تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

منال عاصي... قتلها العنف الزوجي والصمت الطويل

مايا عمار

مايا عمار

أيعقل أنها لم تشعر بالألم ومن فائض الضرب تخدّر جسدها؟! أيعقل أنها لم تشعر بالدماء التي يسبح فيها ذلك الجسد الذي عُنّف لمدة 16 سنة؟! ربما لم تعلم أنها تعنَّف، أو ربما فارقت الزمان والمكان قبل أن تفارق روحها جسدها لتلتقي ربها، لذلك سألت منال شقيقتها «شو في»؟!، «ليه هيك»؟!، «شو صاير»؟!. قضية منال عاصي (33 سنة) ليست رواية رعب تُقرأ على مسامعنا، تلك المرأة التي تحمّلت عنف زوجها محمد النحيلي لمدة 16 سنة من أجل «السترة والبنات». هي المرأة اللبنانية التي عنّفها زوجها حتى الموت، لم يترك مساحة في ذلك الجسد النحيل إلا نالت قسطاً وافياً من اللكمات التي كان آخرها على وجهها الذي تدفقت منه الدماء، فامتصّ المجرمتلك الدماء وبصقها بوجه والدة الضحية وأشقائها. محمد النحيلي قاتل منال عاصي استعان بكل أساطير التعذيب ومشاهد الإجرام ليطبّقها على تلك الزوجة التي طلبت الطلاق لأنه يريد أن يتزوج بإمرأة ثالثة.


منزل منال افتقد الحياة بعد رحيلها وذهاب ابنتيها إلى منزل جدتهما، وبعد أن سلّم المجرم نفسه للقضاء معترفاً بجريمته ومدعياً أنها جريمة شرف. ولكن هل يحق لصاحب الشرف الرفيع أن يضرب زوجته لـ16 سنة ويقتلها بدم بارد ويمارس حياته بشكل عادي ويهدد أهلها بالقتل إذا أبلغوا القوى الأمنية بأن ابنتهم توفيت متأثرة بضربات الزوج؟


هنا التفاصيل التي روتها شقيقة منال وخالتها عن جريمة قتلها...

تقول سهى (اسم مستعار): «كنا في منزل إحدى شقيقاتي واتصل محمد زوج منال بوالدتي وقال لها «تعي أنا قتلتلك بنتك»، حينها طلبت مني والدتي أن أذهب مع أختي لكي نرى ما جرى مع منال، لأننا تعودنا عليه في كل مرة يتجادلان يضربها ويتصل بوالدتي ويقول لها «قتلتلك بنتك». ذهبنا أنا وأختي بسرعة، وعندما وصلنا فتح لنا الباب. كانت منال على الأرض وراء الباب وهي غارقة بدمائها وهو يضع قدمه على رأسها. عندما نظرت إليها للوهلة الأولى سألته هل قتلتها وماتت؟ قال لا ولكن الآن سأقتلها، عندها بدأنا بالصراخ ثم أمسكها بشعرها وسحبها على الأرض، من خوفي عليها رفعت جسدها عن الأرض، فوضعها على الكنبة وبدأ يلكم وجهها، حاولت إبعاده عنها فدفعني وهددني بأنه سيقتلني ويقتل عائلتي وبأنه سيطلق النار علينا جميعاً. وطلب مني أن أنظر إلى هاتف منال لأرى مع من تتكلم فوجدت كلمة «بونجور».

وتتابع سهى: «حاولت إبعاده وأخرجته من المنزل، لكي أرى ماذا حل بها وهي كانت تسأل «شو في»، «ليه هيك» «شو صاير»؟ هذه آخر كلمات سمعتها منها. شقيقتي الأخرى صارت تصرخ وتعرّضت لنوبة عصبية وبدأت تضرب يديها ورأسها بالحائط من شدة الخوف الذي انتابها. حاولت الإتصال بوالدتي وأخي لم أستطع. كنت متوترة وأضعت الارقام». وتضيف: «مشاهد القتل التي نراها على التلفزيون أقل فظاعة مما تعرّضت له منال، كم من العذاب تحمّلت حتى وصولنا «شي مش طبيعي» (وتبكي). حتى عيناها اختفت وأصابع يديها وقدميها حُطمت. حاولت أن أبدل لها ملابسها لكي نتوجه إلى المخفر ولكني لم استطع أن أخلع عنها ملابسها وكأن جسدها ممزق... لا أدري ما هي الوسائل التي ضربها بها، حاولت أن أرى مكاناً سليماً في جسدها إلا أن كل مساحة أخذت حصتها من الإجرام  بطريقة أفظع من غيرها».

وتقول: «عندما اتصلت بأخي وأخبرته أن محمد قتل منال، وصل مع والدتي، ولحق بهما محمد وجدد جولة العنف على جسد ضحيته، فطلب منه أخي أن يسلمنا أختي، فرد عليه بالقول سأقتلكم واحداً تلو الآخر وبدأ بضرب أخي وأمسك بشعر أمي ورماها على الكنبة، ثم حاول خنق أخي فهجمت عليه وحاولت أن أبعده عنه وبدأت بضربه على ظهره، فأدار ظهره وحاول ضربي، فطلب أخي منه أن يسمح له أن يأخذ منال إلى المستشفى وانحنى ليقبل قدميه فضربه على رأسه». تتابع سهى: «آخر مشهد رأيته كان قد ضربها على فمها ووضع فمه على فمها وامتصّ الدماء وبصقهم بوجه أخي وأمي. عندها بدأت بالصراخ وخرجت وخرجت أختي خلفي فحاول أن يركض خلف شقيقتي الأخرى ليضربها، عندها حاول أخي أن يحمل منال ويُخرجها فضرب أخي وأخرجه من البيت وأقفل الباب على أمي ومنال وقال لها «موتي إنت وبنتك». «خرجت وبدأت أصرخ على الطرق، فتقدم شباب المنطقة فأخبرهم أنها مسألة عائلية لا دخل لأحد بها، فهو وحش ومخيف ومجرم وتهابه كل المنطقة وأي إمرأة تمر في الشارع يعتدي عليها لفظياً «ويفتري» عليها. 16 سنة وأختي لم تر نهاراً سعيداً معه، كان يضربها دائماً، حتى عندما كان يشتري لها ملابس جديدة عندما ترتديها يعيدها إلى المنزل ويضربها. ثم توجهت إلى منزل خالتي القريب من منزل منال».

- هل يغار عليها؟
هو يغار منها وعليها، فهي متعلّمة وهو جاهل. هو إنسان معقد ولديه مشكلة نفسية ومتجبّر.

- ذكرت أنها ضُربت لمدة 16 سنة، كعائلتها لماذا تكتمتم؟
لم نسكت ولكنها كانت تقول إن لديها أولاداً، وتؤكد أنه لو طلقها لن يتركها بحالها، وهو كان يردد لها دائماً مستعد أن أقتلك ولا أطلقك. كان يفتعل المشاكل العائلية دائماً. 


وهنا تروي خالة منال ما جرى بعد أن توجهت سهى إلى منزلها:

«أتت سهى إلى منزلي وقالت لي أنه قتلها، فسألتها من قتل من؟ فقالت نحيلي قتل منال، سألتها كيف؟ قالت إنها طلبت منه الطلاق لأنه يريد أن يتزوج بثالثة. عندما قالت قتلها، اعتقدت أنه ضربها لأننا نعني بقتلها أي ضربها. ثم بدأت سهى بالصراخ وأُغمي عليها، فأحضرت لها الدواء... اتصلت سهى بصديقتها التي بدورها اتصلت بالمخفر وبالإسعاف الذي ذهب إلى بيت منال ولكنه لم يسمح لهم بالصعود إلى المنزل وقال لهم إنه لا يوجد أي حالة بحاجة إلى إسعاف. وحتى المخفر اتصل به وأخبر محمد أنه علم أنه يضرب زوجته وقد سجن حماته مع ابنتها في المنزل فنفى الخبر مدعيّاً ان لا صحة للموضوع».  وتضيف الخالة: «محمد النحيلي أبلغ سهى أنه سيأخذ منال إلى المستشفى عند الساعة الواحدة سألتها لماذا للساعة الواحدة؟ وبالفعل عند الساعة الواحدة إلا 5 دقائق كان قد تغير لونها وازرق فأخذها إلى المستشفى وحوالي الساعة الثانية والنصف من بعد الظهر اتصلت بشقيقتي أي والدة منال وسألتها كيف حالها، وأخبرتني أنها وقعت ولم تتجرأ أن تقول إن زوجها ضربها، وهو أخبر شباب المنطقة أن زوجته صعقها التيار الكهربائي».
في المستشفى وصلت سهى لرؤية شقيقتها...

تقول سهى: «طلب من أمي أن لا تخبر أحداً بأنه ضرب منال بل تدَّعي أنها وقعت وإلا سيذهب ويقتل زوجها وابنها. كان يصطحب معه إلى المستشفى عدداً كبيراً من الشباب المسلحين.
عندما وصلت إلى المستشفى كان الطبيب قد خرج من غرفتها فأخبرني أنها ماتت سريرياً، وهناك ساعات معينة وتفارق معها الحياة، لا مجال لإسعافها لأن ضغط قلبها 4. عندها بدأت بالصراخ وأخبرت الأطباء أنها لم تقع إنما زوجها ضربها وكان يحاول إخراج نفسه من الجريمة، حين سمعني هرب من المستشفى. وحتى الأطباء لم يصدقوا أنها وقعت فطلبوا الطبيب الشرعي ليعاينها».

وتتابع خالة منال القصة:

«عندما غادر محمد المستشفى اتجهت عند الساعة الثامنة لأطمئن إلى صحة منال، لكن لم يخطر ببالي أنها ماتت. أنا غسلت جسدها بعد وفاتها، لا أستطيع أن أصف شكلها، أصابع يديها مقطعة وأسنانها مقتلعة، أصابيع قدميها مكسرة وحتى لا يوجد لديها ظهر... لا أدري بماذا ضربها. لا بد أنها شهدت ساعات من التعذيب قبل أن يتصل بوالدتها.

نحن فقدناها لكنها ارتاحت من ظلم إنسان ظالم! والله يكره المتكبر والمتجبر. بينما هي إنسانة مؤمنة كانت كل نهار جمعة تقيم دروساً دينية في منزلها».

- هل أوصلت منال نفسها إلى هنا؟
منال انفصلت عنه مرتين وأجبرها على أن تعود إليه وكان يهددها بالقتل وأنه سيحرمها من بناتها.

- ماذا كانت ردة فعل أهله عندما كان يضربها؟
كانوا يعتبرون أنها مشاكل عائلية ولا يتدخلون، وكانوا يقولون لها ألا يطعمكِ؟ هل جعلك تحتاجين لأحد؟!.. الحياة ليست مجرّد مأكل وملبس...


جمعية كفى: للأسف يجب أن تفتدينا عدد من النساء لكي نتحرك

جمعية كفى التى تُعنى بحقوق المرأة تتابع قضايا النساء المعنفات ومن بينهن قضية منال عاصي.
عن قضية منال وحقوق المرأة والخطوات التي ستقوم بها الجمعية أجرينا لقاء مع المنسقة الإعلامية في «كفى» مايا عمار.

- كيف تبلغتم بقضية منال عاصي؟
اتصلت بنا نسيبة لها وأخبرتنا بالموضوع. ومباشرة عرضنا المساعدة على أهلها في ما يختص بالدعم القانوني. أهلها لم يتواصلوا معنا بعد ولكن نعرف أنهم بلّغوا عنه. وما يجري مع زوجها في القضاء يسير على الخط الصحيح قانونياً على غير ما جرى مع زوج رولا يعقوب ضحية العنف الأسري السابقة الذي أفرج عنه القضاء. وتم اتهام محمد النحيلي زوج منال من قبل القاضي بناءً على المادة 548 من العقوبات ونتمنى أن تأخذ العدالة مجراها.

- ماذا لو لم يتخذ بحقه الإجراء القانوني اللازم وحصل على عقوبة مخففة بناءً على ادعاءاته؟
نحن نراقب عمل القضاء ونقوم بالضغط اللازم كي لا يتخلّص الزوج من فعلته ويحولها إلى جريمة شرف ويحول الأنظار عن الجريمة الحقيقية التي ارتكبها. ولكن لعبته لم تنجح وذلك بناءً على تقرير الطبيب الشرعي والشهود، وهناك سبل أخرى لحل المشاكل بين الزوجين مهما كانت كبيرة، لا شيء يبرر العنف ولن نبقى نُعيِّر النساء بسلوكهن.
في معظم الأحيان المرأة تتحمّل مسؤولية ما يجري لها، ربما لأنها سكتت عن حقها، كمنال التي ضُربت لـ 16 سنة، من أجل «السترة» والأولاد.
صحيح أننا كنساء اعتدنا على السكوت ولكن لا يمكننا أن نلومها، نستطيع أن نشجعها ونخبرها أنه باستطاعتها أن تغيّر حياتها.

- ألا تملكون طريقة لتوعية هؤلاء النساء اللواتي يسكتن عن حقوقهن؟
الموضوع لا يتعلّق بالتوعية والمرأة تعرف أنها لا تستحق العنف الذي تتعرض له، ولكن الخروج من حالة العنف هو أمر صعب جداً ويحتاج إلى عمل على جبهات عدة. غير الوعي وإعادة للمرأة المعنفة ثقتها بنفسها، يجب أن يكون لديها خيارات عملية تعرف أن باستطاعتها أن تستعين بها. بماذا ستستفيد إذا قلنا لها ارفضي الواقع الذي تعيشينه، عندها ستسأل ما هي الخيارات لدي؟ من سيحميني منه؟ من سيُرجع إلي حقي؟ ومن يعاقبه على العنف الذي يمارسه علي؟ ما هي خياراتي في ظل قوانين الأحوال الشخصية الموجودة؟ أخاف أن أخسر كل حقوقي إذا انفصلنا وإن وافق على الطلاق أصلاً. لديها كمية عقبات كبيرة في حياتها تدفعها للسكوت، إذا أزلنا هذه العقبات وأوجدنا خيارات ربما على الصعد القانوني والقضائي والإجتماعي وقدمنا الدعم اللازم باستطاعتها أن تطالب بحقوقها أكثر.

- هل تتابعون مع مجلس النواب لإصدار قانون العنف ضد المرأة؟
هذا عملنا الرئيسي، عملياً فكرة الخيارات التي نحاول إيجادها للنساء هي إصدار قانون يشرّع حمايتهن ويحدد آليات واضحة لحمايتهن كنساء ونكمل بالضغط. القانون أقرّ في اللجان المشتركة في تموز/يوليو 2013 ، والآن نرفع الصوت لإقرار القانون. ولا لزوم لأن تموت المزيد من النساء لكي يقتنعوا بأن هناك خطراً فعلياً على «الضحايا». بدورنا بدأنا بتجهيز أرضية لتنفيذ القانون، وعملنا مع قوى الأمن لأنهم سينفذون القانون وأصدرنا مذكرة خدمة خاصة بشكاوى العنف الأسري ليلتزموا بها.

- لماذا نشهد تزايد حالات العنف الأسري؟
بعد أن تواصل أهل رولا يعقوب مع «كفى» حرّكنا القضية معاً، وشاهدوا كيف أن المجتمع والإعلام والقضاء تحركت بعد تصريحاتهم، وهو الأمر الذي شجع الأهالي على أن يبلغوا عن حالات العنف التي تتعرض لها بناتهن، إلا أن هذه الحالات موجودة دائماً. وهناك الكثيرات من النساء اللواتي متن ولم نعرف عنهن لأن أحداً لم يبلغنا، وبالتالي الأهل يخبرون أكثر لأنهم في حاجة إلى دعم من الرأي العام في ظل هذه المحنة.

- ما هي التظاهرة التي تحضرون لها في يوم المرأة العالمي؟
التظاهرة تأتي في إطار الضغط على مجلس النواب لإقرار قانون العنف ضد المرأة مع إدخال بعض التعديلات عليه، وللأسف يجب أن تفتدينا عدد من النساء لكي نتحرك ونلقى دعماً من الناس. من الجيد أن نستفيد من الوعي الذي حصل، هناك حراك شعبي في 8 آذار/مارس سنطالب خلاله المجلس النيابي بإقرار القانون ونشجع كل النساء على أن يتكلمن عن معاناتهن. وستكون مسيرتنا انطلاقاً من المتحف في بيروت وصولاً إلى قصر العدل.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079