عندما يختار المراهق صديقه
«في الطفولة كان كريم وجاد الصديقين اللذين لا يفترقان، ومع بداية المراهقة بدأ كل واحد منهما البحث عن صديق جديد، رغم أنه لم تحدث أي مشكلة بينهما، ولكن بدأت رحلة المراهقة».
يؤكد اختصاصيو علم نفس الطفل والمراهق أن المراهقة مرحلة تحوّلات جسدية ونفسية تتعلّق بطريقة التفكير والتعامل مع الآخرين، أي أن المراهق يعيد النظر في علاقاته الاجتماعية، لذا يسعى إلى الاستقلال وإلى التحرر من سلطة الأهل لبناء فردانيته وهوّيته الخاصة فيبحث عن نموذج جديد للتماهي.
ومن الممكن أن يعتبر المراهق أن الصديق الذي يعرفه منذ الطفولة متصلاً مباشرة بالعائلة التي يحاول التخلي عن علاقاته الانصهارية بها.
فهو في حاجة إلى أن يبرهن وجوده وإثبات هويته لشخص آخر من الضروري ألا يكون على علاقة بمحيطه العائلي، أي يبحث عن شخص لديه نظرة مختلفة تمنحه القيمة الحقيقية لشخصيته.
«لها» التقت الإختصاصية في علم نفس المراهق والطفل كالين عازار. - هل اختيار الأصدقاء في المراهقة يكون على أساس مختلف عما كان عليه في الطفولة؟
لا يختلف كثيرًا وإنما يصبح أكثر وضوحًا وثباتًا. مع بداية سن المراهقة يبدأ المراهق عمومًا الإهتمام بإقامة شبكة علاقات صداقة ويبحث عن الأصدقاء الذين ينسجمون مع أفكاره وتطلّعاته، أو العكس، فقد يبحث عن الصديق الذي يختلف عنه في كل شيء.
عندما يكون الصديق الحميم على علاقة مع المراهق منذ الصغر، لا يلاحظ أحدهما التغيّر الذي يحصل لهما لأنهما اعتادا على هذه الصورة.
فلا يعود يجد في هذه الصداقة اكتفاء ذاتياً لأن الصديق يشبهه في كل شيء، فيبحث عن شخص جديد مختلف عنه كي يتمكن من اكتشاف نفسه التي لن يعرفها جيداً إذا كان الصديق يشبهه.
لذا يحدث هذا التخلي الذي يعبّر عن رغبة المراهق في إيجاد هويته الجديدة من خلال آخرين لا علاقة لهم بماضيه أو بعائلته.
- لماذا قد يفضل الصديق المختلف في الشخصية والطباع؟
كما ذكرت لإكتشاف نفسه، فغالبًا ما يكون الصديقان من المدرسة والصف نفسهما، ولديهما اهتمامات مشتركة ولكن قد يكونان مختلفين في الطباع والشخصية، فتجد مثلا أحدهما هادئ الطبع فيما الثاني نشيط الحركة، ومع ذلك يكونان منسجمين في صداقتهما وربما يجد أحدهما في شخصية الآخر تعويضًا عن نقص، وبالتالي فإنه يكمله في كثير من الأمور. وفي هذه السن قد يكون المراهق فاعلاً في الصداقة، أو يكون تابعًا سلبيًا غير فاعل.
- كيف تبنى الصداقة في هذه السن بين بنتين أو ولدين؟
في هذه السن البنات يفضلن أن يكن قريبات من بعضهن والشيء نفسه بالنسبة إلى الصبيان. فيكون هناك شلل بنات وأخرى صبيان.
عادة الشلة يكون جميع أعضائها يتشاركون في الأفكار والآمال والأهداف وأسلوب الثياب، ويكون لديها قائد يسيطر على بقية أعضاء الشلة ويسيّرهم كما يريد، وبعضهم يكون تابعًا من دون تفكير.
- هل للأهل دور في اختيار الصديق؟
دور الأهل أساسي في اختيار الصداقات ولكن بطريقة غير مباشرة خصوصًا في بداية مرحلة المراهقة.
إذا كانوا يعلمون أن ابنهم - أو ابنتهم - يحب هذا الصديق عليهم دعوته إلى المنزل لأن في استطاعتهم مراقبة سلوكه وفي الوقت نفسه يمكنهم مراقبة سلوك ابنهم مع هذا الصديق وكيف يتجاوب معه.
مثلا إذا كان سلطويًا وما إذا كان الابن خاضعا له أم لا، أو العكس إذا كان الابن أنانياً يحب التملك... بعد الزيارة يمكن إبداء بعض الملاحظات بطريقة غير مباشرة، مثلا كان في إمكانك السماح لصديقك استعمال كمبيوترك فأنت دعوته إلى منزلك.
إذا لاحظت الأم أن الصديق يؤذيه هنا على الأم أن تعلم ابنها كيف يضع حدًا للآخرين وعدم السماح لهم بالتعدي عليه وإن كانوا أصدقاءه، وتعلّمه الطريقة التي يستطيع الدفاع عن نفسه وتدبر أموره إذا حاول أحد أصدقائه ابتزازه أو السيطرة عليه.
- هل هذا يعني أن على الأهل أن يراقبوا أصدقاء أبنائهم المراهقين؟
من الضروري أن يراقب أو يتعرّف الأهل إلى هذا الصديق الجديد ولكن ليس مراقبة بوليسية بل يجب منحه الثقة. فأحياناً يبالغ الأهل في المراقبة إلى حد يزعج المراهق مما يزيده عناداً وتعنتاً.
يجب أن تكون العلاقة بين المراهق وأهله منظّمة أي أن يعطيه الأهل هامشاً من الحرية يعبّر فيه عن نفسه. وعموماً الأهل الذي يمنحون أبناءهم هذا الهامش من الحرية لا يواجهون صعاباً معهم لأن منح المراهق الحرية يعزز لديه الثقة بنفسه ويُشعره بالمسؤولية فيحافظ أكثر على الأمور التي حازها. بمعنى آخر منح هامش الحرية هو رسالة مفادها أن هذا تطوّرك وعليك الاهتمام به.
- ماذا لو أن الأهل لم يعجبهم صديق ابنهم المفضل؟
من أصعب الأمور في المراهقة أن يقول الأهل للمراهق «لا أريدك أن تكون على صداقة مع فلان»، فهذا تدخل في استقلاليته التي بدأ يناضل من أجل الحصول عليها، واختيار أصدقائه يشكّل بالنسبة إليه شأنًا خاصًا جدًا، وبالتالي إذا كان هذا الصديق سيئًا فعلاً، فإنه يصر على صداقته فقط ليظهر أنه صاحب القرار.
لذا عوضًا عن المواجهة المباشرة والشجار يمكن الأهل أن يظهروا سيئات هذا الصديق في شكل غير مباشر.
مثلاً يمكن الأم دعوته إلى المنزل، فإذا كان هذا الصديق يختلف في سلوكه وتصرفاته عما شبّ عليه ابنها تستطيع مراقبته وإبداء ملاحظاتها غير المباشرة على تصرفاته السيئة.
كما يمكن أن تضع له قوانين أو قواعد عليه احترامها بمجرد دخوله البيت، وهو من المؤكد سيحترمها.
- كيف يمكن الأهل تحذير الأهل من الصديق الذي يبدو لهم أنه غير مناسب؟
يقلق الأهل أحياناً من صديق ابنهم الجديد خصوصاً إذا كان أكبر منه سناً، خوفاً من أن يبتز هذا الشخص ابنهم أو يسيطر عليه... لكن إذا كانوا مطمئنين لسلوكيات هذا الصديق الجديد أو الشلة الجديدة فليس من داعٍ للقلق.
وفي المقابل إذا كان هذا الصديق سيئ السمعة من حق الأهل أن يقلقوا ويعملوا على ردع المراهق عن توطيد علاقته به في شكل تواصلي جيد، أي أن يمنحوه الثقة ويفسّروا له أسباب عدم رضاهم عن هذا الصديق الجديد، من دون أن يكون الردع في شكل ظالم كأن يقولوا له مثلاً « أنت لا تفهم».
لا يجوز إلغاء تطوّر شخصيته، فهذه الخطوة تعني «أنا أتغيّر وأريد تجربة أمور جديدة، وأهلي يريدون منعي». وعندما يمنع الأهل المراهق في شكل صارم، سيفهم أنهم لا يريدونه أن يطوّر شخصيته. لذا عليهم التصرّف في شكل يطمئنه.
«نحن نريدك أن تكبر وتنضج ولكن بطريقة صحيحة لا تؤذيك». هناك خيارات، أي أن يعطوه البديل الذي يسمح له بالنمو واكتشاف شخصيته لا منعه أو وضع السدود في وجهه.
وعموماً يقلق الأهل من التغيير الذي يحدث لابنهم المراهق وليس فقط من الأصدقاء الجدد.
- ماذا عن الصراع بين الأصدقاء؟
الصراع بين الأصدقاء مسألة مهمة لنموّ شخصية المراهق وتطوّرها. فمن خلاله يكتسب المراهق مهارة الدفاع عن حقه والمفاوضة والنقاش وكيف يحل أي مشكلة تواجهه، ويعلّمه كيف يدير الصراع لأنه حالة موجودة في يومياتنا.
ومن الضروري أن يستمع الأهل إلى وجهة نظر ابنهم عندما يحدّثهم عن مشكلة حدثت بينه وبين أحد رفاقه، ليعرفوا كيف يتعامل ابنهم مع هذا النوع من المواقف وما إذا كان رد فعله انفعاليًا أم هادئًا.
فإذا علّم الأهل أبنهم منذ الطفولة كيف يتعامل مع أي موقف صعب سوف يعرف كيف يواجه لأن ثقته بنفسه موجودة، أي إذا علموه كيف يدافع عن نفسه يستطيع حماية نفسه.
- كيف يمكن الأهل تعزيز معنى الصداقة؟
للأهل دور في تعزيز مفهوم الصداقة وتوطيدها، خصوصًا أن المراهق لا سيما في المرحلة الإنتقالية من الطفولة إلى المراهقة لا يستطيع أن يقرّر الكثير من الأمور، بل يحتاج إلى مساندة أهله وتشجيعه على بناء صداقة ثابتة، وعندما يكون هناك صديق واحد فإن الصديقين يضعان قوانين خاصة يلتزمانها.
وبما أن معظم الصداقات تنشأ في المدرسة على الأهل مراقبة ما إذا كان لدى ابنهم صداقات في المدرسة أم لا. إذا لا لماذا؟ وإذا نعم من هم أصدقاؤه؟
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024