تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

لعبة 'البلوت' في السعودية تنتقل من إطار 'الشعبية' إلى تنظيم البطولات

علي بن سلمان

علي بن سلمان

عبد الرحمن كاظم

عبد الرحمن كاظم

عبد الله الشهري

عبد الله الشهري

«الحكم» و «الصّن» و «الدّبل» و «السّرا» وغيرها من المصطلحات، ما أن ينطقها الشخص حتى يتبادر إلى الأذهان مشهد أربعة من الشباب يلتفّون في حلقة تتوسطها أوراق «الكوتشينا» وتتعالى أصواتهم خلال ممارستهم للعبة الشعبية الأكثر انتشاراً على مستوى السعودية والمسماة «البلوت». تعتمد اللعبة القائمة على الشراء وتجميع نقاط معينة للفوز، اعتماداً كلياً على الحساب، ويتكّون الفريق الواحد من لاعبَين يجلسان متقابلين، في حين لا يزيد عدد الفرق اللاعبة في كل جولة على الاثنين. وتتميز هذه اللعبة بالتنافس والتحدي مما يتسبب بنشوب العديد من الخلافات بين أعضاء الفريق الواحد، إذ أن ارتكاب خطأ فردي في عملية «تهريب» ورقة ما قد يحتاجها صديقه من شأنه أن يتسبّب بهزيمة الفريق، وبالتالي قد يواجه المخطئ وابلاً من الانتقادات أو حتى التشابك بالأيدي ومن ثم قطع العلاقة بين المتنافسين. «لها» التقت مجموعة من الشباب الذين أكدوا أن من أبرز سلبيات «البلوت» تأثيرها على العلاقات الاجتماعية بين الأصدقاء، غير أنهم لم يختلفوا على كونها ممتعة ومسلّية وتنمّي الذكاء لدى اللاعبين...  

تبدأ اللعبة بتوزيع ثلاث أوراق لكل لاعب من اللاعبين الأربعة، ثم ورقتين وترمى واحدة في الأرض، كي يحدد أحد الفريقين رغبتهم في الشراء عليها وبدء سلسلة حسابية طوال جولة اللعب لتحقيق الفوز.
وغيّر بعض الشباب اسم اللعبة إلى «لعبة الشيطان» كونها تشغلهم أحياناً عن تأدية واجباتهم أياً كان نوعها، إلا أن ذلك لم يؤثر مطلقاً في اهتمامهم بها وإدمانهم إياها، حتى باتت تتصدّر التجمعات الشبابية في كل المناسبات، حتى قاعات الأعراس. 


عبد الرحمن كاظم: أوقات اللعب تمتد إلى 14 ساعة متواصلة

منذ أن تمكن من إتقانها في غضون ثلاثة أيام قبل نحو أربعة أعوام، بات الشاب عبد الرحمن كاظم يحرص كثيراً على حمل ورق «الكوتشينا» في جيبه، مشيراً إلى أنه يستغل كل أوقات فراغه في لعب «البلوت».
سبب اهتمامه وشغفه بالبلوت يعود إلى أنها لعبة متجددة لا تعتمد على نمط واحد، وبالتالي فإنه من المستحيل أن يشعر بالملل خصوصاً أنها تحتاج إلى تفكير وحسابات وسرعة بديهة، مما يجعل منها لعبة الأذكياء.  ويقول: «نهاية كل أسبوع نجتمع نحن الأصدقاء على لعبة البلوت التي تأخذ من وقتنا قرابة 14 ساعة متواصلة إذا ما كان معنا محترفون في اللعب، ولا نتوقف خلالها إلا لتأدية الصلوات، عدا عن استغلالي أيضاً لساعة الاستراحة اليومية في دوام العمل كي ألعبها مع زملائي».

 ويصف عبد الرحمن كاظم أجواء لعب «البلوت» مع كبار السن بالنظام العسكري حيث لا يمكنه أن يخطئ أو حتى يمازحهم، إضافة إلى كونهم عادة ما يكونون عصبيين وقد تنشأ خلافات تؤدي إلى قطع العلاقة بينهم سنوات طويلة بسبب البلوت!
ويضيف: «كنت أحاول أن أتعلّم البلوت منذ أن كنت على مقاعد الدراسة، ولكن والدي رفض ذلك إلا بعد انتهائي من المرحلة الثانوية خوفاً منه على تأثر مستواي بسبب انشغالي في اللعب».

ويؤكد أن المرافق العامة والاستراحات الشبابية تشهد زحاماً كبيراً على لعبة «البلوت»، مما يجعل الراغبين في اللعب يجرون في بعض الأحيان قرعة لاختيار الشباب الذين سيلعبون أولاً، لافتاً إلى أن أحد المتنزهات العامة في مدينة جدة نظم قبل فترة بطولة لـ»البلوت» غير أنه لم يستطع المشاركة بسبب إغلاق باب التسجيل مبكراً بعد اكتفاء الإدارة بالعدد المطلوب.
ولأن هذه اللعبة تستغرق أوقاتاً طويلة، فإنها أصبحت بمثابة «الزوجة الثانية» لدى الكثير من النساء اللواتي يعانين من إدمان أزواجهن لها، وذكر عبد الرحمن كاظم أن أحد أصدقائه المتزوجين دائم الشجار مع زوجته بسبب سهرات «البلوت» وانشغاله عن بيته نهاية كل أسبوع، فضلاً عن المشاكل التي تحدث بين الأصدقاء أنفسهم والذين يكونون من فريق واحد حين يخطئ أحدهم بتمرير ورقة لعب معينة يحتاجها صديقه فتؤدي تلك الزلّة إلى هزيمة الفريق.


محمد الدوسري: رميت أوراق اللعب من الطابق الثاني

ويبدي الشاب محمد الدوسري ندمه الشديد على ما فعله ذات مرة حين تعرّض هو وصديقه للهزيمة أمام فريقهما المنافس، فقد رمى أوراق اللعب من نافذة الطابق الثاني وغادر المكان فوراً، ليبتعد فترة عن صديقه الذي تسبب بهزيمته.
ويقول: «البلوت لعبة مزاجية وحماسية جداً، ولا تسبّب الخلافات إلا بين العصبيين ومدمنيها في ظل اختلاف نفسيات الشباب. هناك من يكون بارداً ولا تؤثر فيه الهزيمة، بينما ثمة من يقع في خلاف حتى مع شقيقه إذا ما انهزم بسببه، ولكنني بعد ذلك الموقف قررت تهدئة الوضع وخفض فترات اللعب».
ويضيف: «لم أعد ألتزم جدولاً معيناً للعب البلوت، وإنما بحسب وضعي وظروفي، ولا سيما أن هناك استراحة خاصة بنا نحن الأصدقاء تجمع لاعبي البلوت بشكل يومي، ومن يرغب في اللعب ما عليه سوى الذهاب إليهم في أي وقت يناسبه».


علي بن سلمان: البلوت تسلية وتنظيم البطولات سيزيد التعصب فيها

رغم عدم اختلاف رأي الشاب علي بن سلمان عن غيره من الشباب حول المتعة التي يشعر بها أثناء لعب «البلوت»، فإنه لا يحبّذ مطلقاً تنظيم بطولات بين هواتها تفادياً لزيادة معدلات التعصب والاحتقان بينهم.
ولأنه يرفض إدمان «البلوت» وانشغاله بها عن صلاته ومواعيد نومه، يكتفي بممارستها من الجانب الإيجابي المسلّي فقط، والمعتمد على حساب خط سير 32 ورقة بتركيز وذكاء، الأمر الذي يجعلها تساهم في تنمية القدرات الذهنية.

ويقول: «أحاول قدر الإمكان أن لا أجعلها سبباً لنشوب خلاف بيني وبين أصدقائي، خاصة أن معظم الخلافات تكون ناجمة عن التحدي الذي يسبق اللعبة. وحين تحدث أخطاء بين أعضاء الفريق الواحد يحتدم النقاش ويتحول إلى خلاف حقيقي».
ويروي علي بن سلمان قصة شخص كان يلعب هو وابن عمه ضمن فريق واحد، فأخطأ الثاني في تمرير ورقة له، فما كان من الأول إلا أن ثار والتقط سلاحاً نارياً ليطلق على ابن عمه رصاصة أودت بحياته.
وحول مدى التزامه بلعب «البلوت» في أوقات معينة، ذكر أنه من المستحيل أن يضحّي بالتزاماته وأشغاله لكي يلعب، وإنما قد يلعبها بحسب أوقات أصدقائه وأوقات فراغه لمدة لا تتجاوز الثلاث ساعات فقط.


عبد الله الشهري: كنت أول من تعلّمها بين أصدقائي فحوّلوني إلى مستشار

الكثير من أصدقائه تأثرت علاقاتهم ببعضهم البعض على خلفية المشاحنات التي كانت تحدث بينهم أثناء لعبهم، خصوصاً أن «البلوت» لعبة استفزازية تضغط بشكل كبير على أعصاب ممارسيها.
ويقول الشاب عبد الله الشهري: «كنت أول من تعلّم البلوت بين أصدقائي، فأصبحت مستشاراً لهم. وكنا نلعب بشكل شبه يومي، ولكنني الآن أصبحت ملتزماً بوظيفتي وهو ما يجعلني أجتمع مع أصدقائي متى ما سنحت الفرصة كي ألعب معهم قرابة خمس ساعات متواصلة، نعتمد فيها على طريقة خروج الفريق المغلوب ودخول فريق جديد وهكذا».


إطلاق أول نادٍ رسمي لتنظيم بطولات البلوت

بعد اعتراف الرئاسة العامة لرعاية الشباب أخيراً بلعبة «البلوت» ضمن الألعاب الرياضية المدرجة تحت مظلتها، أطلق عدد من المهتمين أول ناد رسمي للبلوت منتصف العام الماضي، وهو يُعنى باختيار أصحاب المواهب الحقيقية في هذه اللعبة وإبرازهم كنجوم أسوة بمشاهير الرياضات الأخرى.
وذكر مؤلف كتاب «أصول لعبة البلوت» وعضو اللجنة التأسيسية للنادي فالح السبيعي، أن فكرة تأسيس نادٍ لتلك اللعبة جاءت بعد دراسة ميدانية، خصوصاً أن معظم الشباب أصبحوا ينخرطون في مجموعات شبابية سيئة تنجم عنها ممارسات سلوكية خاطئة، مما يحتم ضرورة شغل أوقاتهم في أمور محبذة محمودة.

ويقول السبيعي إن «البلوت» لعبة «شعبية ومشهورة لدى كل الفئات العمرية في السعودية، وقد أظهرت نتائج الدراسة التي قمنا بها أن ممارسي لعبة البلوت أكبر عدداً من الذين يمارسون الأنشطة الرياضية، غير أن هناك انطباعاً خاطئاً مأخوذاً عنها رغم أنها لعبة أذكياء باعتبارها تنشط الذاكرة وتزرع في النفوس روح الفريق الواحد»، مبيّناً أن محاولات إنشاء برامج الكترونية عبر شبكة الإنترنت للعبة البلوت لن تحقق النجاح المرجو، ولا سيما أن متعة اللعبة تكمن في ممارستها ضمن مجموعات حيّة.
ولأن «البلوت» لعبة منتشرة حتى على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى كل بحسب قانونه في اللعب، كان لزاماً توحيد قوانينها لتسهيل المنافسات التي ينظمها النادي، واقتُرحت الفكرة على الرئاسة العامة لرعاية الشباب التي وافقت على ذلك، ومن ثم أُصدر كتاب «أصول لعبة البلوت» بموافقة وزارة الثقافة والإعلام، فضلاً عن فتح وسائل للتواصل مع أكبر عدد ممكن من المهتمين بـ»البلوت» لاستقبال أي اعتراضات على القوانين الموحدة لها.

ويرى السبيعي أن تلك اللعبة تعد رياضة ذهنية تناسب كل الفئات العمرية على اختلاف ظروفهم بمن فيهم ذوو الاحتياجات الخاصة، إلا أن مشكلة اختلاف قوانين «البلوت» من منطقة إلى أخرى هي التي تُحدث الانشقاقات، حيث أن الإثارة الكبيرة بين اللاعبين تفتح مجال الاجتهادات الشخصية وبالتالي تتسبب بالمشاحنات.  وبعد إصدار كتاب «أصول لعبة البلوت» أطلق النادي بطولات مناطقية، وذلك في تاريخ مميز اختارته الإدارة وهو 12-12-2012.
ويؤكد فالح السبيعي حق كبار السن في تحقيق النجومية أيضاً من خلال مشاركتهم في بطولة «البلوت» على مستوى المملكة التي ينظمها النادي، خصوصاً أنه يجري الآن التفاوض مع أكثر من قناة فضائية رياضية لأخذ الرعاية ونقلها على الهواء مباشرة عبر شاشاتها.

وبيّن أن الأشخاص الذين سيحققون نجوميتهم في لعبة «البلوت» بصرف النظر عن فئاتهم العمرية وجنسياتهم سيتم استخدامهم أيضاً في بث رسائل إيجابية للمجتمع والمتعلقة بكل جوانب الحياة الاجتماعية، وذلك من خلال تصوير إعلانات ودعايات تبثها القنوات الفضائية بعد ذلك. والمعيار الوحيد الذي حدده نادي البلوت الرسمي لمن يريد المشاركة في البطولات المناطقية هو الحصول على مجموعة أدوات اللعبة الموجودة في النادي، والمتمثلة في كتاب القوانين وورق «الكوتشينا» والقلم والدفتر فقط، اذ أن المجال متاح أمام الجميع بمختلف أعمارهم وجنسياتهم للمشاركة في تلك البطولة.

وبيّن فالح السبيعي أن النادي سيختار من كل منطقة فريقين فائزين بجولتين من أصل ثلاث جولات، ومن ثم ستتم استضافة الفرق في الرياض للعب على البطولة النهائية، لافتاً إلى وجود العديد من العروض التي قدّمتها دول الخليج لاستضافة النهائي، إلا أن النادي يرغب في تنظيم أول بطولتين داخل السعودية.
وبالنسبة إلى الجوائز التي يحظى بها المشاركون في البطولات المناطقية، أفاد عضو اللجنة التأسيسية لنادي البلوت الرسمي والمرشح لرئاسته، بأنه في الوقت الحالي تتضمن الهدايا ساعات من ماركات عالمية ودروع تذكارية، إلا أن النهائيات ستشهد توزيع سيارتين فخمتين لكل فريق فائز في المركزين الأول والثاني، إلى جانب جوائز ترضية للفريق الحائز على المركز الثالث، موضحاً أن النهائيات من المقرر انطلاقها بعد عيد الفطر مباشرة.


مقترح لإنشاء 60 مقهى شبابياً متخصصاً في «البلوت»

منذ الإعلان عن إطلاق نادي البلوت الرسمي في السعودية، توالت العديد من الأفكار والمقترحات التي من شأنها أن تعزز من مكانة هذا النادي وتزيد من الدعم المالي له، خصوصاً أنه حتى الآن يعتمد في إنفاقه على الدعم الذاتي المكتسب من مبيعات الكتاب وغيره.
ومن أبرز تلك الأفكار هو إنشاء نحو 60 مقهى متخصصاً في تجهيز أجواء مميزة لممارسة لعبة «البلوت»، والذي تقدّم بها أحد رجال الأعمال بمعاونة مهندس متخصص سيعمل على تصميم طاولات خاصة للعبة وفق معايير متعددة.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077