تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

عطور وماكياج وملابس خداع النساء بشعار: منتجاتنا شرعية!

د. محمد رأفت عثمان

د. محمد رأفت عثمان

د. عبد الرحمن العدوي

د. عبد الرحمن العدوي

الدكتورة عزة كريم

الدكتورة عزة كريم

د. عبلة الكحلاوي

د. عبلة الكحلاوي

د. عفاف النجار

د. عفاف النجار

د. سعاد صالح

د. سعاد صالح

«منتجاتنا شرعية، المايوه إسلامي، العطر حسب الشريعة، الماكياج طبقاً للمواصفات الدينية»... هذه الشعارات يرفعها بعض التجار الآن وتجد إقبالاً من بعض النساء ممن يردن التزين في إطار الشرع، لكن هل يوجد شيء اسمه منتج شرعي أم أنها حيلة لخداع النساء وتحقيق مكاسب مادية؟ «لها» سألت علماء الدين، فماذا قالوا؟


توضح الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن «من الواجب على المرأة التزام تعاليم دينها ومعرفة الحلال وتنفيذه، وكذلك معرفة الحرام وتجنبه. ولا شك أن ستر العورة الذي يتم من خلال الملابس الشرعية، ومنها ما يطلق عليه «المايوه الشرعي» باعتباره اللباس الإسلامي للسباحة خشية انكشاف شيء من جسدها عدا الوجه والكفين، أمر طيب حتى لو استفاد منه رجال الأعمال».

وشككت الدكتورة عبلة في مشروعية ما يطلق عليه «المانيكير الشرعي»، قائلة: «لا أتصور وجود مانيكير ولا تمثل مادته فاصلاً فوق الأظافر مهما كانت رقته أو سمكه، لأنه في النهاية يمنع وصول الماء إلى الأظافر الطبيعية، وبالتالي لا يجوز الوضوء به، وإذا توضأت المرأة وصلت به تكون صلاتها باطلة. ولهذا ينبغي ألا تنخدع المرأة بمسمى إسلامي أو شرعي ويكون في حقيقته مانعاً من أداء فروض الدين، كالصلاة التي لا تجوز في ظل وجود المانيكير».
وأنهت كلامها مؤكدة أن «العطر الشرعي»، كما يطلق عليه، يشترط فيه ألا يكون برائحة نفاذة يشمها الرجال، فهل تتوافر هذه الصفة فيه؟ فإذا لم تتوافر فكيف يكون عطراً إلا إذا كان أقرب ما يكون إلى مزيل رائحة العرق؟ أما إذا وجدت الرائحة فهو حرام لوجود نصوص شرعية تنهى عن تعطر المرأة، حتى لا يشم رائحتها الرجال وتفتنهم.


وسطية

تشير الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، إلى أن الإسلام دين يسر لا عسر، حيث قال تعالى: « يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...» آية 185 سورة البقرة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا». من هنا فالإسلام ضد التشدد من جهة وضد التهاون أو التفريط من جهة أخرى، وهنا تبرز عظمة الدين في وسطيته في كل شيء، ومنها الأمور المتعلقة بالمرأة ومن ضمنها ما يحمل لقب «شرعي»، كالمايوه والعطر والمانيكير وغيرها مما تستعمله المرأة.

وأضافت: «العبرة في الإسلام ليست في المسميات، وإنما في المقاصد والغايات والأهداف التي يمكن تحقيقها من خلال استخدام تلك الأشياء التي تحمل لقب «شرعي»، فإذا حقق المايوه الستر للجسد عدا الوجه والكفين؛ وليس جعله نقاباً أخذاً بفتاوى فرضية الحجاب، فلا مانع منه شرعاً، وخاصة أنني رأيت من ترتديه ويتميز بأنه ذو رقبة عالية وأكمام طويلة وتنورة صغيرة وسروال طويل وغطاء للرأس مضاد للماء، ولهذا فهو يرفع الحرج عن المحجبات اللواتي أقبلن عليه بشكل متزايد، وخاصةً أنه بألوان مختلفة وتصاميم مبتكرة ومتوافر في غالبية الدول العربية».
وفي رأي جريء حول العطر الشرعي، قالت صالح: «أخالف من يحرّمون قطعياً تعطّر المرأة، حتى ولو كانت رائحة عرقها منفرة أو أنها تمضي في العمل فترات طويلة وتتصبب عرقاً في الصيف مثلاً، فأرى أنه لا مانع شرعاً من تعطرها بشرط ألا تسرف في التعطر ليصبح غاية في حد ذاته وليس مخرجاً من مشكلة رائحة العرق. وبالتالي لا مانع من العطر الخفيف غير النفاذ الرائحة، لأنه كما يقولون «الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده»، فيتحول العطر من المباح إلى المحرم إذا زاد من الرائحة الخفيفة إلى النفاذة والكثيفة».

وعن المانيكير الشرعي ترى أن العبرة ليست بالمسمى، لكن بالواقع، «فإذا كان عبارة عن طبقة رقيقة جداً تمنع وصول الماء إلى الأظافر فهو ليس بشرعي ولا إسلامي، حتى ولو كان لا يغير لون الأظافر، كأن يكون مادة شفافة».
وأنهت الدكتورة سعاد كلامها بالتأكيد أن الترويح عن النفس في الإسلام ومواكبة العصر بلا معصية أمر مطلوب، لأنه ليست هناك عبادة متواصلة طوال الحياة، ولهذا قال تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» آية 32 سورة الأعراف.


الهدف

أشار الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، إلى أن معظم المستلزمات النسائية التي تحمل لقب «شرعي» هدفها ربح التجار أولاً وأخيراً والشرع بريء منها، وقد لجأ التجار إلى هذا المسمى استجابة لمبدأ «الزبون عايز كده»، بدليل أن غالبية هذه المستلزمات صناعة صينية ويصنّعها أشخاص هدفهم الأول والأخير الربح التجاري واستثمار احتياجات المسلمات، بعد دراسة المجتمعات العربية والإسلامية وإلباسها عباءة الدين، ليتم الإقبال الشديد على شرائها.
ويحذر عثمان النساء من الانخداع بكل ما يحمل اسم «شرعي أو إسلامي» وقد لا يكون « شرعياً ولا إسلامياً»، وإنما تم إطلاق التسمية للخداع والتحايل، ومن يفعل ذلك من التجار ورجال الأعمال وإنما هو من الغشاشين والمخادعين، الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، مخالفين بذلك تعاليم الإسلام، حيث قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إن اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً» الآيتان 29-30 سورة النساء. وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا».

واستشهد على صحة كلامه بأن كثيراً من النساء الملتزمات أكدن أن ما يطلق عليه «المايوه الإسلامي» لا يلبي شروط الزي الشرعي، لأنه بمجرد نزول المرأة إلى الماء يلتصق بجسدها ويجسمه بمجرد البلل، وبالتالي يفقد أهم الشروط الأساسية في أي زي إسلامي وهو ألا يصف، ومن ثم فهو تقليعة تجارية جديدة لحق به العطر والمانيكير وغيرهما مما تحتاجه المرأة لتحقيق مكاسب مادية وليس خدمة للدين أو رفع الحرج عن النساء.
وأنهى الدكتور رأفت كلامه بدعوة النساء إلى اتقاء الشبهات والخداع الذي يمارسه رجال الأعمال والتجار، مستغلين الحاجة الفطرية في المرأة إلى التزين والتعطر والترفيه، وضرورة اليقين بأن ما عند الله أفضل من الوقوع في شبهة الحرام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه».


البحث عن بديل

 تطالب الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، بالابتعاد عن التحايل في مسميات المستلزمات النسائية، حتى يتم الابتعاد عن الشبهات لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». وبدلاً من البحث مثلاً في مواصفات المايوه الشرعي ومدى توافقه مع الزى الإسلامي أم لا، فيمكن الخروج من المأزق بتخصيص شواطئ للنساء ليأخذن حقهن في الاستمتاع بالماء بعيداً عن عيون الرجال.

وحذرت النجار النساء من الانخداع بالمسميات، حتى أنه يقال إن «المايوهات الشرعية»، التي تصنعها الصين أو غيرها من الدول، يصل سعر بعض أنواعها إلى أكثر من 500 جنيه، بسبب شدة الإقبال عليها لمجرد أنها تحمل مسمى «المايوه الشرعي»، ونفس الوضع يتكرر مع العطور والمانيكير وغيرهما مما تحتاجه المرأة بشكل دائم أو موقت أو موسمي.
وأشارت إلى وجود شبهة في استخدام هذه المنتجات، حتى لو حملت مسمى «إسلامي أو شرعي» ولهذا فمن الأفضل الابتعاد عن كل ما فيه شبهة، والتمسك بما اتفق عليه العلماء في الملبس والتعطر والتزين، لقول رسـول الله صلى الله عـليه وسلم: «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».


لا يصح

يعترض الدكتور عبد الرحمن العدوي، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، على إطلاق تسمية «شرعي أو إسلامي» على أي شيء، ويراه نوعاً من إقحام الدين في كل شيء لخداع النساء. فمثلاً إذا كان اللباس الذي ترتديه المرأة على البحر شرعياً، فلا يصح أن نصفه بكلمة «شرعي أو إسلامي»، لأن لفظ «المايوه» يرتبط في الأذهان أصلاً بزي غير شرعي، فكيف نجمع بينهما في تسمية واحدة؟
ودعا منتجي هذه المستلزمات النسائية إلى البحث عن مسميات أخرى لمنتجاتهم، لأن وصف كل شيء بـ«الإسلامي أو الشرعي» فيه امتهان لكلمة إسلام أو الشرع، مما يجعل الترويج لهذه المنتجات باستخدام هذا الوصف محاولة للتجارة بآيات الله الذي نهى عن ذلك بقوله: «اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» آية 9 سورة التوبة.


استغلال

تفسر الدكتورة عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية، الظاهرة قائلة: «تتصف المجتمعات العربية والإسلامية بوجه عام بحرصها على التدين في المظهر من خلال الملبس والمشرب والمأكل والتزين، لهذا فإن من يطلق على منتجه مصطلح «إسلامي أو شرعي» غالباً ما يجد الثقة والرواج عن غيره، لأنه يتوافق مع تلك الفطرة المتدينة لشعوبنا، رغم أنها تعاني من الأمية الدينية أو نقص الوعي الديني على أحسن تقدير، ولهذا يسهل خداعها باسم الدين».


الفطرة النفسية

عن تحليل علم النفس للقضية تؤكد الدكتورة عزة سليمان، أستاذة علم النفس في كلية البنات جامعة عين شمس، أن علماء النفس في العالم كله يؤكدون أن المرأة تميل بفطرتها إلى إظهار تفوقها الجمالي منذ مرحلة مبكرة من حياتها، وأن لذلك أثره الكبير على سلوكها فى الواقع. وقد احترم الإسلام الحب الفطري النسائي للزينة والاهتمام، لأن كل أنثى مولعة بأن تكون جميلة، وتعمل على أن تبدو كذلك بكل وسائل الزينة التي تختلف من عصر إلى آخر، بأن أباح لها الرغبة في تحصيل الجمال من خلال ضوابط شرعية، بأن يكون ذلك أمام المحارم أو زوجها. وأباح لها تعلُم كل المهارات المطلوبة للزينة، من اختيار الملابس وشكل الشعر والماكياج والصحة الشخصية والنظافة وغيرها، لتحقيق السعادة النفسية لها كفتاة قبل الزواج أو كزوجة بعد الزواج.
وأشارت الدكتورة عزة إلى أن «التجار ورجال الأعمال، بما لديهم من دراية بنفسية نساء شعوبنا المتدينة بطبعها، يسعون إلى تحقيق أرباحهم من خلال استثمار العوامل النفسية الفطرية والاجتماعية، بإطلاق لفظ «إسلامي أو شرعي» على منتجاتهم لخداع النساء البسيطات اللواتي لا يعلمن من أمور دينهن الكثير ويكتفين باللافتة التي يحملها المنتج بأنه إسلامي، حتى ولو كان في حقيقته غير ذلك».

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080