تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

طفلي يقلّد نجمه المفضّل

يدخل رامي الذي لم تتعدّ سنه السبعة أعوام إلى غرفته وينسّق ملابسه على طريقة جاستين بيبر ويدير جهاز الموسيقى، فيقف أمام المرآة يمسك الميكروفون ويبدأ بالغناء والرقص مقلّدًا نجمه المفضّل، فتبدو ألعابه أعضاء فرقته ينظر إليهم ويعطيهم الإشارة بالعزف كما يفعل المغنون على خشبة المسرح، وتتحوّل المرآة إلى جمهور افتراضي يصفق له  ويتفاعل معه.

مشهد موسيقي لسيناريو خيالي أعدّه طفل حلم بالنجومية، هل هذا الحلم موقت فعلاً؟ وهل يجدر بالأم أن تقلق من لعبة التماهي هذه؟
يرى اختصاصيو علم نفس الطفل أن الصديق الخيالي الذي يخترع الطفل وجوده أمر طبيعي يساعد في نموّه النفسي والفكري فيُسقط في هذا الصديق كل الأمور التي تشغل باله ويعبّر عما يخالجه من مشاعر أو قلق.
ويعتبر التأثر بشخصية نجم أو اختراع فريق موسيقي  وجمهور وهميين أمرين طبيعيين بالنسبة إلى الطفل قد يساعدانه في إسقاط خجله، فهو بمجرد أن يتخيّل جمهورًا أمامه يصفّق له يستعدّ نفسيًا لمواجهة المجتمع الكبير.
غير أن هذا التأثر بالنجم ينبغي أن يكون عابرًا، أمّا إذا وصل إلى حدود أن الطفل  أصبح يتقمّص شخصيته فهذا مؤشّر لمشكلة يعانيها. 

ما الفارق بين الصديق الوهمي والتماهي بالنجم؟
إن الطفل بين الست والسبع سنوات يخترع صديقه الخيالي وهذا أمر جيد، فالطفل الخجول مثلاً يساعده الصديق الخيالي على التخلص من ذلك، أو يلجأ إليه إذا كان يشعر بأزمة.
بينما النجم فهو الصورة الجاهزة التي يريد تقليدها. فالصديق الوهمي يلغيه الطفل  من حياته عندما لا يحتاج إليه، ولكن النجم لا ينتظر أن يختفي لأنه موجود بالفعل. وعمومًا يحتاج الطفل إلى الخيال لأنه ليس واضحًا بعد بالنسبة إليه الفرق بين الخيال والواقع، وهنا تدخّل الأهل ضروري ليحاولوا توضيح الفارق بينهما.
مثلاً إذا ذكر الطفل أمرًا وهميًا يقولون له: «أنت تفكر هكذا ولكن الواقع ليس كذلك بكلمات يستطيع استيعابها». وفي المقابل، لا يمكن منع الطفل من التخيّل لأنه يساعد في نموه الفكري وبطريقة صحيحة.

هل من الطبيعي أن يتأثر الطفل بأحد المشاهير؟
 من المعلوم أن الطفل بعد السن السابعة يكون قد كوّن جزءًا من شخصيته وبدأ ينفتح على الحياة، كما أنه في هذه السن يستوعب كل ما يدور حوله بمعنى أنه يُعمل كل حواسه ليكتشف محيطه دون عراقيل أو ممنوعات فدماغه كالإسفنج يمتص كل ما يتلقّاه من الآخرين.
ونحن في عصر لا يمكن الاستهانة  بما يراه الطفل على شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر، فقد صار كل شيء متاحًا له لاكتشافه دون عراقيل و كل هذه العوامل جعلت التأثر بالمشاهير والأشخاص الناجحين في سن مبكرة جدًا ، أمرًا عاديًا.

هل يشير تماهي الطفل بأحد المشاهير غياب النموذج العائلي؟
النجم هو شخص عادي غير أن الصورة تركّز على مظهره من حيث الأزياء والمكياج لأنها أمور ضرورية للناحية التسويقية للنجم أو النجمة، وبالتالي تبدو نموذجًا مثاليًا يحتذي به الطفل  لأنه يرمز إلى الكمال، ولعبة التسويق ترتكز على الإبهار والخيال لأن أصحابها يدركون ماذا يجذب المشاهد الراشد، فكيف الطفل الصغير الذي لا يستطيع التمييز بين العالم الخيالي الذي يتصوّره والواقع الذي يعيش فيه.
فهو يصدّق كل ما يراه على الشاشة لأنه يشبع خياله ويحقق رغباته. ومن المعلوم أن كل الأطفال يريدون النجاح سواء في المدرسة أو علاقاتهم مع المحيط الذي يعيشون في كنفه كي يحافظوا على محبّة أهلهم.
وفي الوقت نفسه يبحث الطفل في هذه السن عن نموذج يحتذي به أو يتماهى معه، وإذا لم يكن الأهل على الصورة التي يرغب فيها من حيث المظهر أو لعبة الإبهار، فإن النجم أو النجمة سيصبحان هذا النموذج، إذ أن الأهل لا يمكن أن يكونوا دائمًا بأبهى مظهرهم  كالنجوم.

ما هو دور الأهل في هذا التماهي؟
صحيح أن الطفل يعيش في عالم الخيال حيث كل شيء جميل وبرّاق، ولا يمكن محو هذه الصورة، لكن دور الأهل أن يعرفوا متى عليهم التدخل، فمن المهم أن يُسأل الطفل عما يعجبه في هذا النجم أو تلك النجمة، ولم يحبها ويحاولوا إجراء حوار، كأن يسألوا طفلهم مثلاً ماذا ترى في هذا النجم إذا أجاب أنه جميل وقوي...  يمكنهم تأييده في رأيه ولكنهم في الوقت نفسه عليهم أن يشرحوا له أن الجمال الداخلي مهم جدًا أيضاً.
إذ  يمكن استعمال صورة النجم، لتحديد أهداف له كأن يقولوا له مثلاً: «إذا أردت أن تنجح مثل هذا النجم يجب أن تنام جيدًا وتأكل جيدًا كي تنمو». وفي الوقت نفسه لا يجوز ترك الطفل يغوص في عالمه الخيالي، لأنه إذا عاش على مدى السنوات في عالم النجم المبهر، فهناك احتمال أن يصاب بخيبة أمل  عندما  يصل إلى مرحلة المراهقة لأنه سيجد أن هذا الأمر غير واقعي مما يؤثر سلبًا في شخصيته.
لذا فإن دور الأهل توعية الطفل وأن يشرحوا له أن هؤلاء النجوم يعملون بجد، وأنهم لم يصلوا إلى الذي هم فيه بالخيال، بل عملوا بجهد وأن عليه أن يعمل بجهد، فربما عندما يصبح كبيرًا يريد أن يصبح نجم غناء وربما لا.

متى يجدر بالأهل التدخّل؟
أصعب مهنة للأهل مراقبة أطفالهم وهم ينمون. ورغم أنها ضرورية يجب ألا تتحوّل إلى صراع، أي ألا يتحوّل الأهل إلى رجال شرطة، إذ يحقّ للطفل ببعض الترفيه بعد الانتهاء من واجباته المدرسية، غير أنّ هناك معدلاً عامًا لهذا التصرف، أي لعبة النجومية.
لنفترض أن الطفل يقوم بذلك خمس مرات في الأسبوع، فهذا مؤشر لأنه يفضّل العزلة و يدخل في نمط يصعب إخراجه منه، لذا من الضروري أن يسأل الأهل لم يتصرّف على هذا النحو، ربما كانت شخصيته ضعيفة أو يعاني مشكلة يمكن حلّها، عندها على الأم أو الأب التدخل والتأكيد للطفل أنه مسموح له القيام بذلك مرّة أو مرتين في الأسبوع، شرط أن يوفر له نشاطًا آخر كأن ينضم إلى نادٍ رياضي وإذا اكتشف أنه يحب الموسيقى مثلاً يمكن تشجيعه على تعلّم العزف على الآلة الموسيقية المفضّلة في معهد حيث يلتقي غيره من الأطفال.

ما هي إيجابيات تماهي الطفل بأحد النجوم ؟
يمكن الإستفادة من إنجذاب الطفل إلى النجم شرط أن تكون النوعية هي الأساس إذا زاد الأمر عن حدّه يجب التدخل ولكن عن طريق الحوار ومعرفة مكنونات الطفل. من الضروري أن نُفهم الطفل إن له شخصيته المميزة وهويته الخاصة.
فمثلاً إذا أرادت البنت أن تشتري الثياب نفسها التي ترتديها نجمتها، على الأم أن تنبهها أن لها شخصيتها وعليها أن تنمي ذوقها الخاص ولا يجوز أن تكون تابعة لأحد وهذا الذي سينجحها، وأن هذه النجمة نجحت لأنها أرادت ذلك ويمكن أن ترتدي ما تريد وتبرع مثلها.
من هنا فإن إيجابيات التماهي تكون بفتح حوار مع الطفل حول ضرورة أن تكون له شخصيته المميزة ومعرفة ماذا يريد بالفعل وإن كان في سن صغيرة. فالطفل يستوعب لذا لا يجوز الإستهانة بذكائه.

يرغب بعض الأطفال في أن يشاركهم أهلهم خيالهم النجومي، فيطلبون منهم أن يلعبوا دور الجمهور ويصفّقوا لهم. فهل من المفيد هذه المشاركة؟
من المفيد أن يشارك الأهل أطفالهم هذه اللعبة شرط ألا يتحوّل حلم الطفل إلى حلم الأبوين فيصبّان كل اهتماماتهما على تحقيقه، إذ أنه من المحتمل أن يصاب الطفل بخيبة أمل كبيرة عندما يصبح مراهقًا.
وفي المقابل من الضروري أن يراقب الأهل تصرّفات طفلهم أثناء مشاركتهم لعبة النجومية، ليتبيّنوا ما إذا كان طفلهم مأخوذًا بعالمها إلى أبعد حدود أم لا.
فإذا كان الأمر مجرّد رغبة طفولية عابرة فلا مشكلة، أما إذا كان كل عالم الطفل فهذا مؤشر لأنه لا يفرّق بين الخيال والواقع.
عندها عليهم أن يتحاوروا معه ويعملوا على إيجاد نشاطات أخرى تشغله. فربما كان الطفل يعاني مشكلة تواصل مع الآخرين فوجد في الخيال المكان الذي يُسقط فيه كل رغباته.


من الملاحظ أن البنت تتأثر بالنجمة أكثر من الصبي. كأن تطلب من والدتها شراء الملابس نفسها التي ترتديها نجمتها المفضلة، فإلى ماذا يشير هذا التماهي؟

ليس بالضرورة أن البنت تتأثر بالنجمة أكثر من الصبي. ولكن الذي يحدث أن تأثر البنت يكون أكثر وضوحًا بمعنى أن الأزياء والأكسسوارت البرّاقة التي ترتديها تظهر تماهيها بشكل واضح أكثر من الصبي الذي يقتصر تأثره من حيث الشكل بالجل الذي يضعه على شعره أو السروال الفضفاض. 

ومن المعلوم  أن البنت  تقلد والدتها في كل شيء وهذه طريقة سليمة في تحضير البنت نفسيًا لعالم الأنوثة، وكلما كانت الأم تهتم بمظهرها تتبع البنت خطاها. كما أن هذا التأثر له علاقة بالتربية والثقافة. ففي المجتمع الشرقي يعتبر مظهر البنت الخارجي مهمًا لها، منذ الصغر تعيش فكرة الزواج وأنها من الضروري أن  تبدو جميلة كي ترضي الآخرين.

وعلى النطاق العالمي أن تكوني جميلة يعني أنك مرغوبة من الجميع لا سيما الشبان. والنجمة هي من الجميلات التي يتهافت عليها الجميع فمشاهد الكليب التي تعرض على شاشة التلفزة تؤكد ذلك، وفي المقابل من الطبيعي أن تتأثر البنت الصغيرة بهذا النموذج البرّاق الذي يحقق لها رغباتها.
ويكون هذا التأثر طبيعيًا ما دام عابرًا ومادامت الأم تشرح لابنتها أنه من الضروري أن تكون لها شخصيتها الخاصة بها، وأن هذه النجمة التي تراها في أبهى حلّة ليست كذلك في حياتها العادية. وكل ذلك يكون عبر الحوار الهادئ وليس عن طريق المنع التعسفي الذي يزيد الطفل تعنتًا.
أهم نقطة هي أن يدرك الطفل أن هذه الصورة ليست حقيقة. فبذلك نهيئه للعالم الواقعي ولمواجهة المشكلات التي قد يواجهها في سن المراهقة.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078