طفلي حساس جداً... ما العمل
ينتقل طفلك من الضحك إلى البكاء خلال عشر ثوانٍ، ويبدو مضطرباً ما إن توبخيه. من غير السهل إذاً السيطرة على ذلك الدفق من العواطف التي تتفوق علينا.
مشكلات مدرسية، الانتقال من منزل إلى آخر، ولادة أخ أو أخت جديد(ة)... أمام هذه التقلبات المهمة، يعيش كل طفل فترات يكون فيها حساساً جداً. ويسمح حينها لعواطفه بالسيطرة عليه، أكثر من المعتاد. لكن عند بعض الأطفال، تستمر هذه الحالة لفترة طويلة تثير القلق.
يقول أطباء الأطفال إن هذا يعزى غالباً إلى عدم استقرار عاطفي متأصل في الطفولة الأولى: عانت الأم من اكتئاب بعد الولادة، أو توفي أحد المقربين من الأهل، أو عاش الطفل غياباً معيناً مثل الهجر.
يمكن القول عن عدم الاستقرار النفسي هذا إنه بمثابة صدع. وحين تؤدي بعض الأوضاع الحياتية إلى زعزعة ذلك الصدع، سوف يشعر الطفل أن الأحداث الحاصلة تطغى عليه ويعجز عن استيعابها.
لكن يجدر الانتباه إلى أن الطفل الحساس جداً لا يعني بالضرورة أنه الطفل الذي يبكي باستمرار عند حصول أدنى مشكلة.
فالانفعالية ليست سوى طريقة من الطرق للتعبير عن حساسية كبيرة. هكذا، يمكن أن ينغلق الطفل في انعزال عميق، ويرسب في المدرسة، ويؤدي دور المشاكس العنيد جداً، وينفجر في نوبات غضب أو بكاء زائفة، أو يتحول على العكس إلى طفل نموذجي.
يتفاعل بإفراط مع الأوضاع الحاصلة حوله، ويضخّم المشكلات والمصاعب. ففيما يقول الطفل العادي الذي وبخته أمه، مثلاً، «لقد ارتكبت حماقة ويعاقبني أهلي عليها»، يمكن للطفل الحساس جداً أن يشعر بشيء آخر، مثل الهجر أو الذنب.
هكذا، قد يظن أن أهله لن يغفروا له أبداً الحماقة التي ارتكبها، أو لن يحبوه أبداً بعد اليوم. كيف السبيل إذاً لطمأنته؟
الاهتمام برؤيته للأمور
يميل الأهل عموماً إلى نسيان ما يعنيه أن يكون المرء طفلاً. لذا، نحكم على الطفل بمعاييرنا الراشدة.
إلا أنه من المهم الانفتاح على طريقة فهم جديدة وذلك بأخذ مكانه والتحاور معه. يمكن سؤال الطفل ببساطة: «ما الذي يحدث معك؟» قد يتيح له ذلك التعبير عما يختلجه من مشاعر، فيما تهتمين أنت بما يشعر به... وليس فقط بما يفعله! فالمهم ليس معاقبته بعبارات مثل «ما هذه العلامات السيئة؟».
الطفل الحساس، أكثر من غيره، يسمع ما تقولينه عنه ويحدد لنفسه هوية، مثلاً: «حصولي على هذه العلامات السيئة يعني أني فاشل في المدرسة».
وإذا بدأ يبكي أمام شاشة التلفزيون، لا تقولي له: «سوف ينتهي المشهد. ليس هذا سوى فيلم». علميه التعاطف بدل ذلك وقولي له: «أفهم أن هذا المشهد يعطيك الرغبة في البكاء، لأنه حزين فعلاً».
تحويل فرادته إلى قوة
الطفل الحساس جداً يستوعب العالم عبر لاقطاته الحسية (Capteurs Sensoriels). وإذا كان فناناً في روحه، سيصبح ممثلاً أو موسيقياً عظيماً.
وإذا كان متعاطفاً مع الغير، سيبرع في مهنة إنسانية (مثل الطبيب أو المساعدة الاجتماعية...) فهذه مزايا لا يجدر بك إهمالها، لا بل عليك أخذها على محمل الجد.
وعليك أنت مساعدته بكلمات مطمئنة: «لديك حاسة سادسة، وهذه موهبة!»، ولكن من دون جعله يعتقد أنه يعيش في عالم وهمي وخرافي. فالحياة مليئة بالعواطف والنزاعات، وعليه أن يتعلم طريقة مواجهتها بثقة وواقعية.
توجيه قلقه
يفترض بالطفل أن يعبّر عن عواطفه وينقلها إلى مكان آخر. ففي حال استعمال دفتر اليوميات، مثلاً، يستطيع التعبير عن كل أحاسيسه من دون الشعور بالخجل أو الخوف أو الارتباك.
وبما أن اللغة تحرر العواطف، شجعيه على مشاركة أسراره مع صديقه المقرّب، أو قريبه، أو صديق للعائلة. وإذا كان منطوياً بشدة على نفسه، تبرز الحاجة حينها إلى مساعدة اختصاصي (محلل نفسي أو طبيب نفسي متخصص في الأطفال).
ولا تترددي أبداً في أخذ طفلك بين ذراعيك حين يكون قلقاً، لأن هذه أفضل وسيلة لطمأنته.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024