هل وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة إيجابيّة للتخلّص من بعض الأمراض النفسّية؟
يقال عن بعض الأشخاص «بينطّقوا الحجر»، أي يتواصلون كثيراً مع أفراد المجتمع، ويفتحون الأحاديث المتنوعة مع من يعرفون ومن لا يعرفون لحبهم التعرّف على أشخاص جدد. وهناك أشخاص آخرون يعانون عدم القدرة على التواصل أو التحدث مع الآخرين مباشرة، وهم فئة مصابة بمرض «الرهاب الاجتماعي» أو ببعض جوانبه، ودائماَ ما يكون تواصلهم عن بعد عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى لا يواجهوا من أمامهم. وهذا ما أكدته دراسة جديدة جاء فيها أن المحادثات من خلال هذه الوسائل كفيلة بالحد من بعض الأمراض النفسية كالرهاب، واعتبره الأطباء وصفة علاجية تدريجية بدون إفراط. «لها» استطلعت آراء مجموعة من أفراد المجتمع لمعرفة مدى انطباق هذه الدراسة عليهم، فكان هذا التحقيق.
أم يزن: يزيد التركيز
تفضل أم يزن المحادثات الكتابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي على المكالمات الهاتفية، وتقول: «أفعل ذلك ليس بسبب رهاب أو خوف من مواجهة الشخص، بل لعدم تفرّغي وانشغالي مع طفلي، ولأن تركيزي خلال الكتابة يكون أكبر في صياغة الجملة، وأجد أن المحادثة الكتابية تُسرد من خلالها مواضيع مختلفة».
وتقول إنها تكرر دائماً أمام أسرتها أنها لا تحب المكالمات الهاتفية، بل يمكن أن تستغني عنها بوسائل أخرى مثل «الواتس أب» أو الحديث مع الشخص مباشرة، لأن المكالمة الهاتفية يمكن أن تشتت تفكيرها.
أبو وليد: وسيلة للهروب
«ما زلت أعاني الرواسب التي لازمتني مدة أربع سنوات وأثرت على حالتي النفسية»، هكذا بدأ قصته أبو وليد (موظف في القطاع الخاص). وأكمل: «الإرهاق والضغوط في العمل سببت لي اضطراباً داخلياً لم ألحظه في البداية، حتى شعرت خلال اجتماعاتي بعدم استطاعتي متابعة العمل، فكانت تصيبني حالة من الاضطراب الداخلي في الأماكن المغلقة وأماكن التجمع مثل الأسواق وغيرها. وبقيت لفترة بعيداً من هذه الأماكن، وتطورت حالتي إلى عزلة وابتعاد، ورهبة من مواجهة المجتمع».
ويرى أبو وليد أن شبكات التواصل الاجتماعي هي وسيلة للهروب من مواجهة المجتمع بشكل مباشر، علماً أنه حاول تخطي مشكلته وتلقي العلاج اللازم عن طريق الذهاب إلى طبيب نفسي. وبمساعدة أفراد أسرته تمكن من مواجهة الأمر، مع أنه لاحظ في بعض الأحيان أن هناك رواسب طفيفة لكنه حاول تداركها.
سلطان المالكي: حسابات وهمية
تتصدى شبكات التواصل الاجتماعي لأوجه الفساد التي كانت غائبة سابقاً. ويقول الإعلامي سلطان المالكي في هذا الشأن: «أصبح لشبكات التواصل الاجتماعي تأثير واقعي في حياتنا الشخصية، خصوصاً في مجتمعات كانت منغلقة وفجأة أصبح لديها وسيلة تواصل مفتوحة تعبر من خلالها عن ما تريد، وينشر فيها الشخص يومياته دون حسيب أو رقيب».
وعن تأثيرها يقول: «قد يكون سلبياً أكثر من كونه إيجابياً خصوصاً في مجتمعاتنا العربية التي تعاني غياب الحرية الكافية للأفراد للتعبير عن آرائهم، وهو ما سبب ظهور «حسابات» بأسماء وهمية اتخذت من هذا المنبر أو الوسيلة باباً للسب والشتم وبث الشائعات وغيرها، بالإضافة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي ليس بإمكانها حفظ خصوصية المستخدم، بل أن بعضها ينتهكها في ظل موافقة المستخدم نفسه، كما يفعل فيسبوك».
أما إيجابيات هذه الوسائل فهي ظهور وجوه جديدة، استطاعت إثبات نفسها بعدما أغلقت الوسائل التقليدية أبوابها، فحققت نجاحات هائلة. كما أن شبكات التواصل الاجتماعي سهلت التواصل بين الأشخاص حول العالم، سواء مع المشاهير أو الأصدقاء أو غيرهم، ومشاركتهم اليوميات بالصور والفيديو والرسائل القصيرة.
ويرى المالكي أن هذه الشبكات تساهم في حل مشاكل الذين يعانون حالات نفسية، فيقومون بـ«الفضفضة» عما بداخلهم أمام أصدقائهم في شبكات التواصل، حتى لو عبر أسماء مستعارة، فالبوح بما في الخاطر هو حل لتهدئة النفس. وفي «العالم الافتراضي» أصبح المجتمع متقارباً، و«بإمكانك تكوين صداقات خارج حدود بلدك وعلى نطاق أوسع».
فاضل بن حسن: أهمية الهواتف النقالة
يقول فاضل بن حسين: «تعودنا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ولم نعد نستغني عن هواتفنا النقالة، لأنها تجعلنا متواصلين مع أشخاص نعرفهم وآخرين تعرفنا عليهم». وأضاف أنه من خلال هذه التقنيات أصبح العالم صغيراً، ومعظم الأشخاص يعبّرون عن أفكارهم وآرائهم، ويتناقشون بطريقة حضارية، حتى أن جميع الأشخاص الذين يتواصل معهم يعرفون تفاصيل حياته اليومية ويشاركونه مناسباته من خلال العبارات التي يكتبها.
هاني بنجري: كسرت الحواجز
ومن جهته يقول هاني بنجري أحد مؤسسي مجلة «نداء الثقافة»: «لم تكتف وسائل التواصل الاجتماعي بالتأثير على شخصيتي فقط بل على كل رواد، من خلال فتح آفاق جديدة ساهمت في التعرف على عادات الشعوب الأخرى وتقاليدها. ومع مرور الوقت اتسعت دائرة الاتصال مما أوحى لنا القيام بمبادرة «نداء الثقافة»، وهي مجلة إلكترونية تسهل لمستخدمي الهواتف الذكية التصفح كطريقة حديثة للتواصل الاجتماعي وتبادل الثقافات، بحيث يستطيع أفراد المجتمع حول العالم المشاركة بطريقة تعبر عن ثقافة مجتمعاتهم، سواءً بالإعلام الحديث أو التقليدي. كما أن هذه المبادرة صُنفت كأكبر مبادرة ثقافية اجتماعية على مستوى العالم من خلال شباب سعوديين، وأطلقت في يوم السلام العالمي بمقر الأمم المتحدة في نيويورك».
وأشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي كسرت حواجز كثيرة بين أفراد المجتمعات، مما أدى إلى نتائج إيجابية وسلبية في الوقت نفسه، وإحدى أكبر النقاط السلبية أن المداومة على هذه الوسائل تؤدي إلى إدمان يفكك الروابط الأسرية.
الرأي النفسي: ثقافة العيب من أهم مسبّبات «الرهاب الاجتماعي»
شرحت الاختصاصيّة النفسية الدكتورة سارة الخضري معنى الرهاب الاجتماعي بأنه حالة مرضيّة تحدث عند بعض الأفراد بلا مبرر، عندما يكون محط الأنظار أو عندما يتحدّث أمام الناس أو عند إبداء الرأي، وتكون من مسبباته التربية والجو الأسري الذي لا يدعم ممارسة النشاطات الاجتماعية. كما أن عدم تشجيع الطفل وتخويفه المستمر يولدان الرهاب، والوراثة تشكل عاملاً مهماً.
وتسرد الخضري أعراضه: «فيزيولوجية وهي زيادة ضربات القلب، والتعرق، وزغللة في النظر، وأحيانا دوار وغثيان واحمرار الوجه. أما الأعراض النفسية فمنها القلق والخوف، كذلك التفكير في الوقوع في أخطاء، وأن يظهر ارتباكه أمام الناس، والتوتر المستمر في حال وجوده مع أشخاص أو اجتماع عمل. أما عن سلبيات هذا المرض فيبدأ الفرد في التقليل والابتعاد تماماً عن المناسبات الاجتماعية والميل إلى العزلة والانطوائيّة، والانسحاب تدريجياً من المجتمع حتى يقي نفسه من الأعراض. ويبدأ علاجه النفسي وهو العلاج المعرفي السلوكي الذي يبدأ بتعليم المريض مهارات وسلوكيات جديدة يمارسها، وطرق الاسترخاء والعلاج الدوائي». وأكدت أنه يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تكون علاجاً لمن يعانون الرهاب والانعزال الاجتماعي ولكن ليس كل الحالات بل البسيطة والمتوسطة، لأنها تثقف الإنسان وتعرفه إلى أمور جديدة.
الرأي الاجتماعي:
توضح الاختصاصيّة الاجتماعية سوزان المشهدي رأيها في هذه المسألة قائلة: «لا توجد دراسات حديثة تؤكد إمكان وسائل التواصل الاجتماعي من المساعدة في علاج حالات الرهاب الاجتماعي أو تنفيه، خصوصاً أن الرهاب يعني الخوف والقلق من مواجهة الآخرين شخصياً، والمشكلة لا تظهر خلال التواصل بالرسائل. ولكن أعتقد أن مثل هذه الوسائل تسهل التعبير ولا تعالج بصورة حقيقية، ولا يمكن وصف العلاقات التي تحدث بين مرضى هذا النوع والأشخاص الاجتماعيين، فهي مسألة تكون حسب النقاشات التي تدور ومدى جديتها، فمن سلبيات هذا التواصل أنه قد يتسبب في ازدياد الحالة أو تفاقمها، إذا لم يكن العلاج بالتدريج ومدروساً وبأسلوب علمي».
وتشير إلى أن المواجهة التدريجية لحالات الرهاب، خصوصاً إذا كانت في بيئة معروفة بالنسبة إليهم، ستساعده في العلاج، فالرهاب هو الخوف الاجتماعي، وهو حالة مرضية مزعجة جداً، تحدث لواحد بين كل عشرة أشخاص، وتؤدي إلى خوف شديد قد يشل الفرد أحياناً. وأوضحت «أن هذا الخوف أكبر بكثير من الشعور بالخجل أو التوتر الذي يحدث عادة في التجمعات، بل إن الذين يعانونه قد يضطرون لتكييف حياتهم ليتجنبوا أي مناسبة اجتماعية تضعهم تحت المجهر».
وعن أسباب الإصابة بهذا المرض تقول إن حالة الرهاب (الخوف) الاجتماعي قد تجر إلى حالات كالاكتئاب والخوف من الأماكن العامة والواسعة، وتكون أسبابها قلة الثقة بالنفس أو خبرة سابقة مؤلمة اختبرها المريض أو تعرّض للكثير من النقد والتقليل من شأنه، وأحياناً تكون طريقة التربية القاسية، وفي بعض الحالات يحتاج إلى علاج دوائي وسلوكي معرفي.
معلومة
نشرت بعض الصحف المحلية السعودية أن بعض الدراسات والبحوث كشفت أن مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها مثل «واتس اب» و«تويتر» وغيرها كفيلة بأن تكون علاجاً طبيعياً لمرضى «الرهاب الاجتماعي» وتساهم في علاج من يعانون الانعزال الاجتماعي، إضافة إلى أنها يمكن أن تساعد على نحو إيجابي من يعانون حالات الاكتئاب وبعض الاضطرابات النفسية، شرط استخدامها بشكل صحيح.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024