في السعودية: 70% من الأخطاء الطبية تحدث في غرف الولادة
ملف يُفتح مجدداً في السعودية، قصص مؤلمة، وأخرى مُرعبة، وإحصائيات جديدة تؤكد أن 70 في المئة من الأخطاء الطبية تحدث في غرف الولادة بسبب عدم وجود الإمكانات الكافية فيها، وإما بسبب إهمال الطبيب، أو عدم وعي الممرضة بما يجب أن تفعله تجاه الأم الحامل وجنينها. فمن أرادات أن تدخل لتلد بشكل طبيعي، قد تخرج بعملية قيصرية، أو تأثيرات سلبية أخرى، مثل قص أجزاء من معدتها أو أمعائها، أو قد تصاب بنزف أثناء الولادة... تستعرض «لها» في هذا التحقيق بعض القصص الواقعية لأمهات كنّ ضحايا لأخطاء طبية في مسرح غرف الولادة، آخذين برأي المختصين في هذا الأمر...
أم جنى: أوشكت على فقدان حياتي بسبب استهتار طبيبة ولا مبالاة أخرى
لم تكن أم جنى (26 عاماً) تعلم أن يوم إنجابها للمرة الأولى سيكون تاريخاً لا يُنسى، ليس بسبب قدوم مولودتها الأولى فقط، بل أيضاً لساعات الرعب التي مرت بها قبل الولادة. وصلت إلى المستشفى لتلد بشكل طبيعي، إلا أن الأمر تحول لولادة قيصرية بعد أن امتنعت طبيبتها المُشرفة على حالتها عن القدوم إلى المستشفى بحجة أنها لا تباشر العمل في أيام الإجازات، لتقوم الطبيبة المناوبة الأخرى، وقبل نهاية دوامها بدقائق، بفتح «ماء الرأس»، المعروف بالماء المحيط بالطفل داخل الرحم، لتسيل المياه ويجف الرحم، وتبقى الأم تعاني من طلقٍ حاد لم يتسع معه الرحم لتلد بشكل طبيعي.
تقول أم جنى: «وصلت إلى المستشفى منتصف الليل، وكان يوم جمعة. اتصل زوجي بالطبيبة المُشرفة على حالتي، لكنها امتنعت عن الحضور بحجة أنها لا تباشر عملها يوم الإجازة، وتحدثت مع طبيبة أخرى مناوبة في المستشفى لتُشرف على ولادتي. ومع تأخر عملية الولادة لديّ، خاصة أنه الحمل الأول، قامت الطبيبة بفتح ماء الرأس، ظناً منها أن هذا سيساعد على توسيع الرحم ونزول الجنين، لكن ما حدث هو العكس، وما أن أدركت الطبيبة أن هناك خطا طبياً اقترفته حتى غادرت المستشفى، دون أن تخبر عائلتي وزوجي بحالتي. وبعد ساعة من استمرار الألم معي، حضرت ممرضة للكشف عليّ، وسرعان ما خرجت مُسرعة تتحدث مع طبيب على الهاتف بأن هناك خطأ طبياً في غرفة الولادة وعليه الحضور مسرعاً. سمع زوجي حديث الممرضة، وعاود الاتصال بالطبيبة المُتابعة لحالتي منذ البداية، إلا أنها أخبرته بأن الولادة «البكريّة» يتأخر فيها الطلق، وهي لن تأتي إلى المستشفى يوم إجازتها».
وصل الطبيب المُستدعى من قبل الممرضة إلى المستشفى، وتحديداً غرفة الولادة حيث ترقد أم جنى متألمة، وحال طفلتها لم يعد بخير، فقد أخبرها الطبيب بعد الكشف عليها بأن رأس طفلتها اُحتجز بمنطقة الحوض، الأمر الذي يسبب خطراً على حياتها وحياة ابنتها. وتضيف: «تم تجهيز غرفة العمليات، ووضعت بعملية قيصرية، لتخرج طفلتي إلى الدنيا سالمة معافاة، بعد أن أوشكت على فقدانها بسبب استهتار طبيبة ولا مبالاة طبيبة أخرى».
اليوم جنى طفلة تبلغ من العمر أربعة أشهر، هي ووالدتها بصحة جيدة. وبعد مراجعة إدارة المستشفى بما حدث، اكتفوا بالإجابة: «سيتم التحقيق مع الطبيبة المسؤولة واتخاذ الإجراءات اللازمة».
الحربي: أسعى لمعاقبة المستشفى الذي شوه طفلي وكاد يقتله
في قصة أخرى ذكر المهندس علي الحربي (35 عاماً) أن تعمد اختصاصية الولادة إخراج طفله يوسف بواسطة جهاز الشفط كان أمراً مُفجعاً لزوجته وله عند معرفتهما بالأسباب: «ابني يوسف اليوم يعاني من التواء وانتفاخ في رأسه، بسبب تصرف الطبيبة التي سحبته بواسطة جهاز الشفط، وذلك لأن الرحم كان ضيقاً جداً ولم تنتظر إلى أن يتوسع، حتى أنها استعانت بإحدى الممرضات الآسيويات التي صعدت على بطن زوجتي وضغطت بركبتها، مدّعية أنها فعلت ذلك لتسهيل الولادة. وعندما حاولت زوجتي منعها من ذلك شتمتها وطلبت منها السكوت». وتُكمل هديل (أم يوسف) الحديث قائلة: «لم يتوقف الأمر على التشوه الذي أصاب ابني يوسف، بل بعد خروجي من المستشفى، بدأت أخاف بطريقة غريبة من تكرار الحمل. حتى أنني لم أكن أقوى على الحراك كثيراً، وكنت أشعر بمغصٍ، وبعد الفحص تبين أن المغص يعود لجرح داخلي بسبب جهاز الشفط، ولم يتم الاعتناء بالجرح أو تطبيبه، ليتحول إلى التهاب حاد في الرحم». وطالب الحربي بمعاقبة إدارة المستشفى التي مكنت «اختصاصية وليست طبيبة من إجراء عملية الولادة، مع العلم أنه سبق أن اتفقت مع إدارة المستشفى أن تباشر على ولادة زوجتي طبيبة. وإلى اليوم، لم أتمكن من الحصول على أي جواب مقنع سواءً من المستشفى أو أي جهة طبية شرعية، وما زلت أعالج ابني خارج السعودية لأني أخشى أن افقده إن سلمته إلى أحد المستشفيات هنا».
د. جمال: غرفة الولادة عناية مُركزة يجب الاهتمام بها من الألف إلى الياء
أكد أستاذ طب النساء والولادة وعميد كلية الطب في جامعة الملك عبد العزيز، ورئيس مجلس الإدارة للجمعية السعودية لأمراض النساء والولادة الدكتور حسن جمال أن غرفة الولادة «فيها الكثير من الأحداث الدراماتيكية التي تحدث للأم والطفل. وإذا لم يكن هناك تدريب جيد للأطباء والقابلات في غرفة الولادة، قد تحدث وفيات، وقد تدخل الأم أو الطفل العناية المُركزة لا قدر الله، بسبب عدم وجود إمكانات كافية في غرف الولادة، أو عدم وجود تدريب كافٍ للأطباء المسؤولين عن هذه الحالات. وفي الكثير من الأحيان تكون الحالة بسيطة جداً، والأمور تسير بشكل صحيح، وفجأة نجد أن الأم قد تنزف نزفاً شديداً جداُ، وما لم تؤخذ الإجراءات بصورة سريعة، قد تتوفى الأم خلال نصف ساعة في غرفة الولادة».
وحول نسبة الأخطاء الطبية التي تحدث في غرفة الولادة، والتي قالت الهيئة الطبية الصحية في الرياض إنها تبلغ 70 في المئة، قال جمال: «هي نسبة معقولة جداً، لأن طب وجراحة أمراض النساء والولادة مسرحها غرفة الولادة»، لافتاً إلى أن» القابلات في السابق كنّ على درجة عالية من التدريب وقادرات على بدء العلاج قبل أن يصل الطبيب المسؤول عن الحالة. وهنا يجب التفريق بين القابلة والممرضة العادية، لأن القابلة هي ممرضة متخصصة في طب الولادة، لذلك وللأسف الشديد من يأتين إلى السعودية اليوم هنّ ممرضات عاديات يعملن في هذه الغرف، ومستوى القابلات في غرف الولادة اليوم غير جيد. ومن ثم يأتي دور الطبيب الذي يجب أن يكون على قدرٍ كافٍ من التدريب، وأن يعرف أن حدوث أي خطأ في غرفة الولادة قد ينتهي بمأساة لا قدر الله».
وقد ورد في إحصائية الهيئة الطبية في الرياض أن المستشفيات الخاصة في السعودية أكثر عرضة لحالات الأخطاء الطبية من المستشفيات الحكومية، بسبب سوء «الانتقاء في اختيار الكادر الطبي، وهو ما يحدث في المستشفيات الخاصة بحثاً عن الأقل كلفة. أما النقطة الثانية فهي أن عدد الأطباء في القطاع الخاص لا يكون كافياً مقارنة بغرف الولادة في المستشفى. عدد الأطباء ونوعيتهم هما المشكلة في المستشفيات الخاصة، حتى أن أقسام الطوارئ فيها الكثير من العجز بعدد الأطباء ونوعيتهم. وللأسف الشديد ما يحدث في المستشفيات مأساة حقيقية، فلو أننا نملك مراكز صحية أولية بخدمة ممتازة، سيخف الضغط على أقسام الطوارئ في المستشفيات بنسبة 80 في المئة من هذه المشاكل».
وعن دور الجمعية السعودية للنساء والولادة في حالات الأخطاء الطبية، ذكر جمال أن الجمعية السعودية تنظم «دورات وورش عمل ومؤتمرات، لكي ترفع مستوى الأطباء في تخصصات الطوارئ وطب النساء والولادة. وقريباً سنصدر كتاباً عن انجازات الجمعية خلال 22 عاماً».
وأشار إلى أن «دراستين عن عدد السيدات السعوديات المتوفيات أثناء الولادة في الثمانينات، بيّنتا أن النسبة وصلت إلى 85 سيدة في كل 1000 حالة، وفي التسعينات وصلت النسبة إلى 21 سيدة متوفاة في كل 1000 حالة، وأعتقد اليوم أن النسبة انخفضت كثيراً وقد تصل إلى 12 في كل 1000 حالة. لا أملك إحصائيات دقيقة لكني أتوقع هذه النسب، ومع أن النسب انخفضت عن ذي قبل إلا أننا لم نصل إلى الهدف المناسب، والذي يتماشى مع الدول الأخرى، حيث يصل العدد إلى حالتين أو ثلاث في كل 1000 حالة. كما أننا نتحدث عن المدن الكبرى، ففي المناطق البعيدة والنائية قد يكون الأمر أسوأ».
القُنـي: حجم الأخطاء الطبية في غرف الولادة ليس كبيراً
قال رئيس محكمة الأحوال الشخصية ورئيس الهيئة الطبية الإضافية في جدة الشيخ إبراهيم صالح القُني إن «كثرة الأخطاء الطبية في المستشفيات الخاصة تعود إلى النظرة المادية التي تهمها في الدرجة الأولى، وهذا الأمر يختلف في المستشفيات الحكومية التي لا توصل الحالة إلى غرفة الولادة أو العمليات، إلا في وقت معين، وحالات استوجبت إدخالها العمليات. ومن خلال عملي في الهيئة الطبية الشرعية لا أجد حجم الأخطاء الطبية في غرف الولادة كبيراً، لكن الأخطاء تحدث، مع أننا لا نملك سجلاً يثبت أعداداً معيّنة لمن توفي في غرفة الولادة من الأمهات أو الأطفال».
وأوضح أن الديّة التي يدفعها الفريق الطبي إن ثبت تورطه «بنسبة 100 في المئة يتم الحكم بالديّة كاملة، أما إن ثبت تورطه بنسبة ما بين 20 إلى 30 في المئة، فتتم محاسبته بحسب نسبة الخطأ. فنجدها للمرأة 150 ألف ريال، وللرجل 300 ألف ريال سعودي».
لماذا ما زالت تفقد نساء حيواتهن أثناء الوضع؟
اظهر تقرير أن الأخطاء الطبية التي تحدث أثناء عمليات الولادة تشكل 70٪ من الأخطاء الطبية في السعودية. وقال الاختصاصيون إن حالات الأخطاء الطبية أثناء الولادة تراوحت من وفاة الأم، أو نقص التزود بالأوكسجين لحديثي الولادة، مما يؤدي إلى عجز دائم. وذكر الباحثون أن المستشفيات الخاصة شكلت النسبة الكبرى في حدوث الأخطاء الطبية، مقارنة بالمستشفيات الحكومية أو العسكرية في السنوات السبع الأخيرة.
وأوضح التقرير أن هذه الأخطاء الطبية تسببت بسحب ترخيص المهنة من 15 طبيباً، كما ذكر الاختصاصيون أن الأخطاء الطبية خلال الولادة، قد ترتبط بعدة عوامل تتضمن وجود العديد من الحالات الطارئة، وحدوث حالات حرجة وخطيرة،وقلة التزود بالأدوية، والدم، وقلة المرافق خاصة في مستشفيات المدن الصغيرة. وتعمل وزارة الصحة في السعودية على دراسة للبحث في سبب وفاة النساء خلال الولادة ومن المتوقع أن تبدأ خلال أربعة أشهر.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024