العصمة في يدي! لماذا تصرّ المرأة أحياناً على هذا الشرط؟!
«العصمة في يدي»، شرط قد تفاجئ به المرأة، ليس الرجل الذي يتقدم للزوج منها فحسب، لكن المجتمع من حولها. فما هي الأسباب التي قد تدفعها إلى الإصرار على أن تكون صاحبة العصمة؟ وهل يقبل الرجل بسهولة هذا الشرط؟ وماذا عن نظرة المجتمع إلى الزوجة صاحبة العصمة والزوج الذي يتخلى عن هذا الحق؟ وما هي كلمة الدين في هذه القضية الشائكة والحساسة؟ «لها» تحقق. وتستعرض مواقف وآراء من مصر والسعودية.
الدكتورة مريم ميلاد
تنادي الدكتورة مريم ميلاد بأن تكون العصمة في يد الزوجة، حتى أنها ترفض، هي شخصياً، الزواج لإصرارها أن تكون العصمة بيدها.
وعن مبررها في اتخاذ هذا الموقف، تقول الدكتورة مريم التي ترأس حزب الحق: «أرى أن كون العصمة بيدي تجعل حياتي الزوجية أكثر استقراراً وهدوءاً، لأن الزوجة أميل إلى استمرار العلاقة من الزوج، وذلك حرصاً منها على الاستقرار العائلي، خاصة إذا كان هناك أطفال.
وإذا حددنا نسب الطلاق في الحالات التي تكون فيها العصمة بيد الزوجة، مقارنة بالعصمة بيد الزوج، سنجد أنها أقل، مما يؤيد وجهة نظري».
وأنهت الدكتورة مريم كلامها بالتأكيد أن «مجتمعاتنا الشرقية ذكورية بطبعها، ولهذا فهي تلتمس ألف عذر للرجل إذا طلّق امرأته.
أما إذا كانت العصمة بيد الزوجة وطلقت نفسها فإنها ستتعرض لأبشع الاتهامات ظلماً وعدواناً، لذا لا بد أن نغيّر هذه الثقافة الذكورية الظالمة التي تخالف سماحة الأديان السماوية والأعراف السوية التي تتماشى مع العقل».
الروائية لنا عبد الرحمن
وترفض الروائية اللبنانية لنا عبد الرحمن التعميم في القول برفض أو قبول وجود العصمة في يد الزوجة، مؤكدة أنه يجب الحكم على كل حالة على حدة، وكذلك لا بد من احترام تقاليد البيئة التي تكون موجودة فيها مثل هذه الزيجات، وكذلك الظروف التي تجعل المرأة تطلب العصمة ويوافق الرجل على ذلك، وبالتالي ليس من حق أحد تنصيب نفسه قاضياً أو مصلحاً اجتماعياً ونفسياً ينتقد هذه الزيجات التي قد تكون سعيدة لأنها تمت بالتراضي بين الطرفين.
وتطالب لنا عبد الرحمن مجتمعاتنا الشرقية باحترام خصوصية الأزواج والزوجات وما يتوافقان عليه من كون العصمة بيد المرأة أو الرجل، بل يجب تدعيم حماية الخصوصية من جانب وكذلك المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، وألا يفرض المجتمع نفسه وصياً وطرفاً ثالثاً حاكماً، برفض أو قبول مثل هذه الزيجات، بل يجب احترام حرية طرفي العلاقة الزوجية والقرار الذي توصلا إليه.
وتحض لنا عبد الرحمن الأدباء والإعلاميين على تناول مثل هذه القضايا، والعمل على تصحيح نظرة المجتمع الخاطئة إلى الزيجات التي اتفق فيه الأزواج مع زوجاتهم على ذلك، باعتبار أن هذا حق شرعي، وأن تصحيح هذه النظرة الظالمة قد يستغرق سنوات ولن يتم بسرعة أو سهولة في مجتمعاتنا الشرقية، التي ينظر بعضها إلى المرأة على أنها إنسان درجة ثانية أو تابعة للرجل.
الدكتورة أماني فؤاد
لا تؤيد الدكتورة أماني فؤاد، الأستاذة في آداب عين شمس، جعل العصمة بيد المرأة لأنها معروفة بعاطفتها الزائدة مما يجعلها، تقوم بتطليق نفسها في أي لحظة غضب، وما أكثر اللحظات التي تغضبها، خاصةً إذا كانت عصبية الطبع، على عكس الرجل الذي قد يكون أقل تأثراً بعاطفته، وكذلك ما يستتبعه الطلاق من أعباء مالية عليه من مؤخر صداق ونفقة، مما يجعله أكثر تأنياً في إنهاء علاقة الزوجية.
وتشير الدكتورة أماني إلى ضرورة احترام رغبات الزوجات اللواتي يرغبن في أن تكون العصمة بأيديهن لعوامل خاصة بهن طالما أنه حلال شرعاً، وتضيف: «رغم أنني لا أحبذه على المستوى الشخصي، أحترم خصوصية كل إنسان في اتخاذ القرارات الخاصة بحياته، وليس من حقي معارضته أو السخرية منه، لأن من تدخل في ما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه».
الدكتور نبيل السمالوطي
عن نظرة المجتمع إلى وجود العصمة في يد الزوجة يقول الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع في كلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر، إن الميراث الاجتماعي للشعوب الشرقية عامة والعربية خاصة لا يتقبّل بسهولة وجود العصمة بيد الزوجة، بل إنه عادة ما يكون تصرفاً غير مقبول اجتماعياً إذ يتم النظر إلى الزوجة التي تطلب العصمة على أنها «مسترجلة» تريد أن تكون هي قائدة الأسرة وزوجها مجرد تابع أو «جوز الست»، كما يحلو للعامة أن يسموه.
وأشار السمالوطي إلى أن النظرة السلبية الأكثر تأثيراً تكون من نصيب الرجل، الذي يتم استهجان تنازله عن العصمة كأنه يتنازل عن رجولته التي تعطيه القوامة والقيادة في الأسرة، وبالتالي يتم توجيه الاتهامات إلى الزوج بأنه ناقص الرجولة، وأن تنازله عن العصمة إنما لإخفاء عيب باطني فيه كالعجز أو الضعف، بل إنه يعيَّر بذلك ويمتد ميراث ثقافة المعايرة إلى الأبناء خاصةً الذكور، ويمتد أمر المعايرة إلى عائلته، خاصةً في المجتمعات الريفية والبدوية.
الدكتورة عزة سليمان
تشير الدكتورة عزة سليمان، رئيسة قسم علم النفس كلية البنات في جامعة عين شمس، إلى أنه ثبت علمياً أن الزوجة التي تكون العصمة بيدها تحدث لديها تغيرات نفسية بعد الزواج نتيجة لتحمّلها مسؤوليات لم تكن تحملها لو كانت العصمة بيد الزوج، حيث تشعر بثقة أكثر بنفسها، وكذلك القلق من اتخاذ قرار طائش في حالة انفعالها، خاصةً إذا كانت من النوعية العصبية نفسياً.
وتؤكد الدكتورة عزة أننا «لا نستطيع التعميم بأن وجود العصمة بيد الزوجة يؤدي إلى استقرارها نفسياً أو العكس، لأن هذا يتوقف على نفسية كل زوجة ونظرتها ونظرة زوجها كذلك إلى كون العصمة بيدها، وبالتالي قد تكون مفيدة نفسياً لدى بعض الزوجات وقد تكون ضارة لدى أخريات».
وأوضحت أنه «لا يمكن إغفال دور المجتمع في جعل مثل هذه الزيجات مستقرة أم لا. بمعنى أنه إذا كان هناك نوع من القبول النسبي له فإنه يساعد على زيادة انسجام الزوجين مع المجتمع، على عكس الوضع لو كان المجتمع رافضاً وساخراً لمثل هذه الزيجات، مما يؤدي إلى نوع من العزلة لمن تزوجوا وجعلوا العصمة بيد الزوجة، مما قد يؤدي إلى وقوع الطلاق كمهرب من النظرة الاجتماعية الساخرة النابذة إلى هذه الزيجات رغم أنها حلال».
وتنهي الدكتورة عزة كلامها، مؤكدةً أن غالبية النساء لديهن بالفطرة الرغبة في الاستقرار، لهذا ستكون الزوجة أكثر حرصاً على استمرار الزواج إذا كانت العصمة بيدها، خاصةً إذا كانت تعلم القيمة الحقيقية للزواج والتضحية والعطاء، وبالتالي تتحول «الأنا» التي ربما تكون قد بدأت بها الزواج إلى «نحن»، خاصةً إذا حملت وأنجبت فتتنازل عن كثير من اهتماماتها واحتياجاتها في سبيل إرضاء أطفالها وزوجها، على عكس الحال إذا كانت العصمة بيد الزوج، فليس لها من الأمر شيء، لأنه قد يطلّقها بسبب أو بدون سبب.
خوف من تجربة الزواج الأول
لماذا تلجأ المرأة إلى أن تكون العصمة في يدها؟ هنا لابد أن نستمع إلى سيدة طلبت هذا الأمر، ونتعرف على الظروف التي أدت بها إلى ذلك، فقد روت لنا الزوجة التي تحفظت عن ذكر اسمها، سبب إصرارها أن تكون العصمة بيدها في زواجها الثاني قائلةً: «تزوجت زواجاً تقليدياً في بداية حياتي من زميل لي في العمل، وأنجبت طفلين.
إلا أنني عانيت كثيراً خلال هذا الزواج، رغم أنه زوج يفترض أنه مثقف، إلا أن المشكلة الكبرى أنه شكاك حتى في نفسه، حتى أنني كرهت الحياة معه وقررت إقامة دعوى لطلب الطلاق للضرر.
إلا أنني للأسف لم أنجح في إثبات شكه للمحكمة، وبالتالي كنت أتركه وأذهب إلى بيت أهلي فيطلبني في بيت الطاعة لأواصل معه المسيرة المريرة.
واستمر الوضع كذلك، بين ساحات المحاكم، والإصرار على الإقامة في بيت أهلي، حتى صدر قانون الخلع أثناء نظر القضية، فكان بمثابة طوق النجاة فتنازلت عن الطلاق وارتضيت بالخلع».
وأضافت: «استفدت كثيراً من هذا الدرس القاسي في الزيجة الأولى، فقررت عدم تكرار الزواج إلا إذا كانت العصمة بيدي حتى لا تتكرر معاناتي، خاصة أن زوجي الأول ترك لي الولدين.
وشاءت الأقدار أن أتعرف على موظف بسيط محترم تقدم للزواج مني، وكان يعلم معاناتي الأولى، ووافق على أن تكون العصمة بيدي بعد تردد بسيط بسبب النظرة السلبية للمجتمع إلى وجود العصمة في يد الزوجة، إلا أنه كان جريئاً في الموافقة على طلبي، وتزوجنا قبل خمس سنوات وأنجبنا طفلين ونحن سعيدان، لأنني احترم رجولته وإنسانيته وهو يحرص على مراعاة مشاعري».
الرؤية الشرعية
عن الرؤية الشرعية للقضية توضح الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، أن معنى كون العصمة بيد الزوجة هو «تفويض طلاقها إليها»، لأن الطلاق الطبيعي حق من حقوق الزوج وله أن يطلّق زوجته بنفسه، وكذلك له أن يتنازل عن هذا الحق ويفوّضها في تطليق نفسها، وهذا التفويض أو التوكيل لا يسقط حقه ولا يمنعه من استعماله متى شاء، حيث من حقه التطليق أيضاً مع حقها في تطليق نفسها، وقد اعترض فقهاء الظاهرية على ذلك فقالوا: «لا يجوز للزوج أن يفوض لزوجته تطليق نفسها، لأن الله تعالى جعل الطلاق للرجال لا للنساء».
واختلف الفقهاء فيمن قال لامرأته: «أمرك بيدك» هل يظل بيدها أبداً أم أنه يتقيد بذلك المجلس الذي صدرت فيه الكلمة فقط؟ قال ابن قدامة في كتابه «المغني» بالنص: «ومتى جعل أمر امرأته بيدها، فهو بيدها أبداً لا يتقيد بذلك المجلس».
وعن حكم الشرع في مدى مشروعية رجوع الزوج عن جعل العصمة بيد الزوجة، تقول غالب: «يرى جمهور الفقهاء أنه من الراجح أن الزوج له حق الرجوع وفسخ ما جعله لها، ومن الأفضل عدم جعل عصمة النكاح بيد الزوجة نظراً لطبيعة المرأة العاطفية، التي قد تدفعها لإساءة التصرف، فتقوم بتطليق نفسها لأهون الأسباب».
خلاف الفقهاء
تؤكد الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، أن الفقهاء اختلفوا في رجوع الزوج عن جعل العصمة بيد الزوجة، فمنهم من قال: «إن الزوج له حق الرجوع وفسخ ما جعله لها، وعندئذ يرجع حق التطليق إليه وحده»، في حين أكد آخرون أنه ليس من حقه لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرّم حلالاً»، وكذلك الأمر الإلهي في الوفاء بالعقود والعهود في العديد من الآيات القرآنية.
وتلفت الدكتورة آمنة النظر إلى قضية، ربما تكون أهم من كون العصمة في يد الزوجة، وهي مجموعة الالتزامات الواجبة على الزوجة، فتقول: «كون العصمة بيد الزوجة لا يعني انتقاص الزوج حقاً من حقوقه الشرعية من الطاعة والمعاشرة وخلافه».
«العصمة في يد الزوجة» بين القبول والرفض في السعودية
ينتقد معظم الرجال في السعودية موافقة أحد الأزواج على اشتراط العصمة في يد الزوجة، ويعتبرونه تقليلاً من رجولتهم وقوامتهم على النساء. فالعادات والتقاليد هي ما يتفق عليه جميع أفراد المجتمع السعودي خاصة والمجتمع العربي عامة، وحين تظهر حالات نادرة أو تخرج عن المألوف والمتعارف عليه، نجد سيدا الموقف الاستنكار والرفض.
«لها» سألت عن تقبّل فكرة «العصمة في يد الزوجة» بعد أن تداول الإعلام المحلي آراء شرعية تؤكد حق المرأة في ذلك واشتراطه في عقد الزواج إذا أرادت، وبإمكانها بالتالي تطليق الزوج متى شاءت، فإن وافق الزوج كان العقد صحيحاً، ولا يحق له التراجع عن ما تم الاتفاق عليه، وعلى ذلك يعدّ شرط العصمة للمرأة جائزاً شرعاً وقانوناً.
فدوى الطيار
انتقدت المذيعة فدوى الطيار اشتراط العصمة بيد المرأة وقالت: «لا يمكنني أن أقبل هذا الأمر مهما كانت ظروف المرأة والرجل، لأن الله وضعها في يد الرجل وهو العالم الحكيم بما يصلح لنا».
واعتبرت أن من يرضى بالعصمة في يد زوجته هو «إنسان غير سوي، وستنقلب حياته وبالاً عليه، وسيجر ويلات ذلك، والرجل السليم الذي يخاف الله لا يوافق أبدا على جعل العصمة في يد امرأة، كما لا يرضى بأمر يخالف شرع الله».
أم زياد
ووافقتها الرأي أم زياد (ربة منزل) التي قالت: «لا أقبلها على زوجي، فالمرأة امرأة والرجل رجل، والرجال قادرون على وزن هذه الأمور أكثر من المرأة، فعاطفة المرأة تحكمها أكثر من عقلها، وهذا الشرط يؤدي إلى مشاكل لا حصر لها، خاصة عند أول خلاف يقع بين الزوجين.
ومهما كانت المرأة حكيمة وصبورة تبقى العاطفة هي المؤثر الأكبر على قراراتها، واشتراط العصمة بيد الزوجة أمر غير مشروع، ولا يطبق في وطننا».
دعاء رشوان
من جهتها تقول دعاء رشوان (ربة منزل): «المرأة بطبعها عاطفية وقراراتها مبنية على عاطفتها اكتر من عقلانيتها، أما الرجل فلا يدخل عاطفته في اتخاذ قراراته.
كما أن المرأة تحب أن تشعر بأنها تحت جناح الرجل وليست هي من تملك زمام الأمور». وأضافت: «إذا قام أحد بذلك فأنا احترم وجهة النظر هذه، فمثلاً حين تكون المرأة كبيرة في السن ولديها أطفال وتخاف على أولادها ومستقبلهم من زوجها الثاني، يمكنها أن تطلب العصمة».
يحيى الشهري
الفنان يحيى الشهري قال: «موافقة الرجل على هذا الشرط نقص. وأنا أجد صعوبة في تقبّل العصمة بيد المرأة، لأن إنهاء الزواج حين يكون بيد الزوجة أمر غير صحيح، ذلك أن كل قراراتها تكون بدافع العاطفة والتفكير بقلبها فقط».
عبد الله الرويعي
للممثل عبد الله الرويعي رأي مخالف عبّر عنه بالقول: «الزواج مشاركة في كل شيء، أما إذا كان الزوج غير مسؤول وﻻ يستطيع تدبر الأمور بحكمة فتكون بيد المرأة، لكن المصيبة إذا لم يكن الطرفان أهلاً للمسؤولية».
وأضاف: «لا يمكن أن نرمي بكل الأمور على المرأة، فيكفيها الأطفال وتربيتهم، ولا ضرورة لأن تنشغل بمسؤوليات أخرى، لذلك تُفَضَّل المشاركة بين الطرفين».
فؤاد بوقس
«لا اقبل بأن تكون العصمة بيد زوجتي»، هذا ما بدأ به المبتعث السعودي فؤاد بوقس حديثه، مضيفاً:«أن الوضع الطبيعي والفطري يقضي بأن الزوج هو من بيده معظم القرارات المصيرية ومنها طبعا الطلاق، فدور الزوج معروف منذ قديم الأزل بأنه المسؤول الأول عن البيت مهما اختلفت الأزمان، وهذا لا يتعارض مع مبدأ المساواة».
وشدد على أن نظرته إلى الشخص الذي يقدم على هذه الخطوة لا تتغير، «ولكل شخص الحرية الكاملة في تسيير أمور حياته الخاصة.
فهناك بعض الظروف التي قد تستلزم أن تكون العصمة في يد الزوجة، وحسب علمي لا يوجد مانع شرعي من ذلك، وإذا كان هناك اتفاق من الطرفين على هذه المسألة فلا أتوقع أن تكون لها تأثيرات سلبية، ولكن مجتمعنا والمجتمعات الذكورية لا تتقبل هذه الأمور، وتعتبره ضعفاً في شخصية الرجل أو تقليلاً من رجولته».
الرأي النفسي
يقول الاختصاصي النفسيّ في شؤون الأسرة الدكتور ماجد قنش: «لم يترك لنا الإسلام مسألة من المسائل إلا نظمها بشكل يكفل العدل، ويحقق المصلحة لجميع أفراد المجتمع.
وهناك فهم خاطئ لمسألة أن تكون العصمة في يد المرأة يظن معه البعض أن المرأة بهذا الشرط يحق لها أن تطلق الرجل فتقول أنت طالق كما يقول الرجل عند الطلاق.
ولكن المسألة ليست كذلك بل هي عبارة عن تفويض أو توكيل من الزوج للزوجة في تطليق نفسها، وهو حاصل لدى متبعي مذهب الأحناف، على حد علمي».
وعن الايجابيات والسلبيات يضيف: «تكاد تكون الإيجابيات محدودة جداً في هذه المسألة، وإن وُجدت فهي لمصلحة المرأة التي قد تضطر في بعض الحالات أن تشترط العصمة في يدها لأسباب معينة، مثلاً كأن تكون سيدة أعمال ولا تريد أن تتقيد بتحكم الرجل في حرية تحركها وسفرها وارتباطاتها العملية.
أما أهم السلبيات فهي سرعة تطليق المرأة نفسها لأقل سبب من الأسباب أو عند حدوث مشكلة بسيطة، لأن المرأة أشد ضعفاً وانفعالاً وعاطفة من الرجل، وقد لا تُقدّر الأمر كما ينبغي».
وتطرق قنش إلى الآثار النفسية للعصمة في يد المرأة، وهي قد تبدأ من أفراد أسرة الزوج وبعض الأقارب الذين لا يتقبّلون هذه المسألة، بسبب العادات والتقاليد والأعراف السائدة، ثم الأبناء في المستقبل عند معرفتهم بهذا الأمر.
فحين يتلقى الزوج الانتقادات من محيط الأسرة والأقارب والأصدقاء بعد فترة من الزواج يتأثر نفسياً واجتماعياً مما يسبب له ضغوطاً في حياته الزوجية ومشاكل لا حصر لها.
الرأي القانوني
من جهته، أكد المحامي والمستشار القانوني أحمد جمعان المالكي أن اشتراط الزوجة عند العقد أن يكون الطلاق بيدها باطل ولا يصح عند أكثر الفقهاء، وهذا ما قررته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - بالفتوى رقم 5245 مستندين إلى قوله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) فيكون هذا الشرط باطلاً ولا يصح عقد النكاح وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً (كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَو كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ فَهُوَ بَاطِلٌ).
ويرى فقهاء الحنفية أن هذا الشرط جائز، أما الصيغة التي يجيزها أكثر الفقهاء فهي تفويض الزوج لزوجته بعد العقد تطليق نفسها، سواء عن طريق تفويض مكتوب أو وكالة شرعية. وبالتالي تستطيع الزوجة عن طريق التفويض أو الوكالة تطليق نفسها من الزوج متى ما أرادت بشرط أن يكون التفويض سارياً أو الوكالة سارية لأن الزوج يستطيع إلغاءه في أي وقت.
وقد ترتب على هذا الخلاف الفقهي أن بعض مأذوني الأنكحة يمتنع عن كتابة الشرط في عقد النكاح، والبعض الآخر يجيزه ولا يمانع كتابته في عقد النكاح ويترك للمحكمة الفصل النهائي في صحة هذا الشرط من عدمه.
وأضاف أنه إذا كانت لدى المرأة وكالة بتطليق نفسها فيجوز لها أن تتقدم وتثبت طلاقها الرجعي من زوجها باعتبارها وكيلة للزوج، ويجوز لها أن توكل غيرها في التطليق إن كان لها حق توكيل الغير. كما لا يمنع وجود هذه الوكالة الزوج من تطليق زوجته من تلقاء نفسه باعتباره حقاً من حقوقه الأصلية لا يسقط بالتوكيل.
رأي الدين
شرح عضو محكمي المملكة الدكتور الشيخ أحمد المعبي هذه المسألة قائلاً: «العصمة بيد الرجل. هذا هو المعروف شرعاً والمطبق، ولا يمكننا أن نغير أحكام الله المشرعة في كتابه، لقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض)، لكن إذا تزوج عليها يمكنها أن تطلب الطلاق، لأن بعض النساء لا يمكنهن أن يتقبلن أو يتحملن زواج الرجل من أخرى».
وأضاف أن المرأة بطبيعتها عاطفية وتتأثر بكل ما يحصل معها وتضحي بجميع الأمور بسبب عاطفتها. «وليست العاطفة وحدها ما يميزها، فهي قوية التحمل وتتمتع بالصبر والحنان والدفء، وهذه الأمور ليست ضعفاً في المرأة بل مميزات تجتمع لديها، ولكن بوجود هذه المميزات يمكن أن تكون متسرعة في قراراتها لأنها تفكر بعاطفتها.
وتكريماً لها لم تُجعل العصمة بيدها حتى لا تتسرع في اتخاذ قرارات تؤثر على جميع أفراد الأسرة، فلا يجوز للمرأة أن تكون صاحبة قوامة على الرجل ولا يمكنها أن تشترط ذلك».
وأوضح المعبي أن «القوامة لا تعني التحكم بل الإدراك وإدارة الأمور بعقلانية وتحمل المسؤوليات، والامساك بزمام القيادة الأسرية. والرجل هو المسؤول عن هذه الأمور، ودور المرأة يكون في تحمل أعباء المنزل وتربية الأبناء، فكما قال الشاعر: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق».
وشدد على أن القوامة للرجل «ليست تميزاً بل مسؤولية في الرعاية والإشراف والإنفاق، لذلك المرأة في السعودية مكرّمة ونحن حريصون على حقوقها».
وقال: «أرفض عقد قران أي شخصين وضعا شروطاً في العقد، وخاصة العصمة بيد الزوجة، لأنه أمر خارج عن الشرع ومرفوض في كل المذاهب، ما عدا مذهب أبي حنيفة الذي يجيز بعض الأمور مثل تزويج المرأة نفسها بدون ولي».
عيسى الغيث
أجاب فضيلة الشيخ الدكتور عيسى الغيث القاضي وعضو مجلس الشورى عن أسئلتنا في هذا الحوار:
- هل يمكن لطلب المرأة العصمة أن يخفض نسبة الطلاق وكيف ذلك؟
في نظري أنه سيزيد الطلاق، لأن الطلاق في الأصل بيد الزوج فقط، وهنا صار بيد الرجل والمرأة معاً وبالتالي ستزيد نسبة الطلاق. ولكنه سيقلل نسبة المعلقات وقضايا الخلع.
- هل يمكن أن تتحكم المرأة في العصمة أفضل من الزوج؟ أم أن هناك حالات يمكن أن تؤثر العاطفة عليها؟
ستكون العصمة في يد المرأة وبالاً على الزوجة والأسرة لأن المرأة عاطفية ومندفعة وسريعة في طلب الطلاق، ولذا لا أنصح أن تشترط المرأة العصمة بيدها إلا في حالات معينة.
- ما هي هذه الحالات؟
كحالة شكها في نية زوجها ومدى التزامه شروطها وقيامه بواجبه تجاهها، ويتم هذا الأمر عند عقد النكاح.
- هل يستطيع الزوج فسخ عقد النكاح والعصمة بيد المرأة؟
نعم، فحقه في الطلاق لا يملك أحد إسقاطه، وإنما تصبح الزوجة بيدها طلاق نفسها مثله تماماً.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024