تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

المراهقة والسلوكيات السلبية

لمى بنداق

لمى بنداق

تكاد المراهقة تكون ثورة نفسية وعقلية ، يعبّر عنها المراهق أحياناً بسلوكيات وتصرفات تبدو عدوانية. فهو يريد اكتشاف العالم من حوله، وخوض التجارب، وإقحام نفسه في المجازفات التي تشكّل خطرًا على حياته.
وهذه الأمور يراها الأهل والمجتمع تصرفات مبالغًا فيها، في حين يراها علماء النفس أمورًا طبيعية جدًا عند بعض المراهقين.
فالمراهقة ليست مجرد تغيّر في الجسد بل هي أساساً هذا الفوران العاطفي وما يرافقه من أحاسيس متناقضة وخيالات.
فتصبح هذه الأمور في صلب اهتمامات المراهق وإنشغالاته، يعبّر عنها في بعض الأحيان من خلال إقدامه على تجربة كل ما هو ممنوع وخطير. فما هي أهم مظاهر السلوك لدى المراهق؟ وما أسباب سلوكه العنيف؟
«
لها» التقت الإختصاصية في علم النفس التقويمي الدكتورة لمى بنداق.


كيف يمكن تعريف مرحلة المراهقة؟
تشير المراهقة في علم النفس إلى اقتراب الفرد من مرحلة النضوج الجسدي والعقلي والاجتماعي والنفسي.
وبالتالي لا تعتبر مرحلة نضوج تام بل هي مجرد مرحلة تؤدي تبعاتها وأحداثها إلى النضوج. والمراهقة هي الفترة العمرية من سن 11 إلى سن 21.

بما تتصف كل مرحلة من مراحل المراهقة؟
قسّم إختصاصيو علم النفس مرحلة المراهقة ثلاثة أقسام، وذلك بسبب اختلاف فترة مرحلة المراهقة بين مجتمع وآخر، وهي

  • مرحلة المراهقة الأولى بين 11- 14 عامًا وتتّصف بتغيرات بيولوجية سريعة.
  • مرحلة المراهقة الوسطى بين 14- 18 عامًا حيث يتم إكتمال التغيرات البيولوجية.
  • مرحلة المراهقة المتأخرة بين 18-21 عامًا حيث يتحول المراهق إلى راشد من جهة المظهر والسلوك.


ما هي مظاهر السلوك لدى المراهق؟
العصبية وحدّة التعامل: السبب التغيرات الجسدية التي تربكه وتقلقه إذ لم يعد المراهق قادرا على النظر إلى نفسه على أنه طفل لكنه في الوقت نفسه لا يمكنه التكيّف بسهولة مع صورة جسده الجديدة التي تؤكد له بلوغه ونضوجه.
وهنا ينشأ الصراع في داخله فيجد نفسه تائهًا بين مرحلتي الطفولة والنضوج خصوصًا لدى حالات البلوغ المبكر. ويزيد من هذا الارتباك تصرف الأهل الذين هم أنفسهم لم يتمكنوا بعد من التكيّف مع صورة ابنهم الجديدة. فأحياناً يفرح الأهل كثيرًا بتحول الطفل شابًا، ويسمع المراهق منهم عبارات مثل صرت شابا أو صرتِ شابة.
ولكنهم في الوقت نفسه لا يسمحون له أوّلها بالتعبير عن رأيه بحرية بحجة أنه لا يزال طفلاً. هذه النظرة المزدوجة توتّر المراهق، فيزداد عناده وعصبيته.
التمرّد: يبدأ المراهق بالسعي إلى الاستقلال الذاتي وإلى التحرّر من سلطة الأهل والكبار لبناء شخصيته وهوّيته الخاصة.
وأول بوادر هذا الاستقلال رفض كل ما يطلب الأهل منه القيام به، والتمرّد على سلطة الكبار والقيم الاجتماعية، وهو يتّهم أهله والكبار بعدم التفهم وبالحد من رغبته في الاستقلال الذاتي.
ويتخذ هذا الرفض أشكالاً متنوعة، فعلى سبيل المثال يرتدي ثياباً غريبة كالجينز الفضفاض جداً والممزّق أو يعارض أساتذته في المدرسة ليتحول إلى مهرج الصف أو زعيمه، وأحياناً يكون إنطوائيا يميل إلى الوحدة والجلوس لساعات طويلة في غرفته مستغرقاً في الكتابة أو سماع الموسيقى الصاخبة. فلديه رغبة جامحة في التجديد وتغيير العالم، ويريد أن يكون كائناً مختلفاً عن الآخرين، ويتمنى أن يجسّد هذه الرغبة أمام الراشدين.

ما هي أسباب العدوانية لدى المراهق؟
لا يمكن أن نصف سلوك المراهق الرافض بأنه سلوك عدائي، ومع ذلك فإن للعدوانية عند بعض المراهقين عوامل داخلية وأخرى خارجية تؤدي إلى ظهور السلوك العدواني 


أولاً: العوامل الداخلية
منها: الأسباب الجسدية، مثل النشاط الزائد الناتج عن إفرازات بعض الغدد، كالغدة الدرقية، أو الغدة النخامية. وتشير الكثير من الدراسات إلى أن زيادة هرمون التستوسترون Testosterone تجعل المراهقين الذكور يستجيبون بطريقة عدوانية.
كما أن السلوك العدواني يصدر عن الأفراد الذين يتسمون بإفراط أو ضعف في السيطرة على هدوئهم عند تعرضهم للمواقف الصعبة.


ثانياً: العوامل الخارجية وهي

الأسرة: أسلوب الأهل التربوي: فعدائية المراهق هي نتيجة عنف الوالدين في تعاملهما معه.
فعندما يستعمل الوالدان العنف الجسدي لعقاب أبنائهما، ينشأ الأبناء على مفهوم أن الضرب أو الإساءة البدنية هي طرق طبيعية للتعبيرعن الفشل وأسلوب مقبول لحل المشكلة.
تساهل أو تسامح الوالدين المبالغ فيه مع أبنائهما إذا ما تصرّفوا بشكل عنيف مما يحفّز على تكرار السلوك. وهذا ما يجعل العدوان شائعاً عندهم.

 التمييز في معاملة الأبناء مما يسهم في توتر العلاقات بينهم وينعكس سلباً على جو الأُسرة.
العلاقات الأُسرية المفككة قد تؤثر في تعزيزالسلوك العدواني، فالطفل الذي نشأ في منزل تحطمت فيه العلاقات الزوجية لا يجد من يحبه أو يقلده كقدوة تنقصه رؤية حقيقة سلوكه فيجد لذة في أفعاله العدوانية دون الشعور بالذنب.

شلّة الأصدقاء: من المعلوم أن المراهق يتعلّق بشلة الأصدقاء فإذا كان أعضاؤها عنيفين فإنه يتأثر بسلوكهم وبالتالي يؤدي إلى الإنحراف السلوكي والتأخر الدراسي.

 المدرسة: ونعني شبكة العلاقات الاجتماعية بين كل التلامذة وأعضاء الهيئة التعليمية والإدارة، وما قد يسودها من سهولة أو صعوبة في االتواصل.
فأغلب الدراسات وجدت رابطًا بين السلوك العدائي للتلامذة ومشاهدتهم للأساتذة يسيئون إلى زملائهم، و الإدارة المتشدّدة، وتأثير الزملاء وخاصة إذا كانوا من المنحرفين فعندئذ يصبحون عاملاً مساعداً على تعزيز السلوك العدواني.

وسائل الإعلام
تعزّز المشاهد العنيفة في التلفزيون أو الفيديو أو الانترنت السلوك العدواني إذا كان لدى المراهق استعداد داخلي لذلك، وأن تكون درجة ذكائه منخفضة عن أقرانه، وإذا كان يجلس لفترات طويلة يشاهد البرامج العنيفة.
أو إذا كان محبطًا ولديه مهارات اجتماعية أقل من غيره. ولهذا من واجب القائمين على المدارس تعليم التلامذة القدرة النقدية عند مشاهدة الأشكال المختلفة من العنف في التلفزيون والفيديو والانترنت.
والأهم من ذلك أن يكون للأهل دور ايجابي مع الأبناء عند مشاهدة هذه الأفلام بالتوضيح والتصويب.

لماذا يميل بعض المراهقين لمشاهدة أفلام الرعب أو قراءة القصص المرعبة؟
استجابة للقلق الذي يشعر به المراهق في هذه السن. إذ تظهر في مرحلة المراهقة المخاوف التي كانت تتملكه في طفولته، كالخوف من الموت أو من المجهول علماً أن المراهق قد لا يعي هذه المشاعر التي تقلقه ولا يتمكن من التحدث عنها، فيبدو هذا النوع من الأفلام أو القصص وكأنها تساعده في السيطرة على القلق.
والشعور بالخوف من الخطر المجسّد في شخصية تظهر على الشاشة أو يقرأ عنها، هو أقل حدة من الخوف من المجهول الذي يثيره الخيال. وفي المقابل يكون الفيلم أو القصّة مصدر طمأنينة بالنسبة إلى المراهق لأنه يضعه في مواجهة مباشرة مع قلقه وتوتره.
فمن المعلوم إن حياة المراهقين تمتاز بعدم النضج الانفعالي، وبالتالي قد يتصورون أن مثل هذه الأفلام أو القصص قد تمنحهم الإحساس بالقوة والسيطرة التي يسعون إليها، وعند أي احتكاك فعلي بالعالم الخارجي يشعرون بكذب هذه الأحاسيس، وتواضع قدرتهم على مواجهة مواقف تخيّلوا انهم عاشوها في تلك الأفلام أو القصص.


عندما يأخذ المراهق دور والده المطلق

لا يجوز على الإطلاق السماح للمراهق بأن يحتل مكان والده في حالة طلاق الزوجين. كما أنه ليس من واجب الابن البكر أن يأخذ على عاتقه تحمل مسؤوليات أو أن تكون له صلاحيات في السلطة ليست من حقه.
وقيام المراهق بدور الأب يرمز في الحقيقة إلى القيام بدور الرفيق. وعموماً لا يفضّل المراهق هذه العلاقة المبهمة مع الأهل.

لذا على الأب أن يؤكد لابنه إنه الأب، حتى وإن لم يعد يسكن في المنزل نفسه، كما عليه أن يؤكد ذلك لأبنائه كلهم خصوصاً البكر.
ويبرهن لهم عن ذلك بتحمل مسؤوليته كوالد من خلال متابعته لما يحصل معهم في المدرسة والاتصال بهم دورياً ويؤكد لهم أنهم يمكنهم اللجوء إليه عندما يحتاجون إلى مساعدته.

وإذا كانت علاقته بزوجته يسودها التوتر وعدم التفاهم يمكن أن يجد وسيطاً بينهما يعمل على حل الخلاف في شكل محايد.
إذ من المهم جداً أن يتفاهم الوالدان المطلقّان على أسلوب تربية الأولاد بعد الطلاق. فاحترام حقوق الوالد ومشاركته في تربية الأبناء له تأثير مباشر على الصحة النفسية والفكرية للأبناء.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078