قاسم مسعد عليوة في آخر حوار قبل رحيله: أسرتي أحرقت مكتبتي خوفاً علي
رحل الكاتب القصصي المصري المعروف قاسم عليوة عن عمر ناهز 68 عاماً قضاها في مدينته «بور سعيد» مُكبّاً على نشاطه الأدبي، بالإضافة إلى نشاطات أخرى في المجلس الأعلى المصري للثقافة، وفي ديوان عام محافظة بورسعيد.
ومن أبرز أعماله القصصية: «الضحك» و«صخرة التأمل» و«إنها الحرب» ورواية الغزالة. وهذه المقابلة التي أجرتها «لها» مع قاسم عليوة هي آخر حوار يُجْريه قبل رحيله. فقد قمنا بزيارة استكشافية لمكتبة الراحل، وجئنا بالاعترافات الاتية:
- كيف تكونت مكتبتك؟
البداية كانت مع مجلة «سندباد» التي أبدعها الفنان بيكار. اهتم أبي بشرائها لي منذ كان عمري سبع سنوات، ومعها كان يشتري لي أحيانـًا قصصاً لكامل الكيلاني، ثم ظهرت في أوائل العام 1956 مجلة «سمير» بشخصياتها الرائعة: «سمير» و«تهته» وفتى الكشافة «باسل»، فتوليتُ أنا أمر شرائها بقروش أبي التي كان يمنحني إياها لهذا الغرض.
- هل استمررت في القراءة ونميت كتبك بعد أن تجاوزت مرحلة الطفولة؟
نعم، أولى قراءاتي الجادة كانت لكتاب توفيق الحكيم «أشعب أمير الطفيليين»، مازلت أذكر لون غلافه الأخضر المذهَّب. قرأته باعتباره كتابًا للنوادر. ثانيتها كانت لكتاب في الفنون التشكيلية لا أذكر عنوانه ولا اسم مؤلفه، لكن رائحة أحباره مازالت تملأ أنفي للآن.
مبكرًا قرأتُ ترجمات مطران لشكسبير (عطيل، مكبث، تاجر البندقية، هملت)، وكتبًا لطه حسين (الأيام، الوعد الحق، مرآة الإسلام، على هامش السيرة، شجرة البؤس، المعذبون في الأرض)، والعقاد (سارة، جورج برنارد شو، بعض العبقريات، الله).
كنتُ أكثر ميلاً إلى طه حسين مني إلى العقاد، لصعوبة لغة الأخير، وقرأتُ أرسطو وأفلاطون.
- جيلك تربى على الكتب الكلاسيكية هل كان لها نصيب في تكوينك؟
متعتي الكبرى منذ بداية تكويني المعرفي، كانت مع كلاسيكيات الأدب الروسي والإنجليزي والفرنسي، ثم تعرفتُ إلى الأدبين الإسباني والإيطالي فالهندي.
في المسرح كان انبهاري الأعظم بثلاثة بالإضافة إلى شكسبير: سترندبرج ويوجين أونيل وبريخت، وتنقلتُ بين علمي النفس والاجتماع ، ثم تحولتُ إلى الفلسفة.
ابن رشد والغزالي لفتا انتباهي بصراعهما حول التهافت. ومع قراءاتي لسارتر وعنه، فرحتُ بعثوري على كتاب «هكذا تكلم زرادشت» لنيتشه، قبل أن أتعرف إلى هيجل وأقرأ للنقيضين ماركس وبرغسون.
- أعلم أن مكتبتك الحالية ليست الأولى فما قصة الحريق الذي شب فيها؟
كنتُ فرحًا سعيدًا بالمكتبة الضخمة التي كونتها في سن مبكرة، في أسرة لم يمتلك أي من أفرادها مكتبة مماثلة، إلى أن وقعتْ الفاجعة عندما اعتقلني السادات لأسباب ثقافية وسياسية في الشهر الأخير من عام 1974. هي فاجعة بحق، كاد نبؤها يقتلني عقب الإفراج عني، فمن فرط خوف أهلي عليّ، ومن رعبهم من المخبر الرابض أمام المنزل، أخذوا ينقلون كتبي في حقائب إلى الحمَّام، ثم يمزقونها ويسكبون عليها الكيروسين ويحرقونها ويدسون الرماد في المرحاض ويضغطون على صندوق الطرد. عشرة أيام بلياليها ظلوا يمارسون عملية الحرق هذه حتى سُدَّت أنابيب الصرف. كدتُ أموت لمَّا علمتُ. أفقدتني هذه المحرقة أصول أغلب أعمالي وما أكثر تنوعها وقتذاك: مسرحيات، روايات، قصص، قصائد البدايات، تمثيليات إذاعية، مقالات، رسائل ومذكرات. قليل القليل ما تمكنت زوجتي من إنقاذه.
- كيف كونت المكتبة الحالية؟
بتحفيز من الروائي فؤاد حجازي وإمدادات من المرحوم الشاعر محمد يوسف، تمكنتُ من تكوين الطوْر الثاني من مكتبتي. بطيئـًا بطيئـًا أعدتُ تكوينها.
الآن أمتلك مكتبة زاخرة تقارب العشرين ألف عنوان أو تتجاوزها، وهي موزعة بين التراث العربي والمصري القديم، والكلاسيكيات الهندية والفارسية واليونانية، وعيون الأدب الأوروبي والكتب الحديثة والمعاصرة، عربية وأجنبية مترجمة، ومع أن للكتب السياسية وجودها الأصيل في مكتبتي، فقد زادت أعداد هذه الكتب وتنوعت بعد ثورات الربيع العربي، وفي القلب منها ثورة 25 يناير 2011 المصرية.
- لك أصدقاء كثيرون من الأدباء والمثقفين، خاصة في محافظتك بورسعيد هل تسمح لهم بالاستعارة من مكتبتك؟
في الماضي كنتُ أعيرُ الكتاب فلا يعود، وعندما أُلح على استعادته أواجه بالمقولة التي طالما برَّرَت سرقات الكتب «الكتاب لمن يقرأه». الآن أحاول إهداء بعض مؤلفاتي فيرفض المُهْدَى إليهم ويطلبون إما أمهات بعينها وإلا فلا.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024