الأزمة السورية درامياً... إلى أين؟! ؟
هل تخطت الدراما السورية توقعات خصومها وأصدقائها في الوقت نفسه متجاوزةً ظروفها الذاتية والموضوعية من حيث مصادر الإنتاج والتوزيع والتسويق وشروط التصوير في الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد منذ قرابة ثلاثة أعوام؟ والواقع أن الصناعة التلفزيونية السورية قدمت ما يقارب ثلاثين عملاً عام 2013 تنوعت بين الدرامي والكوميدي والاجتماعي الساخر، مكتسحةً بذلك سوق العرض العربية.
الملاحظ أن الدراما السورية تصدت في مجمل الأعمال الدرامية التي قدمتها أخيراً للأزمة سواء على صعيد سوسيولوجي- اجتماعي أو حتى على المستوى الإنساني، وذلك بتأثيرات ما يحدث على امتداد الأرض السورية وانعكاسه على الأسرة، كما هو الحال في مسلسل «سنعود بعد قليل» لمخرجه الليث حجو وكاتبه رافي وهبي، بحيث استطاع هذا العمل أن يجذب فئات واسعة من المشاهدين محققاً رؤية توافقية على حتمية الانتماء حتى النهاية كضامن لوحدة السوريين.
ديمة قندلفت
بدورها قالت الفنانة ديمة قندلفت التي قدمت شخصية «ربيعة» في مسلسل «حدث في دمشق» إن «الفن بمختلف أشكاله يقدم شيئاً من الأحداث والظروف السياسية عبر انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع.
وفي الدراما يمكن أن تنعكس الأحداث على نوع الفكرة. وفي المقابل من الطبيعي ألا تتجه كل أشكال الفن نحو السياسة أو التعبير سياسياً، فهناك فنون تذهب باتجاهات أخرى».
المخرج باسل الخطيب
هذا ما رآه المخرج باسل الخطيب في حديثه إلى «لها» عن مسلسله «حدث في دمشق»:
«العمل محاولة لتقديم صورة مختلفة لدمشق والمجتمع الدمشقي في الأربعينات ومطلع الألفية الثالثة، فأنا لا أحب إعادة تأطير عملي ضمن إطار فكري وأيديولوجي معين، لكن أي عمل ليس له علاقة بالراهن وما يحدث اليوم سيفقد الكثير من ألقه وقدرته على التواصل مع الجمهور».
ويضيف أن «حدث في دمشق» يتصل «بما يحدث اليوم في سورية لكنني لا أحب توضيح هذا بل أترك للمشاهد أن يلتقط الإشارات والدلالات وهي واضحة، ولن تخفى عنه».
وعن الصعاب التي اعترضت الخطيب أثناء التصوير وكيف تغلّب عليها قال: «بعد غيابي سنتين عن الدراما السورية ورغم الظروف الصعبة التي نحقق فيها هذا المسلسل كغيري من الزملاء الذين يشتغلون على أعمال أخرى داخل سورية وخارجها، كنت حريصاً مع كادر المسلسل على أن نقدم عملاً يليق بسمعة الدراما السورية، وكان هناك حماسة وإيمان بإكمال هذه التجربة بأفضل شكل ممكن. وهذا في اعتقادي جعلني ومن معي من كادر العمل نتغلّب على أي صعوبة واجهتنا».
سلاف فواخرجي
تحدثت الفنانة سلاف فواخرجي عن المسؤولية الكبيرة الواقعة على عاتق صانعي الدراما تجاه المشاهد، في تقديم التاريخ والحدث السياسي. وقالت: «عند تقديم الحدث السياسي درامياً هناك مراجع ومصادر تاريخية بعضها مكتوب أو مسموع، حتى أنه يمكن اللجوء إلى مقاربات درامية وفنية يحققها المسلسل التلفزيوني فيساهم في صَوغ الرأي العام وإشاعة الوعي في ظل سطوة الإعلام الإخباري على مصادر المعلومة والأخبار والأحداث.
فالعمل الدرامي حتى إن لم يسعَ للتوثيق، تبقى الخلفية السياسية فيه هي خلفية للحدث الاجتماعي، وفي الدراما من الطبيعي وجود مساحات كبيرة للخيال والأفق البعيد، وهي ضرورة لتقديم العمل بشكل جميل».
في «حدث في دمشق» كما تراه فواخرجي، «تشاهد التاريخ من وجهات نظر عدة وتتعرف إلى الآراء السياسية عبر أحزاب وفئات عدّة.
وهذا يساعد في فهم المجتمع بشكل أفضل». وأضافت أنها «لم تتردد في تقديم شخصية يهودية في ظرف كهذا لاسيما أن العمل يقدم جميع الشخصيات ناهيك بأن شخصية المرأة السورية اليهودية ليست شبيهة بيهودية بولندية أو غيرها من الجنسيات.
فتربيتها ودراستها وحتى طبخها سوري، وهي تقع في صراع مع زوجها ذي الميول الصهيونية الذي يصر على أن تترك وطنها».
وبينت النجمة السورية أنه «في العمل تكتشف أن السوري ملتصق بالسياسة دائماً والشبه بين «حدث في دمشق» والراهن السوري كبير جداً. لا شك أن الحياة اختلفت، لكن المواطن لا ينفصل عن السياسة أبداً، فتاريخنا أجبرنا على ذلك، وهو يعيد نفسه باستمرار».
السيناريست عبد المجيد حيدر
أما السيناريست عبد المجيد حيدر فله رأي آخر في قراءة الأزمة درامياً ، إذ رأى أنه «في الأزمات الشبيهة بأزمتنا والتي تظهر فيها تداخلات إقليمية وعالمية كثيرة سيكون هناك خلط كبير للأوراق، ناهيك بالأثر الاجتماعي الكبير مع أن الفن أصلاً ليس فعلا سياسياً.
فالسياسة شغل يومي متغيّر، فيما يفترض بالفن ثباته، لذا لا يأخذ الفنان أو الأديب موقفاً تاريخياً عادة. إضافة إلى أن الدراما لا يمكن أن تستوي إلا إذا كان لها أساس إنساني».
ويضيف: «اننا ككتاب دراما نستطيع تقديم دراما بظروف إنسانية، حتى إن الظروف المحيطة تساعدنا على تنشيط الحدث وتحريكه. لكن يجب أن نتنبّه إلى أن هذا ليس موقفاً، فالكاتب الآن لا يستطيع أن يسجل للتاريخ سوى موقف إنساني ومن هنا يمكنه ككاتب أن يتناول هذا الجانب، وأي شيء آخر سياسي هو مهمة السياسيين».
ويتابع: «إن موقفي في الكتابة عما يجري لن يتغير كونه يرتبط بالهم الإنساني أولاً وأخيراً. فأنا كنت وسأبقى ضد ما يسمى الدراما التاريخية وأرفض اتجاه بعض كتاب الدراما إلى إعادة صَوغ التاريخ عبر مشروع حضاري. فهذه ليست وظيفة الدراما بل وظيفة المؤرخين».
الكاتب فادي قوشقجي
يرى الكاتب والسيناريست فادي قوشقجي الذي كتب ثلاثيتين من مسلسل «تحت سماء الوطن» للمخرج نجدت إسماعيل أنزور، أن «إحاطة الواقع في عمل درامي إحاطة جزئية وتتخذ لنفسها زاوية لا تنظر من خلالها إلى الواقع، تجعل الفارق يتسع بين الأخير وبين أقصى ما يمكن أن يقدمه عمل درامي أو أدبي».
ويوضح: «في الغالب وطالما أننا في جميع الأحوال نمسك بزاوية واحدة من زوايا الحدث، فلا شيء يمنع من الكتابة عن هذه الزوايا والجزئيات خلال الحدث»، مشيرا إلى أنه «أراد في عمله أن يضع الإنسان السوري في مركز الحدث والرؤية وأن يقول إن كل نقطة دم تسيل منه أهم من كل الأيديولوجيات والصراعات والاستقطابات السياسية، محاولاً النظر إلى الجانب المضيء في هذا الإنسان وجمع تلك الجوانب المضيئة لدى أفراد ينتمون إلى طرفَي الصراع ليراقب والمشاهد معاً كيف أن اللقاء بينهما ليس مستحيلاً».
ويكمل: «على الدراما أن تقوم بكل مهماتها ويحتاج إلى الجمال والنقاش والأسئلة وإلى جانبها الضحك والمتعة، فالحياة لا تتوقف في مراحل كالتي نمر بها، ومن قلب الألم يظل ممكناً إنتاج الجمال وتذوقه».
الكاتب هاني السعدي
أما الكاتب هاني السعدي فقال عن مواجهة الدراما لتفاصيل الحدث السوري: «في نتائج الأزمة اجتماعياً درجة من الأهمية لا يمكن تجاهلها ويمكن تقديمها في انتظار أن تنتهي الأزمة، ويمكننا التحدّث عن كل هذا لأننا نعيشه ببساطة».
ويحقق السعدي عملاً درامياً يطرح فيه قصة عاطفية في أحد أرياف إدلب مسرحاً للأحداث كونه متاخماً للحدود التركية ويشير من خلالها إلى عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات إلى سورية عبر بعض حرس الحدود أصحاب النفوس الرخيصة.
المخرج الليث حجو
قدّم الفنان الليث حجو حلولاً عالية المستوى على صعيد التصوير خارج سورية من خلال عمله «سنعود بعد قليل» الذي أدّى بطولته الفنان الكبير دريد لحام. فصاحب «الانتظار» تمكن من إدارة كاميراته في بيروت ودمشق وفق حلول نصّية قاربت الأزمة السورية وظروفها القاسية على النازحين السوريين.
ويقول حجو: «حاولت أن أحقق إطلالة على واقع الأسرة السورية وانعكاسات الأزمة حتى بين أفراد البيت الواحد وفق التعامل مع شروط المكان، مطوعاً إياها لمصلحة مواقع تصويره، إلا أنني أعتقد أن البعض الآخر لم يتنبّه إلى صعوبة تقليد الأمكنة السورية، متناسياً أهم عوامل نجاح الدراما».
الكاتب أسامة كوكش
يرى الكاتب أسامة كوكش الذي كتب مسلسل «حائرات» لمخرجه سمير حسين أن «التحدث عن الدراما هو حكماً عن الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فإذا لم تعكس هذه الدراما واقعها فهي لن تكون جديرة بتسميتها كدراما معاصرة. فمن هذا كله يجب أن يكون الكاتب لسان حال الناس مهما اختلفت الآراء والمواقف.
أي يجب أن يعزل نفسه ومواقفه إلى حد يفسح المجال لنفسه ليقدّم مواقف الآخرين وآراءهم، طالما أننا نفترض أن العمل الدرامي يقدم الواقع تحديداً اللحظة الساخنة منه».
وفي هذا الصدد يقول: «تستطيع الدراما أن تعكس الواقع كما في مسلسل «حائرات» حين تكلمت عن أناس يفترشون الأرصفة والمدارس بلا أمل أو علم بالمصير الذي ينتظرهم.
هؤلاء الناس أحد أهم مكونات الأزمة الحالية والأزمة المقبلة لذا حاولت في «حائرات» التحدث عن واقع هؤلاء من الجانبين الإنساني والاجتماعي علّه يكون وثيقة صغيرة لتأريخ هذه الحرب حتى لا يتسرّب النسيان إلى ذاكرتنا يوما ما».
المخرج سمير حسين
من جانبه، يرى المخرج سمير حسين أنه: «من المبكر جداً طرح أي قضايا أو معضلات سياسية في أي عمل فني، إلا إذا ذهبنا باتجاه وجهة نظر واحدة مدافعين عنها ومع إمكان حدوث هذا فهو يبدو مشكلة بحد ذاته»، مشيراً إلى أن «مرحلة تقديم عمل متوازن برؤية سياسية لم تحن بعد.
ففي مسلسلي «حائرات» مثلاً تحضر نتائج الأزمة اجتماعياً واقتصادياًًعلى العمل».
وأوضح أنه: «يوجد دائماً شرط درامي للتعبير عن قضايا شائكة وملحة وربما حساسة، لكن ليس كما تطرح حقيقة، وهنا يوجد شرط فني أيضاً، فالفن يستلهم من الواقع لكن لا يماثله أو يطابقه بدقة، بالتالي كل ما سيقدمه العمل من قضايا حساسة يراعي ما يحدث الآن في سورية، ويراعي كذلك طبيعة مجتمعنا المحافظ عموماً».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024