مجلس القضاء الأعلى السعودي يُلزم المحاكم بإلغاء شرط المُعرِّف وقبول الهوية الوطنية
لاقى قرار مجلس القضاء السعودي ترحيباً كبيراً وردود فعل مُشجعة في المجتمع السعودي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة من النساء. وجاء القرار « بتوجيه المحاكم كافة باعتماد الهوية الوطنية للمرأة، للتعريف بها، وعدم مطالبتها بإحضار مُعرّف، كما هو معمول به سابقاً تفعيلا للوثيقة الوطنية التي اعتمدتها السعودية أخيراً».
واعتبر مجلس القضاء أن الحال الراهنة ضرورية، نظراً إلى المشكلات الحاصلة جراء امتناع بعض النساء عن إحضار معرِّف لهن، وإصرارهن على وجوب اعتماد وثيقة الدولة الصادرة للتعريف بهن التي لا يحق لأي جهة التحفظ عنها بأية ذريعة، وإلا كان ذلك احتجاجاً على وثائق الدولة ورفضاً لنظامها المدني.
وطالب المجلس في قراره «جميع الإدارات الحكومية المعنية، ولاسيما وزارتي الداخلية والعدل، بالمسارعة في التنسيق في ما بينها لتفعيل برنامج البصمة الإلكترونية للتعريف بالمرأة، منعاً للحرج الشرعي لدى بعضهن»، مشيراً إلى أن «الجهات القضائية كافة، باستثناء القضاء العام، لا تطالب المرأة بالمعرِّف، ما دامت تحمل هويتها الوطنية، والتي منحتها لها الدولة للتعريف الرسمي بها، وأنه ليس من حق أحد الاعتراض على ذلك، وعدم تفعيل محتواها المعلوماتي بأية ذريعة، ما دام الموظف دخل في عمل الدولة، وهو ملتزم باحترام أنظمتها التي تمثل نظامها العام، وعدم تقديم الاجتهادات الأخرى على الأنظمة، مع أن أي تحفظ شرعي يعد في نطاق حال الضرورة حتى يتم اعتماد نظام البصمة».
د. المانع
قالت عميدة كلية محمد المانع الصحية وسيدة الأعمال الدكتورة عائشة المانع إنها كانت من اللواتي سعين لاتخاذ المجلس الأعلى للقضاء السعودي هذه الخطوة، لافتة إلى أنه «سبق إصدار هذا القرار موقف حدث معي في المحكمة، عندما رفض كاتب العدل الاعتراف بالهوية الوطنية، وأصرّ على أن أقوم بتغطية وجهي وبإحضار مُعرِف.
وعندما جادلته بأنني أملك بطاقة وطنية، وفيها صورة لي، رفض وأخبرني بأنه ليس مهتماً بها، وتلفظ بألفاظ لا تليق بمكانته ككاتب عدل. خرجت من القاعة، وأحضرت شخصاً إلى القاضي على أنه مُعرف عني، وهو لا يعرفني، وبعد ذلك أقمت شكوى، لدى وزير العدل باسم القاضي، لكنه لم يتجاوب معي، وبقي الحال لمدة سنة كاملة وأنا أبحث في هذه القضية، ولا حياة لمن تُنادي.
كما أنني قمت بمراسلة الشيخ ومستشار وزير العدل الدكتور عيسى الغيث، وأخبرني بأنها اختلافات بين القضاة، وأنها ستُحلّ مع مرور الزمن».
وتتساءل المانع: «المواطن إذا اخطأ يحاسب، ولكن من يحاسب المسؤول إذا اخطأ بحق مواطن؟!»
وبعد فترة تكررت الحادثة مع كاتب عدل آخر، وهناك من أخبرني بأن كُتاب العدل لا يمكن أن يستقبلوا امرأة تكشف وجهها بالكامل.
والقضية هنا تكمن في وجوب التأكيد على القاضي أن لا يُلزم المرأة بإحضار المُعرف، طالما أنها تحمل بطاقة عليها صورتها، ووجهها يُطابق الصورة، ولا يجوز أن يطلب منها أي شخص طمس صورتها، كما فعل كاتب العدل معي».
القوقاني
من جهتها، قالت المحامية أميرة عبد الله القوقاني إن قرار المجلس الأعلى للقضاء باعتماد الهوية الوطنية للمرأة للتعريف بها وعدم مطالبتها بإحضار معرِّف كما هو معمول به سابقاً، «خطوة إيجابية لصالح المرأة، تأخرت كثيراً، فقد كان اشتراط المعرف أمراً صعباً، وعقبة أمام المرأة في سرعة إنجاز بعض المعاملات والإجراءات، خصوصاً أنه لا يوجد نص نظامي يلزمها بذلك، بل على العكس فقد نصّت المادة التاسعة والستون من نظام الأحوال المدنية على أنه (يجب على كل مواطن حَمل بطاقته الشخصية بصفة مستمرة، وعليه إبرازها عند إجراء جميع المعاملات التي تستدعي إثبات شخصيته، كما أن عليه إبرازها إلى رجال السلطة العامة، كلما طُلب منه ذلك).
وبالتالي نجد أن النظام لم يفرّق بين المواطن والمواطنة، ولم يُستثنَ أي منهما بشروط خاصة، في استخدام الهوية الوطنية لإنهاء كل الإجراءات والمعاملات».
د. الفاسي
قالت أستاذة تاريخ المرأة في جامعة الملك سعود والكاتبة في جريدة «الرياض» الدكتورة هتون أجواد الفاسي إن هذا القرار هو تأكيد «لحاجة طالبت بها المرأة منذ سنين طويلة مضت، أي منذ أن صدرت الهوية الوطنية. وعندما ننظر إلى الجانب الايجابي من قرار المحكمة، نأمل قبول هذه الهوية، لكني أجد أن القرار غير مرتبط بعقوبات أو آلية معينة، بحيث أن النساء اللواتي يرفض القضاة قبول بطاقاتهن، ماذا يفعلن لإلزامهم؟».
أضافت: «من المؤكد أن هذا القرار سيفيد الكثيرات من النساء اللواتي مازلن يواجهن قضايا معلّقة في المحاكم بسبب شرط المُعرِّف، لأنه سيحررهن من الاحتياج إلى رجل.
في جميع الأحوال، وجميع القطاعات، وكل التحركات العامة للمرأة، هي بحاجة إلى أن تستقل بذاتها، وعملية وجود محرّم أو معرّف، ووجود موافقات في كل إجراء، جميعها معوقات تحد من استقلالية المرأة، وتجعلها دائما في الاحتياج إلى الآخر».
باناجه
من جهتها، قالت سيدة الأعمال عالية باناجه إن هذا القرار «كان لا بد من وضعه في حملة تسبق حملة إلغاء الوكيل الشرعي التي قمنا بها. وما أود قوله هو أن هذه الخطوة تأخرت كثيــراً، لأننا بتنا مؤمنين من داخلنا بأنها غير موجودة في حياتنا».
وأشارت إلى أن النساء السعوديات «كان عليهن الإسراع في تغيير هذا القرار منذ فترات طويلة، كأن تتشكل حملات، ويتم الضغط على الجهات المعنية، وسماع أكثر من صوت يُطالب بهذا الأمر. واعتقد أنهن لو تمكن من فعل ذلك، لكان الأمر قُدِر بوقت أسرع من الآن، لأنه في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح».
ولفتت إلى أن «القانون مُلزم، وهو قرار رسمي صادر عن المجلس الأعلى للقضاء، وبالتالي لا يجرؤ أي قاضٍ على عدم الأخذ به. ومن باب أولى يجب وضع قانون لمقاضاة كل جهة حكومية لم تُنفذ القرارات الملكية، أو قرارات مجلس الشورى، أو قرارات المجلس الأعلى للقضاء».
الألمعي
قال المحامي والمستشار القانوني أحمد بن علي الألمعي إن رؤية مجلس القضاء جاءت بسبب عدم وجود بطاقة هوية وطنية للمرأة، وهو أمر شاق عليها.
«وهذه الخطوة ماهي إلا انطلاقة لها لترعى شؤونها بنفسها، وأن لا تكون تحت ولاية أياً كان، أو شخص يتحكم بها، أو وكيل يبتزها، وتقاضي وتقتضي، وتحصل على حقوقها، دون اللجوء إلى شخص آخر لتسهيل إجراءاتها ومعاملاتها في المحاكم».
وأضاف: «صدور هذا القرار وإن كان متأخراً، أفضل بكثير من ألا يصدر، وننتظر إصدار الباقي من الأنظمة التي تصبّ في مصلحة المرأة السعودية، وتسّهيل إجراءاتها، وحقوقها بشكل الكتروني، من خلال الانترنت والبريد الالكتروني».
وأشار إلى أن «90 في المئة من معاملات المرأة السعودية في المحاكم، ولدى كُتاب العدل، وهيئة النظر، وقضايا الولاية، والنفقة، وجميع الأمور، ستكون أسهل دون حرج أو مشقة. وهذا القرار شرعي، على جميع المحاكم السعودية الالتزام به، فهو صادر عن أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، ولا يجوز لأي قاض التحجج بعدم تفعيل هذا القرار».
د. سفر
ومن جانب آخر قال أستاذ نظم الحكم والقضاء في مجلس الفقة الاسلامي الدكتور حسن سفر إن «المرأة المسلمة في المجتمع السعودي محط احترام لجميع ولايات الدولة الاسلامية في السعودية، مثل ولاية القضاء، والولاية التنفيذية.
وقد قال الملك عبدالله بن عبد العزيز مقولته المشهورة أن المرأة هي الأم، والأخت، والزوجة. ومن هذا المنطلق فإن الاستقراء في هذا القرار، هو عبارة عن صورة تطبيقية وإحيائية لدور المرأة في المجتمع. وعندما اكتفى مجلس القضاء الأعلى بالهوية الوطنية للمرأة، فإن ذلك يدلّ على نقلة نوعية وإنسانية وأخلاقية لرفع المعاناة عن المرأة، وعلى إحترام المرأة ككيان مساوٍ للرجل، في جميع مجالات الحياة.
والمرأة تخلّصت من الحرج والمشقة. فالشكر لله عز وجل، ثم لولاة الأمر، وعلى رأسهم الملك عبد الله بن عبد العزيز، وللمجلس الأعلى للقضاء برئاسة وزير العدل الشيخ محمد العيسى».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024