الطفل الذي أمضى 10 ساعات بين الأموات: بابا خنقني ودفنني
قصة غريبة قد لا يصدقها الكثيرون، لكنها حدثت، بطلها طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره بعد، سنواته القليلة قد تجعله عاجزاً عن استيعاب ما يحدث حوله، لكن عشر ساعات أمضاها بين الأموات جعلته يستوعب الكثير والكثير. ربما لا يدرك الخلافات التي انتهت بانفصال والديه، لكنه الآن يدرك أن والده رجل بلا عقل ولا قلب، بعد أن دفنه حياً داخل إحدى المقابر في منطقة الخانكة شرق القاهرة دون أن تحرك صرخات وتوسلات الصغير بداخله أي نوع من الشفقة.
كانت الساعة تقترب من الرابعة فجراً عندما خلت المنطقة من المارة إلا في ما ندر، لتأتي صرخاته من داخل المقابر لتكسر هذا الصمت، بعد أن زرعت في النفوس رعباً لا يتصور، فالقبور لا يسكنها إلا الأموات ولا يعتاد أحد على وجود أصوات فيها، خاصةً في مثل هذه الأوقات من الليل قبل بزوغ ضوء النهار.
صوت استغاثة مصحوباً بالبكاء مرة والصراخ مرات كثيرة، جعل مجموعة من المارة الذين دفعهم القدر في طريق طفل مسكين يتشجعون بعد أن أضاؤوا هواتفهم المحمولة ودخلوا معاً إلى المقابر لاستطلاع الأمر، دون أن يتصوروا أنهم سيجدون طفلاً صغيراً ضحية لرجل هو للأسف والده.
رشفة من المياه تناولها الصغير قبل أن يهدأ روعه من هول ما شاهده داخل قبر وضع فيه لعشر ساعات مقيدا بالحبال حتى يفارق الحياة، لكنَّ الله أراد له حياة جديدة عندما أرسل له ملاك الرحمة يساعده علي فك قيوده والهروب من طريق النهاية، ليتحدث بعدها ويروي حكايته التي لا يصدقها عقل.
- الصدمة
طلب الصغير من الأهالي الذين تجمعوا حوله أن يساعدوه في العودة لأمه، بعد أن فقد الثقة بلا رجعة في هذا الأب المجنون، فخرجت عباراته تعبر عن لهفته لرؤية أمه يرتمي في أحضانها، لعل حنانها ينفض عنه أهوال ما عاشه خلال تلك الساعات. لكن كلماته المتلعثمة عجزت عن إيصالهم إلى عنوانها الذي يبعد عدة كيلو مترات من مكان المقابر.
لم تكن الأم عابئة بغياب صغيرها، فهو في أمان بعد أن علمت من رفاقه أنه ذهب بصحبة والده، الذي حضر وأخذه أثناء لعبه مع الصغار في الحي الشعبي الذي تسكن فيه، حيث منزل عائلتها بعد انفصالها عن زوجها قبل سنوات، وهو أمر كثيراً ما يتكرر، خاصةً في موعد الزيارة الأسبوعية للأب. لكن كلمات الشرطي الذي حضر لاستدعائها من جانب رئيس مباحث الخانكة كانت كفيلة بإشعال التوتر بداخلها، خاصة عندما أعلمها أن الأمر يتعلق بصغيرها مصطفى.
ارتدت بائعة الخضار عبير عبدالسلام (32 سنة) ملابسها وأسرعت تسابق الرياح لتصل إلى المقدم أحمد الخولي رئيس المباحث الذي كان في انتظارها برفقة صغيرها مصطفى أحمد (10 سنوات) العائد من الموت الذي أسرع ليرتمي في أحضانها والدموع لا تفارقه، وهو يردد: "بابا خنقني ودفني في المقابر يا ماما". ذهول شديد صاحبته صدمة ارتسمت على ملامح عبير، لا تستوعب ما يقوله ابنها، ليؤكده لها رئيس المباحث الذي توجه إليه الأهالي بصحبة الصغير، بعد أن عثروا عليه مدفوناً في مقابر أبو زعبل بمنطقة الخانكة.
- هدية النجاح
قصة عبير مع هذا المجنون بدأت منذ 13عاماً عندما تزوجت منه وأنجبت مصطفى، إلا أن المشاكل وشك الرجل في سلوكها قاداهما للانفصال، لتعود المرأة إلى منزل أسرتها بصحبة طفلها الذي أجبرها على الخروج للعمل كبائعة خضار في سوق الحي الذي تسكن فيه حتى تتمكن من الإنفاق عليه، في الوقت الذي ظل هو يتردد عليها طوال ثماني سنوات للاطمئنان على صغيره ورؤيته.
رغم المشاكل التي كانت بين الأم والأب إلا أن هذا لم يؤثر في علاقة مصطفى بوالده، فهو يحبه ويتمنى أن يقيم برفقته.
كان مصطفى يلعب مع أقرانه في الشارع عندما شاهد والده يأتي من بعيد، فأسرع مهرولاً إليه يزف له خبر نجاحه في الصف الرابع الابتدائي وحصوله على المركز الأول، لترتسم على ملامح الأب علامات فرحة زائفة، طالبه على إثرها بارتداء ملابسه ليذهبا معاً لشراء هدية النجاح.
ذهب مصطفى مع والده طائراً من الفرحة بعد أن وعده بشراء دراجة، وهو الأمر الذي يفوق إمكانات والدته، دون أن يعرف أن والده يخطط لإنهاء حياته، رحلة أمضاها الصغير في المواصلات مع الأب، وجد نفسه بعدها يتوقف أمام المقابر التي أثارت بداخله حالة من الخوف جعلته يتساءل عن سبب وجودهما في هذا المكان الموحش، لكن كلمات الأب خرجت آمرة بالانتظار لبضع دقائق، اختفى خلالها عن بصر الصغير قبل أن يعود ويصطحبه إلى داخل المقابر.
- صراع مع الموت
فجأة تبدل المشهد وفقد الصغير الأمل في الحصول على هدية الأب الذي لف يديه حول عنقه يريد خنقه، لتنهمر دموع الصغير عاجزة عن طلب الرحمة من هذا الشيطان، لتصيبه الصدمة بغيبوبة فقد على إثرها الوعي، ظن الرجل أن صغيره فارق الحياة، فأسرع إلى تقييده بحبل كان يخفيه بين ملابسه، وأدخل مقبرة حديثة البناء، وأغلقها من الخارج ببعض الحجارة حتى لا يشاهد أحد الجثة وينكشف أمره.
عاد مصطفى للحياة يصارع الموت داخل القبر، لينجح في فك قيوده محاولاً نبش أبواب القبر بأصابعه الصغيرة دون أن تنقطع صرخاته التي هرع على إثرها المارة ونجحوا في إنقاذه وكشف حقيقة هذا الأب المجنون.
- الأب يعترف
بعد رواية مصطفى لم يكن أمام رجال الشرطة غير التحرك للقبض على والده الذي تبين أنه مسجل خطر سرقات عامة وسابق اتهامه في عدة قضايا مخدرات، حاول عامل البناء أحمد محمد (38 سنة) تبرير فعلته بأنه ضحية لمطلقته التي زرعت بداخله الشك في أن مصطفى ليس ابنه، حتى تبعده عنها، فخطط لجريمته حتى يحرق قلبها على صغيرها دون أن يعطي نفسه فرصة التفكير في علاقته بهذا الطفل الذي ترتسم على وجهه تقاسيم وجه هذا الأب القاتل.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024