9 سعوديات يدشنّ أول مكتبة متخصصة للأطفال في جدة
عندما دخلنا «مكتبتي» استقبلتنا أمينة المكتبة أميمه أسعد بابتسامة. كانت أصوات الأطفال تشارك القاصّة مغامرات ثعلب في حكاية، وآخرون يجلسون إلى طاولات صغيرة، ويحملون أوراقاً وأدوات رسمٍ، استعدادا لما ستطلبه المُشرفة عليهم في المخيم الصيفي. ألوان المكان بين البنفسجي والبرتقالي، تُحفز الذهن على النشاط والإبداع. وعلى جدران المكتبة صور الأطفال ضمن إطاراتٍ جميلة وملونة، وكأنه بيت واحد لعائلة كبيرة .
تعرفنا على الفنانة والرسامة دانية السعدي، ومدربة الرياضة شيري نصيف، وسيدة الأعمال وصاحبة محلات متخصصة للأطفال سندس زيدان، فتحدثنّ عن فكرة «مكتبتي»، وأسباب نجاحها، واحتفالهن بمرور 10 سنوات على إنشاء هذه المؤسسة غير الربحية الرامية إلى تعزيز حب القراءة، وتثقيف جيل يقرأ الكتاب الورقي التقليدي، بعيداً عن مقتنياته الالكترونية الحديثة. «لها» زارت «مكتبتي» التي تحوي 20 ألف كتاب بين أركانها، والتقت بعضاً من مؤسِّساتها التسع...
دانية السعدي، سندس زيدان، شيري نصيف، ودّ الحارثي، دُرّ فايز، يمّ فايز، ليليان نصيف، داليا أسعد، ديما حلبي، تسع سيدات سعوديات جمعتهنّ الصداقة والقرابة وسنوات الدراسة. منهن سيدات أعمال، والبعض الآخر ربات بيوت، كن يتحدثن كثيراً عن هواية القراءة، وضرورة تنميتها لدى أبنائهن، وعند البحث عن المكان الذي قد يجتمع فيه أطفالهن للقراءة، لم يكن لهذا المكان أي وجود في جدة، فقررت إحداهن وهي الرسامة دانية السعدي، أن تستضيفهنّ في طابقٍ أرضي بمنزل عائلتها. وهكذا بدأت خطوات المكتبة التي رُسمت في مخيلاتهن تتحقق، وبدأ أطفالهن يجتمعون بين الحين والآخر لتمضية أوقات فراغهم، بين القصص والحكايا والكتب التي كان الكبار يستفيدون منها أيضاً. استمر هذا الأمر لمدة عام، إلى أن خطرت ببالهن إنشاء أول مكتبة للأطفال ليتمكنوا من القراءة، وتمضية أوقات فراغهم بما هو مفيد.
عن هذا تقول دانية السعدي: «كانت مجرد فكرة بدأنا بها مع أبنائنا، واتفقنا على أنها إن نجحت سننتقل بها إلى المجتمع، وبفضل من الله كانت التجربة ناجحة جداً في السنة الأولى. واستطعنا استقبال أعداد كبيرة من الأصدقاء والمعارف، فاق سعة منزل عائلتي، فقررنا أن يكون لدينا مكتبة للأطفال. سارت الأمورأفضل مما كنا نتوقع، والبركة كانت ترافق كل خطوة نقوم بها».
وتشاركها الرأي مدربة الرياضة شيري نصيف قائلة: «مع أننا لا نملك الخبرة، وكل منّا لديها عملها الخاص، إلا أننا تمكنا من إنشاء هذه المكتبة وشراء كل الكتب من أموالنا الخاصة، ونجحنا في إدارتها واستقبال أكبر عدد من الأطفال. وكما تشاركنا في الفكرة، فقد تشاركنا أيضاً كل بحسب الموهبة التي تمتلكها فدانية السعدي التي تحمل شهادة في الديكور، اختارت الألوان: البنفسجي للمعرفة، واللون البرتقالي للإبداع. أما أنا فكنت المنسقة بين الجميع عن طريق البريد الالكتروني، والاتفاق مع بعضنا البعض على أفكار قد تخدم المكتبة، بشكل مميز. ديما حلبي تفكيرها كان ينصب على الأعمال، وهي المسؤولة عن الحسابات، بمشاركة يم فايز، أمّا ود الحارثي فتهتم بعلم نفس الأطفال، نراجعها في الأمور التي تخص هذا المجال، و ليليان نصيف لديها خبرة في مجال الكمبيوتر، وقد ساعدت في تنظيم البرامج وتسجيل الكتب. كما أن سندس زيدان لديها خبرة أيضا في مجال الأعمال، وموهبة في جمع التبرعات، وقد ساعدتنا كثيراً، و دُر فايز لديها خبرة في مجال التنظيمات، ساعدت أيضاً في بعض الأمور عند إنشاء المكتبة، و داليا أسعد وفرت لنا هذا المكان، بسعر مناسب في مجمّع البيت الأنيق. وها نحن تسع سيدات يعملن في هذا المكان. باختصار كانت التخصصات، والاهتمامات منسقّة بيننا، كما لو كنا قد اخترناها مسبقاً».
وتضيف السعدي: «بفضل من الله كانت الأمور ميسرة، وعند البدء في العمل بالمكتبة تعرفنا على أميمه أسعد التي أصبحت أمينة المكتبة والمشرفة على كل النشاطات التي نقوم بها للأطفال، بل هي قلب المكتبة النابض».
شعار «إقرأ»
أول كلمة تستقبلك عندما تفتح باب المكتبة «اقرأ». وقالت سندس زيدان: «لم نجد أي صعوبة في التعامل مع الأطفال المعتادين على وجود التقنية في حياتهم بشكل أساسي، فعندما نضعهم بين الكتب الملونة والقصص الخاصة بكل فئة عمرية، نجد أنهم يبدأون في البحث بين الأرفف على ما يناسبهم ويجذب انتباههم».
تستقبل «مكتبتي»، كل الأعمار التي ترغب في القراءة والاستفادة من أجواء المكتبة. تقول سيدة الأعمال سندس زيدان: «لدينا أنواع معينة من كتب القماش، خاصة بالرضّع، ليتمكن الطفل من التعرف على شكل الكتاب، دون أي ضرر إن قام بوضعه في فمه. وهناك تسلسل للأعمار وصولاً إلى سن 15 سنة. وكل قسم في المكتبة مخصص لفئة عمرية مختلفة، مع الحرص على توفير كتب تخص الأمهات. كما أن لدينا مساحة خاصة لاستقبال نشاطات للأطفال».
الكتب الورقية والتقنية الحديثة
وأشارت زيدان إلى اهتمام المكتبة بتوفير كتب بلغات متعددة، «لدينا كتب باللغتين العربية والإنكليزية كأساس للغات متداولة في المجتمع السعودي، بالإضافة إلى كتب باللغتين الفرنسية والاسبانية، نظراً إلى تعدد الجنسيات التي تتواصل مع المكتبة، وتعلم بعض الأطفال في المدرسة هذه اللغات. ونحرص على تغيير محتويات الأرفف كل ستة أشهر، وشراء الكتب ذات الجودة العالية».
وذكرت أن هذه المكتبة «تعد ملاذاً للأمهات والأطفال، للمشاركة في قراءة الكتب والاستمتاع بالقصص الملونة والنشاطات التي يستفيد منها الطفل. وما نسعى إليه من خلال «مكتبتي» هو تعزيز حب القراءة في أطفالنا، وتشجيعهم على بناء علاقة مع الكتب الورقية التقليدية، بعيداً عن الكمبيوتر والأقراص المدمجة DVD. كما تخصص المكتبة يوماً في الأسبوع لاستقبال الأطفال بحضور قاصة، تروي لهم القصص والحكايا، باللغتين العربية والانكليزية».
وزادت دانية السعدي: «في أوقات الإجازات يزورنا الكثير من الأطفال من خارج جدة، للاستمتاع بما تقدّمه لهم المكتبة من نشاطات، لكنهم لا يستفيدون من امكانية استعارة الكتب بسبب عدم وجودهم فيها بشكل دائم».
تعاون المجتمع
ولفتت شيري نصيف إلى «عدم وجود معوقات في بداية هذا المشروع، بل على العكس كان المجتمع متعاوناً جداً مع هذه الفكرة. وتنوعت أساليب المساعدات، فمنهم من ساعد بمبالغ مالية، ومنهم من تبرع بشراء بعض الكتب، ومن الأشخاص من تبرع بوقته. ولعل الصعوبة الوحيدة التي واجهتنا هي إرسال الطفل مع الخادمة، وهذا ما نرفضه، لأننا نحرص على إشراك الأم مع الطفل».
حافلة كتب
قالت دانية السعدي: «تبرع أحد الأشخاص لـ «مكتبتي» بحافلة صغيرة، وقد تم استخدامها لفكرة المكتبة المتنقلة. وقبل ثلاث سنوات، وتحديداً في حي النٌزلة بجنوب جدة، وضعنا هذه الحافلة الصغيرة، مع القليل مع الديكورات المتواضعة، وفي داخلها كتب لكل الأعمار. والحمد لله حققت هذه الفكرة نجاحاً باهراً، ونعمل في هذه الأيام بناءً على رغبة سكان الحي في توسيع هذه الحافلة، ووضع كتب أكثر بداخلها، ليتم استيعاب الأعداد الكبيرة من الأطفال التي تأتي للقراءة».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024