منزل صممته ستيفاني كوتاس في نويي ـ سور ـ سين
في هذا المنزل، لا يمكن التحدّث عن أسلوب فقط، ذلك أن ما يشي به هذا المكان هو الموقف أيضاً. هنا توفر لنا المهندسة الشابة ستيفاني كوتاس مساحة مفتوحة لقراءات جمالية ووظيفية تصلح لاعتبارها دروساً - مستوفية كافة الشروط المنهجية- في مديح المكان.
في اللحظات الأولى أمام هذا المشهد الزخرفي الغرائبي، يصبح الغموض رد فعل طبيعياً أمام عناصر بالغة التناقض، تناقض يتعدى الشكل واللون ويتجاوز الخطوط والأبعاد، ليصل إلى المفاهيم والرؤى.
ولكن مع قليل من التأمل والأبحار في هذه الأجواء المستقرة، نجد أنفسنا في قلب صداقة مفاجئة مع كل الأشياء و التفاصيل.
فتختفي التصنيفات السائدة، وتتراجع التعريفات المتداولة، لتبزغ في المكان مفردات جمالية جديدة وتعابير زخرفية مميزة، تقول كل شيء وبكل اللغات.
فعلى مساحة 400 متر مربع، يشغلها هذا المنزل البورجوازي الطابع، في واحدة من أرقى الضواحي الباريسية نويي ـ سورـ سين Neuilly-sur-Seine ، تقدم لنا هذه المهندسة فرصة لاكتشاف تعابير وصيغ زخرفية جديدة، لم يتم استقدامها من طرز وأساليب، بل من حركة بارعة لإنتاج ملامح وقيم تؤسس لمناخات فريدة في قدرتها على احتواء الأفكار الأكثر أصالة وجرأة أيضاً... حركة حوّلت المنزل إلى مختبر طليعي، قابل لاستيعاب كل المواد والألوان والأشكال والأبعاد، ليعيد إنتاجها في وحدة فذة تملك كل المعايير المطلوبة لرفاهية خاصة جداً، هدوء ليس فيه أي حذر وصفاء لا يكدّره أي خدش، و زواج بديع للكلاسيكي الراسخ مع الحديث المعاصر...
لقد شكّل هذا المشروع في روحية أجوائه نوعاً من التحدي الذي واجهته كوتاس ببراعة فائقة ورؤية مدعومة بحس فني خالص وخبرة ودراية في معالجات تخرج عن المألوف.
فالدينامية التي تعاملت بها ستيفاني كوتاس مع فضاءات المنزل ساهمت في تثمين أجواء المكان وإعطائها بعداً مثيراً وأناقة تلامس الغرابة حيناً والطرافة أحيانا أخرى، مما أكسب تلك النماذج من الفنون المعاصرة حضوراً مدهشاً في حضن بيئة كلاسيكية الطابع.
هو مشهد يبدو في غاية الألفة والسعادة رغم كل عناصر التناقض فيه. مجموعة كبيرة من التحف والأعمال الفنية المعاصرة، تحت سقف واحد، عمدت كوتاس الى توزيعها بإنسجام تام، جنباً الى جنب مع الأجواء المحافظة، مولدة بذلك محطّة بارزة في أساليب التصميم فيها الكثير من التحدي والجرأة.
تحدٍ تجسدت رهاناته بابتكار بيئة داخلية أنيقة، برؤية جديدة متطورة، ومظهر زخرفي غير مسبوق، دعمتها مجموعة من الصور الفوتوغرافية ذات الطابع الريترو، إضافة الى طاولة للعبة «بيبي فوت» مصاغة بطابع فني مثير، وكذلك طاولة من البلكسي غلاس تحمل توقيع بيتر كلاسن، إضافة الى لوحات من أعمال الفنان العالمي روبيرتو كومباس.
كما أضاف حضور مجسّم ضخم لغوريلا مصنوع من المخمل، لمسة من الطرافة على أجواء الديكور، الى جانب العديد من الأشياء التي أثْرت، بتفاصيلها، المشهد الزخرفي ومنحته لمسة من الطرافة والإثارة.
من المدخل في الطابق الأرضي إلى الصالون وغرفة الطعام والمكتب مروراً بالحمام والمطبخ وغرف النوم في الطابق العلوي تضجّ المساحات بالعناصر الملفتة والتي يشكل كل منها محطة من محطات الإبداع. نسجت كوتاس أجواءها بمهارة لافتة وبراعة ملحوظة و بأسلوب عملي جميل وحس فني نادر، مما وفّر لكل ركن من أركان المكان شروط الأناقة والرفاهية.
كذلك بدا حضور الألوان في كل مكان عنصراً أساسياً يكمل خطوات التصميم أو يسبقها أحياناً ليكشف طابع الديكور بصور مرحة جميلة وراقية.
هنا يومض الأصفر بظلاله المشرقة الساطعة و هناك البرتقالي أو الأخضر المنعش، إضافة إلى الأزرق بنغماته البحرية واللون البرونزي الثمين والرمادي الداكن.
كل ذلك يأتي بتناغم بالغ مع الجدران الخشبية القائمة، مما يحمل الى الأجواء نفحة بوهيمية متكلفة أحياناً ولكنها ضمن إطار مبتكر، توظف فيه كل الأساليب لإنتاج رفاهية حديثة، بعيدة كل البعد عن المعايير الكلاسيكية القديمة السائدة لمنزل تقليدي.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024