سيشيل جزر تصرّ على إدهاش من يبحر في عالمها
عندما تلقيتُ دعوة لزيارة إحدى جزر السيشيل، وجدتني أقول نعم من دون تردّد. فهل هناك شخص عاقل على الكرة الأرضيّة يمكن أن يتغنج ويتردّد أو يجرؤ أن يقول لا لسيشيل! صحيح أننا أحيانًا نصاب بتخمة زيارة الأمكنة الجميلة نفسها، ونقول إننا نوّد زيارة أمكنة أخرى قبل أن يدهمنا الزمن، ولكن عندما يتعلّق الأمر بسيشيل فالزمن هنا لا يمكن أخذه في الإعتبار فهي دائمًا لديها جرعات من الجمال لا تعرف للتخمة طريقًا.
ثلاثة أيام في جزيرة Enchanted Island Resort Seychelles دعوة لا يعقل رفضها. حزمت حقيبتي وتحضّرت لوجستيًا للقاء ثانٍ مع سيشيل التي زرتها قبل أربع سنوات، قبّعة وواق شمس وملابس صيفية خفيفة وثوب سباحة.
التحليق بين بيروت و دبي أربع ساعات، ثم تلاه تحليق نحو سيشيل أربع ساعات أخرى تفصلني عن جزر جمالها الطبيعي أقرب إلى الإفتراض، وأثناء التحليق نقّبت في ذاكرتي وأخرجت كل الصور الجميلة المعطّرة ببخور نبتة السيترونا، والشواطئ الرملية اللؤلؤلية المتمازجة مع الأزرق الفيروزي والنخيل والبر الفاقع الخضرة.
لا أنكر أنه انتابتني خشية من أن تتآمر مشاهد اللقاء الثاني وتبدّد صور لقائي الأول.
اليوم الأوّل واللقاء الثاني
حطّت الطائرة في مطار سيشيل الدولي. ولكن هذه المرّة كان المطار يغصّ بالسياح الذين شعرت بنظراتهم ووجوهم البشوشة بأنهم لا يريدون تفويت لحظة في لقاء سيشيل.
لم تبدّد لحظات اللقاء الثاني الأولى الصور في ذاكرتي بل كانت ترسيخًا لجمال تفاصيل لقائي الأول. فعند صالة الوصول استقبلتني تينا من Enchanted Island Resort Seychelles ورحّبت بي بطوق الفل السيشيلي برفقة روبرتا الإيطالية وييت الهولندية القادمتين من جدّة السعودية.
دارت بنا الحافلة، سيشيل لم تتغير، الجمال المتناثر بعبثية طبيعية مقصودة هو نفسه، صحيح أن هناك حبًّا من النظرة الأولى ولكن تتالي النظرات غالبًا ما يطفئ جذوة اللقاء الأول، إلا في سيشيل، فالنظرة الأولى تبقى هي نفسها وإن زرتها ألف مرّة.
توقفت الحافلة عند مرسى مرفأ اليخوت وأبحرنا نحو Enchanted Island Resort Seychelles. بدأت المغامرة إبحارًا في المحيط الهندي بين أروقة الجزر الجميلة العائمة بأبهة يزيدها الزمن جمالاً ونضارة وشبابًا معادلة فريدة من نوعها لا يمكن لأمهر مبتكري مستحضرات التجميل التوصّل إلى تركيبة تضاهيها أو حتى تكون قريبة منها.
كما الحوريات اللواتي فتنّ البحارة القدامى في عالم القصص الخيالية، تصرّ جزر سيشيل على إدهاش من يبحر في عالمها.
وصلنا إلى الجزيرة – المنتجع، عند الإستقبال قدّمت لي فوطة رطبة باردة معطّرة بماء الزهر، تحار هل هذه الفوطة الباردة تطفئ الدهشة أم تشعلها! لغز لا يمكن حلّه.
رحّب بنا فيليب مدير العلاقات العامة في IPN ولورين مديرة العلاقات العامة فيJA Resorts & Hotels الشركة التي تدير المنتجع، وليلي مديرة Enchanted Island Resort Seychelles. وُزعت علينا مفاتيح الفيللات التي ننزل فيها.
قبضت على مفتاحي كمن قبض على مفتاح صندوق الأسرار السحري، وأوصلني رشيد إلى الفيللا التي أنزل فيها.
الفيللا كوخ وسط فردوس واقعي، تصميمه شُغل بعناية، أثاثه مزيج من النمط الهندي والأفريقي، أما الحمّام فهو في الحديقة جدرانه الأشجار، تجربة فريدة لا يمكن أن تجدينها إلا في سيشيل.
ساورتني نفسي في الغطس في حوض السباحة الصغير، رغم أنني على موعد مع «السبا» SPA.
شعرت بالجوع عند الثانية، فتوجّهت إلى مطعم المنتجع، وإخترت من لائحة الطعام، لكن النادل عاد وقال لي «إن الشيف قد حضّر طبقًا خاصًا لذا فستأكلين تبعًا لذوق الشيف». فقلت في نفسي يبدو أنه شيف «ديكتاتور»، فجاء الشيف أولرك دينس، بنفسه وأخبرني عن الطبق الذي يحضّره مؤكدًا أنه لذيذ جدًا. وكان فعلاً طبقاً لذيذاً!
بعد الغداء توجّهت إلى «السبا» حيث كانت برسيلا في انتظاري لتخضعني لجلسة whole body massage، في البداية لم أثق بقدراتها الفيزيائية فهي صغيرة الحجم ونحيلة، ولكن حكمي كان خاطئًا جدًا، فلساعة تمكنت بريسلا أن تعيد الحيوية لعضلاتي المنكمشة بسبب جلوسي الطويل أمام الكمبيوتر.
بعد «السبا» كان العشاء الذي حضّره لنا الشيف على ذوقه الخاص الذي استطاع أن يرضي كلّاً منا.
اليوم الثاني مغامرات بحريّة بامتياز
عند العاشرة صباحًا كنت وبقية الفريق الصحافي على موعد مع مغامرة بحريّة في حضن المحيط الهندي وبين أروقة جزر سيشيل، ركبنا عباب المحيط ولم ينس أحدنا وضع واق الشمس رغم أن الغيوم كانت تظللنا بين حين وآخر، لأنه لا يمكن الإنفلات من لفحات الشمس هنا في سيشيل.
يصعب عليّ وصف تدرجات لون المحيط الأزرق فلكل بقعة لون خاص واحترت في تصنيفها أو تحديدها. توقف المركب وبدأت مغامرة الـSnorkeling ، قفزنا جميعًا في الماء كمن لم يكتف باكتشاف بر سيشيل وظاهرها.
بالنسبة إليّ تقمصت دور أحد أعضاء فريق جاك كوستو وغطست في الماء لأكتشف عالمه. قطعان السمك كانت تظهر وتختفي ثم تعود لتدهشني بألوان تتراقص في عمق الماء وتختفي في قصور المرجان، لساعة لا أحد منّا رغب في العودة إلى المركب أقلّه أنا فعالم جوف البحر لا يمكن الإكتفاء من تفاصيله.
بعد السنوركلينغ عدنا وأبحرنا نحو إحدى الجزر لتناول الغداء على الشاطئ حيث أطلقنا العنان لشهيتنا خصوصًا لأطباق السمك المشوي.
إنتهت أمسيتنا الثانية في Enchanted Island Resort Seychelles بمائدة عشاء حضّرها لنا ألورك وكان الطبق الرئيسي سمك بالكاري.
اليوم الثالث مغامرة برمائية
بدأت صباح اليوم الثالث بمغامرة رياضة الكاياك، فأبحرت أنا وروز- ماري بالقارب نحو جزيرة موايين Moyenne وكذلك فعل الآخرون رياضة صباحية لا يمكن تفويتها. تبعد الجزيرة المحميّة حوالى 200 متر فاستغرق التجذيف نحو عشر دقائق.
كانت الحماسة تجذّف معي فالقصة التي روتها لنا ليلي عن هذه الجزيرة أثارت فيّ فضول المستكشف، فهل سأحلّ اللغز؟. قيل عن هذه الجزيرة الصغيرة الكثير، منها الأسطورة التي تتحدّث عن الأشباح والكنز الذي دفنه القراصنة والذي يحتوي على 30 مليون جنيه استرليني، ولكن لم يجده أحد إلى اليوم.
أما القصّة الواقعية فهي، أن Moyenne «موايين» سكنها شخص واحد هو براندون غريمشاو عام 1962، وقد زرع فيها أنواعًا من النبات المحلي وربّى عشرات السلاحف العملاقة، ووفّر الطعام للطيور التي لم تكن تجد طعامًا لها في أوقات المطر.
كما كان يستقبل السياح القادمين إلى هذه الجزيرة بلطف ولباقة ويشرح لهم تاريخ النظام الطبيعي للجزيرة.
وصلنا إلى الشاطئ وبدأنا مغامرة المشي مع ليلي في قلب الجزيرة الدغلي. كلنا كان لديه فضول التعرّف إلى هذه الجزيرة السابحة.
عند المدخل رحّب بنا حارسا الجزيرة. أما السلاحف العملاقة فلم تأبه كثيرًا لوجودنا رغم أننا جميعًا أردنا أن نحييها ونلتقط الصور، وهي كما المشاهير إما تختبئ في قوقعتها وإما تتجاهلنا.
بدأنا السير في الغابة الإستوائية على الدروب التي شقها براندون، وليلي في المقدّمة شعرت بأنني على خطى قراصنة رواية Treasure Island التي جسّدتها هوليوود عدّة مرّات في السينما، هل سنجد الكنز.
أثناء الصعود والنزول كنت أقول كيف يمكن أن نبحث عن كنز في أحشاء الغابة والكنز يغمرنا. فالجمال الطبيعي للغابة العذريّة لا يمكن تقديره بثمن.
وفجأة بدأت زخّات المطر فاشتد وابلها، تجربة مغمورة بالرطوبة وسيلان المياه في الأروقة الطبيعية، كلها تفاصيل جعلتني أشعر بجذوة السعادة، بعضنا شعر بالبرد ووصلنا إلى كوخ مفتوح، وبعد لحظات مرّت مجموعة من السيّاح لا حظنا أن لا أحدًا منهم مبتلاً.
نزلنا إلى الشاطئ وكان المطر قد توقّف ونحن في انتظار القارب قررت ولورين وروبرتا بالعودة سباحة إلى Enchanted Island Resort فيما نبهتنا ليلي أن هذا يحتاج إلى مجهود ونتوخى الحذر إذا كنا لم نسبح منذ زمن، ولكن المفارقة أننا مشينا نصف المسافة فقد كانت لحظة الجذر، وصرنا نلوّح إلى ليلي التي كانت تنظر إلينا وتضحك.
في الأمسية الأخيرة كانت سهرة عشاء وداعية على «تيراس» الفندق، ولحسن حظنا كانت ليلة مقمرة مزركشة بالنجوم. فلم نخشَ من ديجور الليل وأنواره الخافتة في جزيرة شبه منعزلة، فالجمال الساكن في الليل لا شيء يضاهيه. شعرنا جميعًا بغصّة فراق هذه الجزيرة الرائعة فغدًا كل يعود إلى دياره حاملاً معه ذكرى إجازة مشحونة بالماء والهواء والأخضر.
تركت الجزيرة فجرًا وركبت القارب أترصد معالم شفق سيشيل كل شيئ ساكن يرحّب بصمت باليوم الجديد ويودّعني بصمت. هكذا هي سيشيل جزرها عائمة مضمخة بالسحر كل مرّة أحاول فك ألغازها أجدني أمام لغز جديد إلى ما لا نهاية.
Enchanted Island Resort Seychelles
Enchanted Island Resort هو منتجع خمس نجوم يتألف من عشر فيللات خاصة لكل واحدة منها حوض سباحة خاص وحديقة وكلها تشرف على المحيط الهندي وبقية الجزر الموجودة وسط ما يعرف بـ National Marine Park.
فُرشت الفيللات بمحموعة أثاث أنتيك تدمج بين النمط الهندي والإفريقي، فقد جلبها صاحب المنتجع خلال أسفاره، وقد أراد أن يشعر النزيل في هذا المنتجع أنه في منزله وسط عالم من الترف الطبيعي والنوستالجيا.
في هذه الجزيرة يُستقبل فقط الأزواج فيما الأبناء عليهم أن يكونوا تعدوا سن الثانية عشرة.
خلال الإقامة توفر إدارة المنتجع نشاطات بحرية مثل السنوركلينغ والكاياك والمشي في جزيرة موايين وبالطبع السبا وتمارين رياضة اليوغا. أما الوجبات فيحضّرها الشيف أولرك وهو طاه سيشيلي يبرع في إدهاش الزوار بالمطبخ السيشيلي المطعّم بنكهات عدة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024