خبايا هدايا الأزواج... رومانسية متأخّرة أم ذريعة للخيانة والهروب
لم تعد الهدية التي يقدمها الزوج لزوجته تحمل المعاني التي كانت تحملها في السابق، فقد صارت في المجتمعات النسائية وسيلة جيدة لتغيظ سيدة قريناتها من السيدات، والتباهي بما يقدمه لها زوجها، لتثبت بطريقة أو بأخرى مدى كرمه وحبه لها، لتُشعل الحسرة في قلوب اللواتي يرغبن في الحصول على مثل هذا الزوج الرومانسي الذي يلمّ بفنون «الإتيكيت»، والذي يدفع الغالي والنفيس لإرضاء زوجته وإسعادها. ولكن المفاجأة أنهن قد لا يعلمن أن هذه الهدية ليست سوى ستار قد يتوارى خلفه هذا الرجل لإسكات زوجته أو إلهائها عما يفعله في الخفاء. فالهدية الثمينة التي ليس لها مناسبة أصبحت إشارة خطر لأي زوجة، بل هي أحياناً ثمن تدفعه مقابل أن تترك الحرية لزوجها. في هذا التحقيق تبحث «لها» عن أسرار هدايا الأزواج.
«اكتشفت خيانته من هديته»
تقول م. م.: «أنا متزوجة منذ أكثر من تسع سنوات، وزوجي يعمل طياراً مما يجعله كثير الأسفار. طبعا كنت أشك كثيراً فيه وفي تصرفاته وأحاول أن أجد خيطاً يكشف لي خيانته، ولكن بدون جدوى. عشت معه طوال تلك السنوات حياة رفاهية ومظاهر، فبعد كل رحلة يرجع إلي بالهدايا الثمينة، ولعل الكثيرات كنّ يحسدنني على هذا الدلال. ومع ذلك كنت اشعر بأن لهذه الهدايا ثمناً، وفي مرة من المرات عاد زوجي من رحلة من رحلاته وجلب لي هاتفاً نقالاً بأحدث موديل، وكانت تلك الهدية فرصتي، فقد استطعت أن أجعل المكالمات الخاصة به تُحَول على هذا الهاتف الذي بحوزتي، فكشفت محادثاته التي كانت تحصل بينه وبين زوجته الأخرى، والتي اتضح لي أنه تزوجها قبل أكثر من سنتين».
«طلباتي المجابة جعلتني أشكّ»
وفي قصة أخرى تقول ع. س. : «لطالما كنت محظوظة برأي غالبية صديقاتي، فزوجي لا يرفض لي طلباً. إذا أردت السفر مع أهلي لا يعارض، وإذا طلبت الذهاب إلى أي من صديقاتي لا يمانع. لكن هو في المقابل كان يتغيّب عن البيت أوقاتاً طويلة، وكذلك يسافر دائما في رحلات مع الأصدقاء خارج المملكة، وهذا الشيء يجعلني أشعر بالشك كونه يمنحني الحرية المطلقة في سبيل أن أمنحه أيضا حريته، فقبل السفر كان يضع في حسابي مبلغاً من المال يفوق حاجتي ومصروفاتي خلال الأيام التي سيغيب فيها. وبعد كل محاولات كشف ما يثبت شكوكي بلغتُ مرحلة اليأس، ولكن ذلك لا يعني أنني مطمئنة بشكل كلّي».
«زوجي معشوق الجميع لذلك لن يصدقني أحد»
إ. ع.: «لدي زوج مهتم جداً بأناقته وهندامه، وكذلك له أسلوب رائع في الحوار والكلام المعسول، فهو محبوب لدى الجميع سواء من جهة أهلي أو جهة أهله، أو حتى الزملاء في عمله. إنه مثال حي للرجل الديموقراطي الكريم، والرومانسي، صاحب الذوق الرفيع والثقافة العالية. دائماً ما يخبئ لي مفاجآت وبدون مناسبة أمام أهلي وأصدقائي، ويقدّم لي هدايا ثمينة. وفي كل صيف نسافر خارج المملكة أنا وأولادي... ولكن اكتشفت أخيراً أن كل ما يمنحني إياه من هدايا ورحلات ليست سوى مقابل لتغطية ما يقوم به خفية عني، فعن طريق هاتفه الجوال استطعت الإطلاع على بعض محادثاته التي يجريها مع أصدقاء له، وتبين لي أن هناك صوراً يتبادلونها وتحديات لخوض مغامرات غرامية. وللأسف أعرف الكثيرات من زوجات أصدقائه المخدوعات مثلي. ولكني بقيت صامتة ولم أفضح الأمر كون ذلك سيسبب مشاكل كبيرة، وفضلت أن أحظى بحياتي المرفهة والسكوت عما يفعله زوجي، لكي لا أخسر أسرتي ولا حياتي، بالإضافة إلى أن أحداً لن يصدقني».
تروي أ. ج.: «أعتقد أن تغير الزوج فجأة، ومنحه هدايا ثمينة لزوجته، دون سابق إنذار قد يعطيان إشارة إلى أنه يشعر بالندم تجاه نزوة من نزواته، أو أنه يحاول إلهاء الزوجة وإبقاءها سعيدة بما يجلبه لها، لكي تفسح له المجال لأن يكون حراً طليقاً دون مجادلات أو صراعات. لذا أظن أنه يجب على السيدة أن لا تكون ساذجة، وأن تتعرف أكثر على سبب الهدية».
أما ن. ر. فتقول: «للأسف مع تطور الحياة، أصبحت خيانة الزوج وخوضه مغامرات غرامية شيء سهل جدا، وقد يحدث عن طريق الصدفة بلا تخطيط، لكن لا بد أن تكون هناك ثقة متبادلة لكي لا يتحكّم بحياة كلّ من الزوجين الشكّ المدمر. فليس بالضرورة أن تكون الهدية لها سبب، أو لإخفاء خيانة. وأعتقد أن المرأة الواعية هي التي تتمكن من جعل حياتها أجمل وأفضل وبدون شكوك. وأعتقد أن لجوء الأزواج إلى الهدايا الحق فيه على الزوجات اللواتي يوحين لأزواجهن أنهن مادّيات وقابلات للارتشاء».
التربية غيّرت مفهوم الهدية
وفي تعريف لمعنى الهدية الحقيقي تقول الاستشارية النفسية والمستشارة الدولية لعلاج الإدمان عند السيدات الدكتورة منى الصواف: «مفهوم الهدية هو مفهوم سامٍ، ولا بد أن يعبر عن المشاعر. وليس بالضرورة أن تكون الهدية شيئاً مادياً وملموساً، فمن الممكن أن تكون عبارة عن لفظ تقديري، أو كلمة محبّة نابعة من القلب،أو حتى قصاصة من الورق يعبّر بها الشخص عن تقديره. وبالطبع الهدايا بأنواعها محببة جدا للجميع، وبالأخص للمرأة، ولكن للأسف ثقافتنا في التربية جعلت الهدية بقيمتها المادية، فكلّما كانت أغلى كان التقدير والمشاعر أكبر. وهذا المفهوم خاطئ تربى عليه أجيال، بحيث لم يعد هناك أي قيمة للكلمة الطيبة، أو الملاطفة عبر العبارات».
وعن انتشار ظاهرة شك السيدات بسبب هدايا أزواجهن تضيف الصواف: «ساعدت المسلسلات والأفلام على فتح أعين السيدات على مسألة الخيانة. ولكن لا بد أن نوضح أنه ليس بالضرورة أن تعبّر الهدية عن خيانة زوج... في أي حال، ومن خلال عملي، صادفت سيدات كثيرات فضّلن أن يكون لأزواجهن علاقات عابرة، ولكن بدون زوجة ثانية، لكون الرجل في هذه الحالة هو الملام بسوء أخلاقه، عكس الفكرة السائدة عن كون الرجل تزوج الثانية لأن الأولى مقصّرة، وهذا السلوك يشجع الأزواج على التمادي».
المرأة التي تسكت عن تصرفات الزوج من أجل المادة هي «قنبلة موقوتة» ..
تعليقا على أراء هؤلاء السيدات، تقول المستشارة التربوية والأسرية والنفسية في مكتب الأمل للاستشارات الدكتورة نادية النصير: «تنقسم السيدات في السعودية إلى نوعين، السيدات اللواتي يعملن ولديهن كيان مستقلّ مادياً ودخل بعيد عن الزوج. أما النوع الثاني، وهو يمثل الغالبية، فهن السيدات اللواتي ليس لديهن دخل مادي، ويعتمدن بشكل أكبر على الزوج، وهذا النوع بالطبع يمكن أن يقدم تنازلات في سبيل الحصول على حياة أسرية كريمة... والسيدة من الفئة الثانية تخشى المستقبل وفقدان الاستقرار، فتفضل العيش بسلام والاستسلام لرغبات الزوج. ولكن للأسف هؤلاء السيدات يشجعن أزواجهن على أن يكون لديهم حياة مزدوجة».
وتضيف نصير: «نصيحتي لهذه الشريحة من السيدات أن لا يستسلمن، وأن يتنبّهن جداً لتصرفات أزواجهن، وخاصة في المرحلة الانتقالية التي تحدث في سن الأربعين».
قد يستطيع رجل شراء الهدايا لكنه لا يستطيع شراء تربية أبنائه
يرى الدكتور محمد القرن الأستاذ في العلاج الأسري في جامعة أم القرى أن هذه السلوكيات التي ينتهجها الآباء تؤثر سلبا على الأبناء: «عندما يحلل الرجل على نفسه ما يحرّم على الآخرين، فهذا دليل واضح على خلل في شخصيته، وعدم وعيه للفرق بين الصحيح والخاطئ، فهو يريد إشباع رغباته وملذاته على حساب الآخرين، وفي الكثير من الأحيان يتباهى بذلك أمامهم. وهنا ينتج لدينا فرد تغلب عليه النظرة المادية، فيظن أنه بالمال والهدايا يستطيع أن يمتلك كل شيء. ومن هذه الأشياء التي يظن أنه أمتلكها بماله تربية أبنائه، وهذا غير ممكن كون الرقيب والحسيب غير موجود، وكون الأم غير قادرة على أن تغطي كل الجبهات».
الهدية لا تمحو ذنب الزوج أمام الله
في هذه المسألة يقول الشيخ الدكتور في المعهد العالي بجامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية صالح عبد الله آل زيد: «الهدية هي شيء مرغوب فيه شرعاً، كونها تقوي العلاقات بين الناس، وتساعد على تآلف القلوب وتقاربها، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا). فبالتأكيد هذه الهدية ستكون أجلى وأسمى إذا كانت بين الزوجين لينمو الحب والتقارب بين الطرفين. فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف (خيركم خيركم لأهله)، وبالطبع هذه الهدية يجب أن تترافق مع حسن المعشر، وأداء الواجبات من قبل الطرفين. فإعطاء الهدية كتعويض عن التقصير، أو للتغاضي عن تصرفات يقوم بها الزوج، لا يمنع أنه سيحاسب أمام الله على تقصيره سواء كان ذلك تجاه الزوجة أو تجاه الأبناء، فالهدية أو المال لا تمحو ذنوب الرجل. وطبعاً المرأة الصالحة لها دور عظيم في نصح الرجل وهدايته، فهي يجب أن تلعب دور المُذِكر والناصح على الدوام، وتستعين بالدعاء، فلها الأجر بإذن الله».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024