باتريسيو فرننداني في منزله التوسكاني: بساطة... معجزة في بساطتها!
تبدو منطقة بوديري بالازو Podere Palazzo الواقعة بين مقاطعتَي أومبريا وتوسكانا الإيطاليتين وكأنها أفلتت من سطوة الزمن وتقلباته. لذا فإن مزرعتها الغافية فوق التلال، وسط مساحات مترامية من حقول وبساتين وغابات سنديان، تبدو هي الأخرى وكأنها تختبئ خلف النسيان... هذه المزرعة التي يعود بناؤها الى مطلع عام 1700، كانت في مراحل عديدة من حياتها تنبض بالبهجة والنشاط، وتعاقب على ملكيتها العديد من عائلات النبلاء الأثرياء، قبل أن تهجرها الحياة وتتركها وحيدة بين تلك الربوع الخلابة، تعاني الإهمال وتجترّ الوحدة. وحدة قاسية لم يستطع أن يصمد معها ذلك الهيكل الصخري من البناء التوسكاني بطابعه المميز الجميل، فتداعت جدرانه ولم يبقَ منه سوى معالم بسيطة يلعب في أرجائها الخراب.
إستمر هذا الجمود الموحش لغاية 2005، حين وقعت عينا باتريسيو فرننداني على تلك المزرعة، فأسره سحر الطبيعة وجاذبية المكان. اشترى المزرعة وبعض المساحات المحيطة من الأراضي، ليقوم بتحويلها الى منزل خاص، تتوافر فيه كل أسباب الراحة والرفاهية.
و الحقيقة أن المهندس الإيطالي باتريسيو فرننداني ليس غريباً تماماً، فهو زار أكثر من مرة منطقة توسكانا وأمضى في ربوعها إجازات لا تنسى، مأخوذاً بأجوائها الفريدة وبيئتها التراثية المميزة. ومنذ أول زيارة للمنطقة، لم يتردّد فرننداني في التجوّل في المناطق المجاورة بحثاً عن بيئات شبيهة، حتى قاده الحظ الى منطقة بوديري بالازو. وفي هذه المنطقة وقف أمام هيكل هذه المزرعة المتداعي، والتي وجد فيها مواصفات مطلوبة لمنزل خاص جداً، هو كل ما كان يحلم به.
هيكل المزرعة الهندسي مشيّد من الحجر، وهو يحمل طابع الهندسة التقليدية التوسكانية. أضف الى ذلك مساحة المزرعة المؤلفة من طابقين والتي تنبسط فوق مساحة 375 متراً مربعاً، إضافة الى الشرفات والحدائق الخارجية.
سقف المبنى كان قد شهد تهدّماً في الجزء الأكبر منه، كذلك قسم من الطابق الأول، لكن موقع البناء كان ساحراً يطلّ على بانوراما مدهشة من المناظر الطبيعية.
للحفاظ على روحية تلك الهندسة التوسكانية وطابعها، استعان باتريسيو فرننداني بفريق محلّي من الحرفيين والفنيين الذين عملوا على إعادة الصياغة والترميم، باستخدام مواد طبيعية محلية. فاستخدمت نوعية من الطين التيراكوتا لتشكيل الأرضيات التي تم تنفيذها يدوياً، كما زيّن السقف بعوارض من خشب البلوط الذي تزخر به غابات تلك المنطقة، وطُليت الجدران بالكلس الأبيض لتتماشى مع أجواء النوافذ والأبواب الخشبية والتي حملت في مظاهرها الطابع الزخرفي المحلي.
أراد باتريسيو تطعيم داخل المنزل بنكهة من الحداثة فاختار بعض عناصر الأثاث الأيطالي البسيط، بخطوطه النقية، وتم توزيعه داخل فضاءات المنزل برشاقة لافتة، مضفياً على التنسيق جواً من الخصوصية. فبدا الديكور نقياً ينضح بأجواء الأناقة الفاخرة.
اعتمد باتريسيو في تصميمه للأبواب الداخلية والخارجية للمنزل الهيكل المقوّس الذي استمده من طابع أجواء البيوت الفرنسية التي تنفتح على ممرات تتواصل من خلالها الفضاءات الداخلية مع الخارج.
وفي الصالون نسقت أرائك كبيرة الحجم متقابلة تتوسطها طاولات منخفضة للقهوة، وقد إختار لهذه الأرائك أقمشة ناعمة من المخمل باللون الأخضر، تزينها بعض الوسائد المطرزة بألوان تذكر بربيع تلك المنطقة. وتتصدّر الصالون الغارق بالإشراق مدفأة أنيقة أضفت على الأجواء دفئاً وراحة.
في الجانب الآخر من الصالون مكتبة مؤلفة من رفوف بسيطة من الخشب يزينها بعض الأكسسوارات والكتب، وقد احتلّ جانباً منها توأمان من المقاعد الخاصة للاسترخاء، مع أغطية من اللون الأخضر الناعس تزينها وسائد أنيقة. وقد اختيرت الستائر في كل أرجاء المنزل من قماش الكتان الأبيض غير المبطن الذي يسمح بتسرّب النور الطبيعي الى الداخل.
موجودات المنزل هي مزيج من الأشياء المختارة بعناية، و الأشياء الشخصية والتي ترافق عادة الفرد في حياته اليومية وتزيد شعوره بأنه في مكان يشبهه.
ومن الأركان اللافتة في المنزل ركن خاص بالطعام تتصدره طاولة مبتكرة، هي عبارة عن لوح من الخشب مثبت فوق حاملين من الخشب المطلي باللون الأبيض. وقد امتد على طول تلك الطاولة عند الجدار مقعد أشبه بصندوق منفذ من الإسمنت، تعلوه لوحة من خشب السنديان نسق فوقها بعض الوسائد المزخرفة بالألوان الزاهية.
بينما نسق في الجانب المقابل مجموعة من الكراسي البيضاء ذات الهيكل المعدني والتي أوجدت نوعاً من التوازن بين النمط الريفي وطابع الديزاين المعاصر.
فوق سطح الطاولة وزعت بعض قطع من الأكسسوارات الجميلة والتحف المحلية الطابع. بينما تدلّى من السقف، فوقها، عنصرا إضاءة بالغا الأناقة باللون الأبيض.
المطبخ صُمّم بشكل مبتكر تتوسطه وحدة للطهي تندمج داخل خزائن عملية، أنيقة، تسمح بحرية في الحركة من حولها، كما أنها تعزز أناقة الطابع الزخرفي المطلوب.
اختصر باتريسيو خزائن المطبخ المعتادة بخزائن من الإسمنت المطلي بالكلس والتي تضفي على الأجواء مزيداً من الجاذبية.
في الطابق العلوي من المنزل توزّعت غرف النوم مع حماماتها وأركانها الخاصة، وتميّزت غرفة النوم الرئيسية بديكور بسيط يعكس الطابع الأميركي الحديث بألوانه الجسورة. وقد تم ابتكار حمام خاص لهذه الغرفة بتجهيزات معاصرة بينها حوض للاستحمام من توقيع فيليب ستارك وأكسسوارات من المخازن المحلية و سوق البرغوت.
في الخارج، أعيدت صياغة خاصة للشرفات المتواصلة مع الحديقة والمساحات الخضراء المحيطة المزروعة بأشجار الزيتون. كما تسلّقت بعض الدوالي جوانب البناء. وسيّجت الدرب الموصلة الى المنزل بتشكيلات مذهلة من النباتات المزهرة والورود التي يعبق الجو بعطرها وترافق العابرين بألف لون ونغمة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024