تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

شاشة التلفزيون ما لها وما عليها

مع تزايد القنوات المتخصّصة بالطفل، يزداد السجال حول ما إذا كان جلوس الطفل إلى التلفزيون مضرًا أم نافعًا. صحيح أن التلفزيون قد يجعل الطفل انعزاليًا واتكاليًا ولكن في الوقت نفسه في إمكانه أن يشكّل وسيلة تربويّة مهمة شرط أن يعرف الأهل كيفية استعمالها كي يتحوّل جلوس الطفل إلى التلفزيون أمرًا إيجابيًا.
ما من شك في أن التلفزيون أصبح جزءًا من عالم الطفل، فهو يسحره ويشغل مخيّلته، حتى قبل أن يتعلّم القراءة والكتابة.
فالطفل يمسك الريموت كونترول من دون تردّد ويدرك في أي ساعة سوف يعرض برنامجه المفضّل، ويحفظ عن ظهر قلب أغنية دعاية ويغنيها في سن صغيرة.
أمّا السماح للطفل بمشاهدة التلفزيون أم لا، فهذا يعود إلى الأسلوب التربوي الذي يريد الوالدان اتباعه، ولكن في الوقت نفسه عليهما أن يدركا أنه ليس في الإمكان حرمان الطفل من مشاهدة التلفزيون، فهذه مجازفة تجعله منقطعًا عن العالم، وحرمانه من المرجع المشترك بينه وبين الأطفال الآخرين.
وفي المقابل يؤكد اختصاصيو علم نفس الطفل أن التلفزيون لا يشكّل حاجة أساسية للطفل، لأنه لم تجرِ دراسة عن أثر غياب التلفزيون في المنزل ولكن ما استنتجوه أن الأطفال الذين لا يشاهدون التلفزيون يمكنهم التحدث عن رسوم المتحركة التي لم يشاهدوها مع أصدقائهم.
غير أن هذا لا يعني أن يحرم الطفل من التلفزيون بل على الأهل الحذر من الآثار الضارة للشاشة فقط.

 

ماهي سيئات التلفزيون وما هي حسناته؟


خطر الإتكالية

في البداية يجب تحديد معنى السلبيّة أي التلقي من دون تفاعل، فللسلبية نتائج شديدة الوطأة. أولاّ على الجسم. يحتاج الطفل إلى الحركة واللعب وكل ما يحفّز جسمه على الحركة، فيما جلوسه أمام الشاشة لا يساعد جسمه على النمو والتطوّر بل العكس قد يتحوّل الطفل مدمن تلفزيون وبدينًا، فقد أظهرت معظم الدراسات أن الأطفال الذي يعانون البدانة المفرطة هم أطفال يجلسون إلى التلفزيون طوال النهار وغالبًا ما يلقمشون وهم يشاهدون قنواتهم المفضّلة.

والضرر الثاني أثره على الذهن. فالسلبية هي حالة الإستلاب إذ يبدو الطفل منبهرًا مسلوب الإرادة إلى حد الخدر فالتلفزيون يجعله يغوص في عالم من الصور والمشاهد وبالتالي لا يعود قادرًا على تركيز انتباهه. يواجه بعض التلامذة الذين يجلسون طويلاً إلى التلفزيون صعوبة في التركيز في الصف، خصوصًا أولئك الذين يأتون صباحًا إلى المدرسة بعدما أمضو ساعة يشاهدون التلفزيون.
وبحسب بعض الدراسات يُفقر التلفزيون خيال الطفل لأنه يتلقّى الأحلام المفبركة أمامه على الشاشة مما يضغف مخيلته ولا يعرف بالتالي ابتكار القصص الخاصة به.
إذًا يتعوّد الطفل أن يتلقى كل شيء من دون أن يُعمل تفكيره في الإبتكار وكلما جلس إلى التلفزيون زاد الكسل الفكري وفي الوقت نفسه شعور الطفل بالفراغ، مما يجعله يشاهد التلفزيون أكثر، فمن دونه لا يستطيع ابتكار شيء.

هل هذا يعني أن على الأهل منع التلفزيون من المنزل؟
ليكن الأهل صريحين مع أنفسهم، فالطفل ليس وحده من يحب التلفزيون بل الأهل أيضًا وهم يقدّرونه، إذ أحيانًا يكون التلفزيون جليس الطفل، أثناء إنشغال الأم بالأعمال المنزلية.

لا يمكن إلغاء التلفزيون من حياة الطفل ولكن الرهان هو تربية الطفل على أن يكبر وينمو بذكاء رغم وجود التلفزيون. ويرى الإختصاصيون أن المشكلة ليست في التلفزيون نفسه، وإنّما في طريقة استعماله وفي موقعه في حياة العائلة.
فإذا استعمل التلفزيون ضمن الأطر التربوية الصحيحة فإنّه يكون مصدر غنى معرفي للطفل بحسب بعض الإختصاصيين، بل يمكنه أن يكون نافذة للإنفتاح على العالم ووسيلة تعلّمية وترفيهية أيضًا. خصوصًا بعدما أصبح هناك قنوات تلفزيونية متخصّصة تقدّم برامج تربويّة للطفل تستند إلى التعليم ما قبل المدرسي.
إذًا يمكن الطفل التعلّم من هذه الشاشة الصغيرة أكثر مما يتوقّع الأهل، فهو يكتسب عددًا كبيرًا من الكلمات وهو كنز معلومات مثل البرامج التي تتناول عالم الحيوانات والنبات والجغرافيا إذًا.


كيف يمكن تحويل مشاهدة التلفزيون إلى مسألة مفيدة؟

1 تحديد مدة المشاهدة والوقت المناسب
يستطيع الطفل بدءًا من سن الثالثة اختيار برنامجه المفضل، ولكن في هذه السن يصعب عليه التمييز بين الواقع والخيال فهو يصدق كل ما يعرض أمامه على الشاشة.
إذًا إنها اللحظة التي ينبغي أن تشاهد الأم أو الأب البرنامج مع الطفل ليتناقشا حول ما يعرض من أمور غير واقعية مثلا الفتى الذي يطير .ولتكن مدة المشاهدة بين 30 و 45 دقيقة لا أكثر.
وبعد انتهاء البرنامج الذي يحبه الطفل يجب إطفاء التلفزيون، إنها القاعدة الذهبية التي تجنب الأم الصراع والجدال في ما بعد، وهي الوسيلة المثلى لتجنيب الطفل تعرّضه لمشاهد غير موجّهة إلى عمره، لأنها إما مشاهد عنف وإمّا لأنها تعرض سلوكيات لا يجوز أن تكون نموذجًا يحتذى به.
وغالبًا ما يظن الأهل أن مشاهد الحرب العنيفة هي وحدها التي تؤثر في الطفل، في حين أن هناك الكثير مما يعرض على التلفزيون أكثر قسوة من العنف مثل أفلام الخيال العلمي التي تبعث برسالة أن القوة هي العدالة الوحيدة التي يجب أن تتحقق.

2 حجب التلفزيون في أوقات معيّنة من النهار
رغم أن بعض القنوات المتخصصة للأطفال تعرض برامجها بدءًا من السابعة، فإن الإختصاصيين لايحبذون مشاهدة الطفل برنامجه المفضّل عند الصباح فور استيقاظه، فالطفل في حاجة إلى أن يخرج من لحظات النوم ويعي بهدوء الواقع، وتبادل الحديث. صحيح أن هذه البرامج من النوعية التربوية الجيدة، ولكنه يمكنه متابعتها لاحقًا، فغالبًا ما يعاد عرضها فترة بعد الظهر.
أما عند المساء كما الصباح من الأفضل ألا يشاهد الطفل التلفزيون، ويظن البعض أنه يساعد على الشعور بالنعاس وهذا خطأ لأن تحفيز الطفل على النوم النوم يكون عن طريق قراءة الأم له قصة قبل النوم وسماع صوتها، وبالتالي يمكن الطفل التعبير عن مشاعره بالكلمات وينام بسلام.
أمّا أفضل وقت يشاهد فيه الطفل التلفزيون هو بعد تناوله العصرونية فهو وقت الراحة بعد المدرسة وقبل وقت الإستحمام.

3 تعليم الطفل اختيار البرامج
بدءًا من سن الرابعة- الخامسة يمكن تعليم الطفل ماذا يقرّر مشاهدته. ويكفي الأم أن تشاركه مشاهدة التلفزيون وتعرف البرامج التي تفرحه فعلاً.
أو الإطلاع على البرامج والإختيار معًا . ومن ثم تطرح الأم الأسئلة في اي ساعة يعرض هذا البرنامج؟ كيف ننظم وقتًا حرًا في هذه الساعة؟ فهذه انطلاقة مختلفة عن تلك المتعلقة بفتح التلفزيون بشكل عشوائي و مشاهدة ما يعرض في لحظتها.

4 مشاركة الطفل في مشاهدة التلفزيون
فهذا يسمح للأم بالتحدث معه عما يشاهده ويطمئنها بأنه يفهم جيدًا ما يشاهد، وإذا لم يكن الأمر كذلك فإنها تشعر بما يتهرب منه، يمكن ابداء رأيها وتسمع رأيه.
مثلاً إذا كانا يشاهدان برنامجًا تقول له: لا يعجبني تصرف الدب مع أصدقائه والطريقة التي يتكلم بها معهم؟ ماذا كنت تفعل مكانه.
فبهذه الطريقة تجنب الطفل تقليد النماذج التي يفرضها التلفزيون أو طرق التفكير، وتشجعه على قول ما يشعر به. هل هو خائف؟ هل هو غاضب؟ فبذلك تساعده على التعرف إلى مشاعره وإعلامه أنه من الطبيعي أن ما يشعر به طبيعي.

5 عدم وضع التلفزيون في غرفة نومه
هناك الكثير من العائلات تضع التلفزيون في غرفة نوم الطفل ليتمكّن من مشاهدة ما يريد وكذلك الأهل. فيما يحذّر الإختصاصيون من هذا الأمر نظرًا إلى المساوئ الكثيرة الناتجة عن وضع التلفزيون في غرفة نوم الطفل.
إذ يصبح من الصعب على الأهل مراقبة ما يشاهده الطفل ومعرفة المدة التي يمضيها في مشاهدة التلفزيون. وقد أثبتت دراسة حديثة أنّ الأطفال الذين لديهم تلفزيون في غرفهم يعانون صعوبة في النوم وعدم قدرة على التركيز في المدرسة، ويميلون إلى تناول الطعام أمام التلفزيون واللقمشة مما يسبب لهم البدانة. لذا يشدّد الإختصاصيون على عدم وضع التلفزيون في غرفة نوم الطفل.

6 مساعدة الطفل على تنمية الحس النقدي
أثناء مشاهدة الوالد والطفل معًا التلفزيون على الأب ألا يتردّد من إبداء رأيه في ما يراه. كأن يقول له مثلاً « أرى أن قصة الفيلم حزينة جدًا ماذا عنك؟» حتى وإن لم يوافق الطفل رأي أبيه فإنه بمجرّد أن يبدي رأيه المختلف فإن هذا يساعده في وضع مسافة بين ما يراه على الشاشة وبينه.
كما يمكن الأهل الإستفادة من الإستراحات الإعلانية الترويجية إذ يمكن التعليق مثلا:» ليس صحيحًا لأن معه هذ القلم سوف تحضنه المعلمة وتعطيه درجات عالية فهل حدث معك هذا؟. سيجيب الطفل لا... أرأيت كيف يخدعوننا فقط لنشتري.

7 تشجيع الطفل على ممارسة نشاطات أخرى
على الأهل أن يدركوا أن لاشيئ يمكن أن يعوّض عن العلاقات المباشرة وتبادل الحديث مع الآخرين، فعن طريق التواصل المباشر نصبح إجتماعيين لا الجلوس إلى التلفزيون. والطريقة المثلى لإبعاد الطفل عن التلفزيون هو إشراكه في النشاطات الرياضية مثل السباحة أو ركوب الدراجة، واليدوية مثل أن يشارك والدته في تحضير قالب حلوى أو الرسم، والذكائية عبر القراءة أو مشاهدة مسرحية.
وقد أثبتت دراسة أنه عندما طلب من مجموعة من الأطفال الإختيار بين اللعب مع أقرانهم والمشاركة في نشاط أو مشاهدة التلفزيون، كان التلفزيون عند 95 في المئة في المرتبة الأخيرة.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080