فيروس كورونا يثير الذعر بين السعوديين
تضاربت الأقاويل وكثُرت الشائعات وبات الذعر والهلع مسيطرين على المواطنين في مدينة جدة، فمن شراء الأقنعة، إلى الحذر من الوجود في أماكن مكتظة بالناس، والحديث المتواصل بينهم في المجالس عن عدد الإصابات والوفيات، ومن تماثل للشفاء، كما تفصح الصحف اليومية ومواقع التواصل الاجتماعي والوسائط المتعددة ووزارة الصحة ثمة خوف جديد وجدّي يشعر به السعوديون.
فيروسات الكورونا (corona viruses) هي عائلة كبيرة من الفيروسات، قد تسبب مجموعة من الأمراض للبشر بدءاً من نزلات البرد إلى السارس (المرض التنفسي الحاد الشديد)، وقد تم تسميتها نسبة إلى الإنعكاسات التي تشبه التاج على سطح الفيروس )Crown- like).
وانتشر هذا الفيروس منذ الستينات، وبالتالي هو ليس بجديد، بل ظهر في الآونة الأخيرة في دول الشرق الأوسط. وفي السعودية ظهرت أولى الحالات في مدينة جدة في أيلول/سبتمبر 2012.
وكشفت وزارة الصحة في آخر إحصائية أن مدينة الرياض سجلت أعلى معدلات الإصابات بهذا الفيروس وصلت إلى 82 حالة، بنسبة 42.2 في المئة من مجموع الحالات، تليها محافظة جدة بـ 28 حالة بنسبة 14.4في المئة، ثم الإحساء بعدد 25 حالة (12.8في المئة)، ثم المنطقة الشرقية بعدد 23 حالة (11.8في المئة)... تستعرض «لها» في هذا التحقيق مع ذوي الاختصاص هوية فيروس كورونا وأعراضه وتشخيصه وطرق الوقاية منه.
وليّ: لا لقاح أثبت كفاءته ضد فيروس كورونا
شرح إستشاري الأمراض المعدية ومدير مكافحة العدوى في مستشفى الملك فيصل التخصصي الدكتور غسان وليّ فيروس كورونا قائلاً: «بشكل عام فيروس كورونا هو أحد الفيروسات التاجية التي تصيب الجهاز التنفسي للإنسان، وتصيب الأطفال والكبار.
ويظهر فيروس كورونا في بعض أنواع الحيوانات، ومن الممكن أن يكون موجوداً في الإبل والماشية، أو في حيوانات أخرى، مثال على ذلك فيروس سارس الذي ظهر قبل 10 سنوات، هو أيضاً فيروس كورونا، وكان مصدره الرئيسي من الخفافيش، فنجد أن بعض الحيوانات تلعب دور الحاضن للفيروس».
وجدت بعض الدراسات أن فيروس كورونا الحالي «مصدره بعض أنواع الإبل، لكنه لم يثبت قطعياً أنها السبب الرئيسي لإنتقال المرض إلى الإنسان، بحسب ولي.
ومصدره قد يكون في الإنسان، لأن هذا الفيروس ينشط كل ثلاث سنوات، وقد ينتقل من إنسان إلى آخر، ومن الحيوان إلى الإنسان، لكن النوع الحالي لا نستطيع أن نجزم أن مصدره الحيوان فقط».
وحول ما أشارت إليه وزارة الصحة أن هذا الفيروس لا ينتقل بين البشر بسهولة، وعن كيفية إنتقاله، ذكر وليّ أن هذا الكلام صحيح، «وهذا الفيروس بالتحديد منذ بداية ظهوره عام 2012 أثبت أنه يحتاج إلى ملاصقة شديدة من الشخص المُصاب للشخص السليم حتى ينتقل، لذلك هو لا ينتقل بسهولة بين الناس، وهذا ما يفسر منذ بدء المرض من عام ونصف إلى الآن عدد الحالات في العالم. وفي السعودية يظل محدوداً بنحو 200 حالة خلال سنة ونصف، وهو على عكس فيروس سارس وإنفلونزا الخنازير اللذين يمثلان الإنتشار الأسهل».
وأوضح ولي: «هذا ما يفسر قولي إن 90 في المئة من مصابي الكورونا في جدة هم من الممارسين الصحيين سواء ممرض أو طبيب، نتيجة تلاصقهم بحاملي المرض، من خلال العناية به، أو عن طريق التنفس الصناعي، أو أخذ عينات منه، فكلها تؤدي إلى التعرض للرذاذ المتطاير من المريض، وهذا ما يفسر إصابة عدد كبير منهم بهذا الفيروس».
طرق الوقاية
قسّم وليّ طرق الوقاية إلى قسمين، الأول طرق الوقاية للإنسان العادي، والتي تبدأ بـ طرق الوقاية العامة
- وهي غسل اليدين بشكل مستمر.
- عدم وضع اليد على العين أو على الوجه في حالة ما بعد العطس، إلا بعد أن يغسل المرء يديه.
- الابتعاد عن الأشخاص المُصابين بالزكام أو السُعال.
- الشخص المُصاب بالزكام عليه وضع قناع طبي.
- الحرص على أخذ لقاح (تطعيم) الإنفلونزا، لعدم توافر لقاح للكورونا.
- المحافظة على التوازن في الأكل، والفيتامينات.
والقسم الثاني من الوقاية يختص بالممارسين الصحيين
- عدم الدخول على الأشخاص المشتبه بهم، أو المصابين بالكورونا، إلا بوضع القناع الطبي والقفازات.
- ضرورة غسل اليدين بعد المعاينة والفحص، وعدم التساهل بهذه الاشتراطات الوقائية.
- يجب عزل الحالات المُصابة مباشرة ووضعها في غرف خاصة.
- يجب أخذ الحيطة والحذر وعدم التهاون مع هذه الحالات، وضرورة تشخيصها بصورة سريعة، إن ثبتت الأعراض لدى المريض بالتحليل.
- دور الممارس الصحي مهم جداً فعليه الإلتزام بهذه الشروط، وإن تهاون سيصاب بالفيروس حتماً.
لا علاج
وأكد وليّ أن لا علاج للكورونا، شارحاً: «للأسف لا يوجد علاج لكورونا، ومن المهم عزل المريض في غرف خاصة، لها تهوئة خاصة بحيث تجري فلترة الهواء الذي لا يمكنه الدخول إلى المستشفى وطرق تهوئتها العامة.
يمكن للمريض أن ينوَّم في المستشفى مع إعطائه السوائل، ومراقبة الجهاز التنفسي، وإعطائه المسكنات.
وإن زاد المرض معه، يوضع على جهاز التنفس الصناعي. ولا يوجد لُقاح له أثبت كفاءته، وليس فقط للكورونا، بل هناك أنواع من الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي لم يتوافر لها اللقاح، باستثناء الإنفلونزا».
ولفت إلى أن هناك زيادة في عدد الحالات المُصابة، لكن الفيروس لم يخرج عن السيطرة، بل العكس قد تم إرسال آلاف من العينات، من كل مستشفيات جدة، إلى المختبر الإقليمي التابع لوزارة الصحة، ووصل عدد الحالات الايجابية إلى ما يقارب 28 حالة، بحسب التصريحات الأخيرة للوزارة. وأكد أن العدد قليل جداً، وهناك تعاون بين المستشفيات، إضافة إلى تعاونها مع وزارة الصحة.
د. أبو زنادة: ضعف الرعاية الصحية لدينا يُعرِّض الممارس الصحي والمواطن لخطر الأوبئة
قالت استشارية التمريض ومؤسسة المجلس العلمي للتمريض ومشرفة حملة تنظيم التمريض السعودي في الهيئة السعودية للتخصصات الصحية الدكتورة صباح أبو زنادة أن الإصابة تنتقل إلى الممارس الصحي عند وصول المريض إلى العيادات أو الطوارئ دون العلم بهوية المرض لديه.
تقول: «يأتي المريض بأعراض الإنفلونزا، وهذه قد تكون السُل، أو إنفلونزا خنازير، أو حمى الضنك، أو كورونا، وجميع هذه الإحتمالات موجودة، وهي من الأوبئة النشطة في الوقت الحالي في السعودية، وعلينا اتخاذ الإحتياطات، وأن نتعامل مع كل مريض يدخل المستشفى كأنه يعاني من أحد تلك الأمراض إلى أن يثبت غير ذلك. في قسم الطوارئ لدينا نظام الفرز بين الحالات لتحديد أيهما الأخطر، لذلك على الممرض الموجود في قسم الفرز أن يتخذ إجراءاتالوقاية التامّة، لأنه يرى كل الحالات، وإن وصلت لديه حالة لديها هذه الأعراض عليه أن يضع المريض في غرفة للعزل، ويُخبر الممرض الذي سيباشر التعامل مع الحالة بضرورة اتخاذ الوقاية اللازمة لتفادي الإصابة بالفيروس».
وتحدثت أبوزنادة عن المشكلات التي تواجه الممارسين الصحيين موضحة أنه لا بد من توافر أدوات الوقاية، كالأقنعة والقفازات، وما يرتديه الممرض (المريول)، ذلك لأن أي مُخرجات من المريض سواء رذاذ أو دم تنقل المرض. والمشكلة الأولى تكمن في عدم توافر أدوات الوقاية.
أما المشكلة الثانية التي تطرقت إليها فتتعلق بما يُسمى برامج «سلامة المرضى»، وهذا ما تطالب به منظمة الصحة العالمية منذ العام 2002، «لنجد أن تطبيق هذه البرامج في السعودية مختلف لأنهم لا يعلنون عن الإصابات، ويتحول المصاب من مكان إلى آخر كما حدث مع الممرض المتوفى بندر الكثيري، الذي نُقل إلية الفيروس نتيجة الحالة المحولة من مستشفى الثغر، دون وجود ورقة في ملف المريض تثبت أنه مصاب بفيروس كورونا»، وتتساءل:» أين سلامة المرضى؟ وهنا ألقي اللوم على وزارة الصحة التي لا تتميز بالشفافية، فالإحصاءات التي تخرج عنها لا تعكس الحقيقة لكي تظهر هذه النتائج والأرقام للكادر الطبي، ليتمكن من أخذ احتياطاته».
أما المشكلة الثالثة فتتلخص في برنامج مكافحة العدوى، كما شرحت أبوزنادة. هذا البرنامج من المفترض أن يكون لسلامة الممارسين الصحيين والمرضى، وفيه من العجز الكثير والكبير، مثل إدخال شركات للتنظيف غير مؤهلة إلى المستشفيات، إضافة إلى إدخال شركات للصيانة غير مؤهلة أيضاً.
نصل إلى المشكلة الرابعة، وهي برنامج الجودة، ونعني بها، بحسب ما قالت أبوزنادة، «أن أجد مشكلة، وأجد الطرق الصحيحة للتعامل معها. وليس عيباً أن نعترف بوجود مشكلة لدينا، بل على العكس، إن اعترفنا بذلك سنعمل على معالجة المشكلة عبر برنامج الجودة الفعال.
وجميع البرامج التي ذكرتها، غير موجودة على أرض الواقع، فقط هي موجودة على الورق، وقد تكون موجودة وغير مُطبقة بالأسلوب الصحيح، وبالتالي يتعرض المريض، والممارسون الصحيون لخطر الأوبئة».
وزارة الصحة ترد: الوضع مطمئن ... ولا نعلن الحالات إلا بعد فحصها وتأكيدها
قال الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة المشرف العام على العلاقات والإعلام والتوعية الصحية الدكتور خالد مرغلاني إن أعضاء اللجنة العلمية الوطنية للأمراض المعدية، أكدوا أن الوضع الصحي لمحافظة جدة مطمئن، وأن التجمع الذي ظهر للحالات في جدة يتماشى مع طبيعة المرض الذي قد يظهر على شكل تجمعات، ولا يختلف عن نمط المرض في بقية المناطق السعوديةالتي ظهر فيها الفيروس.
وجزم بأن استعدادات المرافق والمستشفيات تتماشى مع المعايير الوطنية والعالمية لمكافحة العدوى، ولا تحتاج إلى إضافات لجاهزيتها.
وأمكن التثبّت من ذلك خلال الزيارة التفقدية التي قام بها فريق من اللجنة العلمية الوطنية للأمراض المعدية لمستشفيات محافظة جدة للإطلاع على الوضع الصحي وجاهزية هذه المستشفيات في ما يخص فيروس كورونا.
وأضاف مرغلاني وفقاً لتقرير وزارة الصحة عن وضع كورونا في السعودية، أن هذا الفيروس من الأمراض المستجدة، أسوة بالأمراض المستجدة الأخرى، التي لم يعرفها الإنسان من قبل، والناتجة عن مُسبب لم يكن معروفاً، مثل ظهور فيروس الإنفلونزا H1N1 عام 2009، وفيروس السارس عام 2003، وأن هذه الأمراض يصعب التعامل معها، وتأخذ وقتاً طويلاً ليتعرف العلماء عليها، ويتم التعرف على مصدر عدواها، وطرق انتقالها، وتصنيع دواء لعلاجها، وإنتاج لقاح وقائي منها.
وأشار إلى أنه وبحسب التقرير الصادر عن وزارة الصحة، أن بداية المرض كانت تسجيل حالات فردية متفرقة، أو تجمع حالات قليلة بين أفراد العائلة، ولا يكون هناك أي نقل للعدوى، مثل حالة بيشة، وحالات متفرقة في الرياض، وفي نيسان/أبريل 2013، ظهرت مجموعة حالات في مستشفى بمحافظة الإحساء، وذلك بين أفراد من ذوي المناعة الضعيفة، نتج عنها انتقال العدوى بين بعض المرضى.
ثم ظهرت في المنطقة الشرقية، وسجلت حالات في مستشفى أرامكو السعودية، وقد تمت السيطرة على هذه الحالات التي ظهرت في الإحساء والشرقية. وخلال النصف الثاني من آذار مارس 2014، بدأت تُسجل حالات في مستشفى الملك فهد في جدة، وبلغت الحالات في مجملها منذ تلك الفترة 26 حالة، بالإضافة إلى حالتين سُجلتا قبل هذا التاريخ.
وأكد أن فرق وزارة الصحة تعمل الآن وعلى مدار الساعة، وتقوم بإجراءات مكافحة العدوى وتعقيم الأماكن اللازمة. ولفت إلى أن الوزارة لا تعلن الحالات إلا بعد تأكيدها، وإعادة الفحص في مختبرات متعددة داخلية وخارجية لتأكيد النتيجة.
أخطاء شائعة بين الإنفلونزا والكورونا
ولتوضيح الأخطاء الشائعة التي يقع فيها بعض المواطنين، حول التفرقة بين الإنفلونزا العادية وفيروس كورونا، وكيفية تشخيص الفيروس، قال وليّ: «كلها فيروسات تُصيب الجهاز التنفسي، ومن الأخطاء الشائعة أن أي شخص يُصاب بالزكام أو البرد يُهيأ له أنه مُصاب بالإنفلونزا، وهو خطأ، لأن الإنفلونزا أحد الأنواع، كما للكورونا أنواع أخرى.
الفرق يكمن في التحليل، فالفيروس الحالي له تحليل دقيق ، PCR وهو يكشف الحمض النووي للفيروس، وهو التحليل الوحيد الذي يكشف الإصابة بمتلازمة الشرق الأوسط أو ما باتت يُعرف بالـكورونا».
وأوضح أن أعراض الكورونا لا تقتصر على الزكام، بل هي أعراض التهاب التنفس الحاد، كأن يكون المريض يعاني من ضيق في التنفس، وسعال مصحوب بالبلغم، كما أن 30 في المئة من المصابين بهذا الفيروس لديهم أعراض الإصابة بالجهاز الهضمي، كالإسهال، والألم في البطن، والتقيؤ.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024