القات ينتشر على 'استحياء' بين الفتيات السعوديات
بين مضغه وإبقائه في الفم لساعات طويلة، وتدخين الشيشة والسجائر، وجلسات نسائية، يبقى لتخزين القات ضرر لا يقتنع به مستخدموه، فمن نشاط زائد ويقظة مستمرة، إلى حالة كسل وخمول وإرهاق وضُعف تأتي بعد انتهاء مفعول القات في الجسم. وعلى الرغم من حظر بيعه، لاعتباره نوعاً من أنواع المخدرات، إلا أن هناك كميات تدخل السعودية خاصة من المنطقة الجنوبية، بسبب قرب الحدود مع اليمن، كما أوضح الدكتور رشاد السنوسي لـ«لها». وقد أشارت دراسة حديثة أعدها السنوسي إلى أن القات بات منتشراً في السعودية بين الذكور بنسبة لا تقل عن 30 في المئة، وبين الإناث قد تصل إلى أعلى من ذلك، دون الافصاح عن النسبة بأرقام واضحة، نظراً لثقافة العيب، وانتشاره على استحياء بين الفتيات. تستعرض «لها» في هذا التحقيق، قصصاً واقعية لفتيات يُخزّنّ القات، آخذين بآراء أصحاب الاختصاص في هذا الأمر.
بحثت عن الراحة في القات ووجدتها!
منيرة، أم لأربعة أطفال، تعرفت على تخزين القات من خلال جارتها اليمنية، وبدأت بالتخزين منذ ثلاثة أشهر. عن هذا تقول: «في البداية خفت أن يكون شيئاً مُضراً بالصحة، خاصة أنني تعرفت عليه من خلال جارتي التي تسكن في الشقة المقابلة لشقتي، وكنت حينها حاملاً في شهري الأخير. عرضت عليّ في البداية لكني رفضت، وبعد الوضع، بدأت أشعر بالاكتئاب والتعب والضجر، فذهبت إلى جارتي، ووجدتها قد أعدت الشيشة، وعرضت عليّ مرة أخرى الأمر، فوافقت رغبة مني في التخلّص من الأفكار السلبية التي بدأت تدور في عقلي، خاصة بعد الولادة. في المرة الأولى شعرت بالراحة، وكأنني في عالم آخر، حتى ظننت أنني قد غبت عن الوعي لساعات، ولم أجد تفسيراً لتلك الراحة التي شعرت بها في حينها. وسرعان ما اعتدت على هذه الجلسات برفقة بعض الجارات، والصديقات عند جارتي. ولأني أدخن السجائر وجدت أن إحساس الراحة يتجانس بشكل كبير مع تخزين القات، الأمر الذي يشعرني بالكثير من السكينة والهدوء والابتعاد عن مشاكل الحياة».
وتضيف: «زوجي في البداية، لم يكن يعلم ما يجري الأمر، ولكن عندما شعر بترددي المستمر إلى منزل جارتي، حدثني بالأمر فأخبرته. في البداية غضب كثيراً، إلا أنني أقنعته بأن القات ليس مخدراً، ولا يؤثر على جسدي، بل يوفر الهدوء الذي أبحث عنه بعد يوم طويل مع الأطفال، فتقبل الأمر لكنه رفض أن يُشاركني فيه».
عبير: أتشارك أنا وأختي في تخزين القات
عبير حامد (25 سنة)، شابة أنهت دراستها في مجال التمريض، وهي تعمل في أحد المستشفيات. هي وأختها التي تكبرها بعام، تتشاركان في هذه العادة كما ذكرت: «كنا نبحث عن مبررات مقنعة لوالدي كي نتمكن من الخروج لزيارة الصديقات، وبالتأكيد جلسة قات. نجتمع مع الصديقات في منزل إحداهن التي ترتب الجلسة من الشيشة والطعام والقات الذي يوفره لها من بعض أقربائها من اليمن». وحول ترتيب الجلسة النسائية أشارت حامد إلى أن «المجالس الخاصة بالنساء يطلق عليها تفرطه، في حين يطلق عليها في مجالس الرجال مقيل، بحسب ما ذكرته لنا صديقتي. وتكون مظاهر الجلسة النسائية أكثر فخامة وراحة من مجالس الرجال، وتختلف مظاهرها بين الفئات، فالأثرياء لهم جلسة خاصة تبدأ بتعطير المياه بالهيل، أو بشرب مشروبات غازية، أو شراب الشعير، مع ارتداء ملابس تقليدية خاصة بهن. أما مجالس الفتيات فلها نكهة مختلفة، وهي شرب الشيشة، مع تخزين القات، وتبادل أطراف الحديث، ولكلٍ منا حكاية ترويها مع الضحكات والاحلام التي تبدأ ما أن نبدأ بمضغ القات».
نورة: القات هو حق أمارسه كما يمارسه الرجل
نورة أحمد (23 سنة) متزوجة ولديها طفل، بدأت تخزين القات منذ اليوم الأول لزواجها. تقول: «عائلتي لا تُخزن القات، ولم يكن والدي من الأشخاص الراغبين بهذه العادة. إلا أنني وقبل الزواج كنت أشارك بعض الصديقات في منازلهن، ولكن بشكل بسيط، أو مضغة بسيطة كما نقول في جلساتنا، ولا تكاد تتعدى الساعة، إضافة لشرب الشيشة. وعندما تزوجت، انتقلت إلى مجتمع مغاير تماماً، فعائلة زوجي يُخزنون القات، ويُحضرونه بأسعار باهظة، وبشكل يومي. في البداية امتنعت عن هذا الأمر، إلا أنني لاحقاً بدأت أعد الجلسات، وأعزم الصديقات، لنتبادل أطراف الحديث ونخزّن القات». وأكدت أن «تخزين القات هو حق أمارسه كما يمارسه الرجل، ولا علاقة لأي شخص بما أقوم به، طالما أن زوجي يُخزن القات، وعائلته أيضاً، بعدما تعلموه من جيرانهم من الجالية اليمنية. ولم أعد أرى القات حكراً على جنسية معينة، لأن هناك طالبات جامعيات سعوديات يُخزنّ القات، وإن ليس في العلن».
د.السنوسي: انتشار القات بين الفتيات يعود إلى «التقليد الاجتماعي»
قال مدير مركز الأبحاث والمؤثرات العقلية وأستاذ مساعد في كلية الطب في جامعة جيزان الدكتور رشاد محمد آل السنوسي إن «القات مشكلة منتشرة في القرن الإفريقي، وفي السعودية هو منتشر بكثرة في الجنوب، بالرغم من وجوده في مناطق أخرى في السعودية، لكن بشكل بسيط. ويعود سبب انتشاره إلى مجاورة الحدود اليمنية، الأمر الذي يُسهل انتقاله».
وأظهرت الدراسات التي قام بها السنوسي عن حجم المشكلة، ومدى انتشار القات بين الطلاب في المدارس والجامعات أن «حجمها في المرحلة الثانوية يزيد عنه في المرحلة المتوسطة، والجامعة هي أكبر منها في المدارس. وبشكل عام النسبة تصل إلى أكثر من 30 في المئة لمستخدمي القات خاصة في الفئات العمرية بين 15 سنة فما فوق، وهو يأخذ الكثير من وقتهم، وفي كثير من الأحيان يصل إلى ست ساعات في اليوم الواحد».
عن العوامل التي تجعل الشخص أكثر عُرضة لتخزين القات، أشار السنوسي إلى أن النتائج أثبتت أن « العامل الرئيسي يشير إلى استخدام الأبوين أو أحدهما القات في المنزل، أمام ابنائهم، أو من خلال بعض الأصدقاء المخزنين للقات. وإذا كان الشخص مدخناً فإن ذلك يعد من أكبر الاحتمالات لأن يصبح مُخزن قات. كما ان تخزين القات بين الذكور أعلى بكثير من معدل تخزينه بالنسبة للإناث اللواتي يستخدمنه كنوع من التسلية في جو إجتماعي عادي في العائلة، مع الاعتقاد أن تخزين القات ليس نوعاً من الإدمان، كما أنه ليس من أنواع المخدرات، لكن الأمر بطبيعة الحال يختلف من الجانب العلمي، فالقات ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية هو من المواد المُخدرة، وإن كان تأثيره لا يصل إلى تأثير المواد المخدرة، لكنه من ضمنها، لأنه يحل فيه نوع من الإعتماد النفسي».
ولفت السنوسي إلى أن انتشار القات بين الفتيات يعود إلى «التقليد الاجتماعي، بأن يكون الزوج أو الأبناء يقومون بالتخزين، فتبدأ الفتاة أو الزوجة بالتخزين، ومشاركة أفراد عائلتها بما يقومون به. لكني أجد أن ما يحدّ من استخدامه بكثرة لدى النساء هو الوضع الاجتماعي الذي يجعل استخدام القات بين النساء غير مقبول، من مبدأ ثقافة العيب».
وأكد أن أكثر الأضرار التي تلحق بالشخص المُخزن للقات هو «ضرر اقتصادي، بمعنى إنفاق الشخص يومياً مبالغ طائلة من المال لشراء القات، بمعنى أن الموظف قد يخسر ما يقارب الأربعة آلاف إلى خمسة آلاف ريال لشراء القات، وهو يؤثر على الشخص خاصة إن كانت لديه عائلة. أما الضرر الثاني، فهو اجتماعي لأنه وبعادة تخزين القات يؤدي بالشخص إلى نوع من العُزلة، سواء لرب البيت عن ابنائه أو الأم عن ابنائها. أما على الجانب الصحي، فقد أثبتت بعض الدراسات أن تخزين القات يؤثر بشكل كبير على بعض الشرايين التاجية في القلب، الأمر الذي يؤكد أن الاستمرار في تخزين القات من أهم العوامل للإصابة بجلطات القلب، خاصة بين الفئات العمرية الصغيرة، إضافة إلى تأثيره في رفع أنزيمات الكبد، وبالتأكيد تأثيره المباشر على الفم، لأن الاستمرار في المضغ لساعات طويلة، يؤثر على الأنسجة الداخلية للفم، ويؤدي إلى تلف في تركيبة الأسنان».
وبيّن السنوسي أن منظمة الصحة العالمية أجرت دراسة على القات فوجدت «فيه 40 مادة كيميائية منها مادتان مخدرتان، وجميع هذه المواد لها تأثيرات مباشرة على أجزاء الجسم من الأسنان، والجهاز التناسلي حيث تكون هناك إفرازات غير طبيعية بالإضافة إلى الإمساك».
د. قاري : ما يتم مضغه بشكل مستمر يؤدي إلى أورام في باطن الفم واللثة
قال اختصاصي علاج الاورام والسرطان الدكتور عبد الرحيم قاري إن «ما يُستخدم في عملية المضغ داخل الفم، مثل التنبول الهندي، أو النشوق الموجود في بعض البلدان العربية، والقات أيضاً، يُسبب تهيجاً في الغشاء المخاطي في الفم، وبالتالي يُسبب أوراماً في اللثة وفي باطن الفم. كما أن تهييج الغشاء المخاطي في شكل مستمر يتلف باطن الفم، الأمر الذي يؤدي إلى أورام سرطانية».
وأشار إلى وجود العديد من الحالات المصابة بأورام الفم، غير أن «صراحة المريض تقف عند الاعتراف للطبيب بأنه مُخزن للقات، فكما هو معروف أن هذه المادة ممنوعة في السعودية. وإذا ظهر الورم لدى المريض، من الصعب أن يُحدد الطبيب أن القات سبب لذلك. وللأمانة لا ترتبط أورام الفم بشكل رئيسي بالقات وتخزينه، فمن الممكن أن يكون الشخص مُدخناً ويُصاب بالورم، والكثير من مستخدمي القات مدخنون، ومن الممكن أن يُصاب أي شخص بالورم، دون أن يكون متعاطياً للقات أو مدخناً».
المشهدي : الضغط الاجتماعي سبب رئيسي للاستمرار بتخزين القات
ذكرت الاختصاصية الاجتماعية سوزان المشهدي أن مستخدمي القات يلجأون إليه «باعتباره مُنشطاً، فعلى سبيل المثال، السيدة التي ترغب في تنظيف المنزل وتسهر وتنتبه لأبنائها، تستخدم القات، لأنه برأيها يمنحها طاقة كبيرة لإنجاز كل المهمات الأسرية التي تنوي القيام بها، وما أن ينتهي مفعول القات، سنجد أن هذه السيدة بدأت تظهر عليها أعراض النعاس والخمول والعصبية. ومن بعض الأمثلة الحيّة التي رأيتها، أن هناك سيدة يمنية تبلغ من العمر 70 سنة، كانت من مستخدمات القات لفترة طويلة جداً، ولم تعتقد يوماً أنه يدخل ضمن دائرة الحرام أو المحظورات، أو أنه غير مفيد للصحة، أو أنه نوع من أنواع المخدرات، وصلت إلى مستشفى علاج الإدمان، وهي تتمنى أن تستطيع التخلص من هذه العادة. وبسبب الضغوط ممن حولها، وإقناعها بأن القات ليس إدماناً، لم تُكمل علاجها في المستشفى وخرجت. ما أريد قوله، أن الضغط الاجتماعي سبب رئيسي للاستمرار بتخزين القات».
وحول خطورة القات النفسية والصحية قالت المشهدي: «المشكلة هي عدم معرفة المستخدمين بالخطورة الصحية والنفسية لهذه المادة. فبعد نوبة النشاط التي تنتاب مستخدمة القات، تليها نوبات من الخمول والعصبية واضطراب في الانتاج، لتتحول إلى امرأة لا تقوى على فعل أي واجب من واجباتها المنزلية أو الشخصية تجاه أبنائها، وزوجها، وبالتالي تستعد لأخذ جرعة تخزين القات للحصول على الطاقة التي تعينها على إدارة شؤون حياتها، كما يُخيل لها. أو كما يعتقد البعض أن القات يمنحهم نشاطاً جنسياً، وهذا الأمر ليس صحيحاً».
القات وتصنيفه عالمياً من أنواع المخدرات
بحسب تعريف منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة السعودية للقات، فإنه عبارة عن نبات على شكل شجيرات، يتراوح طولها بين مترين وخمسة أمتار، ولونها أخضر بني مع القليل من الحُمرة. يزرع في اليمن وإثيوبيا (الحبشة)، وأوراقه بيضوية مدببة، وتقطف للمضغ، وهي صغيرة السن يبلغ عمرها أياما أو لا يزيد على أسابيع قليلة.
يُستخدم القات بعد قطفه مباشرة، ويتم تحضير الفروع والسيقان الطرية على شكل حُزم، وتغلف بإحكام بأوراق الموز، وذلك من أجل حفظها بشكل طازج. وهذا الإجراء يعتبر مهماً وأساسياً، لأن الأوراق القديمة والجافة تفقد جزءاً عظيماً من تأثيراتها المحتملة بسبب كون بعض المركبات الرئيسية تخضع لتفاعل التفكك .
وفي بعض البلدان التي تنتشر فيها ظاهرة تعاطي القات تصبح هذه العادة نوعاً من العـرف الاجتماعي حيث تقام مجالس تعاطي القات في الحفلات. كما يجتمع الأصدقاء في هذه المجالس بعد العمل، وتكون مثل هذه الحفلات للرجال فقط، وهذا الأمر الأكثر شيوعاً. وكمية القات المستعمل مختلفة عادة، وتعتمد على المستهلك، ومدة المناسبة التي يستعمل من أجلها. ومعدل الكمية التي يستعملها الشخص الواحد تقريباً حزمة من القات، تمضغ منها فقط الأوراق الطرية والسيقان السهلة المضغ، وهذا يقدر بأكثر من (50 غرام ) في المادة الطازجة، تبلع العصارة مع اللعاب، وأما البقايا فلا تبصق حالاً إنما تخزن (تجمع) في جانب أحد الخدين. ويسبب هذا التراكم بروزاً مميزاً في خدود بعض المستهلكين. ويتم تناول كميات كبيرة من السوائل (شاي، أو أي مشروب آخر ) خلال مضغ القات، فالحاجة إلى السوائل تعود إلى أن بعض العناصر الفعالة في القات تُحدث جفافاً في الفم .
وهناك العديد من الدراسات التي أجراها على مادة القات أطباء وباحثون متخصصون في هذا المجال، وكانت نتيجتها احتواء نبتة القات على مادتي نوربيدوفيدرين والكاثين المشابهتين في تأثيرهما للأمفيتامينات. وقد أدرجت منظمة الصحة العالمية القات عام 1973 ضمن قائمة المواد المخدرة بعدما أجرت مختبراتها أبحاثاً استغرقت ست سنوات. كما أن المؤتمر الإسلامي العربي، أقر في دورته الخامسة عام 1969 بأن القات مخدر، ومضغ أوراقه منبّه، وأنه يمدد حدقة العين، ويهيج الجهاز العصبي والمركزي.
شاركالأكثر قراءة
أخبار النجوم
ياسمين عبد العزيز تضع حدّاً لتعليقات منسوبة إلى...
أخبار النجوم
خبيرة أبراج تثير الجدل بعد تنبؤاتها لمصير ثلاث...
أخبار النجوم
فاتن موسى تتذكر لحظات ممتعة مع الراحل مصطفى...
أخبار النجوم
أمل كلوني تثير الجدل بنحافتها بالشورت القصير
أخبار النجوم
رانيا يوسف تتحدث بصراحة عن زيجاتها وابنتيها...
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024