هل أشتري لأبنائي اكسسوار المونديال؟
لا تقتصر مظاهر كأس العالم لكرة القدم على الراشدين، بل تشمل الأطفال والمراهقين أيضًا. ويمكن القول إن الأطفال والمراهقين أكثر حماسة لمشاهدة فريقهم المفضل يراقص الكرة في الملاعب، ولا يتردّدون في شراء الأعلام والأكسسوارات وحتى ثياب فريقهم المفضل وأحيانًا «تي شيرت» عليها رقم واسم لاعب يجدونه بطلهم الرياضي.
وتبدو الأبنية كأنها تعيش عرسًا كرويًا تنافسيًا فتحتل الشرفات الرايات والأعلام، وإذا سألت الأهل سواء كانوا هم أيضًا تغمرهم الحماسة أو لا تعنيهم كأس العالم فإنهم يقولون لنجعل أبناءنا يفرحون بهذه الظاهرة العالمية التي تحدث مرّة كل أربع سنوات.
ولكن يبقى السؤال هل يدرك هؤلاء الأطفال ماذا يعني تشجيع فريق دون آخر؟ هل يدركون مكامن قوّة هذا الفريق أو ذاك؟ وهل يجوز للأهل أن يشتروا كل الأكسسوارات التي ترمز إلى فريق ابنهم أو ابنتهم المفضل والذي يشجعه حتى آخر هدف؟
«لها» حملت هذه الأسئلة وغيرها إلى الإختصاصية في علم نفس الطفل كالين عازار.
هل يمكن الطفل الصغير أن يميّز الفريق الجيّد في اللعب من الفريق غير المتمكّن أم أنه فقط يشجع ما يمليه عليه أهله أو أصدقاؤه؟
من الطبيعي أن يتأثر الطفل بالمحيط الذي يعيش فيه، ولكن أحيانًا يكون الأهل غير مهتمين بكرة القدم، عندها يتأثر الطفل بأصدقائه سواء في المدرسة أو النادي.
وإذا كان الطفل لديه شخصية والأهل يعملون على تنميتها، تكون لديه قدرة على اختيار الفريق الذي يشجعه، وبالتالي تكون لديه قدرة على إقناع الآخرين لمَ اختار هذا الفريق دون غيره.
واللافت أنه يكون لديه ضمن الفريق لاعب بعينه يكون نجمه الرياضي المفضّل، وإذا سألت هذا الطفل عن السبب تجدينه يتحدّث عن مهارته في اللعب، أو أسلوب كلامه أو أسلوب حياته، فهو يجد فيه أمورًا مشتركة تمسّه شخصيًا.
ولكن هل الطفل يدرك فعلاً هذه الأمور؟
نعم لا ننسى أننا في عصر الإتصالات والإعلام الرقمي ومعظم الأطفال اليوم وبدءًا من الثامنة لديهم القدرة على دخول الإنترنت وإجراء بحث على الشبكة العنكبوتية من أجل بحث مدرسي أو غير ذلك. فكيف إذا ما تعلّق الأمر بلاعب كرة مفضّل! ويفاجئك هؤلاء الأطفال بأنهم يعرفون معظم تفاصيل حياة لاعبهم المفضّل، مثلا كم نال من العرض الإعلاني، وعدد الأهداف التي سدّدها في المباريات التي شارك فيها. بمعنى آخر يتابعون سيرة حياته المهنية.
هل هذه المتابعة أمر إيجابي؟
يكون إيجابيًا إذا عرف الأهل والمربّون كيف يستغلون هذه الرغبة عند الأطفال والمراهقين. فحدث كأس العالم هو الفرصة الممتازة لتثقيف الأطفال والمراهقين. فمن خلال اختيار الإبن أو الإبنة تشجيع فريق دون آخر يمكن الوالدين استغلال هذه الحماسة.
مثلا لنقل الطفل اختار الفريق الإيطالي، يمكن الوالدين تخصيص أسبوع إيطالي، يتخلله مطبخ إيطالي يشارك الطفل في تحضير الوجبات، والتعرف إلى إيطاليا من خلال إجراء بحث عن تاريخها وحدودها الجغرافية ومدنها وعادات شعبها وتقاليدها.
أو إجراء بحث عن الفريق الإيطالي المشارك أو لاعب الطفل المفضّل. أما الطفل الصغير جدّا فمن الطبيعي أن يتأثر إما بوالديه وأخوته الأكبر منه وإما بأنسبائه، إذا لم يكن أحد في المنزل يهتم بكأس العالم.
نجد أحيانًا أن الأطفال أكثر من المراهقين، يلزمون أهلهم شراء ثياب الفريق الذي يشجعه وكل الأكسسوارات التي ترمز إلى هذا الفريق أو ذاك. ألا يجعل ذلك الطفل استهلاكيًا؟
إذا كان الأهل قادرين فهو طفل محظوظ، ولكن مع ذلك على الأهل ألا يبالغوا بل عليهم أن يعلّموا الطفل كيف يعرف قيمة الأشياء التي يحصل عليها، مثلاً في الأسبوع الأول من فترة المونديال يمكن أن تشتري له الأم «تي شيرت» لأنه حصل على درجات عالية في المدرسة، وفي الأسبوع التالي القبعة لأنه تصرف بشكل جيد. أي أن يشعر الطفل بأن ما يحصل عليه نتيجة أمر جيد قام به وقد ناله عن جدارة لا لمجرد أنه معجب بفريق رياضي.
أحيانًا الطفل يحرج الأهل فهو يريد كل شيء دفعة واحدة كما فعل أقرانه!
هنا على الأم أن تذكّره بالقوانين المنزلية. من الضروري أن تشرح له أن الأسواق مليئة بكل ما يمكن تصوّره من أكسسوارات الفرق الرياضية، ولكن ما الذي يحتاج إليه بالفعل ما هي أولوياته العلم مثلا أم الـ «تي شيرت» أم السوار أم القبعة. هنا نجعل الطفل يفكر ويحدّد ما يحتاج إليه بالفعل، لا أن يكون مجرد مستهلك.
مثلاً قد يختار العلم لأنه يبقى للدورة التالية بعد أربع سنوات فيما الملابس لن يستطيع ارتداءها بعد أربع سنوات لأن حجمه يكبر. بمعنى نعلم الطفل كيف يقنن أولوياته واحتياجاته. وهنا يمكن أن تطلب الأم من الطفل أن يساهم في شراء ما يرغب فيه من مصروفه الشخصي، وهكذا تعلّمه على الإقتصاد.
فهو إذا وجد أنه سيصرف كل نقود الجيب على شراء «تي شيرت» سوف يدرك قيمة الأشياء التي يوفرها له أهله.
خلال المونديال تحصل بين الأطفال والمراهقين «زكزكات»، إلى اي مدى ينمي هذا النوع من «الزكزكات» روح المنافسة وبالتالي الروح الرياضية في ما بينهم وتحمّل فكرة الخسارة والربح؟
أظن أن المونديال من الأمور التي يمكن الأهل الاستفادة منها للتعرّف أكثر إلى شخصية أبنائهم، من خلال مراقبتهم ضمن الفريق. يعني إذا كانت الأم دعت أصدقاءه لمشاركته في مشاهدة مباراة في المنزل يمكنها أن تتحقق من رد فعل ابنها إذا خسر فريقه أو ربح.
كيف يتصرف مع صديقه الذي قد يكون مشجعًا لفريق منافس، ما إذا كان أحد أصدقائه لا يتمتع بالروح الرياضية ويحطم معنويات ابنها، وما إذا كان الإبن من الأشخاص الذين لا يعرفون الدفاع عن أنفسهم.
فهذه فرصة مهمة للوالدين للتعرف إلى أصدقاء ابنهما أو ابنتهما وأسلوب التعامل في ما بينهم. فقد تنتهي المباريات بخصام أو هدوء أو شجار ولغة عنيفة.
ماذا عن «الزكزكات» التي تحصل على مواقع التواصل الإجتماعي؟
هنا على الأهل مراقبة ما يحدث، ويتنبهوا إلى اللغة التي يتكلم بها الأبناء لا سيما المراهقين لحمايتهم من العنف المعنوي من خلال التعليقات القاسية التي قد يتعرّض لها المراهق.
وفي المقابل إذا كان الإبن هو من يضع تعليقات جارحة على الأهل أن يتحدّثوا إليه ويؤكدوا له أنه لا يجوز تحقير الآخرين، لأنه قد يكون في موقفهم لاحقًا.
مباريات المونديال هذه السنة توقيتها ليلي. فهل يمكن الأهل السماح لأبنائهم الصغار السهر أم يصرّون على ذهابهم إلى الفراش لأن المباراة سيعاد بثها في اليوم التالي؟
على الأهل أن يعرفوا أن هذه الفترة استثنائية خصوصًا أن فترة المونديال تبدأ بنهاية الفصل المدرسي فلا ضير أن يسمح للطفل باستثناءات، خصوصًا أن المباراة المباشرة فيها حماسة أكثر لأن أحدًا لا يعرف النتيجة، والجو العام يكون جوًا احتفاليًا. فيما مشاهدة المباراة في اليوم التالي تكون مملة لأن الكل يعرف النتيجة مسبقًا.
ولكن هذا الإستثناء لا ينسحب على كل المباريات بل يقتصر على اليوم الذي تكون فيه مباريات الفريق الذي يشجعه.
لماذا خلال فترة المونديال يلاحظ أن معظم الأطفال يحبون رياضة كرة القدم ويريدون ممارستها وبعد انتهاء المونديال يعزفون عنها؟
السبب الحركة الإجتماعية، فالمونديال ظاهرة رياضية محدّدة الفترة الكل ينتظرها، ويصاب الناس بعدوى المونديال فالكل يتكلّم عنه سواء كانوا من هواة اللعبة أو لا، وبالتالي من الطبيعي أن يتأثر الطفل بهذا المناخ الرياضي.
فيما الأطفال الذين لديهم فعلاً شغف بكرة القدم يبقى الاهتمام لديهم حتى بعد انتهاء المونديال، فيما بعض الأطفال يدركون أنهم يهوون كرة القدم أي يكتشفون هوايتهم الرياضية وبالتالي يطلبون من أهلهم تسجيلهم في نادٍ لكرة القدم، فيما آخرون تبقى الكرة بالنسبة إليهم مجرد موضة واكبوها أثناء المونديال.
إلى أي مدى يعزّز هذا الحدث العالمي روح المرح ويخزّن ذكرى جميلة عند الطفل؟
بالفعل خصوصًا مع التكنولوجيا اليوم نجد السلفي Selfie حين يصوّر المراهق أو الطفل نفسه مع أصدقائه خلال هذه الفترة وهم في منزله، فهذه الصورة تترك أثرًا وذكرى جميلة لن ينساها.
ماذا عن الذهاب إلى مكان عام؟ هل يمكن السماح للمراهق بمرافقة أصدقائه؟
لا مشكلة إذا كان الأهل واثقين بأن المكان الذي يذهب إليه آمنٌ، وإذا كانوا من النوع القلق يمكن الذهاب معه إذا كان في مرحلة المراهقة الأولى (12- 13 سنة).
إلى أي مدى تكون فترة المباريات فرصة لتشجيع الطفل أو المراهق على تعزيز العلاقات الإجتماعية إذا كان يعاني صعوبة في بناء علاقات اجتماعية من خلال دعوة أطفال أو أقرباء لمشاهدة المباريات في المنزل؟
أشجع كثيرًا لأن هذه الفترة أفضل فرصة لتعليم الطفل بناء علاقات اجتماعية. فكثيرًا ما نسمع أمًا تقول ليس لديه أصدقاء أو خجول، عندها يمكنها أن تتصل بأمّهات أقرانه في الصف أو أبناء الجيران أو الأنسباء وتدعوهم للمشاهدة في منزلها وتحضّر لهم الوجبات السريعة.
فدور الأم تنمية قدرات الطفل الإجتماعية قبل سن العاشرة، من خلال مبادرتها في الإتصال بأهل أقران الطفل سواء في المدرسة أو الحي. وكذلك الأب يمكنه أن يقوم بمبادرة من خلال تشجيع ابنه على دعوة أصدقائه للمشاهدة معًا. وهذا يعوّد الطفل على المسؤولية من خلال مثلاً وضع لائحة بالأطفال الذين يريد دعوتهم إلى منزله، ويفكّر في حجم المشتريات التي يحتاجها مثل التشيبس و العصائر وما إلى هنالك.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024