إبني يخاف من الإمتحان
يخاف هاني، وهو تلميذ في العاشرة، خوض امتحاناته المدرسيّة، رغم أنه تلميذ جيّد ويقوم بواجباته المدرسية على أكمل وجه. ولكّنه في يوم الإمتحان يستيقظ خائفاً ومتوتراً وأحياناً يشكو ألماً في معدته.
هذا الخوف يجعل هاني يخفق في بعض الأحيان، وعندما تسأله والدته لماذا أخفقت ألم نحضّر للإمتحان معاً؟ يجيبها لا أدري عندما أقرأ الأسئلة أنسى كل ما ذاكرت في الأمس.
لماذا يخاف الطفل من الامتحان؟ وعندما يخوض تلميذ عمره عشر سنوات مثلاً، تجربة الامتحان، ما الذي يثير الخوف لديه؟
الخوف شعور مكتسب من البيئة المحيطة بالطفل وله أوجه كثيرة مثل الخوف من الظلام أو من الحشرات أو من مواجهة الآخرين. والخوف من الامتحانات يكون جزءاً من مخاوف أخرى داخل الطفل.
فبمجرد دخوله المدرسة تكون لديه رهبة وخصوصاً في العام الأول من التحاقه بها. وأول مظاهر هذا الخوف رفضه الذهاب إلى المدرسة، فيبكي ويتوسل إلى أمه أن تبقيه في المنزل ويعدها بأنه سيذهب في اليوم التالي.
أما إذا أرغمته فتنتابه حالة من الهلع والخوف وكثيراً ما تخضع الأم لرغبته خوفاً من أن يصاب بمكروه. وهذا السلوك طبيعيّ لأن الطفل في هذه المرحلة يبدأ أولى خطوات الانفصال عن أمه ويجد نفسه في مواجهة مباشرة مع أشخاص غرباء عنه، فيظن أن أمه تريد التخلي عنه.
ولكن بعد فترة يكوّن علاقات صداقة مع أتراب له تخفف من وطأة الخوف من المدرسة.
ومع ذلك تبقى لتجربة الإمتحان رهبتها. فلماذا؟
الأساليب الحديثة في التعليم توصي بعدم إجراء امتحانات فصلية للتلامذة دون العشر سنوات. وهذا ما تتبعه معظم المدارس، إلا أن شعور الطفل بالقلق من الامتحان أو المسابقات الأسبوعية غالباً ما يكون سببه قلق الأهل وخوفهم الذي ينتقل إليه، فيعيش في هاجس الخوف من الإخفاق في الامتحان لأن ذلك سيغضب والديه.
فالأم القلقة مثلاً التي تسأل طفلها باستمرار عن علاماته المدرسية وما إذا كانت أعلى من علامات صديقه له تجعله قلقاً، وإذا قال لها كلاّ يكون جوابها هل رأيت لماذا أحبك؟ أو إذا أجابها أن هناك من نال علامة أعلى منه تشعره بعدم الرضى عنه، حينها يشعر الطفل بأن محبة والديه مرتبطة بعلاماته المدرسية، وتجعله قلقاً إلى درجة الخوف من الإخفاق في المرة الثانية لأنه سيفقد محبتهما وعنايتهما.
وهناك خوف سببه التقويم السلبي الذي يُشعر الطفل بالدونية وبفقدان الرابط العاطفي بوالديه، ويزيد من هذا الشعور مقارنته بشقيقه خصوصاً إذا كان هذا الأخير متفوّقاً في المدرسة أو العكس.
فحين يرى الطفل المتفوّق تعرض شقيقه لإهانات من والديه يخاف من تعرّضه هو للموقف نفسه.
هذه الممارسات الخاطئة في التربية تسبّب للطفل قلقاً يصل إلى درجة الخوف من أي واجب مدرسي سيقوم به سواء كان امتحاناً أو بحثاً مدرسياً.
فيصير البيت بالنسبة إليه مكاناً غير آمن، ويشعر بفقدان دفء الوالدين بسبب حضور شبح المدرسة والامتحان في المنزل.
هل للمدرّس دور في زيادة خوف التلميذ من الإمتحان؟
ربما يشكّل المدرّس أحياناً مصدراً للخوف من الإمتحان إذ يلجأ البعض إلى العقاب الجسدي أو النفسي. فضرب الطفل، وهذا ممنوع ويعاقب عليه في القانون، حين يخطىء في الإجابة أو الإستهزاء به وبذكائه أمام أترابه في الصف يعيق تطوره النفسي ويقلل ثقته بنفسه.
ماذا على الأهل أن يفعلوا في هذه الحالة؟
إذا علم الأهل بأن المدرّس يرهب ابنهم عليهم عندها التحدّث إليه، وإذا اكتشفوا أنه يقلّل احترامه للطفل في الصف عليهم يتقدّموا بشكوى إلى إدارة المدرسة. فقد يكون هذا المدرّس يتصرّف مع كل تلامذة الصف بالأسلوب نفسه.
وعموماً إدارة المدرسة قد تكشف هذا الأمر عندما تلاحظ أن غالبية التلامذة يرسبون في مادته.
إلى ماذا يؤدّي الخوف الشديد من الإمتحان؟
قد يعرّض الخوف الشديد من الامتحان، الطفل لنوع من الشلل النفسي الذي تبدو أعراضه في مظاهر عدة، مثل عدم قدرته على الإجابة عن الأسئلة رغم معرفته للأجوبة، وشعوره بالمرض كآلام الرأس أو المعدة التي غالباً ما يكون سببها نفسياً.
هل الخوف من الامتحان «عدوى» يصاب بها الطفل من زملائه في المدرسة؟
«عدوى» الخوف من الامتحان موجود بالفعل، لأن الطفل يتفاعل مع أقرانه في الصف. إلا أن هناك حلولاً عدة لهذا الخوف مثلاً أن يكون الامتحان كأي مسابقة ترفيهية، وكذلك أن يمهّد المدرّس للامتحان ويهيّئ تلامذته نفسياً لمواجهته.
ويترتب على الأهل دور في تخليص الطفل من شعوره بالخوف.
هل يمكن الأهل تدريب طفلهم على مواجهة الامتحان بواسطة إجراء تجربة الامتحان داخل المنزل في أجواء مريحة ما يجعله يعتاد الفكرة؟
لا يوافق بعض اختصاصيي علم النفس التربوي على هذا التدبير لأن الطفل يدرك تماماً عدم جدية الأمر، وأنه ليس حقيقياً.
ويؤكدون على دور الأهل في دعم الطفل معنوياً ومدّه بالمحبة والعاطفة اللتين يحتاجهما، ومنحه الثقة بنفسه وبقدراته والتأكيد له أن محبتهما له غير مرتبطة بأدائه المدرسي. ولكل قاعدة استثناء.
ماذا يجدر بالأهل أن يفعلوا إذا لم يجدوا أي مصدر لمخاوف طفلهم من الإمتحان؟
إذا لم يجد الأهل أي مصدر للخوف، لا في الأسرة ولا في المدرسة، عندها يجب التفكير في استشارة الاختصاصي. وفي حالات الخوف الشديد وغير المبرّر الذي لا يزيله محبة الأهل وحرص المدرسة، من الضروري أن يلجأ الأهل إلى اختصاصي في علم نفس الأطفال، فقد يكون الطفل يعاني اضطراباً في الذاكرة أو أنه يمرّ بتجربة مخيفة لا يستطيع التعبير عنها في شكل مباشر، فيصير الإمتحان المنفذ الوحيد الذي يعبر عنه عما يعتريه من مخاوف.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024