ضحية 'مولانا': حلم الأمومة أضاع 'بنت الأكابر' في عالم الدجالين
عشر سنوات عاشتها في عذاب داخل عيادات الأطباء، حائرة في أمرها بعد أن عجز الجميع عن إيجاد سبب عدم قدرتها على الإنجاب، لتظل الحسرة ساكنة في قلبها أمام محاولات أهل الزوج لإزاحتها وإبدالها بامرأة خصبة، كما يرددون في أحاديثهم، يكون بمقدورها أن تحافظ على استمرار عائلته، لتجد نفسها في النهاية مجبرة على السير في طريق شائك بحثاً عن أي بارقة أمل للخروج من أزمتها. لم تفكر رقية ولو للحظة أن الطريق الذي سارت فيه سيكون سبباً لرسم خيوط هلاكها، بعد أن وقعت ضحية لمجموعة من النصابين رفعوا شعار الدين للاستيلاء على أموال المريدين الذين تعلّقوا بحبال واهية. ثقافة رقية والوظيفة التي تعمل فيها لم تشفعا لها في عدم الانسياق وراء التخاريف والخزعبلات، لتدفعها الأقدار في طريق الدجالين والمشعوذين، أملاً في الحفاظ على زوجها، وبحثاً عن طفل يخرجها من الكبوة التي تعيش فيها، حتى حدثت المأساة التي لم تتخيلها.
كانت قصة زواج رقية ومحمود سبباً في لجوئها لهذا الطريق الشائك، بعد أن جمع بينهما صالون أحد الأصدقاء فتعارفا بطريقة تقليدية دفعتها للزواج من رجل كان يبحث عن المال والحسب كمعيار لاختيار شريكة حياته، دون أن يبحث عن الحب ولو للحظة واحدة فهو إنسان عملي، كما كانت هي تعتقد دون أن تدرك أنه وقع في حبها بالفعل وأصبح يريدها دون غيرها.
وسط هذه المخاوف كان من السهل على محمود، كما كانت تعتقد، أن يتنازل عنها بحثاً عن أي امرأة أخرى تحل محلها لتنجب له ما يشاء من الأولاد والبنات، دون أن يفكر في العشرة والمحبة.
كانت رقية «ابنة الأكابر» تعرف أن محمود يقدّر لها تمسكها به، رغم ما تسمعه من والدته وشقيقاته من كلمات جارحة إزاء عدم قدرتها على الإنجاب، الأمر الذي وصل إلى مطالبات مباشرة له بالبحث عن زوجة أخرى، وهو ما جعلها فريسة سهلة في يد صياد ماهر ساقتها الخزعبلات إليه.
شريط الذكريات
سيناريو أحداث وتفاصيل عشر سنوات دار أمام رقية، وهي تتذكر شريط الذكريات، تنازع الموت في أحد المستشفيات بعد أن نقلت إليها بين الحياة والموت، تكاد روحها أن تزهق بعد أن تلقت طعنة من سكين أصابها بجرح كاد يفصل رقبتها عن جسدها.
كإجراء طبيعي، أخطر المستشفى قسم شرطة القاهرة الجديدة باستقباله سيدة في العقد الرابع من عمرها مصابة بجرح ذبحي بالرقبة وفي حالة خطيرة، لينتقل رجال مباحث القاهرة إلى هناك في محاولة لكشف ملابسات الواقعة، بعد أن سمح لهم الأطباء بذلك في ظل تحسن حالتها. وجدت رقية نفسها في مأزق لا تعرف ماذا تقول، هل تروي حقيقة ما حدث ليفتضح أمرها؟ أم تختلق حكاية من الخيال تخرجها من هذا الموقف الذي لا تحسد عليه؟
اجتهادات كثيرة حاولت القيام بها لكن بلا جدوى، لتجد نفسها في النهاية مجبرة على الاعتراف بكل التفاصيل، بعدما فشلت في اختلاق أي واقعة تخرج بها من هذا الموقف العصيب الذي وضعت نفسها فيه وكاد يتسبب بنهايتها، بل صنع النهاية بالفعل.
عادت رقية بالزمن أكثر من ثلاث سنوات وهي تروي لرجال مباحث القاهرة ما حدث، عندما سمعت أحد السعاة في البنك الذي تعمل فيه يروي لزميله عن شيخ نجح في فك السحر الذي عملته زوجة شقيقه لابنته لمنعها من الزواج، بعد أن رفضت ابنها عريساً لها، الأمر الذي جعلها تلجأ إلى هذه الحيلة حتى تمنع عنها أي رجل آخر يتقدم لها طالباً الزواج منها لتصير عانساً. لكن خالتها اصطحبتها إلى هذا الشيخ الذي كشف المستور، واستطاع خلال ثلاث جلسات أن يفك العمل الذي حجب العرسان عن ابنته، وهو ما كان، حيث تقدم لخطبتها في خلال شهر شاب على خلق واتفقا على الزواج.
لم تستطع رقية أن تمنع نفسها من التفكير في هذا الحديث طوال شهر ونصف الشهر، لتقرر بعدها أن تلجأ لهذا الساعي طالبة منه عنوان الشيخ الذي فك عقدة ابنته، عله ينجح في فك عقدتها هي الأخرى ويجد حلاً لمشكلة عدم الإنجاب.
لم تبال رقية بالفارق بين كونها محاسبة في أحد البنوك الاستثمارية الكبرى وبين هذا الساعي الذي وضعه مستواه الفكري في هذه المنطقة المظلمة، وقررت أن تسلك المسلك نفسه.
المغامرة
وجدت المرأة العاقر في كلمات الساعي تشجيعاً على المغامرة، بعدما تملّكت الهواجس عقلها وبات الشيخ الشايب هو الأمل الوحيد لها في الحفاظ على زوجها، حتى وإن عجز عن جعلها أمًّا، فهو بلا شك قادر على عمل حجاب أو سحر يقرر معه عدم الاستغناء عنها، ويرفض الامتثال لإلحاح والدته على زواجه من أخرى، وهو ما كان قد بدأ يفكر فيه. في محافظة الأقصر كان الشيخ الشايب يتخذ من أحد المنازل القديمة وكراً لممارسة أعمال الدجل والشعوذة، للتنكيل بالأبرياء والضحك عليهم والتلاعب بأحلامهم، بعد أن ذاع صيته في جميع المحافظات لقدرته الخارقة على فك السحر والأعمال، لتجد رقية نفسها تقف وسط مريديه في انتظار دورها بعد أن حضرت إليه من القاهرة. لم يكن محمود على علم بأن زوجته ذهبت إلى الأقصر للتردد على أحد الدجالين، بعد أن نجحت في إقناعه بأنها ذاهبة في مهمة عمل خاصة بالبنك. وبقيت بعيدة عن المنزل ثلاثة أيام لتعود بعدها بقطعة من القماش أقنعها هذا المشعوذ بأنها ستجعل زوجها مثل الخاتم في أصبعها، ولن يستطيع الاستغناء عنها على الإطلاق حتى نهاية العمر. تكررت زيارات رقية للأقصر للتردد على هذا الدجال، وفي كل مرة كانت تدفع آلاف الجنيهات من أجل الحصول على حجاب جديد، بعد أن نجح الشيخ الشايب في السيطرة على عقلها وجعلها تؤمن بخزعبلاته. بدأ محمود يتضايق من رحلات زوجته التي لا تنتهي، وأخذ يشكك في أمرها، الأمر الذي خشيت معه أن يفتضح سرها، لتتوقف عن الذهاب إلى الأقصر، ويبدأ الشايب الاتصال بها سائلاً عن سبب عدم حضورها منذ فترة، بعد أن وجدها بمثابة كنز لا يمكن تركه بسهولة. روت المخدوعة «لمولاها»، كما كانت تلقبه، مخاوفها من شكوك زوجها، وأنها لم تعد قادرة على الحضور مرة أخرى. وحتى لا تضيع أموالها التي كانت تغدقها عليه، أكد لها أنها بإمكانها مواصلة جلساتها الروحانية مع شيخ آخر يثق به، يتخذ من منزل صغير في أحد أحياء محافظة الجيزة منبراً لمداواة من هنّ في حالتها.
اقتراب النهاية
«أبو عصام» كان اسم الشيخ أو الدجال الجديد الذي بدأت المخدوعة تتردد عليه دون أن تدرك أن النهاية تقترب، خاصةً مع طلباته «الخزعبالية» في كل جلسة. آلاف الجنيهات دفعتها رقية لهذا النصاب، وفي كل مرة كان يبيعها الوهم وقد سيطر على عقلها وأقنعها بأن مشكلتها في طريقها إلى الحل، بعد أن توصل إلى أنها مصابة بالسحر السفلي، وبدأ يطلب منها التردد عليها في المنزل ليقرأ القرآن حتى ينجح في القضاء على الشيطان الذي بداخلها.
بصعوبة استطاعت الموهومة أن تدبر لقاءات لحضور الشيخ أبو عصام في غياب زوجها، الذي لو علم بما تفعل لطلقها بلا جدال، لعدم إيمانه بهؤلاء المشايخ. وتكررت الجلسات المنزلية وفي كل مرة كانت تغيب عن الوعي ولا تعرف ما حدث، لتفيق وتجد نفسها نائمة في سريرها والشيخ قد انصرف، حتى جاء اليوم الذي علمت فيه بالكارثة.
كان أبو عصام يحضر زجاجة من الماء «المبارك»، كما كان يخدعها القول، ويبدأ قراءة القرآن عليها ويطلب من رقية تناوله، لتصاب بغيبوبة، وهو ما فسره لها بأن الجن الذي يسكن جسدها لا يتحمل القرآن فيغمى عليها، وأن هذا بارقة الأمل على طريق الشفاء.
لم يكن هذا الماء الشافي إلا مخدراً تتناوله المسكينة لتغيب عن الوعي، حتي يتمكن أبو عصام، الذي اتضح بعد ذلك أنه ليس سوى عاطل عن العمل يدعى أحمد، من ممارسة الرذيلة معها وهي غائبة عن الوعي.
استفاقت رقية في إحدى المرات لتجد نفسها في أحضان مولانا، فجنّ جنونها وأدركت أنها راحت ضحية للخرافات والخزعبلات، وأخذت تصرخ طالبة النجدة للإمساك بهذا الرجل، فشعر هذا النصاب بافتضاح أمره، واستل سكيناً من المطبخ وطعنها حتى يقتل معها حقيقته وفر هارباً، بعد أن استولى على حافظة نقودها.
شاء القدر أن يعود محمود مبكراً من عمله في ذلك اليوم ويجد زوجته غارقة في الدماء، فأسرع بنقلها إلى أحد المستشفيات وهي تصارع الموت، وسيناريوهات كثيرة تدور في عقله عجز معها جميعاً عن معرفة الحقيقة.
لم يصدّق محمود ما سمعه من زوجته وهي تروي لرجال المباحث تفاصيل الحادث الذي تعرضت له، وهو ما ظن معه أنه في كابوس تمنى أن يستيقظ منه سريعاً، لكن سرعان ما اكتشف أنها الحقيقة بعد نجاح رجال المباحث في ضبط المتهم الذي اعترف بجريمته وأرشد إلى السلاح المستخدم في الحادث، ليحيله اللواء أسامة الصغير مساعد أول وزير الداخلية لأمن القاهرة على النيابة التي باشرت التحقيق.
أما محمود فوجد نفسه حائراً بين الاستمرار مع امرأة خدعته من أجل الحفاظ عليه أو الطلاق.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024