الإبحار الممكن... في المكان المستحيل!
أن تحول شقة عادية جداً الى يخت عائم فوق سطوح باريس شيء يشبه الحلم أو بعض القصص السوريالية المثيرة للدهشة والاستغراب.
ولكن هذا الأمر أصبح واقعاً فائق العذوبة والجمال والرفاهية والفرادة على يد المهندس الشاب فريدريك فلانكارت. ووراء هذا الأمر حكاية لا بد من روايتها.
منذ دخوله الى هذه الشقة الواقعة في الطابق الأخير من مبنى باريسي، بعد أن كلفه مالكها بترميمها وإعادة صياغتها، تملّك مهندس الديكور فريدريك فلانكارت شعور بالغ الغرابة، من خلال تصوره أنه في مقصورة مركب فخم يعوم فوق سطوح باريس.
ورغم المساحة المحدودة لهذه الشقة (85 متراً مربعاً)، إستطاع فلانكارت أن يجسد فيها تصوره الغرائبي، ليخرج لنا عملاً زخرفياً بديعاً.
ربما كان لتلك الشرفة المحيطة بهذه الشقة دور في تعميق هذا الشعور، فقرر تجسيد أفكاره مستفيداً من الأنوار المتوهجة التي تحاصر المكان في هذا الفضاء الرحب.
بالطبع، لم تكن عملية الترميم سهلة لهذه الشقة التي تتألف من مدخل صغير وغرفتين للنوم مع حمّامَيهما وصالون تحيط به من الجانبين شرفة واسعة تطل على بانوراما رائعة من مناظر المدينة.
وكان، بداية، لا بد من التصدي لبعض العوائق الهندسية وإيجاد الحلول المناسبة لها، ومنها: انخفاض السقف داخل الشقة الى مستوى لا يزيد عن المترين وعشرين سنتم، اضافة الى التباين البالغ بين مستويات ارتفاع الأرضيات، خصوصاً بين الصالون والشرفة، مع تداخل بعض الفضاءات بشكل عشوائي بعيد عن وظيفية التنظيم وجماليته.
وكان الاختلاف في مستوى ارتفاع الأرضيات بين فضاءات الشقة و بين الشرفة والصالون، نقطة انطلاق لحل هذه المشكلة.
وهكذا اعتمد فريديريك على تسوية فوارق مستوى الأرضيات من خلال ابتكار درجات تشكل عناصر فصل ووصل في آن واحد بين كل فضاء وآخر، إضافة الى استثمارها كمساحة للعرض والزينة.
وكان الصالون نموذجا مثالياً لذلك فمن أجل الحفاظ على التواصل المرئي بين الصالون ومساحة الشرفة، تم ابتكار اركان أنيقة بمقاعد منفذة خصيصاً بمقاسات محددة، مدمجة في مساحة بعض من الدرجات، مع ابقاء مساحات صغيرة حولها لعرض التحف وعناصر الزينة.
وقد لُبّست هذه المقاعد بالجلد بتناسق مع ارائك الصالون المقابلة. كما نسق عند الجلسة طاولة صغيرة من الكروم والزجاج، مع بعض من المقتنيات ذات الطابع التذكاري.
إنه إسلوب انيق جميل ساهم في تطوير المشهد الزخرفي، ومنح هذه العناصر الطارئة أكثر من وظيفة، ولكن من دون أن يبتعد، في تصميمها، عن الفكرة الرئيسية وهي منح المكان أجواء محددة، تذكّر بالأجواء الداخلية لليخوت حيث استمدت هذه الشقة اسمها منها.
خص فريديريك فلانكارت ركن المدفأة في الصالون بكثير من الاهتمام، فنسق حوله رفوف للكتب وخزائن منخفضة للصحون وأدوات المائدة، كما زين جدار المدفأة بمرآة كبيرة وزين سطح المدفأة بالشمعدانات وبعض التحف وعناصر الزينة التي تحمل طابع السفر وأجواءه المختلفة.
أما الشرفة بفضائها الغارق في النور الطبيعي والذي يمنح الوصول إليها من الصالون انطباعاً بالعبور من مقصورة السفينة الى سطحها، فقد تم تحويلها وتحوير مهماتها الأساسية لتصبح قلب الشقة، وذلك بعد أن نسق في إحدى جوانبها وحدات من الخزائن التي تندمج فيها معدات الطهو والجلي والتخزين بأسلوب عصري أنيق لا يفقد المكان شيئاً من جاذبيته.
وقد نسقت على مسافة من المطبخ عند زاوية الشرفة، طاولة للطعام مبتكرة بإصدار محدود من مجموعة «شارلوت بيريان». ويحيط بالطاولة عدد من الكراسي، بينما تتدلى فوقها ثريا فخمة من الكريستال من مجموعة «باكارا».
وقد خُصص في الجانب الآخر من الشرفة قبالة الصالون ركنٌ للاسترخاء والتأمل تميز بديكور بسيط يحمل طابع «الزن».
ومن خلال الانطلاق من الصالون الى الشرفة، لم يعد ثمة ما يعيق الرؤية الخارجية: لا عناصر التدفئة العمودية التي بالكاد يمكن تمييزها من خلال الأبواب الزجاجية، ولا صنبور حوض المجلى القابل للسحب. فالاستمتاع بالمناظر الخارجية للشرفة أمر مهم برأي مالك الشقة الذي يستطيع أيضاً ومن خلال حمام غرفته الرئيسية الاستمتاع بأحلى المناظر.
بين الأفاريز في السقف وأرضية الشرفة، تم تمويه توصيلات الكهرباء والإضاءة المباشرة في المكان او المسلّطة فوق مجموعة الأعمدة المثبتة وبمسافات متساوية على طول امتداد الشرفة والتي تضفي رونقاً مدهشاً على أجواء المكان الذي تدخله أجواء المساء في هالة من السحر والجاذبية.
هذا الخط المضيء في الشرفة يمكن إيجاده أيضاً في الصالون وغرف النوم حيث تبرز لعبة تباين المستويات بشكل أنيق وبارع.
يدفعنا المهندس فريديريك من خلال هذا التصميم إلى الاهتمام أكثر بلعبة التفاصيل التي تساهم في خلق حيوية مستمرة في الفضاءات والتي تثريها خيارات مختلفة من المواد النبيلة التي يستدعيها دائماً في أجوائه، من خشب البلوط والجوز والمعدن المصقول مثل الكروم والكريستال الفاخر وكذلك الإسمنت والحجر البورغوني... أما الألوان فتسبح في جوٍّ من التناغم الناعم والدفء من خلال إيقاعات من الأبيض والبيج والبني والرمادي الناعم وألوان الخشب الدافئة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024