصب العليا لا يتجاوز 6  في المئة.
  • وجودها في الهياكل القاعدية النقابية لا يتعدى 13  في المئة و4  في المئة فقط في الهياكل الوسطى والعليا.
  • 5  نساء في الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل.
  • 5600 امرأة ناشطة في الحقل السياسي.
  • لمرأة تخصص 5 ساعات ونصف ساعة للقيام بأعمال منزلية في حين يخصص الرجل 30 دقيقة فقط.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079